الفصل الأول – إنشاء الشيك

المطلب الثالث

أثر تخلف أحد البيانات القانونية أو صوريته أو تحريفه

أولا : تخلف البيانات القانونية

رأينا عند شرح البيانات القانونية في الشيك ، أن نقص بعض البيانات فيها لا يؤثر في صحته ولا يفقده صفته كورقة تجارية. وإنما يستعاض عنها بسواها من بيانات أخرى مذكورة في الشيك ذاته.

أما بالنسبة لبعض البيانات الأخرى وهي مبلغ الشيك وتوقيع الساحب واسم المسحوب عليه فإن تخلف أي منها يفقد السند صفته ولا يصح اعتباره شيكا، ولا تنطبق عليه أحكام قانون الصرف . ولكنه يعد سنداً عادياً ، إذا توفرت له شروط صحة السند العادي ، ويخضع للأحكام العامة للالتزامات .

ويثور السؤال : ما الحكم إذا تم إكمال البيان الناقص قبل تقديم الشيك للوفاء ؟

وفي الإجابة على هذا السؤال نجد أنه لم يرد في قانون التجارة الأردني نص يعالج هذه المسألة ، لذلك فإن تكملة السند تخضع لحكم القواعد العامة . وعلى ذلك نفرق بين حالتين :

الحالة الأولى : أن يتم إكمال البيان الناقص طبقا لما اتفق عليه بين الساحب والمستفيد . وفي هذه الحالة يعد الشيك صحيحاً وينتج جميع آثاره القانونية ، بحيث يلتزم الساحب بالنسبة إلى كل حامل تلقاه بعد التصحيح ، لأنه لا فرق بين أن يكتب مصدر الشيك البيانات على ورقة الشيك بنفسه أو أن يستكتبها غيره .

الحالة الثانية : أن يتم إكمال البيان الناقص خلافاً للاتفاق ، ومثال ذلك أن يكتب المستفيد مبلغاً غير المتفق عليه ، وفي هذه الحالة لا يلتزم الساحب قبل المستفيد الذي خالف التعليمات .

أما إذا قام المستفيد بتظهير الشيك إلى شخص آخر ، فينبغي أن نفرق في هذه الحالة بين الحامل حسن النية والحامل سيئ النية . فإذا كان الحامل حسن النية يبقى الساحب ملتزماً قبله وفقاً لبيانات السند تطبيقاً للقواعد العامة في المسؤولية عن الفعل الضار الواردة في القانون المدني ، إذ يعد الساحب الذي سلّم السند الناقص مخطئاً ويلتزم بضمان الضرر في مواجهة الحامل حسن النية . أما إذا كان الحامل سيئ النية فإن الساحب يستطيع أن يتمسك في مواجهته ببطلان السند ، لأن مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع لا يسري بحق الحامل سيئ النية .

ثانياً : الصورية

يقصد بالصورية أن تكون الورقة التجارية قد تضمنت جميع البيانات الإلزامية التي نص عليها القانون ، ولكن بعض هذه البيانات ذكر على خلاف الحقيقة . كما لو ذكر تاريخ إنشاء سابق أو لاحق للتاريخ الحقيقي ، أو مكان للوفاء غير المكان المتفق عليه ، أو سبب للالتزام غير السبب الحقيقي ، أو أن يضع الساحب توقيعاً غير توقيعه الحقيقي، أو أن يكون توقيع الساحب مزوراً .

ولم يعالج قانون التجارة لسنة 1966 سوى حالة الصورية في توقيع الساحب وذلك في المادة (130/1) منه ، حيث أوجب تطبيق مبدأ استقلال التواقيع ، فنص على أنه :

  1. إذا حمل سند السحب تواقيع أشخاص لا تتوفر فيهم أهلية الالتزام به أو تواقيع مزورة أو تواقيع أشخاص وهميين أو تواقيع لا تلزم لأي سبب آخر الأشخاص الذين وقعوا السند أو الذين وقع باسمهم ، فذلك لا يحول دون صحة التزام موقعي السند الآخرين ” .

وحكم هذا النص هو تطبيق للقواعد العامة للصورية الواردة في المادتين 368 و 369 من القانون المدني الأردني ، فالأصل وفقاً لهاتين المادتين أن الصورية لا تفقد الورقة التجارية صفتها ، ولا تؤدي في حد ذاتها إلى بطلان الالتزام الثابت في السند ، وإنما يتوقف الأمر على العلاقة الحقيقية التي يخفيها المتعاقدان .

فإذا كانت هذه العلاقة صحيحة ومشروعة كان الالتزام صحيحاً، وبالتالي لا يحتج بالبيان الحقيقي قبل الحامل حسن النية الذي يتمسك بالبيان الظاهر .

أما إذا كانت الصورية تتضمن تحايلاً غير مشروع وتخفي حقيقة باطلة ، كنقص الأهلية أو تزوير التوقيع ، فإن هذا الدفع يسري في مواجهة جميع حملة السند ولو كانوا حسني النية ، لأن هذا الدفع لا يطهره التظهير كما سنرى عند بحث قاعدة تطهير الدفوع.

على أن بطلان التزام ناقص الأهلية أو من زور توقيعه لا يحول دون صحة التزامات باقي الموقعين على السند تطبيقاً لمبدأ استقلال التواقيع .

كذلك الحال بالنسبة لسبب التزام الساحب ، فإذا كانت الصورية تخفي السبب الحقيقي للالتزام ، وكان هذا السبب الذي تخفيه الصورية مشروعاً ، كأن يذكر أن القيمة وصلت نقداً في حين أن الساحب تسلم بضاعة ، فلا يترتب على صورية السبب بطلان التزام الموقع . أما إذا كانت الصورية تهدف إلى إخفاء سبب غير مشروع ، كأن يذكر أن القيمة وصلت بضاعة أو نقداً ، في حين أن السند حرر للوفاء بدين قمار، فإن هذه الصورية تؤدي إلى بطلان التزام الموقع ، غير أن هذا البطلان لا يحتج به في مواجهة الحامل حسن النية .

وتعد البيانات المذكورة في الورقة التجارية صحيحة ومطابقة للحقيقة إلى أن يثبت العكس . ويجوز إثبات الصورية بطرق الإثبات كافة .

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 368 من القانون المدني تنص على أنه :

  1. إذا أبرم عقد صوري فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص متى كانوا حسني النية أن يتمسكوا بالعقد الصوري ، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم .
  2. وإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن . فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر ، كانت الأفضلية للأولين ” .

لذلك فإنه يجوز للحامل حسن النية أن يتمسك بالوضع الظاهر إذا كان ذلك في مصلحته ، كما أن له أن يتمسك بالصورية في مواجهة من قام بها أو اشترك فيها ، إذا كان له مصلحة في ذلك ، كما لو أراد استبعاد بعض أحكام قانون الصرف كالتقادم القصير أو سقوط حق الحامل المهمل في الرجوع على الضامنين ، ولكن لا يجوز له تجزئة آثار الصورية والتمسك بكل من الوضع الظاهر والمستتر معاً .

ثالثاً : التحريف

يقصد بالتحريف إجراء تغيير مادي في البيانات المدونة في السند بعد كتابتها إما بالإضافة أو الحذف أو الشطب أو الحك أو التحشية أو استعمال المواد الكيماوية . مثل زيادة مبلغ السند ، أو تقديم أو تأخير تاريخ إنشاء السند أو ميعاد الاستحقاق ، أو حذف اسم أحد الملتزمين وإحلال اسم آخر محله .

ولكن الغالب عملاً أن يقع التحريف على مبلغ السند بعد طرحه للتداول ، وقد بحثت هذه الحالة المادة 213 من قانون التجارة بقولها ” إذا وقع تحريف في متن السند التزم الذين وقعوه فيما بعد بمقتضى متنه المحرف أما الموقعون السابقون فملزمون بمقتضى متنه الأصلي “.

ويتضح من هذا النص أنه يفرق بين الموقعين على السند قبل تحريفه وهؤلاء لا يلتزمون إلا بمضمون النص الأصلي قبل التحريف لأنهم وقعوا على أساسه . وبين الموقعين بعد التحريف فيلتزمون بحسب النص المحرف ، أي بحسب مضمونه الجديد بعد التحريف .

وهذا الحكم يتفق مع استقرار التعامل ومع الشكلية التي تعد من الأسس التي يقوم عليها قانون الصرف ، فكل موقع على السند يلتزم بما اشتمل عليه السند من بيانات عند توقيعه عليه .