الضفة الغربية و قانون الاحتلال الحربي

ومن جهة أخرى فقد تتوافر لدى الدولة المهزومة قوة تؤدي إلى طرد المحتل وتحرير الإقليم وبالتالي إنهاء الاحتلال.

ويتبين من ذلك أن الاحتلال ذو طبيعة مؤقته محدودة بفترة زمنية قد تطول أو تقصر وفقاً للظروف السابق بيانها.

الطبيعة المؤقتة للاحتلال:

يترتب على هذا المبدأ وجوب البحث في مسألتين:

الأولى: محدودية الاحتلال بالزمان والمكان.

الثانية: مبدأ عدم انتقال السيادة.

أولاً: محدودية الاحتلال بالزمان والمكان.

نظراً لوجود قواعد قانونية خاصة بالاحتلال الحربي ترتيب آثاراً قانونية سواء على صعيد سكان الإقليم المحتل أو بالنسبة للدول المتحاربة، يصبح من الضروري تحديد الوقت الذي يبدأ أو ينتهي فيه الاحتلال وذلك بأقصى ما يمكن من الدقة1، حتى يمكن بالتالي تحديد وقت سريان هذه الآثار. إلا أنه وكما تبين في الفقرة السابقة فإن معيار فعالية الاحتلال، أي مدى ثبات السلطة التي يقيمها، هو مقدرة الجيش المحارب على طرد سلطات الإقليم منه أو تسليم هذه السلطات وخضوعها. فالمسألة كما هو واضح هي مسألة واقعية مادية وليست مسألة قانونية، وأي محاولة للوصول بدقة إلى محاولة تحديد الشروط القانونية لتوافرها غالباً ما تصل إلى طريق مسدود2، وبالتالي فإن تذليل هذه الصعوبة يكون بتحديد الوقت الذي يتم فيه الاحتلال وفقاً للمبادئ المتفق عليها بالنسبة لمبدأ الفعالية، ومن ثم فإن قدراً من المرونة يجب أن يتوفر في مثل هذا التحديد3، فالاحتلال يبدأ منذ تحقق خضوع سكان الإقليم المحتل للقوة العسكرية التي يملكها جيش الاحتلال وإقامة سلطة يستطيع أن يضمن لها الثبات4.

ومع أن توافر وجود جنود جيش الاحتلال ليس عنصراً ضروريا لثبات سلطة الاحتلال، فقد ذهب البعض إلى أن وجود مثل هؤلاء الجنود ينفي أي شك في وجود هذه السلطة5، وذهب رأي إلى أن إزالة الشك في هذه المسألة يتم إذا قامت سلطات الاحتلال بإصدار بيان تعلم فيه السكان ببدء سريان الاحتلال وقيام الحالة الجديدة، فتحدد الواجبات الملقاة على عاتقهم، بالإضافة لتحديد التاريخ الذي يبدأ فيه الاحتلال الحربي6، إلا أن مثل هذا الإعلان يقتصر أثره على تقرير وجود الاحتلال ولا يعتبر منشأً له7، وقد ذهب رأي وبحق إلى أنه إذا كانت هناك علاقة معقولة بين التاريخ الذي ينص عليه الإعلان كتاريخ بدء الاحتلال، وبين الوقائع المادية، فإنه يمكن اعتماده فعلاً على أساس أنه الوقت الذي يبدأ فيه الاحتلال8.

أما بالنسبة لمحدودية الاحتلال بالمكان، فإن المناقشات في مؤتمر بروكسيل لعام 1874 قد تمخضت عن النص على أن الاحتلال يمتد فقط إلى الأقاليم التي يستطيع العدو أن يقيم فيها سلطة يمكنه ممارسة مظاهرها9، أي الإقليم الذي هزم سكانه وخضعوا لحكم الجيش المنتصر نتيجة للقوة العسكرية التي يتمتع بها، وبذلك فإن المناطق التي تواجه الجيش الغزي ولا يستطيع إخضاعها لا تعتبر محتلة حتى ولو قامت سلطة الاحتلال بالإعلان عن احتلالها، فالعبرة بالسيطرة الفعلية، إلا أنه إذا تم احتلال جزء من الإقليم وكانت نية الجيش الغازي احتلال جميع الإقليم ولم يكن يوجد جيش للإقليم المهزوم، وخضع بالتالي لسلطة الجيش المنتصر، فإن الإقليم جميعه يعتبر محتلاً10، إلا بالنسبة للمناطق التي تواجه الجيش الغازي فإن السلطة الفعلية عليها تنتفي، وينتفي بذلك اعتبارها محتلة11، غير أنه إذا كانت هذه المناطق التي لم تستسلم هي مناطق محصورة يسهل الدفاع عنها وليس لها تأثير على ثبات سلطة الاحتلال في بقية الإقليم، فإن صمودها في وجه الجيش المهاجم لا ينفي عن الإقليم كونه محتلاً12.

وعندما يتمكن الجيش المهاجم من إقامة سلطة ثابته فيجب أن يحافظ عليها حتى يستمر الاحتلال في البقاء، بعابرة أخرى للمحافظة على ثبات السلطة التي هي المعيار لوجود الاحتلال من الناحية القانونية. والواقع أن وسائل وأهداف الاحتلال هي ذاتها التي تحدد فترة بقائه، فما دام أن القوة هي التي أوجدته فإن هذه القوة ذاتها قد تنهيه13. فالاحتلال ينتهي إذا كان الغزو الذي أنشأه قد رد بعد فترة من الوقت، كما وأن الاحتلال ينتهي أيضا إذا أخلى جيش الاحتلال الإقليم أو توقف لأي سبب من الأسباب عن جعل سلطته ثابتة وفعالة واستطاعت الحكومة الشرعية نتيجة لذلك من استئناف ممارسة مظاهر سلطتها على الإقليم14، ولكن الاحتلال لا ينتهي إذا كان جيش الاحتلال قد تقدم لملاحقة جيش الإقليم المتراجع بعد نزع سلاح السكان وإقامة نوع من الإدارة تاركاً وراءه عدداً قليلاً نسبياً من الجنود على أن يكون باستطاعة هؤلاء الجنود ممارسة سلطة فعالية15. وقد ذهب رأي إلى أن الاحتلال لا يعتبر منتهياً إذا طرد مؤقتاً نتيجة لثورة سكان الإقليم حتى ولو استطاعت الحكومة الشرعية إعادة تثبيت نفسها من خلال نجاح مثل تلك الثورة.

والواقع أن كون الاحتلال واقعة مادية يجعل من طرده فعلياً وبغض النظر عن مصدر ذلك هو إنهاء له16. وعموما فإن قيام ثورة في الإقليم أو قيام حرب عصابات لا تؤثر على استمرارية قيام حالة الاحتلال إلا إذا استطاعت الحكومة الشرعية استعادة سلطتها أو فقد الاحتلال ثبات سلطته نتيجة لعدم تمكنه من قمع مثل تلك الحرب17.

——————————

1Hall: Supra Note (1) P. 572.

2Elbridge Colby: Supra Note (7) P. 572.

3Morris Greenspan: Supra Note (36) P. 219.

4Halleck: Supra Note (3) P. 434.

5 Hall: Supra Note (1) P. 572.

6VON Glahn: Supra Note (16) P. 40.

7Elbridge Colby: Supra Note (7) P. 910.

8Morris Greenspan: Supra Note (36) P. 219.

9Hall: Supra Note (1) P. 573.

10Dorris A. Graber: Supra Note (22) P. 42.

– ففي قضية Navigation in the Danube طالبت النمسا وهنغاريا باستعادة زوارق نهرية احتجزت في أواخر الحرب العالمية الأولى، من قبل قوة رومانية فرنسية في الأراضي الرومانية، وقد أسست النمسا وهنغاريا مطالبتها بالزوارق وفقاً للفقرة (2) من المادة 46، والمادة 53 من لوائح لاهاي. وفي أثناء تقرير موقع هذه الزوارق قرر المحكم قصر تطبيق المواد المذكورة على “إقليم العدو الذي يوضع فعلاً تحت سلطة الجيش المحارب”.

11George Schwarzenberger: Supera Note (2) P. 174, 175.

Halleck: Supra Note (3) P. 435.

12Morris Greenspan: Supra Note (36) P. 214.

13Elbridge Colby: Supra Note (7) P. 910.

14Morris Greenspan: Supra Note (36) P. 219.

15L. Oppenheim: Supra Note (13) P. 436.

16VON Glahn: Supra Note (16) P. 29.

17Morris Greenspan: Supra Note (36) P. 219.