الفصل الأول – انعقاد العقد

الفرع الثالث

صور خاصة للقبول

القبول في التعاقد بطريق العطاء :

تنص المادة (103) من القانون المدني على أنه ” لا يتم العقد في المزايدات إلا برسو المزايدة ، ويسقط العطاء بعطاء يزيد عليه ولو وقع باطلاً ، أو بإقفال المزايدة دون أن ترسو على أحد ، وذلك مع عدم الإخلال بأحكام القوانين الأخرى “.

والتعاقد بالمزاد جائز شرعاً ولا يعد من سوم الرجل على سوم أخيه ، لأن صاحب السلعة فيه لم يركن إلى المزايدة فكان لكل مزايد أن يتقدم فيه بعطاء .

وقد يتم المزاد علناً بالمناداة ، أو عن طريق الظرف المختوم . ويعتبر افتتاح المزاد أو طرح العطاء دعوة إلى التعاقد لأنه لا يتضمن تحديداً نهائياً لثمن السلعة فلا يكون باتاً للتعاقد .

وفي المزاد العلني يعد التقدم بالمزاودة إيجاباً ملزماً ، أي مقترناً ضمناً بتحديد ميعاد للقبول هو من لحظة صدور الإيجاب حتى التقدم بعطاء آخر يزيد عليه، أو بإقفال المزاد دون أن يرسو على أحد. أما في العطاء بطريق الظرف المختوم فيبقى من تقدم بالعطاء ملتزماً بالإيجاب من لحظة تقديم العطاء حتى رسو المزاد بعد فتح المظاريف بوقت يكفي للبت فيها ، على أن تكون هذه المدة معقولة .

ويسقط الإيجاب (العطاء) في المزاد العلني بعطاء يزيد عليه ولو كان هذا العطاء الأخير باطلاً بأن صدر من غير أهل كصغير غير مميز أو مجنون ، أو من شخص لا يجوز له التعاقد في الصفقة المطروحة في المزاد ، كقاض يتقدم بعطاء في مزاد لبيع عين متنازع عليها إذا كان نظر النزاع يقع في اختصاصه ، أو كان بيعاً موقوفاً كما صدر من قاصر أو محجور عليه . وكذلك الحال لو تم إرساء العطاء في الظرف المختوم على واحد من هؤلاء . فإذا تخلف من رسا عليه المزاد لا يجوز إعادة رسو المزاد على من يليه في المرتبة .

ويعتبر رسو المزاد قبولاً يتم به العقد . ويتم إرساء العقد عادة على من يتقدم بأعلى عطاء ، غير أنه يجوز للمعلن عن المزايدة أن يشترط صراحة في إعلانه حرية رفض أو قبول عطاء دون إبداء الأسباب . ولكن يشترط في هذه الحالة أن لا يتعسف في استعمال هذا الحق . ويكون إثبات ذلك على من يرفض عطاؤه ، تطبيقاً للقواعد العامة . ذلك أن إجازة شرط رفض العطاء الأكبر دون إبداء الأسباب قصد به عدم الإساءة للمتقدمين في المزايدة ، فلو اشترط بيان أسباب رسو المزاد على مزايد بعطاء أقل ، وكان هذا السبب هو عدم ملائمة المتقدم بالعطاء وعدم استقرار وضعه المالي مثلاً ، أو سبق تخلفه عن الوفاء بما تعاقد عليه في عطاءات سابقة وفق الكيفية والمواعيد المحددة ، فإن ذلك يسيء لسمعته ويلحق به ضرراً . لذلك يلزم – وفق نص الشرط – أن يكون لرفض العطاء سبباً مقبولاً وإن لم يتم إعلانه . ومن حق المزايد الذي رفض عطاؤه أن يعرف سبب هذا الرفض ، فإن لم يقتنع بصحته ، يكون له إثبات تعسف المعلن عن العطاء باستعمال حقه في رفض العطاء ، وبالتالي حقه في أن يرسو المزاد عليه .

وتسري الأحكام السابقة على المناقصات ، فالإيجاب فيها هو التقدم بعطاء ، وهو إيجاب ملزم في الأصل طوال المدة اللازمة للقبول ، ويسقط هذا الإيجاب بعطاء آخر أنقص منه ، ويعتبر رسو المناقصة هو القبول الذي يتم به العقد … الخ .

القبول في عقود الإذعان :

عقود الإذعان هي العقود التي يحدد فيها أحد طرفيها شروط التعاقد ويعرضها على الطرف الآخر الذي يتعين عليه قبولها أو رفضها دون مناقشة ، بحيث يكون القبول أقرب إلى معنى التسليم منه إلى معنى المشيئة . ومن أمثلة ذلك عقد الاشتراك في الكهرباء ، أو الماء ، أو الهاتف ، وعقد النقل في الطائرات والقطارات ، وعقود التأمين .

ويكون الإيجاب في عقد الإذعان هو عرض السلعة أو الخدمة على الجمهور وفق الشروط التي يضعها الموجب بشكل بات نهائي ، وتكون عادة في صورة عقد مطبوع يتضمن شروط التعاقد ، وهو إيجاب دائم ومستمر يستطيع أي شخص أن يقبله في أي وقت ، ولكن قد يقترن بشرط أو تحفظ ضمني، مثال ذلك أن عقد النقل في الطائرة أو القطار مقترن دائماً بتحفظ هو : أن يكون هناك محل شاغر .

أما القبول في عقود الإذعان فهو الرضا بالتعاقد على أساس الشروط التي يعرضها الموجب ، فلا يملك الطرف الآخر إلا أن يأخذ أو يدع ، وهو لا يستطيع أن يدع لأن الشيء الذي يتعاقد عليه لا غنى عنه ، لذلك يضطر للقبول دون مناقشة .

وقد نصت على ذلك المادة (104) من القانون المدني بقولها ” القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها “.

وبينت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني أن عقود الإذعان تتميز عن غيرها بسمات ثلاث :

الأولى :تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى بالنسبة للمستهلكين أو المنتفعين .
والثانية:احتكار الموجب هذه السلع أو المرافق ، احتكاراً قانونياً أو فعلياً ، أو قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها .
والثالثة:توجيه عرض الانتفاع بهذه السلع أو المرافق إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة إلى كل فئة منها .

ونظراً لاقتصار القبول على التسليم بشروط المتعاقد الآخر ، فإن المشرع قرر حماية الطرف المذعن الذي يصدر منه القبول لكونه الطرف الضعيف في هذه العقود . لذلك نص في المادة (204) من القانون المدني على أنه ” إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للمحكمة أن تعدل هذه الشروط أو تعفي الطرف المذعن منها وفقاً لما تقضي به العدالة ، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك “.

كما نصت المادة ( 240 ) منه على أنه ” 1- يفسر الشك في مصلحة المدين . 2- ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن “.