الفصل الأول – انعقاد العقد

الفرع الثاني

القبول

القبول هو تعبير من وجه إليه الإيجاب عن رضاه بالتعاقد على أساس الشروط التي عرضها الموجب ، لذا يشترط في هذا التعبير حتى يعتبر قبولاً ما يأتي :

1) أن يصدر ممن وجه إليه الإيجاب ،

فإذا وجه الإيجاب إلى سعيد مثلاً لا ينعقد العقد إلا إذا قبله سعيد . أما إذا قبله شخص آخر مثل محمد لا ينعقد العقد لأن إرادة الموجب لم تتجه إلى التعاقد مع محمد. أما إذا كان الإيجاب موجهاً إلى الجمهور ، ينعقد العقد إذا قبله أي شخص دون تحديد .

2) أن يصدر القبول في مجلس العقد وقبل سقوط الإيجاب ،

فلا يشترط أن يصدر القبول عقب صدور الإيجاب فوراً . بل يجوز أن يتراخى القبول عن الإيجاب فترة يتأمل فيها من وجه إليه الإيجاب شروط التعاقد ولكن عليه أن يقبل أو يرفض قبل أن ينفض مجلس العقد، وهو ما يسمى بخيار القبول. وقد نصت على ذلك المادة 96 مدني ، آخذة برأي الجمهور ، بقولها ” المتعاقدان بالخيار بعد الإيجاب إلى آخر المجلس ، فلو رجع الموجب بعد الإيجاب وقبل القبول ، أو صدر من أحد المتعاقدين قول أو فعل يدل على الإعراض يبطل الإيجاب ولا عبرة بالقبول الواقع بعد ذلك “.

ومجلس العقد هو الاجتماع الذي يتداول فيه المتعاقدان شروط العقد وإبرامه ، ويبقيان فيه منشغلين بالتعاقد دون أن يصرفهما عن ذلك شاغل آخر، سواء طال أم قصر.

وقد يكون مجلس العقد حقيقياً إذا اجتمع المتعاقدان وجهاً لوجه، كما قد يكون حكمياً كما في التعاقد بالهاتف إذ يعتبر فيما يتعلق بالزمان كأنه تم بين حاضرين في المجلس .

والعبرة في مجلس العقد هي بانشغال المتعاقدين في التعاقد وليس بوجودهما في مكان واحد، أي العبرة باتحاد الزمان وليس اتحاد المكان، وبعبارة أخرى اتحاد الكلام في موضوع التعاقد . فالمجلس لا ينقطع طول الزمن الذي يظل فيه المتعاقدان مشتغلين بالتعاقد سواء بقيا في مكانهما أو برحاه . فإذا اشتغل كلاهما أو أحدهما بشيء آخر وأعرض عن التعاقد فهنا ينقطع مجلس العقد، فينفض المجلس إذاً بالإعراض ولو لم يبرحا مكانهما، ويرجع إلى العرف في تقدير ما يكون دليلاً على الإعراض عن العقد وما لا يكون، فما يعتبر في العرف إعراضاً عن العقد أو فاصلاً بين الإيجاب والقبول يكون قاطعاً للمجلس . ويشترط في ذلك كله أن يبقى الموجب على إيجابه إلى أن يصدر القبول. أما إذا صدر القبول بعد رجوع الموجب عن إيجابه أو بعد فض مجلس العقد فإنه يعتبر إيجاباً جديداً يحتاج إلى قبول موافق له من المتعاقد الآخر حتى ينعقد العقد .

3) أن يكون القبول مطابقاً للإيجاب ،

فيجب أن يتناول القبول كل ما يتناوله الإيجاب ، وأن لا يقترن بالقبول ما يزيد في الإيجاب أو ينقص منه أو يعدل فيه أو يقيده، وإلا اعتبر ذلك رفضاً للإيجاب متضمناً إيجاباً جديداً، يحتاج إلى قبول مطابق له من المتعاقد الآخر في مجلس العقد حتى يتم العقد . فلو قال شخص لآخر ” بعتك هذا المنزل بعشرة آلاف دينار نقداً ” وقال الآخر ” قبلت نصفه بسته آلاف دينار ” أو قبلت شراءه بتسعة آلاف دينار ، أو قبلت شراءه بعشرة آلاف مؤجلة أو مقسطة فلا يتم العقد ، لأن القبول غير موافق للإيجاب .

ويجب أن يتطابق الإيجاب والقبول في جميع المسائل المتعاقد عليها . ويكفي في ذلك الاتفاق على المسائل الجوهرية في العقد ، مثل الاتفاق على المبيع والثمن في عقد البيع، والاتفاق على المأجور والأجرة ومدة الإيجار في عقد الإيجار ، دون أن يبحثا في المسائل التفصيلية مثل زمان ومكان تسليم المبيع وميعاد دفع الثمن ، وكيفيته، أو أرجآ الاتفاق على هذه المسائل ولم يشترطا أن العقد يكون غير منعقد عند عدم الاتفاق على هذه المسائل ، فإن العقد ينعقد ، وإذا قام خلاف حول مسألة تفصيلية، تسري بالنسبة لها القواعد المكلمة الواردة في القانون ، أو قواعد العرف والعدالة ، وذلك طبقاً لطبيعة المعاملة .

أما إذا أرجأ المتعاقدان بعض المسائل التفصيلية للاتفاق عليها فيما بعد واشترطا أن العقد لا ينعقد إلا إذا اتفقا على تلك المسائل ، فإن العقد لا يتم إلا إذا اتفقا على جميع هذه المسائل ، لأن اشتراط المتعاقدين أن العقد لا يتم عند اختلافهما على تنظيم المسائل التفصيلية يدل على أنهما لا يريدان استكمال العقد بالقواعد القانونية المكلمة ، والعقد لا يتم بغير إرادتهما .