الضفة الغربية و قانون الاحتلال الحربي

الباب الثالث

قرار مجلس الأمن رقم 242 واثره على السيادة في فلسطين

بعد اندلاع حرب 1967، تمت دعوة مجلس الأمن للتدخل لمنع تفاقم الموقف لأن ذلك يهدد السلم والأمن الدولي. وبعد مداولات شاقة صدر القرار رقم 242 بتاريخ 22 تشرين الثاني – نوفمبر 1967. وقد لا تبدوا لأول وهلة صلة لهذا القرار بموضوع بحثنا، إلا أن التفسير الذي حاول ويحاول الجانب الإسرائيلي إسباغه على القرار، يؤثر على موضوع السيادة حيث يجتزء منها، ذلك أنه يذهب إلى أن القرار لم يتضمن الانسحاب من كافة الأراضي التي احتلت عام 1967 بل من بعضها فقط. ومن هنا كان لابد من تحليل القرار المذكور لمعرفة مدى صحة هذا التفسير، وأثر القرار على السيادة في فلسطين أو على الأقل الجزء الذي احتل منها عام 1967.

نص القرار:

«إن مجلس الأمن إذ يعرب عن قلقه المتواصل بشأن الوضع الخطر في الشرق الأوسط ويؤكد عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام -دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن، وإذ يؤكد أيضا أن جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقا للمادة «2» من الميثاق.

  1. يؤكد أن تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ويستوجب تطبيق كلا المبدأين التاليين:
    1. سحب القوات المسلحة الاسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير (النص الفرنسي يقول من الأراضي المحتلة).
    2. إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد أو أعمال القوة.
  2. ويؤكد أيضا الحاجة إلى:
    1. ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية – الدولية في المنطقة.
    2. تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
    3. ضمان المناعة الاقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
  3. يطلب من الأمين العام تعيين ممثل خاص للذهاب إلى الشرق الأوسط كي يقيم ويجري اتصالات مع الدول المعنية بغية إيجاد اتفاقية، ومساعدة الجهود لتحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفقا لنصوص ولمبادئ هذا القرار.
  4. يطلب من الأمين العام أن يرفع تقريرا إلى مجلس الأمن حول تقدم جهود الممثل الخاص في أقرب وقت ممكن.

ويتضح من نص القرار أانه يتضمن ثلاثة أنواع من القواعد :

النوع الاول: قواعد عامة تؤكد ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة من مبادئ وهي:

  1. عدم جواز الاستيلاء على أراض بالقوة بواسطة الحرب.
  2. حق جميع الدول في العيش بأمن وفي احترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد أو أعمال القوة، التزاما بالمبادئ الواردة في المادة «2» من ميثاق الأمم المتحدة عن المساواة في السيادة بين الدول والامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.

النوع الثاني: قواعد أو نصوص تتضمن تدابير وقتية عملا بصلاحيات مجلس الأمن الواردة في المادة «40» من الميثاق التي تنص على أنه «منعا لتفاقم الموقف، لمجلس الامن، قبل أن يقدم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمراكزهم، وعلى مجلس الامن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه.

وتتمثل التدابير المؤقتة الواردة في القرار رقم 242 في سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير (النص الفرنسي يقول من الأراضي المحتلة).

النوع الثالث: قواعد إجرائية، وتتمثل في:

  1. إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب والتزام الأطراف المتنازعة بالعمل وفقا للمادة (2) من الميثاق وفض منازعاتهم بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضه للخطر (م2 ف3). وقد بينت المادة 33 من الميثاق وسائل حل المنازعات سلميا فنصت على أنه:
    1. يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يتلمسوا حلّه بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤا إلى التوكيلات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.
    2. ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة لذلك».
  2. تعيين ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة للذهاب إلى الشرق الأوسط كي يساعد في الجهود لتحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفقا لمبادئ ونصوص القرار. ورفع تقرير إلى مجلس الأمن حول تقدم جهود الممثل الخاص في أقرب وقت ممكن.
  3. ويدخل ضمن القواعد الإجرائية أيضا ما أكد القرار الحاجة

إليه في سبيل تحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط من:

  1. ضمان حرية الملاحة، في الممرات المائية الدولية في المنطقة.
  2. تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
  3. ضمان المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات من بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.

يتضح مما تقدم أن قرار مجلس الأمن رقم 242 لم يتضمن أية قواعد موضوعية تتناول جوهر المشكلة أو مطالب وادعاءات أطراف النزاع، بل رسم إطارا شكليا أو إجرائيا ليتم تسوية النزاع من خلاله، وبالتالي فإن هذا القرار لم يتعرض لمسألة السيادة على المناطق المحتلة بشكل عام أو الضفة الغربية بشكل خاص. بل تبقى هذه المسألة كما سبق أن بيناها في الباب الثاني.

أما ما ادعاه الجانب الاسرائيلي من أن القرار نص على الانسحاب من بعض الأراضي التي احتلت عام 1967، فهو ادعاء غير سليم وتفسير غير مقبول لنصوص القرار. ذلك أن ما ورد في النص الانجليزي من «سحب القوات المسلحة الاسرائيلية، من أراض احتلتها في النزاع الأخير» لا يعني الانسحاب من بعض تلك الأراضي بأي حال من الأحوال وذلك لما يلي:

  1. أن من قواعد التفسير وأصوله أن ينسجم تفسير عبارة في النص مع ما ورد في النص كاملا، وبما يتفق مع روح النص ولا يتناقض معه، والقول بأن هذه العبارة «أي الانسحاب من أراض…» تعني الانسحاب من بعض الأراضي لا منها جميعا، يتناقض تناقضا واضحا مع المبادئ التي وردت في القرار من عدم جواز الاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، واحترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي ، لأن ذلك يعني السماح بالاحتفاظ بجزء من الأراضي المستولى عليها بواسطة الحرب، والانتقاص من سيادة ووحدة أراضي الدول التي تم اجتزاء بعض أراضيها والاحتفاظ بها. وهذا القول مرفوض ويشكل سابقة خطيرة تهدم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة من أساسها، لأنها تفتح المجال للدول بالتخلص من التزاماتها الدولية في هذا المجال، أما التفسير الذي يؤدي إلى الانسجام التام بين نصوص القرار فيقضي بالانسحاب من جميع الأراضي التي احتلت في هذا النزاع.
  2. ومن وسائل التفسير أيضا في حالة غموض النص الوارد بلغة معينة، وهو هنا النص الانجليزي، الاستعانة بالنص الوارد بلغة أخرى. وبالرجوع إلى النص الفرنسي لقرار 242 نجد أنه ينص بصراحة ووضوح على الانسحاب من الأراضي المحتلة، هذا من ناحية. ومن ناحية أخری لو كان القرار يعني الانسحاب من جزء من تلك الأراضي لتضمن كلمة بعض ( Some )، فهذه الكلمة موجودة في اللغة الانجليزية ولها دلالتها ومعناها الواضح، ولا يجوز افتراض وجودها دون أن تكون موجودة في مكان النص فعلا، خاصة وأن المداولات والمناقشات التي جرت بخصوص القرار لم تتضمن الإشارة إلى أن الانسحاب الوارد فيه هو انسحاب جزئي، بل كانت كلها تدور ضمن إطار المبادئ المستقرة في القانون الدولي.
  3. أن مجلس الامن بقراره رقم 242 لم يتعرض لحقوق المتنازعين ومطالبهم أو مراكزهم، بل هدف بسحب القوات المسلحة الاسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير اتخاذ تدبير مؤقت لمنع تفاقم الموقف وذلك بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل بدء الحرب، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كان انسحاب القوات الإسرائيلية كاملا ومن جميع الأراضي التي احتلتها في تلك الحرب.
  4. أن قرار 242 هدف إلى معالجة آثار حرب عام 1967، ولم يمس القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بخصوص قضية الشرق الأوسط عامة والقضية الفلسطينية بشكل خاص. لا بالإلغاء ولا بالتعديل. ولذا فإنه يجب أن ينسجم في تفسيره مع القرارات السابقة التي تناولت جوهر النزاع. وفيما يختص بالأراضي فقد سبق أن رأينا أن قرار التقسيم الصادر عام 1947، قد رسم حدود الدولة اليهودية، بشكل نهائي وواضح، وأن تلك الحدود هي فقط المعترف بها دوليا لتلك الدولة، وأن إسرائيل قد احتلت عام 1948 23% تقريبا زيادة على ما خصص للدولة اليهودية، من أراض بموجب قرار التقسيم، وتعتبر تلك المساحة قانونا أراض احتلت عام 1948. ولذا فإن نص القرار رقم 242 على سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير، يعني أن هناك أراض أخرى احتلتها اسرائيل في نزاع سابق على النزاع الأخير وهي تلك الأراضي التي احتلتها قواتها عام 1948، وأن تلك الأراضي لا زالت من الوجهة القانونية تعتبر محتلة ولم تفقد هذه الصفة نتيجة مرور الزمن لعدم إنهاء النزاع بين الطرفين حتى الآن. ولذا فإن النص الانجليزي يكون في هذه الحالة أقوى دلالة على ضرورة الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967 لأنه يشير فوق ذلك إلى الحقوق السابقة والأراضي التي سبق احتلالها عام 1948. وهذا التفسير أيضا ينسجم مع المبادئ الواردة في القرار بل ويؤكدها، وخاصة مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراض بالحرب أو القوة مهما استمر الاحتلال قائما.

وعلى ذلك فإن التنفيذ العملي لقرار 242 يتطلب اتخاذ الخطوات التالي:

أولا: إعادة الحالة إلى ما كانت عليه يوم 4 حزيران 1967 وذلك بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط الهدنة ومن جميع الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967.

ثانيا: إعلان كافة أطراف النزاع إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب.

ثالثا: ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.

رابعا: تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. ويتم ذلك وفقا لقرارات الأمم المتحدة على مرحلتين.

المرحلة الأولى: إعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل زيادة على القسم والحدود التي كانت مخصصة للدولة اليهودية، إلى السكان الأصليين العرب، أي إلى الأردن إذا رغب الفلسطينيون البقاء في الدولة الموحدة أو الاتحادية مع شرقي الأردن، أو الدولة الفلسطينية إذا قرر الفلسطينيون إقامة دولة مستقلة لهم وتحديد الحدود النهائية للدولة اليهودية، وفقا لما رسمه لها قرار التقسيم باعتبارها الحدود الدولية المعترف بها لتلك الدولة.

المرحلة الثانية: تشكيل لجنة مشتركة تعمل على إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى أملاكهم وأماكن سكناهم في المناطق الداخلة ضمن حدود الدولة اليهودية (اسرائيل) والتعويض على من لا يرغب منهم بالعودة تعويضا عادلا، مع ضمان كافة حقوق العائدين باعتبارهم مواطنين يتساوون مع غيرهم من مواطني الدولة في جميع المجالات وتسوية حقوق اليهود الذين كانوا ضمن نطاق حدود الدولة العربية واضطروا لمغادرتها بسبب أحداث عام 1948.