الفصل الأول – الودائع المصرفية

تنقسم الودائع المصرفية إلى قسمين رئيسين هما: الودائع النقدية التي يطلق عليها “وديعة النقود”، والودائع غير النقدية وهي تتعلق بإيداع الصكوك والأوراق المالية، سواء لإدارتها وتحصيل أرباحها وفوائدها أو لبيعها لحساب مالكها، أو لإيداعها على سبيل الرهن للقروض والاعتمادات التي يمنحها البنك للعميل.

وقد يهدف الإيداع إلى حفظ مستندات العميل الهامة أو مجوهراته في خزانة حديدية يستأجرها العميل من البنك، فتظل الخزانة تحت رعاية البنك؛ ولكنه لا يملك فتحها والاطلاع عليها، وإنما يكون مفتاح الخزانة في حيازة العميل الذي يكون له وحده حق فتحها واستخدامها وفقا للإجراءات والمواعيد التي يحددها البنك.

وعلى ذلك سنقوم بدراسة الودائع المصرفية في ثلاثة مباحث نخصص الأول منها للودائع النقدية، والثاني لوديعة الصكوك، والثالث للإيداع في الخزانة الحديدية. ونتبعها بمبحث رابع عن ودائع التوفير.

المبحث الأول

الوديعة النقدية

تمهيد،

تعد وديعة النقود وسيلة من وسائل تشجيع الأفراد على الادخار الذي يؤدي إلى التقليل من الاستعمال الفعلي للنقود وتكوين احتياطي لمواجهة ما قد يستجد من أحداث غير متوقعة، كما تجنب المودع مخاطر ضياع نقوده أو سرقتها. وقد يهدف من ورائها توظيف أمواله للحصول على الفائدة التي تمنح له من المصرف؛ لا سيما إذا كانت وديعته لأجل. كما يستفيد من الخدمات المصرفية الأخرى التي يقدمها المصرف لعملائه؛ كاستخدام الشيكات في الوفاء بديونه، أو عن طريق أوامر التحويل المصرفي.

وتعد الودائع النقدية من أهم العمليات المصرفية التي تعود بالفائدة على المصرف، فالخصيصة الجوهرية التي تتميز بها هي أن المصرف يتملك المبالغ التي تسلم إليه؛ ويكون من حقه التصرف فيها كما يشاء على أن يرد قيمتها، وبذلك تعد المصدر الرئيس لأموال البنك التجاري وشريان الحياة بالنسبة له، فالمصرف لا يعتمد على رأسماله في ممارسة عمليات الائتمان التي يقوم بها، وإنما يعتمد على الأموال المودعة لديه، أما رأسماله فيلعب دور الضامن لالتزاماته قبل دائنيه.

ونظرا للفوائد التي تجنيها المصارف من المبالغ المودعة لديها، فإنها تعمل على جذب العملاء لإيداع مدخراتهم لديها بوسائل مختلفة، منها إضافة للفوائد، منح جوائز نقدية أو عينية للودائع التي تفوز عن طريق سحب يانصيب دوري يدخل فيه أصحاب الودائع التي تبلغ حدا معينا، أو التي تربط لأجل معين.

والبحث في الوديعة النقدية يتناول تعريفها؛ وصورها، وشروط إبرام عقدها، وما يمتاز به من خصائص، وما يترتب عليه من آثار، وأخيرا تحديد طبيعتها القانونية.

المطلب الأول

تعريف وديعة النقود وصورها

تعريف وديعة النقود:

عرفت المادة 763 من مجلة الأحكام العدلية الوديعة بأنها (المال الذي يوضع عند الإنسان لأجل الحفظ). وعرفت المادة 829 من مشروع القانون المدني الوديعة بأنها (عقد يلتزم بمقتضاه شخص أن يتسلم شيئا من آخر، على أن يتولى حفظه وأن يرده عينا). ونصت المادة 846 من هذا المشروع على أنه (إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودع لديه مأذونا له في استعماله عد العقد قرضا).

ونصت المادة 115/1 من قانون التجارة على أن المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغا من النقود يصبح مالكا له ويجب عليه أن يرده بقيمة تعادله دفعة واحدة أو عدة دفعات عند أول طلب من المودع، أو بحسب شروط المواعيد أو الإخبار المسبق المعينة في العقد. كما نصت المادة 331من مشروع قانون التجارة على أن (وديعة النقود عقد يخول المصرف ملكية النقود المودعة والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه، مع التزامه برد مثلها للمودع طبقا لشروط العقد).

ويتبين من هذه النصوص أن الفرق بين وديعة النقود في قانون التجارة ووديعة النقود في مشروع القانون المدني هو أن المشروع يشترط أن يأذن المودع للمودع لديه في استعمال النقود، في حين لا يشترط قانون التجارة ذلك.

والغالب عملا أن تقترن وديعة النقود لدى المصرف بعملية مصرفية أخرى؛ هي فتح حساب للعميل لقيد المبالغ التي يودعها والمبالغ التي يستردها. وقد نصت على ذلك المادة 332 من مشروع قانون التجارة بقولها (يفتح المصرف للعميل حسابا تقيد فيه جميع العمليات التي تتم بينه وبين المودع، أو بين المصرف والغير لحساب المودع). والغاية من فتح هذا الحساب هو أحد الأهداف الآتية:

  1. الضمانة والسلامة، حيث يطمئن المودع إلى سلامة أمواله؛ وإلى أنها في مأمن من السرقة والضياع.
  2. التوظيف، حيث يحصل المودع على فائدة وإن كانت ضئيلة عن أمواله المودعة.
  3. التسهيلات التي يحصل عليها المودع من المصرف؛ كاستخدام الشيكات والحوالات.
  • وقد تبقى الأموال المودعة في الحساب ثابتة خلال مدة طويلة. كما قد يستخدم صاحبها قسما منها في أعماله الخاصة ومصاريفه؛ وقسما آخر لتوظيفه في بعض الأعمال المالية؛ كشراء أسهم الشركات والاكتتاب في أسناد القرض؛ أو أسناد الخزينة …أو غير ذلك.

صور الوديعة المصرفية:

نصت المادة 115 من قانون التجارة على ” 1-إن المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغا من النقود يصبح مالكا له ويجب عليه أن يرده بقيمة تعادله دفعة واحدة أو عدة دفعات عند أول طلب من المودع أو بحسب شروط المواعيد أو الإخبار المسبق المعينة في العقد “.

كما نصت المادة 116 منه على أنه ” 1-إذا كان ما أودع في المصرف أوراقا مالية فملكية هذه الأوراق تبقى للمودع ما لم يثبت أن القصد خلاف ذلك. 2-ويقدر وجود القصد إذا كان المودع قد منح المصرف خطيا بدون قيد حق التصرف في تلك الأوراق واعترف له بحق إرجاع أوراق من نوعها “.

ويتبين من هذين النصين أن الوديعة المصرفية على صورتين:

الصورة الأولى: وديعة تامة أو كاملة، وهي وديعة الأوراق المالية، حيث يلتزم المصرف بحفظ هذه الأوراق وردها للمودع عينها، لذلك يقوم بالتحري عن هذه الأوراق وأوصافها؛ ويسجل ذلك كله في صك يتضمن قسيمتين: الأولى، جدول يحتفظ به المصرف؛ ويتضمن جميع المعلومات المتعلقة بالأوراق المودعة والتي تسمح بتمييزها عن غيرها، كصفة الورقة ونوعها ورقمها وقيمتها الاسمية وتاريخ استحقاقها … ورقم الإيصال المعطى للمودع، ويوقع المودع عادة على هذا الجدول. والثانية، إيصال يوقع عليه المصرف ويسلم إلى المودع، ويتضمن البيانات والمعلومات التي ذكرت في الجدول.

ويترتب على هذه الصفة نتيجة هامة في حالة إفلاس المصرف؛ فاحتفاظ المودع بملكية هذه الأوراق، وكونها معينة تعيينا تاما يميزها عن غيرها، يعطي للمودع حق استردادها وفقا لأحكام المادة 431/1 من قانون التجارة.

والصورة الثانية: وديعة ناقصة، وهي وديعة النقود؛ ووديعة الأوراق المالية التي يمنح المودع للمصرف حق التصرف فيها ورد أوراق من نوعها، وفي هذه الحالة لا يكون الاسترداد ممكنا؛ لأن الأوراق المودعة لم تعد موجودة (عينا) بيد المفلس، وإذا سلم المصرف للمودع أوراق أخرى من نوعها خلال فترة الريبة؛ فإن هذا الدفع يكون من نوع الوفاء بمقابل؛ ويقع تحت طائلة البطلان المنصوص عليه في المادة 334 من قانون التجارة.

من حيث حرية البنك بالتصرف بها، صورتان:

  1. الوديعة العادية التي يتملك البنك مبلغها، ويكون له أن يستثمرها في عملياته المختلفة، على أن يرد مثلها حسب الشروط المتفق عليها مع المودع، وهذه الوديعة تكون مستحقة الوفاء بمجرد الطلب أو بشرط الإخطار المسبق.
  2. الوديعة المخصصة لغرض معين، وفي هذه الصورة يودع العميل مبلغا معينا لدى البنك ويطلب منه تخصيصه لتحقيق غرض معين؛ كشراء أسهم شركة مساهمة عامة، أو سندات قرضها، أو لضمان ائتمان أو قرض قدمه المصرف للمودع، أو لضمان دين في ذمة المودع لشخص آخر. وفي هذه الصورة لا يجوز للمصرف أن يتصرف في مبلغ الوديعة وإنما يحتفظ بها لخدمة الغرض المخصصة له. (1)

(1)(1) ومن حيث نوع العملة، تنقسم الوديعة إلى وديعة بالعملة الوطنية ووديعة بالعملة الأجنبية. ومن حيث شخص المودع إلى وديعة باسم شخص واحد؛ ووديعة مشتركة باسم عدة أشخاص.