أثر تغير الاجتهاد القضائي دون تغير نص القانون على صحة الإجراءات

تنص المادة 207 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه ” 1- تقدم لائحة الاستئناف مرفقا بها عدد من النسخ بقدر عدد المستأنف عليهم إلى قلم المحكمة الاستئنافية المختصة”.

وقد مرّ تفسير هذا النص لدى محكمة النقض بثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى: في بداية تطبيق قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية لسنة 2001، حيث قررت محكمة النقض أن المادة 207 من قانون الأصول تنص على تقديم لائحة الاستئناف لقلم محكمة الاستئناف؛ ولم يرد في القانون ما يجيز تقديمه لقلم المحكمة التي أصدرت الحكم لذلك قررت رد الطعن في حكم محكمة الاستئناف الذي قرر رد الاستئناف شكلا لأنه مقدم بعد المدة القانونية، كما في:

نقض مدني رقم 4/2005 تاريخ 23/3/2005

الوقائع:

  • أصدرت محكمة صلح سلفيت حكمها في الدعوى الصلحية رقم 34/2001 بتاريخ 3/9/2003.
  • قدم المستأنف الطعن بالاستئناف لمحكمة صلح سلفيت بتاريخ 16/9/2003، لكنه ورد لقلم محكمة بداية نابلس بصفتها الاستئنافية بتاريخ 15/10/2003.
  • قررت محكمة البداية الاستئنافية رد الاستئناف شكلا لأنه مقدم بعد مضي المدة القانونية.
  • طعن في هذا الحكم بالنقض.
  • قررت محكمة النقض:

إن المادة 207 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية تنص على تقديم لائحة الاستئناف لقلم محكمة الاستئناف؛ ولم يرد في القانون ما يجيز تقديمه لقلم محكمة الصلح التي أصدرت الحكم على خلاف ما هو حاصل بالنسبة للطعن بالنقض حيث تنص المادة 229 من القانون المذكور على تقديم لائحة الطعن بالنقض لدى قلم محكمة النقض أو قلم المحكمة التي أصدرت الحكم المعترض عليه.

وحيث إن الطاعن لم يتقدم بأي معذرة لمحكمة البداية بصفتها الاستئنافية تشعر بالعذر القاهر وعدم تمكنه من الوصول لمحكمة البداية الاستئنافية فإن ما تمسك به المذكور في البند الثاني من لائحة الطعن يعوزه الدليل. قررت المحكمة رد الطعن.

المرحلة الثانية: بداية عام 2006 حيثقررت محكمة النقض أن المادة 207 تتضمن قاعدة تنظيمية كوسيلة لتقديم لائحة الاستئناف وأنه إجراء شكلي لا يترتب عليه بطلان والقول بغير ذلك فيه إغراق في الشكلية. ومن ذلك:

نقض مدني رقم 175/2005 تاريخ 16/4/2006

( 170/2005، 172/2005، 250/2005 )

إن تقديم لائحة الاستئناف لقلم المحكمة مصدرة الحكم المستأنف لا لقلم المحكمة الاستئنافية المختصة يتعلق بالوسيلة التي قررها القانون لمباشرة العمل الإجرائي (الطعن بالاستئناف)، وبالتالي فإنه يتعلق بعيب شكلي تنظيمي للخصومة الاستئنافية وليس من شأن هذا العيب أن ينحدر بالعمل الإجرائي إلى درجة البطلان سيما أن المشرع لم يرتب البطلان على أمر كهذا وأن لا بطلان دون نص أو مظلمة فضلا على أن الإغراق في الشكلية والمغالاة فيها خروج بالنص عن غاية المشرع وفلسفة التشريع وتحميله أكثر مما يحتمل وفي ذلك ضياع للحقوق.

نقض مدني رقم 191/2005 تاريخ 25/4/2006

الوقائع:

  • أصدرت محكمة بداية أريحا حكمها بتاريخ 15/3/2005.
  • قدم الاستئناف لدى قلم محكمة بداية أريحا بتاريخ 14/4/2005.
  • ورد الطعن إلى قلم محكمة الاستئناف برام الله بتاريخ 23/4/2005.
  • قررت محكمة الاستئناف بتاريخ 29/5/2005 رد الاستئناف شكلا.
  • طعن في حكم محكمة الاستئناف لدى محكمة النقض.
  • قررت محكمة النقض: إن من مستلزمات تطبيق النص عدم تجريده من غاياته وأهدافه، ذلك أن المشرع هدف من نص المادة 207/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وضع قاعدة تنظيمية كتحديد الوسيلة لتقديم الطعن الاستئنافي ولم يرتب على مخالفة تلك الوسيلة البطلان. ومن المتفق عليه فقها وقضاء بأن العيب إما أن يكون موضوعيا أو شكليا، فإذا مس العيب قاعدة موضوعية اعتبر عيبا موضوعيا في حين أنه إذا مس قاعدة شكلية اعتبر عيبا شكليا؛ وفي العيوب الشكلية بشكل عام لا بطلان بدون نص أو مظلمة، ولم كان أمرا كهذا لم يتوفر؛ ولما كان الطاعن قد تقدم باستئنافه خلال المدة القانونية بإيداعه قلم المحكمة مصدرة الحكم المستأنف، ولما كان أمرا كهذا ليس من شأنه أن يرتب بطلانا وفق ما تم بيانه ناهيك عن ضرورة الابتعاد عن الشكليات غير المبررة والتي من شأنها أن تمس جوهر العدالة، فإن الاستئناف يغدو والحالة هذه قدم خلال المدة القانونية مما يستوجب قبول الطعن ونقض الحكم الطعين.

وكذلك نقض مدني رقم 91/2008، 107/2008، 108/2008، تاريخ 25/5/2008. 86/2008 تاريخ 28/5/2008، 37/2008، 76/2008 تاريخ 16/10/2008. وغيرها.

المرحلة الثالثة: عام 2017، حيث أصدرت المحكمة العليا بهيئتها العامة حكمها بتاريخ 6/2/2017 بأن نص المادة 207/1 هو نص آمر أوجب أن يكون تقديم لائحة الاستئناف لقلم محكمة الاستئناف حصرا، وأن تقديمها لقلم المحكمة التي أصدرت الحكم يرتب البطلان ويوصد الباب أمام محكمة الاستئناف لنظرها، وهو ما أشارت إليه أحكام النقض التي صدرت بعد هذا التاريخ ومنها:

نقض مدني رقم 983/2014 تاريخ 30/1/2019

إبتداء نشير الى ان لائحة الطعن الإستئنافي جرى تقديمها بتاريخ 29/4/2012 لقلم بداية نابلس وتم توريدها الى قلم محكمة الإستئناف / رام الله بتاريخ 3/5/2012.

ولما كان ذلك وكانت الماده 207/1 من قانون اصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 المعدل والتي اتت بنص آمر اوجبت ان يكون تقديم الطعن الإستئنافي الى قلم محكمة الاستئناف المختصه ليكون اتصال محكمة الإستئناف مع الطعن الإستئنافي اتصالاً قانونياً وبأن تقديم الطعن الاستئنافي الى قلم غير قلم محكمة الاستئناف المختصه يجعل إتصال محكمة الإستئناف موصداُ وينحدر به الى البطلان الذي لا يرتب اثراً وهذا ما ذهب اليه الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا بهيئتها العامه في الحكم الصادر في الطلبين 7و9/2017 بتاريخ 6/2/2017.

هذا وبانزال حكم ما سلف ذكره على الواقعه الثابته في الدعوى سالفة الاشاره.

وحيث ان تقديم الطعن الاستئنافي الى قلم بداية نابلس بدلاً من تقديمه الى محكمة استئناف رام الله يجعل الطريق موصداً امام هذه المحكمة بالاتصال في الطعن الاستئناف.

وحيث لن مؤدى ذلك ولازمه بطلان هذا الاتصال الذي يستتبع معه عدم القبول.

وحيث ان محكمة الاستئناف نهجت نهجاً مغايراً بقبولها للطعن الإستئنافي وبالتالي بحثه من حيث الموضوع.

الامر الذي يجعل من حكمها محل الطعن الماثل معيباً وهذا العيب يستلزم معه اعلان عيب الاجراءات التي ينسحب عليها البطلان ايضاً لان ما بني على باطل فهو باطل.

وعليه ولكا ما تقدم ودونما حاجه لبحث أسباب الطعن تقرر محكمة النقض نقض الحكم المطعون فيه لعلة البطلان وكذلك اعلان بطلان الاجراءات التي تلت تقديم لائحة الاستئناف وحيث ان الدعوى جاهزة للفصل فيها تقرر المحكمة عدم قبول الطعن الاستئنافي وتضمين المستأنف الرسوم والمصاريف ومئة دينار اتعاب محاماه. ( ملاحظة: تم نقل النص حرفيا بما فيه الغلط في الطباعة).

(وكذلك نقض مدني رقم 947/2016 تاريخ 27/1/2029، حيث قدمت لائحة الاستئناف إلى محكمة بداية نابلس بتاريخ 30/11/2014 وجرى توريدها إلى محكمة استئناف رام الله في 15/12/2014. ونقض مدني رقم 673/2017 تاريخ 21/1/2019).

ورغم عدم اطلاعنا على حكم الهيئة العامة للمحكمة العليا المشار إليه في أحكام النقض التالية لصدوره، فإن ما ورد في هذه الأحكام كاف للتعليق عليها، وفي ذلك نورد الملاحظات التالية:

أولا: نظم قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية مسألة بطلان الإجراءات في المادة 23 منه حيث نصت على أنه:

  1. يكون الإجراء باطلا إذا نص القانون صراحة على بطلانه، أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء.
  2. لا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء.

ثانيا: لم تنص المادة 207/1 محل التعليق على وجوب تقديم لائحة الاستئناف إلى قلم محكمة الاستئناف مباشرة وحصرا، ولم تنص على البطلان صراحة في حال تقديمها بطريق غير مباشر من خلال المحكمة التي أصدرت الحكم. وإنما كانت الغاية من هذه الفقرة بيان أن يرفق بلائحة الاستئناف عدد من النسخ بقدر عدد المستأنف عليهم. كما نصت الفقرة الثانية منها على إرفاق صورة مصدقة عن الحكم أو القرار المستأنف.

ثالثا: لا يوجد في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية ما يشير من قريب أو بعيد أن على محكمة الاستئناف أن تبحث وتتحرى عن طريقة وصول لائحة الاستئناف إلى قلم المحكمة، وكل ما هو واجب عليها أن تتأكد من أن لائحة الاستئناف قدمت لقلم المحكمة خلال المدة القانونية لغايات قبول الاستئناف شكلا. فالعبرة هي بوصول لائحة الاستئناف إلى قلم محكمة الاستئناف خلال المدة القانونية لا بطريقة وصولها إليه.

رابعا: تتبع أحكام محكمة النقض يؤكد أن المحكمة قد جرت منذ عام 2006 حتى عام 2017 على أن تقديم لائحة الاستئناف لدى قلم المحكمة مصدرة الحكم المستأنف هو إجراء صحيح لا بطلان فيه. وهذه المدة الطويلة كافية للقول بأن المحكمة قد استقرت على ذلك، وأن تقديم المستأنفين لوائح استئنافاتهم بناء على ذلك هو إجراء صحيح وقبول محكمة الاستئناف لها شكلا موافق للقانون. عملا بالمادة الأولى فقرة 2 من قانون أصول المحاكمات التي نصت على أن (كل إجراء تم صحيحا في ظل قانون معمول به يبقى صحيحا ما لم ينص القانوني على خلاف ذلك).

خامسا: اجتهاد الهيئة العامة للمحكمة العليا الصادر بتاريخ 6/2/2017، رغم كونه منتقدا، يفترض أن لا يسري إلا على لوائح الاستئناف التي تقدم بعد صدوره وليس بأثر رجعي على الاستئنافات التي قدمت قبل ذلك وفق الاجتهاد المستقر السابق لمحكمة النقض. وقيام هيئات محكمة النقض بتطبيق هذا الاجتهاد على الاستئنافات السابقة فيه إجحاف بحق الطاعنين وإنكار للعدالة، خاصة وأن المحكمة قد تأخرت في الفصل في طعونهم سنوات بعد تقديمها، ولو فصلت فيها في وقت مناسب لما ترتب على ذلك خسران الطاعنين لطعونهم لهذا السبب الذي لم يكن موجودا وقت تقديم تلك الطعون.

ويبقى السؤال الكبير والجوهري: من هو المسئول عن الضرر الذي لحق بالطاعنين الذين ركنوا لاجتهاد محكمة النقض وتفسيرها الصحيح لنص المادة 207/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، وفوجئوا برد طعونهم بعد سنوات طويلة لأن المحكمة عدلت عن اجتهادها السابق في تفسير هذه المادة؟ وما مصير الطعون الأخرى التي لم يتم الفصل فيها بعد؟