الفصل الأول – الأحكام العامة في الشركات التجارية

الفرع الثالث

إدارة الشركة العادية العامة

لا تستطيع الشركة العادية – كشخص اعتباري – أن تعبر عن إرادتها والقيام بالأعمال التي أنشئت من أجلها إلا بوساطة أشخاص طبيعيين ، لذلك يغلب أن يتفق الشركاء في عقد الشركة أو في اتفاق لاحق على تسمية شخص أو عدة أشخاص من بينهم أو من الغير لإدارة أعمال الشركة . أما إذا لم يتضمن عقد الشركة تسمية مدير لها، ولم يتفق الشركاء على تعيين مدير بعقد لاحق ، فإن كل شريك يعتبر وكيلا عن باقي الشركاء في مباشرة أعمال الشركة وفي التصرف بما يحقق الغرض الذي أنشئت من أجله، وبالتالي يجوز لكل شريك أن يقوم منفردا بجميع أعمال الإدارة . على أن هذا الفرض بعيد الاحتمال حيث يتم عادة تعيين مدير أو أكثر للشركة ، لذا سوف نبين مركز المدير من حيث طريقة تعيينه وكيفية عزله ، وسلطته ، والمسؤولية الناشئة عن أعماله .

تعيين المدير :

يمكن أن يتفق الشركاء في عقد الشركة على تعيين مدير للشركة من الشركاء أو من غيرهم ، ويسمى في هذه الحالة بالمدير الاتفاقي . كما يمكن أن يعين فيما بعد بعقد مستقل لاحق لعقد الشركة ، ويسمى في هذه الحالة بالمدير غير الاتفاقي . ويلزم لتعيين المدير في هذه الحالة الأغلبية التي يوجبها عقد الشركة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالإدارة .

عزل المدير :

تتوقف طريقة عزل المدير على طريقة تعيينه ، فإذا تم تعيين المدير في عقد الشركة وكان في نفس الوقت شريكا في الشركة ، لا يجوز عزله ما دامت الشركة قائمة إلا برضاه ، وذلك لأن الاتفاق على تعيينه هو جزء من عقد الشركة وفي عزله تعديل لهذا العقد ، ولا يجوز إجراء هذا التعديل إلا بإجماع الشركاء بما فيهم المدير الشريك نفسه .

فإذا أبدى الشركاء رغبتهم في أن يترك المدير الإدارة ولكنه رفض ذلك ، كان لكل شريك أن يطلب من المحكمة عزله إذا وجد سبب مشروع كما إذا أساء الإدارة ، أو صدر منه إهمال خطير ، أو ارتكب غشا أو خيانة أضرت بمصالح الشركاء أو الشركة . وفي هذه الحالة يجوز للمحكمة إذا اقتنعت بضرورة عزل المدير وبناء على طلب الشريك مقدم الدعوى حل الشركة ، أو فصل المدير الشريك مع بقاء الشركة قائمة بين الباقين .

ويقابل هذه الحماية التعاقدية للمدير الاتفاقي الشريك أنه لا يجوز له أن يعزل نفسه أو يستقيل في وقت يلحق بالشركة ضررا ، إلا إذا وجدت أسباب قوية تبرر ذلك كمرض أو شيخوخة أو عاهة . ويؤدي خروج المدير إلى حل الشركة لأن بقاءه في منصبه ركن فيها ، إلا إذا وجد شرط بخلاف ذلك.

أما إذا كان المدير غير اتفاقي ، أو كان اتفاقيا ولكنه غير شريك، فإنه يعد وكيلا عن الشركة ، لذا يجوز عزله في أي وقت بالأغلبية اللازمة للتعيين لتعلق ذلك بإدارة شؤون الشركة . كما يجوز له أن يستقيل من الإدارة طبقا لأحكام الوكالة .

سلطة المدير :

يحدد عقد الشركة أو عقد تعيين المدير ، في الغالب ، سلطة المدير والأعمال التي يجوز له القيام بها ، وفي هذه الحالة يكون له أن يقوم بجميع تلك الأعمال وما يتصل بها من توابع ضرورية . فإذا لم تحدد هذه السلطة ، وجب عليه القيام بجميع أعمال الإدارة والتصرف في حدود أغراض الشركة وفقا لما جرى به العرف التجاري.

وطالما أن المدير يباشر سلطاته في حدود غرض الشركة ، ليس للشركاء التدخل في الإدارة، ويقتصر حقهم على الاطلاع بأنفسهم على دفاتر الشركة ومستنداتها ، أما إذا خرج المدير عن نطاق اختصاصاته، فإنه يضمن كل ضرر يلحق بالشركة من جراء تصرفه .

ولا يجوز للمدير أن يعقد تعهدات مع الشركة لحسابه الخاص ، ولا يتعاطى أعمالا مشابهة أو منافسة لأعمالها إلا بناء على موافقة الشركاء الخطية . كما لا يجوز له أن ينيب عنه غيره في القيام بأعمال الشركة ، لأن الشركاء وثقوا بشخص المدير، وقد لا تتعدى هذه الثقة إلى غيره . على أن له أن ينيب غيره للقيام بعملية معينة إذا كان مأذوناً بذلك ، على أن يكون مسؤولاً عن عمل النائب كما لو كان هذا العمل قد صدر منه .

تعدد المديرين :

إذا تعدد مديرو الشركة فيجب التمييز بين حالتين : الأولى أن يحدد عقد الشركة سلطة كل واحد من المديرين ، أو أن ينص على أن لا ينفرد أحدهم بعمل لوحده ، فإنه يجب مراعاة الشرط الوارد في العقد . وهو يلزم الغير إذا جرى شهره ، فلا تسأل الشركة عن عمل أحد المديرين إذا تجاوز به مدى سلطته أو قام به منفرداً خلافاً للشرط . ولكن يسمح للشريك في حالة عدم الإذن له بالانفراد في الإدارة أن يعمل منفرداً فيما لا يحتاج فيه إلى تبادل الرأي ، أو في أمر عاجل يترتب على تفويته ضرر الشركة . والثانية أن لا يعين العقد دائرة عمل كل مدير ، وفي هذه الحالة يستطيع كل واحد منهم أن يقوم بمفرده بجميع أعمال الإدارة المختلفة .

حقوق المدير ومسؤوليته :

يجوز أن يتم تعيين مدير الشركة بأجر أو بغير أجر . والغالب أن يتم تحديد أجر المدير في عقد الشركة أو عقد تعيينه ، وإذا لم يحدد الأجر في أيهما، نفرق بين المدير الشريك . الذي لا يحق له أن يتقاضى مكافأة مقابل إدارته إلا بموافقة باقي الشركاء ، وبالتالي فإن عدم تحديد أجر له يفترض أنه يعمل بغير أجر . وبين المدير من غير الشركاء الذي لا يفترض أن يعمل بالمجان إلا إذا نص على ذلك صراحة ، لذا فإنه في حالة عدم تحديد أجره يرجع إلى العرف . ويكفي لتحديد أجرة المدير غير الشريك موافقة أغلبية الشركاء . فإذا لم يتفق على مقدار الأجر ، للمدير أن يلجأ إلى المحكمة لتحديده .

وينبغي على المدير أن يقوم بعمله بكل أمانة وإخلاص ، وأن يقدم حسابات صحيحة ومعلومات تامة عنه إلى كل شريك، وعليه أن يبذل في رعاية أمور الشركة عناية الرجل المعتاد .

ويسأل المدير أمام الشركة مسؤولية عقدية ناشئة عن العقد الذي يربطهما إذا تعدى حدود الصلاحيات الممنوحة له ، أو قصر في أداء واجبه ، أو استغل اسم الشركة بأمر لحسابه الخاص ، حيث يرجع الشركاء عليه بما تحملوه من خسائر . كما يسأل أمام الغير مسؤولية تقصيرية إذا نسب إليه تعد (خطأ) . وفي حالة تعدد المديرين يكونون مسؤولين بالتضامن عن أخطائهم المشتركة كما هو الحال عند تعدد الوكلاء . على أنهم لا يسألون عما فعله أحدهم مجاوزا حدود سلطته .

وقد يسأل المدير شخصيا مسؤولية جنائية ، فهو أمين على أموال الشركة ، لذا فإنه يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة إذا بدد شيئا من أموال الشركة أو اختلسها .

مسؤولية الشركة عن أعمال المدير :

قد تكون مسؤولية الشركة عن أعمال المدير مسؤولية عقدية أو مسؤولية تقصيرية .

أولاً : المسؤولية العقدية :

يقوم المدير بالتعبير عن إرادة الشركة والتصرف لحسابها ، ولذلك تلتزم الشركة بكل عمل يقوم به عنها إذا تعاقد باسمها في حدود سلطته ، حتى لو قام بهذا العمل لحسابه الخاص مستغلا تلك السلطات ، ما دام من تعامل معه حسن النية .

أما إذا خرج عن نطاق الصلاحيات المعطاة له ، فإن تحديد سلطته لا يلزم الغير لذا تلزم الشركة بتصرفاته ، إلا إذا كان عقد الشركة أو أية وثيقة لاحقه لم يخول المدير صلاحية القيام بهذا العمل نيابة عن الشركة، وتم شهر هذا العقد أو الوثيقة وفقا للقانون، ففي هذه الحالة لا تسأل الشركة عن التصرف الذي تجاوز فيه صلاحياته ، وإنما يلتزم به المدير شخصيا . فإذا كان عقد الشركة أو عقد تعيين المدير قد منع المدير من الاقتراض مثلا، وكان هذا العقد قد سجل ونشر وفقا للقانون، ثم قام المدير بالاقتراض فلا يكون للمقرض سوى الرجوع على المدير شخصيا ولو كان المقرض حسن النية، فلا يعذر لجهله هذه الحدود ما دامت قد شهرت بالطريق القانوني. وكذلك الحال إذا كان الغير سيئ النية، أي إذا كان عالما بمدى حدود سلطة المدير رغم عدم الشهر ، فلا يحق الرجوع عندئذ على الشركة إلا إذا كانت قد استفادت من عمل المدير فتكون ملزمة تجاه الغير بالقدر الذي استفادت منه عملا بنظرية الكسب بلا سبب .

ثانيا : المسؤولية التقصيرية :

تسأل الشركة أمام الغير عن التعديات (الأخطاء) التي تقع من المدير بمناسبة تأدية وظيفته ، وذلك وفقاً لقواعد الفعل الضار، لأن ما يقع من المدير يعتبر واقعا من الشركة شخصيا لأنه يعبر عنها. فإذا ارتكب المدير عملا من أعمال المنافسة غير المشروعة مثلا ، كانت الشركة مسؤولة عن تعويض هذا الضرر على أساس قواعد مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه