الـفـصــل الأول – الـسـلـطـة التـي تقـوم بالتنفيذ الجبري

لا يجوز لصاحب الحق في العصر الحديث أن يقتضي حقه بنفسه؛ حتى ولو كان بيده سند تنفيذي يؤكد هذا الحق، وإلا كان مرتكبا لجريمة يعاقب عليها القانون جزائيا. (1) لذلك يجب أن يلجأ إلى السلطة المختصة في الدولة التي يخولها القانون سلطة التنفيذ الجبري.

والسلطة التي تختص بالتنفيذ في فلسطين وفق المادة الأولى من قانون التنفيذ هي دائرة التنفيذ التي تنشأ وترتبط مكانيا بمحاكم الدرجة الأولى في المنطقة التابعة لها؛ سواء كانت محكمة بداية أم محكمة صلح في منطقة لا يوجد فيها محكمة بداية، ويرأسها قاض يندب لذلك، ويعاونه مأمور للتنفيذ وعدد كاف من الموظفين، وعند تعدد القضاة يرأسها من توكل إليه هذه المهمة. (2) كما نصت المادة الثانية من القانون على أن كل تنفيذ يجري بواسطة دائرة التنفيذ وتحت إشراف وتوجيه قاضي التنفيذ بناء على طلب ذي الشأن مرفقا بالسند التنفيذي.

لذلك ندرس هذا الفصل في مبحثين:

المبحث الأول: اختصاص دائرة التنفيذ.

المبحث الثاني: تشكيل دائرة التنفيذ.

المبحث الأول

اختصاص دائرة التنفيذ

ندرس في هذا المبحث اختصاص دائرة التنفيذ الموضوعي في مطلب أول، واختصاصها المكاني في مطلب ثان.

المطلب الأول

الاختصاص الموضوعي (النوعي) لدائرة التنفيذ

يحكم هذا الاختصاص مجموعة من القواعد هي:

  1. اختصاص دائرة التنفيذ بمسائل التنفيذ المتعلقة باقتضاء الحقوق جبرا عن المدين؛ ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهو ما أكدته المادة (170) من قانون التنفيذ التي نصت على أنه (1-لا يخل تطبيق أحكام هذا القانون بما هو مقرر للسلطات والجهات الإدارية من حق في اقتضاء حقوقها جبرا بالطرق والإجراءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لذلك. 2- فيما عدا ما نص عليه في البند (1) أعلاه تسري أحكام هذا القانون على التنفيذ الذي تقوم به جهات الإدارة بما لا يتعارض مع الأحكام الواردة في قوانينها). وهذا الاختصاص لدائرة التنفيذ هو الاختصاص النوعي العام.
  2. تختص دائرة التنفيذ بتنفيذ جميع أنواع السندات التنفيذية سواء كانت قضائية أم غير قضائية، وطنية أم أجنبية، وسواء كان محلها مسألة مالية أم غير مالية.
  3. تختص دائرة التنفيذ بالمنازعات الإجرائية والإشكالات التي تترتب على التنفيذ ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ونفصل هذه القواعد في الفرعين التاليين:

الفرع الأول
الاختصاص العام لدائرة التنفيذ

تختص دائرة التنفيذ دون غيرها بالمعاملات التنفيذية التي يرغب صاحب الحق من خلالها اقتضاء حقه جبرا عن المدين، أيا كانت قيمة الحق المراد اقتضاؤه؛ دون حاجة لورود نص خاص بذلك، باعتبار دائرة التنفيذ من خلال عملها ممثلة للسلطة العامة. ويعتبر اختصاص دائرة التنفيذ بمسائل التنفيذ متعلقا بالنظام العام، بما يوجب على أي جهة يطلب منها التنفيذ أن تقضي بعدم اختصاصها من تلقاء ذاتها.

ووفق أحكام قانون التنفيذ؛ تختص دائرة التنفيذ، بتنفيذ الأسناد التنفيذية وهي؛ كافة الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة من جميع المحاكم؛ سواء النظامية أو الشرعية أو الدينية، وأحكام المحاكم الجزائية المتعلقة بالادعاء المدني، ومحاضر التسوية القضائية والصلح التي تصدق عليها المحاكم النظامية والشرعية وأحكام المحكمين القابلة للتنفيذ.

كما تختص بتنفيذ السندات الرسمية والعرفية والأوراق التجارية، والأحكام والقرارات والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية، وغيرها من السندات التي يعطيها القانون هذه الصفة.

كما أن الأصل أن يتم تنفيذ الأحكام الصادرة في الأمور المستعجلة عن طريق دائرة التنفيذ، عملا بالمادة 17 من قانون التنفيذ، ومع ذلك ذهب رأي إلى أن الاجتهاد لدى القضاء الفلسطيني استقر على تنفيذ هذه الأحكام بواسطة أحد موظفي المحكمة الذي يعينه القاضي مصدر الحكم المستعجل. وأن بعض الفقه يؤيد هذا المسلك لأن الغاية من اللجوء للقضاء المستعجل تتلاشى إذا ما ترك أمر تنفيذ هذه الأحكام المستعجلة إلى دائرة التنفيذ؛ بالرغم من الصلاحيات الممنوحة لقاضي التنفيذ بالسير في المعاملات المستعجلة فورا، ويذهب إلى أنه يجب في حالة التنفيذ عن طريق أحد موظفي المحكمة (رئيس القلم أو من ينيبه مثلا) أن يقرر القاضي مصدر الحكم ذلك.(3) غير أن هذا الرأي لا يؤيده الواقع حيث تأكد لنا أن دائرة التنفيذ في محكمة بداية الخليل ومحاكم الصلح الأخرى في المحافظة، تقوم بتنفيذ الأحكام المستعجلة وبصفة مستعجلة وفقا لصلاحياتها المقررة في القانون.

بينما إذا أراد المشرع نزع أي تنفيذ من اختصاص دائرة التنفيذ لا بد من نص صريح على ذلك لأنه يخالف القاعدة والأصل. وبالرجوع إلى قانون التنفيذ نجد أنه قد ورد النص على استثناء بعض الأمور من اختصاص دائرة التنفيذ وهي:

  1. التنفيذ بالطريق الإداري المقرر لجهة الإدارة بموجب المادة 170/1.
  2. المنازعات المتعلقة بالحق الموضوعي الثابت في السند بموجب المادة 58.
  3. المنازعات المتعلقة بصحة السند أو بطلانه أو تفسيره بموجب المادة 58.
الفرع الثاني
الاختصاص بمنازعات التنفيذ وإشكالاته

يقصد بمنازعات التنفيذ الإشكالات المتعلقة بالتنفيذ ذاته دون الدخول في أساس الشيء المنفذ عليه،(4) وهي عبارة عن دعوى تتعلق بالتنفيذ ولكنها تستقل عن إجراءاته، وهي تقوم على أحد الأسباب التي أوردتها المادة 58 من قانون التنفيذ وهي:

  1. منازعة الحق في التنفيذ: حيث لا يتعرض فيها صاحب الشأن إلى الحق الموضوعي الثابت في السند، بل إلى حق طالب التنفيذ في إجراء التنفيذ الجبري؛ إما لعدم وجود سند تنفيذي معه؛ أو لعدم تأكيد السند الموجود معه لحق موضوعي حال الأداء معين المقدار، أو بسبب انقضاء حقه في التنفيذ بمرور الزمن؛ أو بأي من أسباب الانقضاء العامة.
  2. منازعة حول التنفيذ على شيء معين: سواء كان هذا الشيء حقا ماليا أو مالا أو لا يقوم بمال، وذلك في الحالات التي يدعي فيها بعدم جواز الحجز على محل التنفيذ أو عدم ملكية المنفذ ضده لهذا المحل.
  3. منازعة في إجراءات التنفيذ: سواء تعلق ذلك بعدم صحة أو بطلان الإجراءات المكونة لخصومة التنفيذ، أو بالشكل، كالادعاء بعدم صحة الإخطار أو التبليغ، أو عدم صحة إجراءات الحجز أو البيع.

ويقسم الفقه منازعات التنفيذ بحسب المطلوب من المنازعة إلى نوعين هما:

النوع الأول: منازعات موضوعية، وهي تلك التي يطلب فيها الفصل في موضوع المنازعة، ومثالها طلب إبطال إجراءات الحجز لوقوعه على أموال مملوكة للغير.

والنوع الثاني: منازعات وقتية أو إشكالات تنفيذية، وهي التي يطلب فيها الحكم بإجراء وقتي إلى حين الفصل في موضوع المنازعة، ومثالها طلب تأخير أو وقف تنفيذ حبس المنفذ ضده لحين الفصل في المنازعة التي قدمها حول عدم صحة السند التنفيذي.

ويترتب على استقلال منازعات التنفيذ ما يأتي:

  1. لا تبدأ المنازعة إلا بطلب مستقل من صاحب الشأن، سواء كان من طرفي التنفيذ أو من الغير ممن توافرت له شروط إقامة هذه الدعوى.
  2. تطبق عليها إجراءات الدعوى المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، ولقاضي التنفيذ بشأنها صلاحيات قاضي الموضوع.
  3. بطلان إجراءاتها لا يؤثر على إجراءات التنفيذ؛ ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، والعكس صحيح.
  4. انقضاء خصومتها لا يؤدي لانقضاء خصومة التنفيذ.

المطلب الثاني

الاختصاص المكاني لدائرة التنفيذ

نصت المادة (4) من قانون التنفيذ على أنه:

  1. ينعقد الاختصاص لدائرة التنفيذ التي:
  1. يوجد في نطاق اختصاصها المال المنقول محل التنفيذ.
  2. يقيم فيها المحجوز لديه إذا تعلق بحجز المال لدى شخص ثالث.
  3. يقع ضمن دائرة اختصاصها المال غير المنقول المراد حجزه أو بيعه.
  4. إذا تعددت الأموال محل التنفيذ ووقعت في نطاق دوائر تنفيذ متعددة، كان الاختصاص لإحداها، بحيث تنيب الدائرة التي ينعقد لها الاختصاص الدوائر الأخرى بإجراء الحجز والمزايدة بالنسبة للأموال التي تقع في نطاقها، وتكمل الدائرة المنيبة معاملة التنفيذ بتوزيع حصيلة التنفيذ وسداد مستحقات الدائنين.

ويتبين من هذا النص، أنه حدد الاختصاص المكاني لقاضي التنفيذ، وقد راعى المشرع في تحديده لهذا الاختصاص أن يكون القاضي قريبا من محل التنفيذ مما يسهل له هيمنته عليه. لذلك فإن الضوابط المختلفة التي نصت عليها المادة 4 ترجع هذا الاختصاص إلى موقع الأموال المراد التنفيذ عليها؛ بحيث يختص أقرب قضاة التنفيذ إلى موقع هذا المال بكافة مسائل هذا التنفيذ، فهو يشرف على إجراءاته كما يفصل في سائر منازعاته. غير أن الاختصاص المكاني لقاضي التنفيذ يخضع للقواعد العامة في الاختصاص المكاني، لذلك فإنه لا يتعلق بالنظام العام.

ووفق نص المادة 4 فإنه يتم توزيع الاختصاص المكاني بين دوائر التنفيذ على النحو التالي:

  1. إذا تعلق التنفيذ بمال منقول لدى المدين: يكون الاختصاص لدائرة التنفيذ التي يوجد المنقول ضمن دائرة اختصاصها. وذلك حتى يسهل على القائم بالتنفيذ القيام بعمله؛ خصوصا أنه يحتاج إلى انتقال مأمور التنفيذ أو أحد مساعديه إلى مكان وجود المنقول لوضع يد القضاء عليه عملا بالمادة 80 من القانون.
  2. إذا كان محل التنفيذ أموال للمدين لدى الغير: يكون الاختصاص لدائرة التنفيذ التي يقع ضمن دائرتها موطن المحجوز لديه أو محل إقامته. ويرجع إسناد الاختصاص لهذه الدائرة إلى أن الغالب الأعم هو وجود الأموال التي يراد التنفيذ عليها في موطن المحجوز لديه سواء كان دينا في ذمته أو منقولا ماديا في حيازته.

وإذا تناثرت المنقولات المراد الحجز عليها لدى المحجوز لديه في دوائر اختصاص محاكم متعددة، فإن معيار الاختصاص المكاني لا يتغير تبعا لذلك؛ إذ ينعقد الاختصاص للمحكمة الكائن بدائرتها موطن المحجوز لديه بصرف النظر عن مكان وجود المنقولات المحجوزة. وهدف المشرع من ذلك تجنيب الشخص الثالث عناء الانتقال إلى دائرة تنفيذ بعيدة عن مكان إقامته؛ خاصة وأنه ليس طرفا أصيلا في العلاقة التنفيذية بين الحاجز والمحجوز عليه.

أما إذا تعدد المحجوز لديهم ووقع موطن كل منهم في دائرة أكثر من محكمة، فإن دوائر التنفيذ تتعدد بحسب موطن كل منهم رغم وحدة السند الذي يجري التنفيذ بمقتضاه.

  1. إذا تعلق التنفيذ بعقار: يكون الاختصاص لدائرة التنفيذ التي يوجد العقار محل التنفيذ في دائرتها، إذا كان التنفيذ يجري على عقار واحد أو على أكثر من عقار وكانت جميعها تقع في دائرة محكمة واحدة.
  2. إذا كان محل التنفيذ تسليم صغير: يكون الاختصاص لدائرة التنفيذ التي يوجد في دائرتها موطن من يوجد لديه الصغير المراد تسليمه، عملا بالمادة 3/2 من قانون التنفيذ والمادة 42 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.
  3. إذا تناول التنفيذ منقولات أو عقارات متعددة تقع ضمن اختصاص دوائر تنفيذ مختلفة، يكون الاختصاص لإحداها وفقا لاختيار المدعي طالب التنفيذ بصرف النظر عن قيمته، وتقوم هذه الدائرة بإنابة باقي الدوائر للقيام بإجراءات الحجز والبيع للأموال الموجودة في نطاقها؛ وترسل حصيلة التنفيذ إلى الدائرة المنيبة، لتقوم بتوزيع حصيلة التنفيذ على طالبي التنفيذ. (5) وينبغي ملاحظة أن الاختصاص في هذه الحالة يتحدد بالنظر إلى أول إجراء يتعلق بالتنفيذ؛ حيث تختص دائرة التنفيذ التي يتخذ لديها هذا الإجراء بكل ما يلي ذلك من أوامر أو قرارات أو إصدار أحكام تتعلق بهذا التنفيذ.
  4. إذا تعدد الأشخاص المحجوز لديهم: لم تبين المادة 4 من قانون التنفيذ حكم هذه الحالة، لذلك ذهب رأي إلى ضرورة تعدد المعاملات التنفيذية بتعدد محل إقامة المحجوز لديهم. (6) بينما يذهب رأي آخر إلى أن ذلك يؤدي إلى تأخير إجراءات التنفيذ وزيادة النفقات، ويرى أن يطبق في هذه الحالة حكم المادة (4/2) من قانون التنفيذ والمادتين (42 و43) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، بأن يتم التنفيذ لدى إحدى الدوائر؛ وتقوم بدورها بإنابة الدوائر الأخرى في القيام بالإجراءات كما هو الحال بالنسبة لتعدد محال الأموال المراد التنفيذ عليها. (7)

ونحن نرى أن الرأي الثاني هو الأولى بالتطبيق.

المبحث الثاني

تشكيل دائرة التنفيذ

يتبين من نص المادة الأولى من قانون التنفيذ، أن دائرة التنفيذ هي دائرة مستقلة عن المحاكم؛ فهي ليست جزءا من المحاكم؛ بل لها ذاتيتها الخاصة. وهي ترتبط بمحاكم الدرجة الأولى أي البداية والصلح، دون غيرها من المحاكم. فلا يوجد دائرة خاصة بالتنفيذ في محكمة الاستئناف أو محكمة النقض.

وتشكل دائرة التنفيذ من قاض ينتدب لذلك ويعاونه مأمور للتنفيذ وعدد كاف من الموظفين. لذلك فإن هذا المبحث يقسم إلى مطلبين:

المطلب الأول: قاضي التنفيذ.

المطلب الثاني: معاونو قاضي التنفيذ.

المطلب الأول

قاضي التنفيذ

نشأة نظام قاضي التنفيذ:

بدأ نظام قاضي التنفيذ من الناحية التاريخية بصدور قانون الإجراء العثماني القديم، وهو أول قانون عصري للتنفيذ صدر في الخامس من شوال سنة 1288 هجرية، ثم قانون الإجراء العثماني المؤقت الصادر في 15 جمادى الآخرة سنة 1322 هجرية. وقد استمد المشرع العثماني فكرة ارتباط التنفيذ بالقضاء من أحكام الفقه الإسلامي بصفة عامة والراجح في الفقه الحنفي بصفة خاصة، حيث كانت ولاية القاضي وفق أحكام الفقه الإسلامي يندرج فيها التنفيذ، وكان الفقه الإسلامي هو الأصل الذي استمد منه المشرع العثماني فكرة ارتباط التنفيذ بالقضاء.(8)

وقد طبق قانونا الإجراء العثماني القديم والمؤقت في البلاد العربية طوال الخلافة الإسلامية العثمانية، ومنها فلسطين وشرق الأردن وسوريا والعراق ولبنان ، واستمر تطبيقه في فلسطين حتى بعد سقوط الخلافة العثمانية وخضوع فلسطين وشرق الأردن للانتداب البريطاني، وخاصة النصوص المتعلقة بقاضي التنفيذ، إلى أن صدر قانون الإجراء الأردني رقم 31 لسنة 1952 حيث نصت المادة 135 منه على إلغاء قانون الإجراء العثماني الصادر بتاريخ 15 جمادى الآخرة سنة 1332 وأي تشريع عثماني أو فلسطيني صدر قبله إلى المدى الذي تكون فيه تلك التشريعات مغايرة لأحكام هذا القانون. واستمر العمل بقانون الإجراء الأردني حتى صدور قانون التنفيذ الفلسطيني محل الدراسة.

ويتبين من نص المادة الأولى من قانون التنفيذ، أن قاضي التنفيذ ليس شخصا مستقلا عن القضاء العادي، بل هو قاض في محكمة البداية في المنطقة التي توجد فيها محكمة بداية أو قاض في محكمة الصلح في المنطقة التي ليس فيها محكمة بداية، يندب بقرار من رئيس مجلس القضاء الأعلى ليكون قاضيا للتنفيذ في دائرة التنفيذ المرتبطة بالمحكمة التي انتدب منها. فهو جزء لا يتجزأ من القضاء المدني؛ وهو قاض فرد، كما أنه لا يوجد إلا على مستوى محكمة الدرجة الأولى فقط. (9) فلا يوجد محكمة استئناف خاصة بالتنفيذ؛ كما لا توجد دوائر مخصصة في محاكم الاستئناف مخصصة لنظر الاستئناف المرفوع ضد أحكام قاضي التنفيذ.

وقد نصت المادة الثانية من قانون التنفيذ على أن (1-كل تنفيذ يجري بواسطة التنفيذ وتحت إشراف وتوجيه قاضي التنفيذ بناء على طلب ذي الشأن مرفقا بالسند التنفيذي…)

ويتبين من هذا النص أن قاضي التنفيذ يختص بتنفيذ جميع السندات التنفيذية التي أجاز القانون تنفيذها من أحكام وقرارات وسندات رسمية وغيرها. ويهدف نظام قاضي التنفيذ إلى توفير غايتين هما:

الأولى: تدعيم رقابة القضاء على كافة إجراءات التنفيذ؛ بحيث يكون لقاضي التنفيذ الإشراف الفعال والمتواصل على إجراءات التنفيذ في كل خطوة من خطواته؛ وكذلك الاشراف على القائمين بالتنفيذ في كل تصرف يتخذونه أو إجراء يباشرونه. وتحقيقا لذلك نصت المادة 6 على إعداد جدول خاص بالدائرة تقيد فيه طلبات التنفيذ بالتسلسل الذي ورد به، كما نصت على أن ينشأ لكل طلب ملف تودع فيه جميع الأوراق المتعلقة به، ويعرض الملف على قاضي التنفيذ قبل وعقب كل إجراء ويثبت فيه ما يصدره من أوامر وقرارات وأحكام.

والثانية: جمع شتات المسائل المتعلقة بالتنفيذ في ملف واحد؛ وفي يد قاض واحد قريب من محل التنفيذ يسهل على الخصوم الالتجاء إليه. ومن أجل ذلك خول المشرع هذا القاضي اختصاصات واسعة في كل ما يتعلق بالتنفيذ، فجعله مختصا دون غيره بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ؛ وبالفصل في كل المنازعات المتعلقة به؛ سواء أكانت منازعات موضوعية أم وقتية، وسواء أكانت من الخصوم أم من الغير. كما خوله سلطة قاضي الأمور المستعجلة عند فصله في المنازعات الوقتية؛ وهي المنازعات التي يكون المطلوب فيها إجراء وقتيا، بحيث يكون هذا القاضي قريبا من محل التنفيذ ويسهل على الخصوم الالتجاء إليه؛ وهو ما يقلل من فرص التلاعب فيه ووجود قضاة متخصصين في التنفيذ. (10)

فنصت المادة (3) من قانون التنفيذ على أنه:

  1. يختص قاضي التنفيذ بالفصل في جميع منازعات وإشكالات التنفيذ وبإصدار القرارات والأوامر المتعلقة به، وإلغاء الحجز وفكه على أموال المدين وبيع الأموال المحجوزة. كما يختص بإصدار الأمر بالقبض على المنفذ ضده وحبسه وفقا لما هو مقرر في هذا القانون.
  2. تتبع أمام قاضي التنفيذ الإجراءات المقررة في أصول المحاكمات المدنية والتجارية ما لم يرد في القانون ما يخالف ذلك.

وبناء على هذا النص يمكن تحديد اختصاص قاضي التنفيذ في الاختصاصين التاليين:

أولا: الاختصاص الإداري أو الولائي.

ويقصد بذلك الاختصاص الذي يمارسه قاضي التنفيذ باعتباره رئيسا لدائرة التنفيذ، دون خصومة تنعقد بصدد المسألة التي تطلب منه، وما يصدره من قرارات وأوامر بمناسبة تنظيمه لعمله وحسن سيره، مثل تنظيم جدول الجلسات وتحديد مواعيدها، وقرارات تأجيل الدعوى وغيرها من إجراءات تذليل الصعوبات التي قد تعترض التنفيذ؛ والتي ليس لها شكل منازعة في التنفيذ.

وقد أوضحت المادة 6 من قانون التنفيذ مظاهر إشراف قاضي التنفيذ على مأمور التنفيذ وعلى إجراءات التنفيذ المختلفة بنصها على ضرورة أن يعد في الدائرة جدول خاص يقيد فيه طلبات التنفيذ بالتسلسل الذي وردت به، وينشأ لكل طلب ملف تودع فيه جميع الأوراق المتعلقة به ويعرض الملف على قاضي التنفيذ قبل وعقب كل إجراء، ويثبت به ما يصدره من أوامر وقرارات وأحكام.

ويتبين من ذلك هيمنة قاضي التنفيذ على إجراءات التنفيذ هيمنة كاملة، فهذه الإجراءات لا تبدأ إلا بأمره؛ ولا تنتهي إلا بإشرافه، فله أن يصدر ما يراه من أوامر وقرارات ولائية عندما يمارس اختصاصه بوصفه قاضيا للأمور الوقتية، ويدخل ضمن هذا الاختصاص:

  1. التوجيه والرقابة والإشراف على التنفيذ. ذلك أن الدور العملي في التنفيذ وفق المادة (2/1) من قانون التنفيذ، يقوم به مأمور التنفيذ ومعاونوه، تحت إشراف وتوجيه قاضي التنفيذ، لذلك أوجبت المادة (6/2) من قانون التنفيذ على معاوني قاضي التنفيذ عرض ملف التنفيذ عليه قبل وعقب كل إجراء، وذلك للتوجيه قبل القيام بالإجراء، والرقابة على ما أجري بعد القيام به. (11)

وله في هذا المجال أن يصدر قرارات إدارية تتعلق بالتنفيذ دون حاجة لطلب من ذوي الشأن، فله أن يصدر توجيهات لمأمور التنفيذ متعلقة بالتنفيذ وإجراءاته إذا ما عرض عليه مأمور التنفيذ الأمر، فقد يشكل على مأمور التنفيذ أي إجراء من إجراءات التنفيذ وحكم القانون فيه، فيجوز له الرجوع إلى قاضي التنفيذ؛ وعرض الأمر عليه واستطلاع رأيه بشأنه، كما يجوز لقاضي التنفيذ أن يوجه مأمور التنفيذ قبل الإجراء ولو لم يطلب منه مأمور التنفيذ ذلك، لأن مأمور التنفيذ لا يعدو أن يكون معاونا للقاضي في التنفيذ كما ذكرنا. وفي جميع الأحوال يجب أن يصدر القاضي أمره أو توجيهه إلى مأمور التنفيذ في شكل قرار مكتوب، لأن المادة 6/2 من قانون التنفيذ نصت على إثبات ما يصدره قاضي التنفيذ من أوامر وقرارات في الملف.

  1. قرار بإرسال إخطار إجرائي إلى المدين لحمله على التنفيذ الاختياري، فإذا تخلف ولم يتقدم بتسوية أو يدفع المبلغ المحكوم به خلال المهلة المحددة قانونا، اتخذ قرارا بالتنفيذ بالاستناد إلى سلطته الإدارية. (12)
  2. الأمر بوضع الحجز على أموال المدين والأمر بفكه. والأمر بتعيين خبير لتقدير قيمة المعادن النفيسة، ويكون ذلك بناء على طلب صاحب الشأن. (13) والأمر بتعيين أحد البنوك أو السماسرة لبيع الأسهم أو السندات أو الحصص المحجوزة.
  3. الأمر ببيع الأموال محل الحجز، سواء وفق الإجراءات المحددة في قانون التنفيذ؛ أو بشكل مستعجل إذا كانت سريعة التلف؛ أو كانت كلفة الحفاظ عليها لا تتناسب مع قيمتها. (14) أو الأمر بتأجيل البيع أو مدّه لمدد حددها القانون. (15) والأمر بتحديد مكان البيع الذي يجري فيه البيع في حالة اختلافه عن مكان الحجز، والأمر بزيادة وسائل الإعلان عن بيع المحجوزات.
  4. إصدار الأمر بحبس المنفذ ضده وتأجيل حبسه والإفراج عنه، بناء على طلب صاحب الشأن، وضمن الأحوال المقررة قانونا. (16)
  5. إصدار الأمر بالاستعانة بالشرطة لمواجهة أو التغلب على أي عقبات مادية تعيق إجراءات التنفيذ.(17)
  6. الأمر بنقل الأشياء المحجوزة في حالة عدم وجود المدين أو من يقبل الحراسة، والأمر بتقدير أجر الحارس، والأمر بتكليف الحارس بالإدارة والاستغلال.

ثانيا: الاختصاص القضائي.

وفق نص المادة 3/1 من قانون التنفيذ يشمل اختصاص قاضي التنفيذ صلاحية الفصل في كل ما يتعلق بمنازعات وإشكالات التنفيذ مهما كانت قيمتها، سواء كانت ذات طابع مستعجل أم ذات طابع عادي، فهو يفصل في المنازعات الوقتية والإشكالات التي تعترض التنفيذ، بذات الصفة التي لقاضي الأمور المستعجلة سندا للمادة 58 من قانون التنفيذ.

ويتبين من هذا النص أن قاضي التنفيذ يجمع بين صفتين؛ فضلا عن الصفة الولائية السابق ذكرها:

فهو يعتبر قاضيا موضوعيا؛ عندما يفصل في المنازعات الموضوعية المتعلقة بالتنفيذ، سواء كانت هذه المنازعات مرفوعة من المدين أو من الدائن أو الغير، وسواء كانت متعلقة بالحجز على منقولات المدين أو على عقاراته أو على ماله لدى الغير.

فقاضي التنفيذ يختص بالمنازعات التي تتعلق بإجراءات التنفيذ من حيث صحتها وبطلانها، مثال ذلك المنازعة في الحجز على ما يزيد عن حاجة المدين وأسرته من الألبسة والفراش والغذاء سندا للمادة 47 من قانون التنفيذ، وكذلك المنازعات المتعلقة بصحة إجراءات الحجز أو البيع، وكذلك الفصل في دعوى استرداد المنقولات المحجوزة التي يرفعها الغير مدعيا ملكية المنقولات المحجوزة ومطالبا ببطلان الحجز عليها، ودعوى الاستحقاق الفرعية التي يرفعها الغير مدعيا ملكية العقار ومطالبا ببطلان حجزه، وغير ذلك.

كما نص قانون التنفيذ على اختصاص قاضي التنفيذ ببعض المنازعات الموضوعية، ومنها دعوى رفع الحجز عن الأموال المحجوزة لدى الطرف الثالث سندا للمادة 75، سواء لسقوط حق الدائن في التنفيذ أو براءة ذمة المدين من الدين الذي يراد التنفيذ لأجل اقتضائه، أو أي سبب آخر. وكذلك الدعوى التي يقيمها الحاجز لدى قاضي التنفيذ ضد المحجوز لديه، وفق الإجراءات العادية الواردة في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية مطالبا بمبلغ الدين بعد إثبات وجود أموال أو حقوق في ذمة المحجوز لديه، ومطالبا بالتعويض عن التقصير والتأخر في إعداد التقرير بما في الذمة؛ أو مخالفة واجب التقرير بما في الذمة سندا للمادة 77 من قانون التنفيذ.

كما يعتبر قاضيا للأمور المستعجلة عندما يفصل في المنازعات الوقتية المتعلقة بالتنفيذ (إشكالات التنفيذ) مثل طلب وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه أو عدم الاعتداد بالحجز في حجز ما للمدين لدى الغير.

فاختصاص قاضي التنفيذ يمتد إلى كل ما يتعلق بإجراءات التنفيذ الجبري سواء أخذ صورة دعوى أو صورة أمر على عريضة (استدعاء)، وسواء كان فصله في صورة حكم أو قرار.

غير أن المشرع استثنى بعض المنازعات التي تتصل بالتنفيذ من اختصاص قاضي التنفيذ، وهي المنازعات المتعلقة بالحق الموضوعي الثابت في السند التنفيذي والتي أسماها القانون المنازعات المتعلقة بأساس الشيء المنفذ عليه، وذلك بالنص صراحة على جعل الاختصاص للمحاكم العادية، ومثال تلك المنازعات ما نصت عليه المادة 15 من قانون التنفيذ من وجوب إثبات وجود التركة ووضع يد الورثة عليها لدى المحكمة المختصة إذا أنكروا وجودها أو وضع أيديهم عليها، وكذلك ما نصت عليه المادة 32 منه من وجوب اللجوء إلى المحكمة المختصة عبر دعوى الإجراءات المختصرة إذا أنكر المنفذ ضده الدين أو ادعى عدم استمرار قيامه. وما نصت عليه المادة 67 منه من إثبات استقلال الغير عن المنفذ ضده في وجودهم في العين المراد إخلاؤها، والمادة 85 من إثبات الغير ملكيته للمنقولات الموجودة في حيازة المدين عند التنفيذ على الأموال الموجودة لدى المدين؛ فيما يعرف بدعوى استرداد المنقولات، والمادة 138 بأن على من يدعي التصرف في العقار أن يثبت ذلك أمام المحكمة المختصة. ومن ذلك أيضا اختصاص مأمور التفليسة بالإشراف على إجراءات التفليسة؛ فهي إجراءات تنفيذية خاصة لا ينعقد الاختصاص بها لقاضي التنفيذ.

كما يخرج من اختصاص قاضي التنفيذ المنازعات المتعلقة بالسند التنفيذي من حيث صحته وبطلانه وتفسيره، باعتبارها من اختصاص محكمة أخرى قد تكون المحكمة التي أصدرت السند أو الأعلى منها درجة أو محكمة الموضوع.

ومن ناحية أخرى فقد نص القانون على قاعدتين تحكمان الاختصاص الوظيفي لقاضي التنفيذ:

القاعدة الأولى: أن قاضي التنفيذ يختص بمسائل التنفيذ التي تدخل في اختصاص جهة القضاء العادي، لأن قاضي التنفيذ ينتمي لجهة القضاء العادي ويعتبر فرعا منه. لذلك فإن ما يخرج من اختصاص القضاء العادي بنصوص خاصة يخرج بالتالي من اختصاص قاضي التنفيذ، فهو لا يختص كقاعدة بتنفيذ السندات الصادرة من غير جهة القضاء العادي فلا يشرف على إجراءات تنفيذها ولا يفصل في المنازعات التي تثور بصدد تنفيذها.

والقاعدة الثانية: أن قاضي التنفيذ يختص بمنازعات التنفيذ الذي يجري على المال، أو يكون مآله أن يجري على المال، حتى لو كان سند التنفيذ صادرا من جهة أخرى غير جهة القضاء العادي، ما لم ينص القانون على غير ذلك.

وتطبيقا لذلك فإن قاضي التنفيذ يختص بمنازعات التنفيذ على المال، تنفيذا لحكم صادر من جهة القضاء الإداري؛ إلا إذا كان أساس المنازعة مسألة من اختصاص جهة القضاء الإداري وحده، كما يختص أيضا بالمنازعات المتعلقة بالحجوزات الإدارية، ولكنه لا يختص بطلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية لأنها من اختصاص جهة القضاء الإداري بنص القانون.

كما أن قاضي التنفيذ لا يختص بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الجزائية رغم أنها من محاكم جهة القضاء العادي، حيث نصت المادة (395/1) من قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001 على أنه (تتولى النيابة العامة تنفيذ الأحكام الصادرة في الدعاوى الجزائية وفقا لما هو مقرر بهذا القانون، ولها عند اللزوم الاستعانة بقوات الشرطة مباشرة). كما نصت المادة 420 منه على أن (كل إشكال من المحكوم عليه في التنفيذ يرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم).

غير أنه استثناء من هذا الأصل، نصت المادة (395/2) من ذات القانون على أن (الأحكام الصادرة في دعاوى الحق المدني يكون تنفيذها بناء على طلب المدعي بالحق المدني طبقا لما هو مقرر في أصول المحاكمات)، ويقصد هنا ما هو مقرر في قانون التنفيذ.

كما نصت المادة (424) منه على أنه (إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب التنفيذ عليها في حالة تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم عليه، يرفع الأمر إلى المحاكم المدنية طبقا لما هو مقرر في قانون أصول المحاكمات المدنية).

فوفقا لهذا النص ينعقد الاختصاص لقاضي التنفيذ بنظر منازعات تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم الجزائية إذا توافرت الشروط الآتية:

  1. أن يكون الحكم الصادر من المحكمة الجزائية حكما ماليا، أي صادرا بإلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من النقود، ومن أمثلة ذلك الأحكام الصادرة من المحاكم الجزائية بالمصاريف أو التعويضات. فإذا ثار إشكال فيما يتعلق بالجزء الخاص بالتعويض فإن قاضي التنفيذ يختص بنظر هذا الإشكال.
  2. أن ترفع المنازعة من الغير، لأنه وفق المادة 420 من قانون الإجراءات الجزائية فإن (كل إشكال من المحكوم عليه في التنفيذ يرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم) سواء أكانت محكمة صلح أم محكمة بداية، ولو كان الحكم المستشكل فيه حكما ماليا ينفذ على المحكوم عليه.
  3. أن ينصب موضوع المنازعة على الأموال التي يجري بشأنها التنفيذ، كما لو ادعى الغير ملكية هذه الأموال؛ أو وجود أي حق آخر له على هذه الأموال.

ويختص قاضي التنفيذ بتكييف المنازعة دون النظر إلى وصف المدعي لدعواه إذا كان مخالفا للقانون، فإذا قدم الخصم منازعة لقاضي التنفيذ معتقدا أنها من منازعات التنفيذ؛ وتبين لقاضي التنفيذ أنها لا تتعلق بالتنفيذ؛ ولم ينص المشرع على صلاحيته بالفصل فيها، وجب عليه أن يحكم بعدم اختصاصه نوعيا بنظر هذه المنازعة، وأن يقرن قضاءه بالإحالة إلى المحكمة المختصة نوعيا لنظر هذه المنازعة، وتلتزم هذه المحكمة بنظر الدعوى وفقا للمادة 93 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001.

المطلب الثاني

معاونو قاضي التنفيذ

يباشر التنفيذ عمليا، معاونو قاضي التنفيذ، وهم الذين يساعدون قاضي التنفيذ في تأدية وظيفته في جميع المعاملات التنفيذية؛ وفي اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تضع السند التنفيذي موضع التنفيذ متى طلب ذوي الشأن ذلك.

ومعاونو قاضي التنفيذ هم: مأمور التنفيذ؛ والكتبة، والمحضرين. لذلك ندرس هذا المبحث بتوزيعه على فرعين:

الفرع الأول: مأمور التنفيذ.

الفرع الثاني: مساعدو مأمور التنفيذ

الفرع الأول
مأمور التنفيذ

مأمور التنفيذ؛ موظف عمومي مختص بالتنفيذ يعمل ضمن دائرة التنفيذ وتحت رقابة وإشراف وتوجيه قاضي التنفيذ. (18) وهو المباشر العملي والفعلي لإجراءات التنفيذ؛ إذ أن سلطة قاضي التنفيذ تنحصر في إصدار الأوامر دون القيام بالأعمال،(19) وليس لهذا المأمور صفة قضائية، وإنما هو يشرف على سير الأعمال الإدارية وتنظيم المسائل التي تتعلق بسير العمل في دائرة التنفيذ تحت إمرة قاضي التنفيذ وهو يختص في الأمور التالية:

  1. استلام طلب التنفيذ المقدم من المحكوم له إلى دائرة التنفيذ مشفوعا بالسند التنفيذي، وتسجيله في سجل الأساس، وحفظه مع السند التنفيذي في ملف خاص وإعطاءه رقما متسلسلا وفق تاريخ تقديمه بعد استيفاء الرسوم القانونية.
  2. إرسال إخطار بالدفع إلى المدين قبل المباشرة بإجراءات التنفيذ، وفي حالة وفاة المدين يجري التبليغ لواضعي اليد على التركة من الورثة؛ أو من يقوم مقامهم، ويجب أن يشتمل الإخطار على البيانات الواردة في المادة (9/2) من القانون.
  3. تنظيم محضر بكافة الإجراءات اللازمة التي يقتضيها تنفيذ السندات التنفيذية، وأن يذكر في المحضر الوثائق التي سلمت له بعد أن يضمها إلى ملف المعاملة التنفيذية. وتدوين جميع الإجراءات التي استدعاها التنفيذ من حيث إرسال الإخطار التنفيذي؛ وقرارات الحبس والحجز الصادرة ومعاملات القبض والصرف… وغيرها.
  4. وضع أموال المدين تحت الحجز، واتخاذ جميع الإجراءات المتعلقة بذلك، سواء كان الحجز على أموال المدين لدى المدين نفسه أم لدى الغير، سندا للفصل الثاني من قانون التنفيذ.
  5. إعداد الأموال التي سبق الحجز عليها للبيع، والقيام على إجراءات البيع حتى الانتهاء منه، والبيع الفوري بناء على أمر قاضي التنفيذ للأموال سريعة التلف أو التي تكون كلفة الحفاظ عليها لا تتناسب مع قيمتها، سندا للفصل الثاني من قانون التنفيذ.
  6. الإشراف على الموظفين العاملين في دائرة التنفيذ.
الفرع الثاني
مساعدو مأمور التنفيذ

لا يستطيع مأمور التنفيذ وحده القيام بكل ما تتطلبه مباشرة إجراءات التنفيذ من أعمال، لذلك قرر له القانون عددا كافيا من الموظفين دون تحديد عددهم؛ لمساعدته في أعمال التنفيذ سواء الكتابية أو غير الكتابية، ومنهم كاتب التنفيذ الذي يقوم بمعاونة مأمور التنفيذ في معاملة الحجز وفق المادتين 80 و81 من قانون التنفيذ

فمساعدو مأمور التنفيذ هم طائفة من الموظفين يقومون بمعاونة قاضي التنفيذ ومأمور التنفيذ في تأدية وظيفتهما في إجراءات تنفيذ السندات التنفيذية، وهم مكلفون بتنظيم أوراق ومحاضر دائرة التنفيذ؛ وجميع ما يعهد به إليهم قاضي التنفيذ ومأموره، كإجراء المعاملات التنفيذية من حجز وتخلية وبيع.

حيث يختص الكتبة بتنظيم أوراق الدائرة ومحاضرها وسائر ما يعهد به إليهم قاضي التنفيذ أو المأمور. بينما يختص المحضرون بتبليغ الأوراق المتعلقة بالتنفيذ والالتزام بتنفيذ أوامر قاضي التنفيذ ومأموره.

وقد خولهم القانون حق مراجعة الشرطة لتمكينهم من القيام بما يعهد به إليهم من وظائف تنفيذية؛ بناء على أمر خطي من قاضي التنفيذ أو مأموره، ويجب على كل من يبرز له هذا الأمر الخطي أن يساعدهم على القيام بوظائفهم، ويقع تحت طائلة المسئولية إذا امتنع عن تقديم المساعدة.

وعلى ذلك فإن الكتبة والمحضرين يقومون بوظيفة قاضي التنفيذ ومأموره بوصفهم وكلاء عنهما، وإذا امتنع القائم بالتنفيذ عن القيام بأي إجراء من إجراءات التنفيذ كان لصاحب الشأن أن يرفع الأمر بطلب إلى قاضي التنفيذ. (20) متظلما من فعل أو امتناع الموظف، ويكون لقاضي التنفيذ بما له من سلطة الرئيس على المرؤوس؛ أن يأمر الموظف بإزالة المخالفة والقيام بالعمل وفقا للقانون، مع ما يملكه من جزاءات تأديبية. (21)

كما يكون لصاحب الشأن إقامة دعوى مدنية بالتعويض عن الضرر الذي ألحقه به الموظف، مختصما الوزارة التي يتبعها، استنادا لقواعد مسئولية المتبوع عن فعل التابع إذا توافرت شروطها. (22)

(1)(1) المادة 233 من قانون العقوبات رقم 16. لسنة 1960 ونصها (من استوفى حقه بنفسه وهو قادر على أن يراجع في الحال السلطة ذات الصلاحية عوقب بغرامة لا تتجاوز عشرة دنانير). والمادة 234 ونصها (إذا اقترن الفعل المذكور في المادة السابقة بالعنف، عوقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمسة وعشرين دينارا). والمادة 235 ونصها تتوقف الملاحقة على شكوى الفريق المتضرر إذا لم تقترن الجنحة المذكورة بجريمة أخرى تجوز ملاحقتها بلا شكوى.

(2)(2) كان التنفيذ الجبري وفق قانون الإجراء رقم 31 لسنة 1952 الملغى يتم عن طريق دائرة تسمى دائرة الإجراء، وكان يرأس هذه الدائرة رئيس يسمى رئيس الإجراء. وكانت هذه المهمة تسند لرئيس محكمة البداية، وفي المناطق التي لا يوجد فيها محكمة بداية كانت تسند لقاضي الصلح في تلك المنطقة وكان لرئيس المحكمة أن يعين بأمر كتابي أي قاضي بداية أو صلح لمساعدته في مهمته كرئيس إجراء (المادة 3)

(3)(3) أسامة الكيلاني، أحكام التنفيذ في المواد المدنية والتجارية بمقتضى قانون التنفيذ الفلسطيني، الطبعة الثانية، 2008، صفحة 41 و42. ويشير إلى أن الاجتهاد في فرنسا ولبنان استقر على ذلك.

(4)(4) المادة 58/1 من قانون التنفيذ.

(5)(5) لم يأخذ القانون بما تقرره بعض التشريعات الأجنبية من جعل الاختصاص في حالة تعدد العقارات وتفرقها في أكثر من دائرة واحدة، للقاضي الذي يوجد في دائرته أكثر هذه العقارات قيمة، نظرا لما يثيره هذا الحل من صعوبة تحديد العقار الأكثر قيمة مما ينعكس على تحديد الاختصاص المحلي. أحمد المليجي، الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الجزء الخامس، الطبعة الرابعة طبعة نادي القضاة، 2005، صفحة 827.

(6)(6) فتحي والي التنفيذ الجبري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1991، صفحة 151.

(7)(7) عبد الله الفرا، محاضرات في التنفيذ الجبري وفقا لقانون التنفيذ رقم 23 لسنة 2005 ، سنة 2007/2008 ، صفحة 194و 195.

(8)(8) أحمد المليجي، المرجع السابق، صفحة 771 و 772.

(9)(9) وقد جاء النص مطلقا لذلك يجوز أن يكون قاضي التنفيذ من قضاة الصلح التابعين لمحكمة البداية ومع ذلك جرى العمل على انتداب قاضي بداية ليكون قاضي تنفيذ.

(10)(10) وجدي راغب التنفيذ والنظرية العامة للعمل القضائي، 1974، صفحة 247.

(11)(11) كما أن له بصفته رئيسا لدائرة التنفيذ سلطة توقيع الجزاء على مرؤوسيه عند الإخلال بواجباتهم. المادة 2/2 من قانون التنفيذ.

(12)(12) المادة 9 من القانون.

(13)(13) المواد 2 و3 و70 و141 من قانون التنفيذ وغيرها.

(14)(14) المادة 83.

(15)(15) المادة 96.

(16)(16) المواد 3/1 و156 و164.

(17)(17) المادة 2/3.

(18)(18) محمود هاشم قواعد التنفيذ وإجراءاته في قانون المرافعات، ط2، 1991 ص 324.

(19)(19) محمد عبد الخالق عمر، مبادئ التنفيذ، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974، ص 69 – 71.

(20)(20) المادة 2/2 من قانون التنفيذ.

(21)(21) محمود هاشم، المرجع السابق، صفحة 364.

(22)(22) مصطفى عياد، أصول التنفيذ الجبري، الكتاب الأول، الطبعة الأولى، قطاع غزة، 1999/2000 صفحة 164.