الفصل الأول – انعقاد العقد

المطلب الأول

الإرادة والتعبير عنها

المقصود بالإرادة :

يقصد بالإرادة اتجاه نية الشخص لإحداث أثر قانوني معين هو إنشاء الالتزام .

وحتى يترتب على الإرادة أثرها يلزم أن يدرك الشخص ماهية التصرف وما يرتبه من التزامات. لذلك يشترط المشرع فيمن تصدر عنه أن يكون متمتعاً بنصيب من القوى الذهنية ، ومناط ذلك القدرة على التمييز ، أي بلوغ الشخص سناً معيناً وكان سليماً من سائر الآفات العقلية ، فلا يعتد القانون بإرادة الصغير غير المميز ومن في حكمه كالمجنون . وكذلك إرادة من يكون عاجزاً عن التمييز لسبب آخر مؤقت كإرادة السكران سكراً بيناً يفقده القدرة على الإدراك وإرادة المنوم مغناطيسياً .

كما يلزم أن يتجه الشخص إلى إحداث الآثار القانونية التي يرتبها التصرف ، لذلك لا عبرة لإرادة الهازل أو ما يتناول المجاملات الاجتماعية كدعوة صديق لوليمة ، أو التبرع له بتقديم خدمة ، وكذلك الإرادة الصورية ، أو المعلقة على شرط إرادي محض (على مشيئة صاحبها) .

التعبير عن الإرادة :

نصت المادة 93 من القانون المدني الأردني على أن ” التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المعهودة عرفاً ولو من غير الأخرس ، وبالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي ، وباتخاذ أي مسلك آخر لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على التراضي “.

ويتضح من هذا النص أنه يمكن التعبير عن الإرادة بأحد الوسائل الآتية :

أ- التعبير باللفظ :

وذلك كأن يقول شخص لآخر : بعت أو أجرت … فيقول الآخر : قبلت . ولا يشترط أن يكون التعبير بلفظ معين ولا تركيب خاص ، بل يجوز التعبير بأي لفظ يدل على المعنى المقصود ، لأن العبرة للمعاني لا للألفاظ . غير أنه يشترط في اللفظ الذي يعبر عن الرضا أن يكون قاطعاً في دلالته على الإيجاب والقبول، أما الألفاظ غير قاطعة الدلالة (المحتملة) فلا تدل بذاتها على الرضا في الحال، وإنما تدل عليه بقرينة أو بدليل آخر . وعلى ذلك بينت المادتان 91 و 92 من القانون المدني الصيغ المختلفة فنصت الفقرة الثانية من المادة 91 على أنه ” 2- ويكون الإيجاب والقبول بصيغة الماضي ، كما يكونان بصيغة المضارع أو بصيغة الأمر إذا أريد بهما الحال “. فالعقد وفقاً لهذا النص ينعقد بصيغة الماضي مطلقاً ، أما صيغة المضارع وصيغة الأمر فينعقد بهما العقد إذا توافرت النية ، أي أن ينتوي الشخص الإيجاب أو القبول .

أما المادة (92) فتنص على أن ” صيغة الاستقبال التي تكون بمعنى الوعد المجرد ينعقد بها العقد وعداً ملزماً إذا انصرف إليه قصد العاقدين “. والمقصود بالوعد المجرد ما توفر قصد العاقدين إليه دون تعليق على شرط .

ويجوز التعبير عن الرضا بأي لغة : عربية كانت أم إنجليزية أو نحوها … ما دام المتعاقدان يفهمان ما تدل عليه ألفاظ هذه اللغة في العرف وما يجري فيه العمل .

ب- التعبير بالإشارة :

ويجوز التعبير عن الإرادة بالإشارة المتداولة عرفاً ، كتحريك الرأس عمودياً للتعبير عن القبول ، وهز الرأس أفقياً أو هز الكتفين للتعبير عن الرفض .

والتعبير عن الإرادة بالإشارة جائز قانونا من الأخرس ومن غير الأخرس على السواء ، وسواء كان الأخرس يعرف الكتابة أم لا يعرفها . وقد أخذ القانون في ذلك برأي المالكية ، على أنه يجب أن تكون هذه الإشارة معهودة ممن يعبر بها ، مفهومة في العرف ، وإلا فلا عبرة بها .

جـ- التعبير بالكتابة :

يعد الكتاب كالخطاب في الفقه الإسلامي وفي القانون على السواء . بحيث يجوز أن يعبر به الشخص عن إرادته ، سواء كان يستطيع النطق باللفظ أم كان أخرساً .

ويغلب أن يتم التعاقد بالكتابة بين الغائبين ، لكن ليس هناك ما يمنع أن يتم العقد بالكتابة بين الحاضرين ، بحيث تكون هي وسيلة التعبير عن الإيجاب أو القبول .

ويجب أن تكون الكتابة مستبينة ، أي تكون مكتوبة على شيء تظهر عليه ، فلا عبرة بالكتابة في الهواء أو على الماء . كما يجب أن تكون الكتابة مرسومة ، أي مكتوبة بالطريقة المعتادة في زمنها .

د- التعبير بالفعل :

يجوز التعبير عن الإرادة بالفعل (في غير عقد الزواج) ، طالما كان الفعل دالاً على الرضا ، كما هو الحال في بيع التعاطي أو المعاطاة . ومن ذلك عرض التاجر سلعاً في متجره مبيناً أثمانها عليها فيأخذ شخص هذه السلعة ويعطي التاجر الثمن فيقبضه دون أن يتكلم أحدهما أو تصدر منه إشارة أو كتابة، ووقوف سيارة الأجرة في الموقف المخصص لها ، فيركب شخص ويدفع الأجرة دون أن يتكلم.

التعبير الصريح والتعبير الضمني :

قد يكون التعبير عن الإرادة صريحاً وقد يكون ضمنياً :

ويكون التعبير عن الإرادة صريحاً إذا كان المظهر الذي اتخذه موضوعاً في ذاته للكشف عن الإرادة وفق المألوف بين الناس ، أي إذا اتخذ وسيلة من الوسائل المنصوص عليها كلاماً أو كتابة أو إشارة أو غير ذلك بقصد إيصال الإرادة إلى علم من وجهت إليه، وفقاً لما تعارف عليه الناس في معاملاتهم . كقول التاجر بعت أو اشتريت ، أو عرض التاجر سلعاً في متجره مبيناً عليها أثمانها .

ويكون التعبير عن الإرادة ضمنياً إذا كان المظهر الذي اتخذه ليس موضوعاً في ذاته للكشف عن الإرادة ، ولكن يمكن مع ذلك استخلاص إرادة منه موجهة إلى شخص آخر بالإيجاب أو القبول ، نظراً لأن هذا التصرف لا يمكن فهمه أو تفسيره دون افتراض وجود هذه الإرادة . مثال ذلك أن يسلم الدائن سند الدين إلى المدين فيفهم من ذلك أنه أراد إنهاء الدين ما لم يثبت عكس ذلك ، وبقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإيجار مما يفهم منه أنه يريد تجديد عقد الإيجار ، وقيام الوكيل بتنفيذ الوكالة مما يفهم منه أنه قبلها .

والأصل أن لا فرق بين التعبير الصريح والتعبير الضمني ، وأن للمتعاقدين التعبير عن الإرادة بأي صورة منهما ، غير أنه استثناء من ذلك يلزم في بعض الأحوال أن يكون التعبير عن الإرادة صريحاً ولا يكفي التعبير الضمني . وهذه الأحوال (أ) إما أن ينص عليها المشرع ، مثل شرط الموافقة المكتوبة من المالك حتى يستطيع المستأجر تأجير العقار أو قسماً منه . (ب) أو يتفق عليها المتعاقدان كاشتراط أن يتم التعاقد كتابة سواء عرفية أم رسمية .