الباب الثالث – الأوراق التجارية

تعريف الأوراق التجارية

يمكن تعريف الأوراق التجارية بأنها صكوك مكتوبة وفقاً لشروط قانونية محددة، قابلة للتداول بالطرق التجارية ، وتمثل حقاً موضوعه مبلغ من النقود يستحق الوفاء بمجرد الاطلاع أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين .

وظائف الورقة التجارية

تقوم الأوراق التجارية بوظائف ثلاثة ، فهي تغني عن نقل النقود من مكان إلى آخر ، وتعد أداة وفاء ، كما تعد أداة ائتمان .

1) الأوراق التجارية تغني عن نقل النقود :

بدل أن يحمل الإنسان نقوده معه كلما سافر أو عقد صفقة في مكان بعيد عن محل إقامته ، وتعرضه لضياعها أو سرقتها، يمكن أن يستخدم الأوراق التجارية في نقل النقود ، وقد قلت هذه الوظيفة في الوقت الحاضر بسبب ظهور وسائل قانونية أخرى تقوم بذات الوظيفة كالحوالات البريدية والمصرفية ، وخطاب الاعتماد ، وبطاقة الائتمان .

2) الأوراق التجارية أداة وفاء :

تستخدم الأوراق التجارية في تسوية الديون التي نشأت في الأصل بين الساحب والمستفيد ، أو بين الساحب والمسحوب عليه . كما يستخدمها المستفيد في الوفاء بما عليه من ديون ، ويمكن تظهيرها عدة مرات قبل الوفاء بقيمتها في ميعاد الاستحقاق إلى الحامل الأخير .

وبذلك يتم تسوية علاقات قانونية متعددة بعملية وفاء واحدة . فالوفاء النقدي بقيمة الورقة التجارية لا يقع إلا مرة واحدة في تاريخ الاستحقاق إلى الحامل الأخير ، ولكنه يترتب عليه انقضاء جميع الديون السابقة التي استخدمت الورقة للوفاء بها ، فينقضي دين المستفيد الأول عند محرر السند ، ودين المظهر إليه عند المستفيد الأول ، ودين كل من ظهر إليه السند عند من ظهره له .

مثال : (أ) مدين لـ (ب) بمبلغ ألف دينار ، وبدل أن يدفع له المبلغ نقداً يحرر له شيكاً بالمبلغ مسحوباً على حسابه في البنك . ويقوم (ب) بتظهير المبلغ إلى (جـ) للوفاء بدين له عليه ، ويظهره (جـ) إلى (د) وهذا يظهره إلى (هـ) … وهكذا . ويترتب على الوفاء بقيمة الشيك إلى الحامل الأخير تسوية ثلاثة أو أربعة علاقات قانونية أو أكثر دفعة واحدة بعملية وفاء واحدة من جانب المسحوب عليه .

وقيام الأوراق التجارية بهذه الوظيفة منوط بما يتوفر في الموقعين عليها من دواعي الثقة ، لذا يجب عدم المبالغة في أهميتها لأنها لا يمكن أن تغني عن النقود كلية، فالنقود لازمة للوفاء بقيمة الأوراق التجارية . فاعتبار الورقة التجارية أداة وفاء لا يعني أن سحب الورقة أو تحريرها يساوي الوفاء ، لأن أداة الوفاء شيء ، ووقوع الوفاء بالفعل شيء آخر . كما أن الضمانات التي تحملها الورقة التجارية على كثرتها أحياناً ، ربما تقف عاجزة عن الوفاء في بعض الأحيان ، كما إذا أفلس ساحب الورقة أو المدين بها قبل الوفاء بقيمتها .

3) الأوراق التجارية أداة ائتمان :

يمثل الأجل في المعاملات التجارية أهمية كبيرة ، فتاجر الجملة الذي يحصل على البضاعة من المصنع يحتاج إلى مهلة للوفاء بقيمة البضائع حتى يستطيع توزيعها على تجار التجزئة ، وتاجر التجزئة يحتاج إلى مهلة للوفاء بقيمة البضائع حتى يتم بيعها إلى العملاء .

وتعد الأوراق التجارية المتضمنة أجلاً للوفاء وسيلة الائتمان التي تقوم عليها المعاملات التجارية، إذ تمكن المدين من الاستفادة من الأجل الممنوح له دون حاجة إلى أن يرصد أموالاً أو بضائع على سبيل الضمان ، أي أن المستفيد فيها يأتمن ساحبها أو محررها – نظرياً على الأقل – حتى ميعاد استحقاقها ، فإذا قبل البائع الحصول على الثمن بواسطة ورقة تجارية مستحقة الوفاء بعد ثلاثة أشهر ، فإن ذلك يعني أن البائع قد منح المشتري ائتماناً لمدة ثلاثة أشهر .

ويؤثر الدائن الشيك على أية ورقة تجارية أخرى . نظراً للجزاء الجنائي الذي يتعرض له ساحب الشيك إذا لم يكن لدى المسحوب عليه رصيد دائن يعادل قيمة الشيك.

الفرق بين الأوراق التجارية والأوراق النقدية

على الرغم من أن الأوراق التجارية تؤدي وظيفة النقود ، وأن الأوراق النقدية تتوفر على خصائص الأوراق التجارية ، إلا أن هناك فوارق كبيرة بينهما منها :

  1. الأوراق النقدية تصدرها الدولة في فئات متتابعة الأرقام متساوية القيمة ، في حين إن الأوراق التجارية يحررها الأفراد بمناسبة عملية قانونية معينة كتوريد بضائع أو أداء خدمة ما ، وهي تختلف من ورقة لأخرى سواء من حيث أشخاصها أم مبلغها .
  2. الأوراق النقدية تضمنها الدولة وتتمتع بقوة إبراء مطلقة من الدين ، بينما لا يترتب على تسليم الأوراق التجارية إبراء ذمة المدين إلا عند الوفاء بقيمتها فهي مرتبطة بمقابل الوفاء الذي يتوقف وجوده على حالة الساحب .
  3. يجبر الأفراد على قبول الأوراق النقدية في الوفاء ولا يجوز لهم رفضها، بينما من الجائز للأفراد رفض قبول الأوراق التجارية كوسيلة للوفاء واشتراط الوفاء نقداً .
  4. يجوز اشتراط الفائدة في بعض أنواع الأوراق التجارية بنسبة المبلغ الذي تتضمنه، بينما لا يمكن اشتراط الفائدة في الأوراق النقدية .
  5. تمثل النقود بطبيعتها قيمة حاضرة أي مستحقة الأداء في أي وقت ، بمعنى أن قيمتها غير محددة بوقت معين ولا تتقادم الحقوق الثابتة فيها إلا إذا صدر قانون بإبطال التعامل بها . أما الورقة التجارية فإن الحق الثابت فيها يتقادم بأجل قصير.

النظام القانوني للأوراق التجارية

وضع المشرع مجموعة قواعد تنظم الأوراق التجارية من حيث إنشاء الورقة ، وتداولها وضمانها ، والوفاء بقيمتها ، والإجراءات الواجب اتباعها في حالة الامتناع عن الوفاء ، وتقادم الدعاوى بشأنها … الخ .

فنظراً لأهمية الأوراق التجارية في المعاملات التجارية ، حرص المشرع على وضع نصوص خاصة تحكمها، بهدف تسهيل قيام الورقة التجارية بوظائفها على وجه السرعة، وأهم هذه القواعد هي:

1)الشكلية :

اشترط المشرع أن تكتب الورقة التجارية في محرر ، وان تشتمل على بيانات معينة واردة في القانون ، وهي بيانات تختلف باختلاف نوع الورقة . وبين جزاء خلو الورقة من بعض هذه البيانات ، بحيث تفقد صفتها كورقة تجارية وتصبح ورقة عادية تخضع لحكم القانون المدني . وسوف نبين ذلك بالتفصيل عند الكلام في إنشاء الورقة التجارية .

2)مبدأ استقلال التوقيعات :

يعني هذا المبدأ أن كل من وقع على الورقة التجارية يكون ملتزماً بوفاء قيمتها متى امتنع المدين الأصلي عن ذلك ، ويكون التزامه هذا قائماً بذاته ومستقلاً عن التزامات غيره من الموقعين . فإذا شاب التزام أحد الموقعين على الورقة التجارية عيب لنقص أهليته أو لعيب في رضائه ، أو حتى لتزوير توقيعه أو لعدم مشروعية سبب التزامه ، فإن هذا العيب يقتصر على الالتزام المذكور ولا يؤثر على التزامات باقي الموقعين على السند، ولو كان هذا العيب يلحق التزام منشئ الورقة نفسه ، لأن كل توقيع على الورقة التجارية مستقل عن الآخر .

3)التشدد في معاملة المدين رعاية لحقوق الحامل :

تشدد القانون في معاملة المدين في الورقة التجارية رعاية لحقوق الحامل وتقوية ضماناته في الحصول على حقه الثابت في الورقة التجارية . ومن الضمانات التي رعى بها المشرع الحامل إضافة إلى تطهير الدفوع إذا كان حسن النية ، تقرير مسؤولية المظهرين عن الوفاء بقيمة الورقة التجارية على وجه التضامن ، وعدم جواز منح مهلة قضائية للمدين لدفع قيمة الورقة التجارية ، وسريان الفوائد القانونية من تاريخ تحرير الاحتجاج بعدم الدفع وليس من تاريخ المطالبة القضائية كما تقضي القواعد العامة ، وعدم جواز المعارضة في الوفاء بقيمة الورقة إلا في أحوال استثنائية، وتمليك الحامل مقابل الوفاء ، ومنحه حق توقيع الحجز التحفظي على منقولات المدين.

4)إقامة التوازن بين حق الحامل والتزام الضامنين :

في الوقت الذي تشدد فيه المشرع في معاملة الملتزمين بالورقة التجارية حماية لحقوق الحامل حسن النية ، فإنه عمل في الوقت ذاته على إقامة التوازن بين حقوق الحامل والتزام الضامنين في الورقة . فألزم الحامل بتقديم الورقة التجارية للوفاء في يوم استحقاقها ، وبتحرير احتجاج عدم الدفع في مواعيد قصيرة ، وإخطار الساحب ومن ظهر له السند بعدم قبوله من المسحوب عليه أو عدم الوفاء بقيمته ، وإذا تخلف عن القيام بذلك اعتبر حاملاً مهملاً يسقط حقه في الرجوع على الضامنين ولا يبقى له سوى الرجوع على المدين الأصلي في الورقة التجارية . وفرض على الحامل قبول الوفاء الجزئي على خلاف ما تقضي به القواعد العامة ، لأن الوفاء بجزء من قيمة الورقة يبرئ ذمة الضامنين بقدر المبلغ المدفوع . كما جعل مدة التقادم قصيرة بالنسبة للدعاوى التي تنشأ عن الورقة التجارية .

منهج البحث

نظم قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966، سند السحب ، والسند لأمر (الكمبيالة)، والشيك . ولكن دراستنا تقتصر على الشيك باعتباره أكثر الأوراق التجارية تداولا . ونقسم دراستنا إلى أربعة فصول على النحو التالي :

الفصل الأول :إنشاء الشيك .
الفصل الثاني :تداول الشيك .
الفصل الثالث :ضمانات الوفاء بقيمة الشيك .
الفصل الرابع :انقضاء الالتزام الثابت في الشيك .