الفصل الأول – إنشاء الشيك

المبحث الثاني

الشروط الشكلية

الشيك محرر مكتوب يجب أن تتوفر فيه بيانات معينة نص عليها القانون ، ويجوز للأطراف أن يضيفوا إليها بيانات أخرى .

لذلك فإننا سنتكلم عن ضرورة الكتابة ، والبيانات القانونية ، وجزاء نقص أحد هذه البيانات أو صوريتها أو تحريفها ، والبيانات الاختيارية ، في المطالب التالية :

المطلب الأول :ضرورة الكتابة .
المطلب الثاني :البيانات القانونية .
المطلب الثالث :أثر تخلف أحد البيانات القانونية أو صوريته أو تحريفه .

المطلب الأول

ضرورة الكتابة

يشترط في الشيك أن يكون في محرر مكتوب ، وأن يشتمل على بيانات معينة واردة في القانون . وهذا الشرط ضروري لقيام الشيك بوظائفه باعتباره أداة بديلة عن النقود في الوفاء بالديون .

والكتابة ليست شرطاً لإثبات الالتزام في الشيك فحسب ، بل هي شرط لوجود هذا الالتزام . فلا يوجد الشيك قانونا إلا إذا صدر في صك مكتوب، كما أن الكتابة هي التي تسمح بتداول الورقة التجارية عن طريق التظهير أو التسليم . فإذا لم يوجد الدليل الكتابي لا يمكن الادعاء بوجود شيك، وإذا لم يوجد المحرر لا يجوز إثبات وجود الشيك بأي طريق آخر غير الكتابة كالشهادة أو اليمين ، كما لا يجوز إثبات البيان الناقص في الشيك بدليل آخر .

ولكن إذا استوفى الشيك الشروط القانونية ، فإنه يجوز إثبات ضياعه بواسطة الشهود، لأن الإثبات في هذه الحالة ينصب على واقعة فقدان الشيك وليس على إنشائه .

ويجب كتابة جميع بيانات الشيك في صك واحد ، وكذلك يجب كتابة جميع العمليات اللاحقة على إنشاء الشيك كالتظهير على ذات الصك . فإذا استغرقت البيانات المتعددة وجه الصك وظهره ، وجب كتابة العمليات اللاحقة على ورقة ملصقة بالورقة الأصلية تسمى بالوصلة .

ولكن لا يشترط أن تكون البيانات مكتوبة بخط الساحب أو المحرر، فلا مانع أن تكون مكتوبة بخط غيره أو مطبوعة، ولكن يشترط أن يضع الساحب توقيعه عليها، وهذا التوقيع قد يكون بالإمضاء أو الختم أو البصمة . وقد جرت العادة باستعمال محرر مطبوع يتضمن بعض الفراغات يتم تعبئتها من قبل أصحاب الشأن كما قد يقنع الساحب بالتوقيع على بياض تاركاً للمستفيد ملء البيانات اللازمة في الوقت الذي يراه مناسباً ، مع أن هذا المسلك محفوف بالمخاطر إذا اتضح أن المستفيد لم يكن أهلاً للثقة.

والغالب أن يفرغ الشيك في محرر عرفي ، ولكن يمكن أن يكون في محرر رسمي لدى الكاتب العدل ، مع أن ذلك نادر لما في الرسمية من إجراءات وتكاليف لا تتفق مع دواعي السرعة والتبسيط التي تتسم بها الحياة التجارية .

ولا أهمية للمادة التي يحرر عليها الشيك ، فيمكن كتابته على الورقة أو على قماش. وقد حُكم في النمسا بصحة السفتجة المكتوبة على علبة سجائر .

ويلاحظ بالنسبة للشيكات أن البنوك تعطي عملاءها – من باب التسهيل عليهم في سحب ودائعهم – دفاتر يتضمن كل واحد منها عدداً من الشيكات المطبوعة ، ويكتفي العميل عند الحاجة بأن يملأ الفراغات المتروكة في شيك منها للمبلغ والتاريخ واسم المستفيد ثم يقوم بتوقيعه . على أن تسليم العميل دفتر شيكات لا يستبعد حق العميل في سحب ودائعه بطريقة أخرى ، كأن يتقدم بنفسه ويسحب منها نظير إيصال، ما لم يتفق على غير ذلك. كما لا يحق للبنك رفض الوفاء لمجرد أن الورقة المقدمة ليست من الدفتر الذي سلمه للعميل ما دامت مستوفية لجميع الشروط القانونية للشيك .

ومع ذلك فإن البنوك قد تلجأ – زيادة في الاحتياط – إلى الاتفاق مع العميل على أن البنك لا يدفع قيمة الشيك إلا إذا كان مسحوباً على ورقة من الدفتر . وقد يشترط البنك على عميله هذا الشرط فيعلن أنه لن يفي بقيمة الشيكات غير المستخرجة من الدفتر، ويرد هذا الشرط عادة في عبارة على غلاف دفتر الشيكات. فإذا قبل العميل هذا الشرط فهو شرط صحيح ويجب احترامه. ولكن الرأي السائد في مصر يذهب إلى أن هذا الشرط واجب الاحترام فقط في علاقات من كانوا أطرافاً في الاتفاق، فهو لا يقيد حامل الشيك الذي يحق له أن يقبض قيمة الشيك متى وجد له مقابل وفاء رغم كتابته على ورق عادي، ويكون البنك ملزماً بإجابته إلى ذلك باعتبار أنه مالك لمقابل الوفاء .

وعلى الرغم من عدم وجود نص قانوني يوجب إصدار الشيكات على النماذج الصادرة من البنوك ، فإننا نرى أن الرأي السابق لم يعد له مكان في الوقت الحاضر ، بعد أن استقر في أذهان الناس أن الشيك لا يكون صحيحا إلا إذا حرر على نموذج البنك ، واستقرت البنوك في تعاملها على ذلك فلم يعد للشيكات المحررة على ورق عادي وجود ، بحيث يمكن القول بأن العرف المصرفي قد جرى على ذلك . ونأمل أن يتدخل المشرع ويقرر ذلك صراحة .

الكفاية الذاتية :

لا يكفي أن يكون الشيك ثابتا في محرر مكتوب ، بل يجب أن يستقل هذا المحرر بذاته لتحديد مدى الالتزام الثابت في الشيك وأوصافه ، بحيث يكفي مجرد النظر إلى الشيك لمعرفة مقدار الحق الذي تتضمنه ، دون حاجة إلى الاستعانة بواقعة خارجة عن نطاقها .

لذلك يجب أن تكون قيمة الشيك محددة على وجه نهائي لا يدع مجالاً للنزاع ، وأن لا يكون أداء الحق الثابت في الشيك معلقا على شرط ، وهو ما يسمى بالكفاية الذاتية للشيك .

والكفاية الذاتية نتيجة منطقية للشكلية في الأوراق التجارية ، وقد تقررت لتستطيع الورقة القيام بوظيفتها كأداة وفاء بديلة عن النقود ولتيسر تداول الورقة التجارية لأنها تحمي حامل الورقة من أية مفاجآت فيطمئن المتعاملون بالورقة التجارية إلى قبولها .

وعلى ذلك إذا أحالت الورقة إلى واقعة أو وثيقة خارجة عنها ، كأن يعلق أمر الدفع على شرط خلو كشف الحساب المرفق بالورقة من السهو أو الغلط ، أو أن يتم تحديد المبلغ وفقاً لعلاقة الدائنية والمديونية بين أطراف الورقة ، كأن يذكر ” ادفعوا ما تلتزمون به نحوي ” أو ” ادفعوا مبلغ حسابي طرفكم “. أو أن يعلق تاريخ الاستحقاق على تحقق شرط معين . فإن ذلك يفقد الورقة وصف الورقة التجارية لأنها تفقد شرط الكفاية الذاتية ، وتكون مجرد سند عادي يخضع للقواعد العامة في القانون المدني .

أما إذا كانت الإحالة خاصة بواقعة لا تؤثر على حقوق الحامل والتزاماته ، كما لو ذكر في الورقة التجارية، أن القيمة وصلت وفقاً للعقد المحرر اليوم ، أو بضاعة ، أو نقداً، أو تسوية للحساب، أو للوفاء بالأجرة أو الأتعاب . فلا يؤثر ذلك على ذاتية الورقة ما دام أنه لم يذكر فيها أن وجود الدين ذاته ، أو تحديد المبلغ محل الورقة ، أو ميعاد الوفاء ، يخضع لشروط الواقعة أو العقد المشار إليه .

وتصل الكفاية الذاتية للورقة التجارية إلى حد أن الحق يختلط بالصك الثابت فيه ، بحيث يكون التنازل عن هذا الصك بمثابة التنازل عن ذات الحق ، كما سنرى في التظهير . كما يترتب عليها استقلال الالتزام الصرفي الناتج عن السند عن العلاقة الأصلية ، وكذلك استقلال التواقيع التي تحملها الورقة التجارية .

ومن النتائج التي تترتب على الكفاية الذاتية للورقة التجارية ، انه يجب تفسير العبارات الواردة فيها تفسيراً ضيقاً ، أي الاقتصار في هذا التفسير على العبارات الواردة في الورقة دون البحث عن الإرادة الحقيقية للموقع عليها ، لأن الثقة التي يجب توفرها في الورقة التجارية تستمد من الشكل الخارجي الذي يعتمد عليه من يتلقى الورقة التجارية بحسن نية ، لذلك لا أثر للعيب الذي يصيب رضا الموقع على الورقة التجارية على التزامه بالوفاء للحامل حسن النية ، ما دامت العبارات التي تضمنتها الورقة لا تكشف عن وجود هذا العيب .