الفصل الأول – تقسيمات الأحكام

المبحث الثاني

الأحكام الحضورية والأحكام الغيابية

      كان قانون أصول المحاكمات الحقوقية لسنة 1952 الملغى يعتبر الحكم وجاهيا إذا صدر بمواجهة الطرفين وإذا حضر المدعى عليه جلسة أو أكثر من جلسات المحاكمة وتخلف بعد ذلك عن الحضور ، يكون غيابيا بالصورة الوجاهية . وفيما عدا ذلك يكون الحكم غيابيا ، أي إذا كان المدعى عليه غائبا ولم يحضر أي جلسة من جلسات المحاكمة (م 133/2). وقد نصت على ذلك أيضا المادة 102 من قانون أصول المحاكمات الشرعية رقم 31 لسنة 1959 .

      غير أن قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد عدل عن هذا التقسيم فلم يأخذ بالأحكام الغيابية، بل أوجب في المادة 85 منه إعادة تبليغ المدعى عليه الذي لم يحضر الجلسة الأولى ولم يكن قد تبلغ لشخصه، ويعتبر الحكم في الدعوى حضوريا في حقه ولو لم يحضر فعلا أي جلسة من جلسات المحاكمة كما سبق القول(1). فيعد الحكم حضوريا بالنسبة إلى المدعى عليه إذا كان قد تبلغ لائحة الدعوى لشخصه ؛ أو إذا كان قد قدم لائحة جوابية بدفاعه ؛ أو  إذا كان قد أعيد تبليغه بالجلسة الجديدة التي تؤجل إليها الدعوى . وبذلك لم يعد من المتصور في المواد المدنية والتجارية أن يصدر حكم غيابي يقبل المعارضة ؛ واقتصر هذا التقسيم على مسائل الأحوال الشخصية لدى المحاكم الشرعية .

      وقد هدف المشرع من اعتبار الحكم حضوريا إلغاء طريق الطعن في الحكم  بالمعارضة لأن من شأن السماح بذلك إفساح المجال للمماطلة وإطالة أمد النزاع وعرقلة تنفيذ الأحكام(1). بعد أن أوجب كأصل عام إعادة التبليغ – في غير المواد المستعجلة – وذلك حتى يعد الحكم حضوريا بقوة القانون في تلك الأحوال .

      ويلاحظ أنه إذا وقع التبليغ باطلا وتخلف المدعى عليه عن الحضور في جميع الجلسات؛ فإن سبيل الطعن في الحكم هو الاستئناف لا المعارضة ، إذ يعد الحكم في هذه الحالة مبنيا على إجراء باطل ، وعندئذ تتصدى محكمة الدرجة الثانية للموضوع .

      ومع أن القانون الجديد اعتبر الحكم حضوريا في حق المدعى عليه في جميع الأحوال ، إلا أنه فرق في المادة 193 بين الحكم الذي يصدر بحضور المدعى عليه إحدى الجلسات أو تقديمه لائحة جوابية أو مذكرة بدفاعه حيث يبدأ ميعاد الطعن في هذا الحكم من اليوم التالي لتاريخ صدوره ، وبين الحكم الذي يصدر في حق المحكوم عليه الذي تخلف عن حضور جميع الجلسات المحددة لنظر الدعوى ولم يقدم لائحة جوابية أو مذكرة بدفاعه ، أو الذي تخلف عن الحضور ولم يقدم مذكرة إلى المحكمة في جميع الجلسات التالية لتعجيل الدعوى بعد وقف السير فيها لأي سبب من الأسباب، فيبدأ ميعاد الطعن في هذا الحكم من تاريخ تبليغ الحكم إلى المحكوم عليه . لذلك كان على المشرع أن يفرق في المصطلح فيقصر الحكم الحضوري على الحالة الأولى ، ويطلق على الحالة الثانية مصطلح بمثابة الحضوري ليكون ذلك أكثر دقة في الدلالة على الواقع(2).

      وتبدو أهمية التفرقة بين الحكم الوجاهي والحكم الغيابي في المحاكم الشرعية في أنه بالنسبة للحكم الوجاهي تبدأ مدة الاستئناف وفق المادة 136/1 من قانون أصول المحاكمات الشرعية من اليوم التالي لصدور الحكم ، أما بالنسبة للحكم الغيابي فتبدأ مدة الاستئناف من اليوم التالي لتبليغ الحكم إلى المدعى عليه الغائب .

      كما أنه وفق المادة 114 منه إذا لم يبلغ الحكم الغيابي إلى المحكوم عليه خلال سنة من تاريخ صدوره يصبح لاغيا إلا في الأحوال الآتية :

  1. إذا راجع المحكوم له المحكمة ودفع الرسم للتبليغ خلال مدة السنة ومضت المدة قبل أن تنتهي معاملة التبليغ .
  2. إذا كان الحكم مما يتعلق به حق الله تعالى .

      ومن ناحية أخرى فإن الحكم الغيابي يقبل الطعن بطريق الاعتراض على الحكم الغيابي لدى المحكمة التي أصدرته ، بينما لا يجوز الاعتراض على الحكم الوجاهي   (الحضوري) .

المبحث الثالث

الحكم المقرر والحكم المنشئ وحكم الإلزام(1)

    الحكم المقرر أو الكاشف ، هو الحكم الذي يؤكد وجود أو عدم وجود حق أو مركز قانوني أو واقعة قانونية ، فهو يقرر أمرا كان مقررا قبل صدوره دون أن يرتب على عاتق الخصم التزاما معينا ، فهو يزيل حالة الشك التي كانت تدور حول الحق أو المركز القانوني . ويعتبر هذا التقرير هو الهدف النهائي الوحيد للحكم ، وتتم الحماية القضائية المقصودة بمجرد صدوره دون حاجة إلى التنفيذ الجبري ، لذلك لا يعتبر سندا تنفيذيا . ومثاله الحكم بإثبات النسب ، أو بصحة التوقيع ، أو ببراءة الذمة ، أو بتزوير مستند  أو ببطلان العقد فالعقد الباطل عدم منذ نشأته ولا ينتج أثرا ومن ثم الحكم لا ينشئ هذا البطلان بل يقرره .

الحكم المنشئ ، هو الحكم الذي يقرر حقا وينشأ عن هذا التقرير تغيير في مركز قانوني سابق ، سواء بنشأة حق أو مركز قانوني جديد ، أو تعديل أو إنهاء مركز قائم. مثال ذلك الحكم بإشهار الإفلاس ، أو بالشفعة ، أو بفسخ عقد ، أو بتصفية شركة . والتغيير الذي يحدثه الحكم ذو أثر فوري أي لا يترتب إلا منذ صدوره إلا إذا نص المشرع على أن يكون له أثر رجعي . ومجرد صدور الحكم المنشئ يحقق الحماية المطلوبة ، إذ يترتب على صدوره إحداث التغيير القانوني المطلوب ، لذلك لا تكون هناك حاجة إلى التنفيذ الجبري ، ومن ثم لا يصلح سندا تنفيذيا .

حكم الإلزام ، هو الحكم الذي يتضمن إلزام المدعى عليه بأداء معين كتسليم منقول أو دفع مبلغ من المال. وهو يقبل التنفيذ الجبري، فالمدعي لا يقتصر على طلب تقرير حق أو مركز قانوني أو واقعة قانونية ، أو إحداث تغيير في مركز قانوني سابق ، بل يجاوز ذلك إلى طلب إلزام المدعى عليه بأن يؤدي أداء معينا كان قد امتنع عن أدائه . فهو يتميز بأن التقرير فيه يرد على حق يقابله التزام الطرف الآخر بأداء معين ، وهو يستلزم لتحقيق الحماية المطلوبة تنفيذه جبرا حتى يطابق المركز الواقعي للمحكوم له مركزه القانوني الذي أكده الحكم.  ويبدأ من تاريخ صدوره تقادم جديد تكون مدته خمسة عشر عاما ولو كانت الدعوى قبل صدوره تخضع لتقادم قصير .


(1) استخدم القانون الجديد مصطلح الحكم الحضوري بدل الحكم الوجاهي الذي كان في القانون القديم.

(1) د. أحمد أبو الوفا ، نظرية الأحكام في قانون المرافعات، الطبعة الثانية، دار المعارف ، 1964، ص 387 .

(2) أما قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني لسنة 1988 فقد قسم الأحكام في المادة 67 منه إلى وجاهي ، ووجاهي اعتباري ، وبمثابة الوجاهي .

       ويكون الحكم وجاهيا إذا صدر بحضور المدعى عليه الذي حضر جلسات المحاكمة . ويكون وجاهيا اعتباريا إذا صدر الحكم في غيبة المدعى عليه الذي حضر جلسة أو عدة جلسات في المحاكمة ثم تغيب عن باقي جلسات المحاكمة أو الجلسة الأخيرة التي تم فيها إصدار الحكم . Ü

Ü   ويكون الحكم بمثابة الوجاهي إذا تبلغ المدعى عليه الدعوى ولم يحضر أي جلسة من جلسات المحاكمة .

       على أنه رتب في المادة 67/3 على الحكم الوجاهي الاعتباري ذات الآثار التي تترتب على الحكم الصادر بمثابة الوجاهي . لذا تبدأ مواعيد الطعن وفق المادة 171 من القانون ذاته في الحكم الوجاهي من اليوم التالي لصدوره ، وفي الحكم الوجاهي الاعتباري أو الحكم بمثابة الوجاهي من اليوم التالي لتاريخ تبليغه .

       ويبدو من ذلك عدم وجود حكمة ظاهرة أو فائدة عملية من وجود ما يسمى بالحكم الوجاهي الاعتباري ، وكان الأولى بالمشرع الأردني أن يقصر الحكم الوجاهي على من يحضر إجراءات الخصومة ويصدر الحكم بمواجهته ، والحكم بمثابة الوجاهي على من يتغيب عن المحاكمة أو أية جلسة فيها ولا يصدر الحكم بمواجهته .

 د. مفلح القضاة ، أصول المحاكمات المدنية ، ص 309 .

(1) د. أحمد المليجي ج 3 ص 714- 717 .