الفصل الأول – تقسيمات الأحكام

          كان قانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم 42 لسنة 1952 يستعمل مصطلحي الحكم والقرار بمعنى واحد ، مثال ذلك ما ورد في المادة 185 التي تنص على أنه 1- تنطق المحكمة بالحكم فور إعلامها اختتام المحاكمة …. 2- تصدر المحكمة قرارها  بالإجماع أو بالأكثرية وعلى القاضي أن يبين أسباب مخالفته في ذيل القرار ويوقعها. وكذلك المادة 186 التي تنص على أنه 1- يجب أن يتضمن الحكم الوجاهي بيانا موجزا عن القضية …. 2- إذا كان موضوع الدعوى مالا غير منقول، يجب أن يشتمل القرار   على وصف له … لذلك كان يمكن تقسيم الأحكام في ظله إلى عدة تقسيمات منها : تقسيم الأحكام إلى أحكام صادرة في الموضوع وأحكام صادرة قبل الفصل في الموضوع ، وإلى أحكام تحضيرية وأحكام تمهيدية ، وإلى أحكام موضوعية وأحكام وقتية …. الخ .

          غير أن قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 نهج سبيلا جديدا ، فقصر مصطلح الحكم على ما تقضي به المحكمة وتنتهي به الخصومة أمامها سواء كان فاصلا في موضوع الدعوى أم أنهى الخصومة دون الفصل في موضوعها. أما ما عدا ذلك مما يصدره القاضي قبل الحكم المنهي للخصومة فهي تعد قرارات وليست أحكاما ، مثل القرارات الوقتية والمستعجلة ، والقرارات الصادرة بوقف الدعوى أو انقطاع السير فيها، أو شطبها، أو قبول رد القاضي وغيرها. (1)

          وعلى ذلك فإننا سنقصر تقسيم الأحكام وفق مفهومها في القانون الجديد ، حيث تختلف تقسيمات الأحكام وتتعدد باختلاف وجهات النظر ، وهي غير واردة على سبيل الحصر بل على سبيل المثال ، كما أن الحكم الواحد قد تجتمع فيه العديد من هذه الصفات .

      فالأحكام الفاصلة في الدعوى تنقسم من حيث قابليتها للطعن فيها إلى أحكام ابتدائية وأحكام نهائية وأحكام قطعية أو باتة .

      وتنقسم من حيث حضور أو غياب المحكوم عليه إلى أحكام حضورية (وجاهية) وأحكام غيابية .

      وتنقسم من حيث أثرها إلى حكم مقرر ، وحكم منشئ ، وحكم إلزام .

 ونتناول كل تقسيم منها بكلمة موجزة في ثلاثة مباحث على التوالي .

المبحث الأول

الأحكام الابتدائية والنهائية والقطعية

  1. الأحكام الابتدائية ، وهي الأحكام التي تصدر من محكمة الدرجة الأولى وتقبل الطعن فيها بالاستئناف .
  2. الأحكام النهائية ، وهي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بالاستئناف ، سواء لأن المشرع قرر عدم جواز استئنافها(1)، أم لفوات ميعاد الاستئناف وصيرورتها نهائية ، أم لصدورها من محكمة الدرجة الثانية الاستئنافية . وتكون هذه الأحكام  حائزة لقوة الشيء المحكوم فيه ، ولو كان الحكم قابلا للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية ، وهي طلب إعادة المحاكمة والنقض ، بل ولو طعن فيها بالفعل بأحد هذين الطريقين .
  3. الأحكام القطعية أو الباتة ، وهي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية(1).

      ويعد الحكم الصادر في الدعوى ابتدائيا يقبل الاستئناف متى كانت قيمة الدعوى في واقع الأمر وطبقا للضوابط التي وضعها المشرع تزيد عن النصاب  النهائي لمحكمة الصلح ، ولو كان الحكم لا يقبل الاستئناف بحسب تقدير المدعي ، ولو وصفته المحكمة بأنه من الأحكام النهائية ما دامت له هذه الصفة طبقا للقانون .

      كما يعد الحكم نهائيا إذا كانت له هذه الصفة وفق نصوص القانون ولو اعتبره المدعي ابتدائيا بحسب تقديره هو لدعواه ، بل ولو اتفق الخصوم على هذا التقدير ، لأن الاتفاق على مخالفة قواعد تقدير قيمة الدعوى هو في الواقع اتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص النوعي ، وهذه من النظام العام .

      ويجوز لأي من الطرفين أن يثير مسألة تقدير القيمة الحقيقية للدعوى ، كما يجوز لمحكمة الدرجة الأولى أن تعتد من تلقاء نفسها بالقيمة الحقيقية للدعوى ، وعليها أن تراعي من تلقاء نفسها صحة تطبيق الخصوم للقواعد التي حددها المشرع في المادة 31 وما بعدها .

      أما إذا لم يخالف الخصوم الأسس التي وضعها المشرع لتقدير قيمة الدعوى ، فلا يجوز الاعتراض على قيمتها بعد صدور الحكم فيها .

      فالمدعي الذي قدر دعواه عند رفعها بأقل من ألف دينار والذي لم يعدل عن هذا التقدير حتى صدور الحكم فيها ، لا يجوز له بعد ذلك استئناف الحكم بزعم أن قيمة الدعوى تزيد على ألف دينار . كما لو طالب بمنقول قدره بتسعمائة وخمسين دينارا ولم ينازعه المدعى عليه في هذا التقدير ، فلا يحق له استئناف الحكم مدعيا أن قيمة هذا المنقول هي ألف ومائة دينار .

      والمدعى عليه الذي لم ينازع في قيمة الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى ، لا يجوز له الاعتراض على تقدير قيمة الدعوى بعد صدور الحكم فيها ؛ ولا يقبل منه استئناف هذا الحكم ، وإلا أدى ذلك إلى إهدار قواعد الاستئناف بإباحة استئناف أحكام نص القانون على اعتبارها نهائية .


(1) ومع ذلك نجد عدم وضوح هذه التفرقة بين الحكم والقرار في نص المادتين 90 و91، لذلك نقترح تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 90 لتصبح ..أو الحكم بقبوله بدلا من قبوله، ونص المادة 91 لتصبح تفصل المحكمة بدل تحكم …. ما قضت به بدل حكمت به.

(1) كانت المادة 39 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد  تنص على أنه يكون حكم محكمة الصلح نهائيا إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا . غير أن المشرع عدل هذا النص بالقانون رقم 5 لسنة 2005 بحيث أصبح ويكون حكمها قطعيا في الدعاوى المتعلقة بمبلغ نقدي أو مال منقول إذا كانت قيمة المدعى به لا تتجاوز ألف دينار …

(1) يختلف الحكم القطعي  أو البات بالمعنى الذي أوردناه عن تقسيم قرارات المحكمة إلى قرارات قطعية وقرارات غير قطعية وفق معيار  مدى حرية المحكمة في الرجوع في مسألة فصلت فيها .

       فالقرار القطعي هو القرار الذي يفصل في مسألة فصلا لا يجوز الرجوع فيه، مثل قرار اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، أو جواز الإثبات بشهادة الشهود، أو القرار برد دفع لعدم ثبوته.

       أما القرار غير القطعي أو المؤقت فهو يفصل في المسألة على نحو يجوز معه للمحكمة أن تراجعه فتعدله أو تلغيه ؛ كالقرار بندب خبير أو تعيين حارس قضائي أو تقرير نفقة مؤقتة، فالغرض منه اتخاذ إجراء تحفظي أو وقتي لحماية مصالح الخصوم ، أو لحفظ أموالهم حتى يتم الفصل في موضوع النزاع ، ويقصد منه مجرد تفادي الأضرار الناتجة عن إطالة إجراءات الخصومة .