الفصل الأول – انعقاد العقد

المطلب الثالث

تلاقي الإرادتين

وجود إرادتين متطابقتين لا يكفي وحده لانعقاد العقد ، بل يلزم لذلك تلاقي هاتين الإرادتين . ويثير تلاقي الإيجاب والقبول التساؤل حول تحديد الزمان والمكان اللذين يتم فيهما هذا التلاقي ، وذلك لأن تحديد زمان ومكان تلاقيهما يترتب عليه :

  1. انعقاد العقد من عدمه ، فإذا رجع الموجب عن إيجابه ، أو انتهى الميعاد المضروب، قبل أن يلتقي القبول بالإيجاب ، امتنع انعقاد العقد وضاعت الصفقة على القابل . أما إذا التقى القبول بالإيجاب قبل الرجوع في الإيجاب أو قبل انقضاء الميعاد ، انعقد العقد والتزم به الموجب .
  2. لزوم العقد وإنتاجه لآثاره ، إذ يصبح العقد ملزماً ومنتجاً لآثاره وقت تلاقي القبول بالإيجاب ، فإذا كان العقد بيعاً مثلاً انتقلت ملكية المبيع إلى المشتري إن كان منقولاً معيناً بذاته ، وكانت الثمار التي ينتجها المبيع من حق المشتري .

أما تحديد مكان انعقاد العقد فيفيد في :

  1. تحديد المحكمة المختصة إقليمياً بالنظر في ما قد ينشأ عن العقد من منازعات .
  2. وتحديد القانون الواجب التطبيق على العقد وفقاً لقواعد القانون الدولي الخاص ، التي كثيراً ما تخضع العقد لقانون الدولة التي يتم فيها انعقاده .

ولا صعوبة في تحديد زمان ومكان تلاقي الإيجاب والقبول إذا كان المتعاقدان يضمهما مجلس واحد ، إذ يسمع كل من المتعاقدين كلام الآخر ، أو يعرف إشارته ، أو يقرأ كتابه ، أو يفهم أفعاله التي عبر بها عن رضاه ، فيتم العقد في الحال ، في المكان الذي يجمعهما .

ولكن تثور الصعوبة في حالة التعاقد بين غائبين سواء بالمراسلة أو بوساطة رسول. وفي حالة التعاقد بطريق الهاتف وما يماثله فيما يتعلق بتحديد مكان التعاقد .

وهنا نفرق بين الإيجاب والقبول .

فبالنسبة للإيجاب ، من المسلم به أنه لا ينتج أثره إلا من وقت علم من وجه إليه فيكون صالحاً لاقتران القبول . لذلك من المتصور أن يعود الموجب فيعدل عن إيجابه قبل علم الموجه له به ، فيحول بذلك دون تحقق وجوده القانوني ، مثال ذلك أن يضع الموجب الرسالة في صندوق البريد ثم يعود ويستردها ، أو أن يبرق للمرسل إليه قبل وصول الرسالة بعدوله عما ورد فيها وتصل البرقية قبل وصول الرسالة الناقلة للإيجاب ، أو قبل علم المرسل إليه بمضمونها .

أما بالنسبة للقبول فقد أخذ المشرع الأردني برأي الفقه الحنفي الذي لا يشترط علم الموجب بالقبول ، بل يتم العقد بمجرد القبول ولو لم يصل إلى علم الموجب . فنص في المادة (151) من القانون المدني على أنه ” إذا كان المتعاقدان لا يضمهما حين العقد مجلس واحد يعتبر التعاقد قد تم في المكان وفي الزمان اللذين صدر فيهما القبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك .

لذلك إذا كان الموجب يريد أن يعلم بالقبول كشرط لانعقاد العقد عليه أن يشترط ذلك في الإيجاب الموجه إلى الطرف الآخر . فإذا لم يتفق على ذلك ولم يكن هناك نص قانوني يشترط علم الموجب بالقبول لانعقاد العقد ، انعقد العقد حال صدور القبول. وهذا الحكم هو الأنسب في المسائل التجارية .

التعاقد بالهاتف :

نصت المادة (102) من القانون المدني على أنه ” يعتبر التعاقد بالهاتف أو بأية طريقة مماثلة بالنسبة للمكان كأنه تم بين متعاقدين لا يضمهما مجلس واحد حين العقد ، وأما فيما يتعلق بالزمان فيعتبر كأنه تم بين حاضرين في المجلس “.

واعتبر التعاقد بالهاتف واقعاً بين حاضرين فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد أمر ظاهر لأن انتقال الصوت بالهاتف يجعل الطرفين من حيث الزمان في ” مجلس العقد ” إذ يعلم الموجب بالقبول فور صدوره ، لذلك إذا وجه الإيجاب دون تحديد موعد لقبوله ولم يصدر القبول في المجلس ، أي في خلال المكالمة الهاتفية ، سقط الإيجاب .

أما من حيث المكان فشأن المتعاقدين في ذلك شأن التعاقد بين الغائبين اللذين تفرقهما شقة المكان، لذلك يعتبر التعاقد بالهاتف قد تم في المكان الذي صدر فيه القبول ما لم يتفق على خلاف ذلك .

أثر موت أحد المتعاقدين أو فقده الأهلية على الإيجاب والقبول :

لم يبين القانون المدني حكم هذه الحالة، لذلك نأخذ بما استقر عليه الفقه الإسلامي، إذ لا ينعقد العقد عند جمهور الفقهاء إذا صدر إيجاب وقبل القبول مات أحد المتعاقدين أو فقد أهليته لأن موت الموجب يبطل الإيجاب ، لأن الإيجاب إرادة تنتهي بالموت ، ولأن الموت ينقضي به مجلس العقد لأنه أقوى من التفرق بالأبدان ومن الإعراض بالأفعال والأقوال ، ونفس الحكم إذا مات من وجه إليه الإيجاب قبل القبول ، ولا يكون لورثته أن يقبلوا التعاقد ، فخيار القبول لا يورث. وكذلك الحال إذا فقد أحد المتعاقدين أهليته قبل القبول بأن جن مثلاً .

أما إذا صدر القبول موافقاً للإيجاب ، ثم حدث أن مات أحد المتعاقدين أو فقد أهليته، فإن العقد يتم لأن كلا من الإيجاب والقبول قد صدر من أهل له ، ثم حدث الموت أو الوفاة بعد ذلك ، ويحل الورثة أو الوصي محل المتعاقد الذي مات أو فقد أهليته .