الفصل الأول – القواعد العامة للطعن في الأحكام

المبحث الثالث

الحكم المطعون فيه

      تنص الفقرة الثالثة من المادة (191) على أنه “لا يقبل الطعن في الأحكام الصادرة بناء على اتفاق الخصوم”.

      كما تنص المادة (192) على أنه “لا يجوز الطعن في القرارات التمهيدية التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا مع الحكم الفاصل في موضوع الدعوى كلها عدا:

  1. القرارات الوقتية والمستعجلة.
  2. القرارات الصادرة بوقف الدعوى.
  3. القرارات القابلة للتنفيذ الجبري.
  4. الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة، وفي هذه الحالة يجب على المحكمة المحال إليها الدعوى أن توقفها حتى يفصل في الطعن.
  5. الحالات التي نص القانون على جواز الطعن فيها استقلالا.

      ويتبين من هذين النصين أنه يشترط لقبول الطعن في الحكم شرطان:

الشرط الأول: أن لا يكون الحكم قد صدر بناء على اتفاق الخصوم، لأن هذا الحكم ينطوي على صلح بين المتخاصمين، ومتى تم صحيحا فلا يجوز لأي من أطرافه الرجوع فيه.

الشرط الثاني: أن يكون الحكم منهيا للخصومة، أي يؤدي إلى انقضاء الخصومة أمام المحكمة التي تتولاها، سواء أكان حكما فاصلا في الموضوع كالحكم بإجابة طلبات المدعي مثل إلزام المدعى عليه بدفع الدين، أم برفض طلباته، أم كان حكما إجرائيا كالحكم ببطلان الإجراءات، أو بسقوط الخصومة، أو بطلان لائحة الطلب العارض، أو انقضاء الدعوى بالتقادم؛ أو اعتبارها كأن لم تكن.(1)

      أما القرارات التمهيدية التي تصدر أثناء السير في الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها؛ فإنها لا تقبل الطعن – كقاعدة عامة – إلا مع الطعن في الحكم المنهي للخصومة. وبناء على ذلك لا يقبل الطعن بالاستئناف القرار القاضي بإجراء محاكمة المدعى عليه حضوريا لعدم تقديمه لائحة جوابية (2) وقرار المحكمة برفض طلب استئخار الدعوى، (3) والقرار القاضي بالسماح للمدعي ( المطعون ضده) بتقديم لائحة دعوى معدلة،(4) وقرار رفض طلب وكيل المدعى عليه إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى ،(1)  ومن ذلك أيضا القرار باختصاص المحكمة بنظر الدعوى أو بعدم قبول أي دفع شكلي، أو برفض الطلبات العارضة، أو برفض إثبات وقائع معينة بالشهادة لعدم جواز إثباتها بهذا الطريق، أو ببطلان عمل من أعمال الخبير، أو بندب خبير، أو بانتقال المحكمة للمعاينة، أو بضم القضية إلى أخرى، أو بالفصل بينهما، أو بتأجيل الدعوى لإعادة تبليغ خصم فيها، كما لا يجوز الطعن بالنقض في قرار قبول الاستئناف شكلا ،(2) والقرار بتكليف وكيل الطاعن بدفع فرق الرسم عن الدعوى البدائية خلال خمسة عشر يوما.(3) والقرارات المتعلقة بالإدخال والتدخل (4) … إلى غير ذلك من القرارات والأحكام المماثلة.

      وقد هدف المشرع من هذا النص تبسيط الإجراءات، ومنع تقطيع أوصال القضية الواحدة وتوزيعها بين مختلف المحاكم، وما يترتب على ذلك أحيانا من تعويق الفصل في موضوع الدعوى وزيادة نفقات التقاضي، وبخاصة أن الحكم في الموضوع قد يغني عن الطعن في القرار الصادر قبله فتنعدم المصلحة في هذا الطعن ولا يسبب ضررا للمحكوم عليه لأن له دائما الطعن فيه مع الحكم في الموضوع.

      ومع ذلك فقد استثنى المشرع عدة قرارات تمهيدية وأحكام غير منهية للخصومة، وأجاز الطعن فيها فور صدورها وذلك لأن صدور الحكم في الموضوع لا يغني مطلقا عن الطعن فيها مباشرة، لما تسببه من ضرر للمحكوم عليه لا يمكن أن يزول بصدور الحكم في الموضوع. وهذه القرارات والأحكام هي:

  1. القرارات الوقتية والمستعجلة:

      أجازت المادة 192 الطعن في القرارات الصادرة في المواد المستعجلة أيا كانت المحكمة التي أصدرتها، أي سواء كانت صدارة من قاضي الأمور المستعجلة أم من قاضي الموضوع، وذلك لأن لها كيانا مستقلا، فهي تتعلق بموضوع مستقل عن الدعوى الأصلية، والطعن في القرار الوقتي أو المستعجل لا يؤخر الفصل في الدعوى فلا يمنع استمرار نظرها وإصدار الحكم فيها، فضلا عن أنها تسبب ضررا مباشرا لأنها تقبل التنفيذ الجبري فيقتضي الأمر التظلم منها في الحال.

      ويجوز الطعن في القرار الوقتي أو المستعجل دائما مهما كانت قيمة الدعوى المستعجلة، ولو كان الحكم في موضوع الدعوى غير قابل للاستئناف.

      وقد يبدو غريبا أن يكون الحكم في الموضوع وهو أكثر خطورة غير قابل للطعن بالاستئناف، بينما يكون القرار بإجراء وقتي متعلق بهذا الموضوع قابلا للطعن بالاستئناف. ولكن علة ذلك أن القرار الوقتي يصدر بعد بحث سريع وبناء على الشواهد الإجمالية، مما يقتضي أن يكون محلا للمراجعة من محكمة أعلى.

  • القرارات الصادرة بوقف الدعوى:

    أجاز المشرع الطعن في هذه القرارات على استقلال لأن هذا الطعن لا يمزق الخصومة ولا يؤثر في سيرها، بل على العكس يؤدي في حالة نجاحه إلى تعجيل الفصل فيها. أما القرار الصادر برفض طلب الوقف ، أو القرار بإلغاء الوقف وإعادة الدعوى إلى محكمة أو درجة للفصل في موضوعها ، أو القرار بانقطاع الخصومة أو بشطب الدعوى  فإنه لا يقبل الطعن المباشر، لأن الخصم يملك السير في الخصومة بعد الانقطاع أو الشطب عن طريق تعجيلها فورا وهو ما لا يملكه في حالة الوقف.

  • القرارات القابلة للتنفيذ الجبري

      لم يبين المشرع المقصود بهذه القرارات ولم ينظم كيفية إصدارها والحالات التي تصدر فيها، ويبدو أن المقصود بها ما أطلق عليها المشرع المصري بالأوامر على العرائض، وهي قرارات صادرة من القضاة بناء على طلب خصم دون سماع أقوال الخصم الآخر ودون تكليفه بالحضور(1).

  • الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة

      فيجوز الطعن بالاستئناف في الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة مهما كانت قيمة الدعوى، أي حتى لو كانت قيمة الدعوى الصادر فيها الحكم لا تتجاوز النصاب النهائي لمحكمة الدرجة الأولى المعروض عليها النزاع. سواء أكان الحكم صادرا في دفع شكلي بعدم الاختصاص أو الإحالة، أم صادرا في إحالة نص عليها المشرع تحكم بها المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصم.

      أما إذا صدر القرار باختصاص المحكمة أو برفض إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى، فلا يجوز الطعن فيه إلا بعد صدور الحكم في الموضوع، لأن الحكم في الموضوع قد يغني المحكوم عليه بالقرار الفرعي من الطعن فيه فور صدوره، كما لو قررت المحكمة اختصاصها بنظر الدعوى، ثم حكمت بردها شكلا أو موضوعا.

      وقد أجاز المشرع استئناف الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة بصفة استثنائية لأنه يرفع يد المحكمة التي أصدرته عن نظر الدعوى، ولأن الكثير من قواعد الاختصاص يتعلق بالنظام العام، مما يستوجب أن يكون للخصوم دائما فرصة الطعن في الحكم الصادر فيها، وهذه الحكمة تتوافر في جميع الأحوال حتى لو كان الحكم في الموضوع لا يقبل الاستئناف سواء نظرا لقيمته أم نظرا لنوعه.

          ويجب على المحكمة المحال إليها الدعوى أن تقرر وقف إجراءات الخصومة أمامها حتى يصدر حكم في الطعن في حكم عدم الاختصاص والإحالة، وذلك تجنبا لإضاعة الوقت أمام تلك المحكمة ، خاصة أن الطعن قد ينتهي بعدم اختصاصها.

          ورغم أن هذا الوقف وجوبي على المحكمة المحال إليها الدعوى، إلا أنه ليس لها أن تقضي به إلا بناء على طلب ذي الشأن حيث إن وقف إجراءات الخصومة لا يتعلق بالنظام العام . وتبقى المحكمة موقفة للدعوى أمامها إلى أن يصدر الحكم من محكمة الطعن ، وبمجرد صدور هذا الحكم تستأنف الخصومة سيرها أمام المحكمة المحال إليها الدعوى فإن ثبت اختصاصها تستمر في نظر الدعوى. أما إذا صدر الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة المحيلة أو محكمة أخرى غير المحكمة المحال إليها، فإن على المحكمة المحال إليها بعد استئناف سير الخصومة أمامها، أن تقضي بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة التي حددها الحكم الصادر في الطعن .

          وهذا الاستثناء يتعلق بالأحكام الصادرة بعدم الاختصاص والإحالة إعمالا لنص المادتين 60 و93 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية ، فلا ينطبق حيث لا تسري هاتين المادتين ، ولذلك لا ينطبق الاستثناء على الإحالة إلى محكمة أخرى للارتباط أو لقيام ذات النزاع أمام المحكمة المحال إليها. 

  • الحالات التي نص القانون على جواز الطعن فيها استقلالا

احتاط المشرع في هذه الفقرة وترك الباب مفتوحا لجواز استئناف قرارات أو أحكام معينة ينص عليها صراحة، من ذلك القرار الصادر برد الطلب المتضمن الدفع بعم قبول الدعوى قبل الدخول في الأساس أو قبوله (م 90) (1)، والقرار الصادر بعدم قبول أو رفض التدخل الوارد في المادة 3/96 لأن هذا القرار يضر بطالب التدخل. والحكم الصادر في دعوى المخاصمة (أي مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة) الوارد في المادة 162 ما لم يكن صادرا من محكمة النقض.

          وإذا حدث وأخطأت محكمة الاستئناف فقبلت الطعن في قرار صدر من محكمة أول درجة غير منه للخصومة كلها أمامها، فإن حكمها يكون مخالفا للقانون . فإذا طعن في قرار محكمة الاستئناف بالنقض ، فعلى محكمة النقض أن تقضي بعدم قبول الطعن فيه إلا بعد صدور الحكم المنهي ، إذ لا ينهض خطأ محكمة الاستئناف مبررا لتجاريها محكمة النقض في هذا الخطأ . (2)


(1) نقض مدني 169/2006 تاريخ 30/10/2007 ج 3 ص 104. وقد جاء فيه ( الحكم المنهي للخصومة هو الحكم الختامي الذي تنتهي به الخصومة برمتها أمام ذات المحكمة التي أصدرته سواء كان حكما موضوعيا فصل في النزاع موضوع الدعوى، أو حكما فرعيا أنهى الخصومة دون أن ينهي النزاع أو يفصل فيه. فالقضاء بعدم الاختصاص والإحالة إلى محكمة أخرى قضاء منه للخصومة كلها بصدد الاختصاص قابل للطعن فيه وفقا للاستثناء الوارد في نص المادة 192/4 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الذي يجيز الطعن فيه. ونقض مدني 215/2006 تاريخ 29/11/2007 ج 3 ص 115 وقد جاء فيه( لما كانت محكمة الصلح قررت إلزام الطاعنتين بدفع مبلغ 5150 دينارا أردنيا بالتكافل والتضامن وبذات الوقت قررت الاستماع إلى بينات الخصوم بالنسبة إلى باقي المبلغ المدعى به، فإنها بذلك تكون قد رفعت يدها عن الدعوى فيما يتعلق بالمبلغ المحكوم به والذي أصبح حكما منهيا للخصومة يقبل الطعن المباشر استقلالا) . 

(2) نقض مدني 7/2002 تاريخ 11/12/2002 ج 1 ص 175.

(3) نقض مدني 100/2002 تاريخ 29/3/2006 ج 1 ص 338 .

(4) نقض مدني 153/2005 تاريخ 4/4/2006 ج 1 ص 393، ونقض مدني 179/2006 تاريخ 12/5/2007 ج 3 ص 87.

(1) نقض مدني 285/2008 تاريخ 30/12/2008 ج 4 ص 242.

(2) نقض مدني 68/2004 تاريخ 6/6/2004 ج 1 ص 224.

(3) نقض مدني 76/2004 تاريخ 10/6/2004 ج 1 ص 240.

(4) نقض مدني 110/2007 تاريخ 5/10/2008 ج 4 ص 528.

(1)  يرجع في ذلك إلى الأوامر على العرائض. د. وجدي راغب، الموجز في مبادئ القضاء المدني (قانون المرافعات) دار الفكر العربي، الطبعة الأولى 1977 ص 460 وما بعدها.

(1) نقض مدني 106/2005 تاريخ 14/3/2006 ج 1 ص 303 ويتعلق بدفع بعدم توفر الخصومة قدم قبل الدخول في الأساس نقض مدني 91/2005 تاريخ 16/3 2006 ج 1 ص 307، نقض مدني 104/2005 تاريخ 12/3/2006 ج 1 ص 315، نقض مدني 281/2005 تاريخ 6/11/2006 ج 1 ص 423 ، نقض مدني 50/2007 تاريخ 16/10/2008 ج 4 ص 133، نقض مدني 61/2007 تاريخ 16/10/2008 ج 4 ص 142 وهو يتعلق بدفع بعدم القبول للتناقض . أما إذا قدم طلب عدم قبول الدعوى لعدم صحة الخصومة( أو لأي سبب آخر) بعد الدخول في أساس الدعوى فإن قرار محكمة الدرجة الأولى برد الطلب وتكليف وكيل المدعين إثبات دعواه يعتبر من القرارات التمهيدية غير المنهية للخصومة ولا تنطبق عليه أحكام المادة 90 وبالتالي فهو غير قابل للطعن بالاستئناف استقلالا نقض مدني 102/2005 تاريخ 16/3/2006 ج 1 ص 307.   

(2) ) د. أحمد هندي 2002، ص 1002 . نقض مدني 39/2006 تاريخ 16/6/2007 ج 3 ص 423، نقض مدني 115/2006 تاريخ 20/6/2007 ج 3 ص 436.