الفصل الأول – عقد التأجير التمويلي

تمهيد

وجد عقد التأجير التمويلي في الأساس لتلبية حاجات ومتطلبات المشاريع التي تحتاج إلى التمويل، عندما عجزت طرق التمويل التقليدية عن تلبية حاجات المشاريع الاقتصادية، سواء منها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، للتمويل في ظل نقص أو ضعف التمويل الذاتي أو عدم توافره، وعدم إمكان تقديم الضمانات الكافية التي تطلبها مؤسسات الإقراض التقليدية.(2) فهو يتيح لتلك المشروعات فرصة لتمويل احتياجاتها من الأصول؛ أو تجديدها في حالة ضعف التمويل الذاتي؛ أو في حالة الظروف الطارئة. وبذلك يحقق مزايا للاقتصاد الوطني تتمثل في نقل التكنولوجيا ورفع مستوى دخل الفرد والقضاء على البطالة ورفع مستوى المعيشة.

فعندما ينوي مشروع شراء معدات جديدة (منقولات أو عقارات)؛ أو تجديد تجهيزاته ومعداته، قد يحتاج إلى مبلغ كبير من المال غير متوفر لديه، لذلك يقدم طلبا إلى إحدى المؤسسات المالية المتخصصة في التأجير التمويلي؛ سواء كانت بنكا أم شركة تأجير تمويلي، لتمويل شراء أو توريد تجهيزات أو بناء عقارات، وبعد دراسة المؤسسة لهذا الطلب وقبوله تشرع بإبرام عقد التأجير التمويلي. وهذا العقد يتطلب من المؤسسة إبرام عقد توريد أو بيع أو مقاولة مع طرف ثالث لتأمين الشيء المطلوب للمستأجر. وتقتضي طبيعة هذا العقد أن تتملك المؤسسة هذا المال وأن تمنح المؤسسة المستأجر خيار تملكه في نهاية مدة العقد، لذلك فإن أحكامه مستمدة من العقود المعروفة كالبيع والإيجار والوكالة والوعد بالبيع.

وتقوم فكرة هذا العقد على التمويل العيني، بحيث يستطيع المتعاقد من خلاله الحصول على ما يحتاجه من منقولات أو عقارات دون أن يستنفد موارده المالية في ثمن هذه الأموال.

فالتأجير التمويلي هو نظام تمويلي يقوم فيه المؤجر (الممول) بتمويل شراء أصل رأسمالي بطلب من المستأجر (مستثمر) بهدف استثماره لمدة لا تقل عن (75%) من العمر الافتراضي للأصل، مقابل دفعات دورية (مقابل التأجير، على أن تكون دفعات مقابل التأجير قد غطت تكلفة الأصل وهامش ربح محدد)، مع احتفاظ المؤجر بملكية الأصل وحتى نهاية العقد، وحق المستأجر في خيار شراء الأصل عند نهاية مدة التأجير، أو تجديد عقد التأجير مرة أخرى. أو إعادة الأصل للمؤجر في نهاية مدة التأجير.

وهذا النظام فرضته الضرورة الاقتصادية في الوقت الحاضر، فالتطور السريع في الاقتصاد والصناعة يتطلب أن تقوم المشاريع بإدخال أحدث خطوط الإنتاج والحصول على الأجهزة الحديثة والمتطورة للحفاظ على وجودها واستمرارها وقدرتها على المنافسة، وهو ما يحتاج إلى قدرة مالية عالية، قد تؤدي إلى تجميد رأس المال وفقدان السيولة المالية إذا لجأ المشروع إلى موارده الذاتية، في حين أن الاقتراض من مؤسسات الإقراض التقليدية يحمله أعباء وقيودا وضمانات شخصية وعينية تعيق عمل المشروع أو تعرضه لمخاطر السداد والإفلاس.

ولذلك ظهر نظام التأجير التمويلي في منتصف القرن الماضي عام 1952 في الولايات المتحدة وتم تطبيقه من خلال مؤسسات كبيرة كان أولها شركة التأجير التمويلي المستقلة(3) وبعد نجاح هذه الشركة وعدم تعرضها لمخاطر منح الائتمان أسست شركات أخرى في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان، كما أخذت فرنسا بهذه الفكرة ولكن ظهرت بصورة تنظيمية مختلفة عن النظام القانوني الأمريكي؛ فعرف ب (Credit bail) وتم تأسيس أول شركة ( Loca Franc)عام 1962، فضلا عن أنشطة المصارف القائمة. (4)

وعلى المستوى الدولي أعد المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص(5) مشروع معاهدة دولية لتنظيم نشاط التأجير التمويلي للمنقولات؛ ووقعت هذه الاتفاقية في مدينة أوتاوا في كندا بتاريخ 28/5/1988 ودخلت حيز التنفيذ بعد إيداع تصديق كل من إيطاليا وفرنسا ونيجيريا. ولم تنضم إليها كل من مصر والأردن وفلسطين. (6)

وفي الدول العربية، بقيت أهمية هذا النظام محدودة لعدم وجود صناعات ضخمة، غير أنها بدأت تشعر بأهمية هذا النظام ومزاياه في التنمية والقضاء على التخلف الاقتصادي، ومنها مصر حيث تم تنظيم التأجير التمويلي بالقانون رقم 95 لسنة 1995؛ وتم تعديله بالقانون رقم 16 لسنة 2001 ثم صدرت بعد ذلك اللائحة التنفيذية لهذا القانون. وكذلك الأردن حيث تم تنظيم التأجير التمويلي بالقانون رقم 16 لسنة 2002.(7) أما في فلسطين فقد صدر القرار بقانون رقم (6) لسنة 2014 بشأن التأجير التمويلي، ونشر في العدد 107 من الوقائع الفلسطينية بتاريخ 28/5/2014.

أهمية الموضوع:

  1. تساهم عمليات التأجير التمويلي في النهوض الاقتصادي للمجتمعات؛ وذلك بسهولة الحصول على التمويل، فهو يمثل وسيلة ناجعة لتمويل الاستثمارات والمشاريع الإنتاجية بأسلوب يحقق أهداف المتعاقدين، ويوفر فرص عمل ويقلل من البطالة. وهو بذلك يمكن أن يعطي دفعة قوية لنمو وتطور النشاط الاقتصادي في فلسطين نتيجة تطوير المشاريع الإنتاجية المختلفة وزيادة عددها والتي تعد عماد التنمية الشاملة.
  2. لعمليات التأجير التمويلي أهمية كبيرة بالنسبة للمستأجرين، حيث تزيد من إمكانية الحصول على عقد ائتمان طويل الأجل للتمويل اللازم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، لما توفره لها من الاستفادة من الأصول دون حاجة إلى تجميد ما يوجد من رؤوس الأموال. أو استئجار الأصول في حال عدم وجود رأسمال، ثم دفع قيمة الأقساط من الناتج الوارد من هذه الأصول، وبذلك يتمكن المستأجر من تنمية ماله ودفع التكاليف التي على عاتقه.
  3. يفصل بين الملكية والاستخدام وخلق تعاون وثيق بين المؤجر والمستأجر، حيث يوفر إمكانية الحصول على أصول رأسمالية بتمويل شبه كامل واستخدامها دون الحاجة إلى امتلاكها أو دفع مبالغ كبيرة، والحصول على أحدث التقنيات ذات الأثمان العالية دون الحاجة إلى شرائها، ما يؤدي إلى خلق سوق إنتاجي لا استهلاكي، وزيادة القدرة الإنتاجية لتغطية حاجة السوق المحلي وقدرته على المنافسة في السوق العالمي.
  4. إن من أهم مميزات عقد التأجير التمويلي هو ما يوفره للبنوك والشركات المتخصصة في هذا المجال لأن احتفاظ المؤجر بالملكية يجعله يتغاضى عن كثير من الضمانات التي يتطلبها التمويل العادي؛ حيث تعتبر الملكية ضمانا لاسترداد الأصل، مع حصولهم على الأرباح، وذلك لأن الملكية في حالة استعمل المستأجر خيار التملك لا تنتقل إلا بعد استيفاء جميع الحقوق على ما سيأتي بيانه. كما أنه لا يتحمل الأضرار التي تصيب الغير، كما أن تكاليف الصيانة يتحملها المستأجر خلافا للقاعدة العامة في عقد الإيجار.
  5. للمؤجر استرداد العين المؤجرة من تفليسة المستأجر، ولا يجوز لدائني المستأجر الحجز عليها، ولا يجوز للمستأجر التصرف بها وإلا اعتبر مبددا ومرتكبا لجريمة إساءة الائتمان.

تقسيم الدراسة:

نتناول عقد التأجير التمويلي في ثلاثة مباحث

المبحث الأول: التعريف بعقد التأجير التمويلي، والتمييز بينه وبين ما يختلط به، وأنواعه.

المبحث الثاني: انعقاد عقد التأجير التمويلي

المبحث الثالث: انقضاء عقد التأجير التمويلي.

المبحث الأول

التعريف بعقد التأجير التمويلي

اختلفت التشريعات والفقه في تعريف عقد التأجير التمويلي؛ نظرا لاختلاف النظم القانونية التي أخذت به، وتعدد صوره ونماذجه، لذلك نعرض لتعريف عقد التأجير التمويلي في بعض التشريعات، ثم لتعريفه في القضاء والفقه، لنصل إلى رأينا في التعريف المختار.

المطلب الأول

تعريف عقد التأجير التمويلي في التشريعات المختلفة

  1. في بعض القوانين الأجنبية

عرفت المادة (Sec 103 – 2 A) من التقنين التجاري الموحد الأمريكي(8) التأجير التمويلي بأنه ” تأجير لا يقوم فيه المؤجر اختيار تصنيع أو توريد البضائع محل العقد، ولكن يتعاقد مع طرف ثالث مورد؛ ليتملك البضائع بهدف تأجيرها إلى المستأجر”. (9)

كما عرف القانون الإنجليزي عقد التأجير التمويلي بأنه عقد بين المؤجر والمستأجر يتضمن إيجار أصول معينة يتم اختيارها من المورد أو بائع بمعرفة المستأجر، ويظل المؤجر مالكا للأصول والمستأجر مستعملا لها مقابل أجرة معينة يتفق عليها خلال مدة العقد.(10)

وعرفت الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 66- 455 الفرنسي الصادر بتاريخ 2 تموز 1966 والمعدل باللائحة رقم 67/837 الصادرة بتاريخ 28 تموز 1967 عمليات التأجير التمويلي للمنقولات بأنها ( عمليات تأجير المعدات “التجهيزات” وأدوات العمل المشتراة من قبل مشروعات “مؤجر” بقصد إعادة تأجيرها مع بقائها مالكة لها عندما تعطي هذه العمليات أيا كان وصفها المستأجر إمكانية اكتساب ملكية هذه الأصول كليا أو جزئيا، مقابل ثمن متفق عليه، يراعى فيه الدفعات التي تم الوفاء بها ولو في جزء منها). (11)

  1. في بعض القوانين العربية

عرفت المادة الأولى من القانون رقم 95 لسنة 1995 المصري وتعديله رقم 16 لسنة 2001 المال أو الأموال بأنه: كل عقار أو منقول مادي أو معنوي يكون موضوعا لعقد تأجير تمويلي متى كان لازما لمباشرة نشاط إنتاجي سلعي أو نشاط خدمي للمستأجر وفقا للقواعد التي يصدر بها قرار من الوزير المختص.

كما نصت المادة الثانية منه على أنه: في تطبيق هذا القانون يعد تأجيرا تمويليا ما يأتي:-

  1. كل عقد يلتزم بمقتضاه المؤجر بأن يؤجر إلى مستأجر منقولات مملوكة له أو تلقاها من المورد استنادا إلى عقد من العقود، ويكون التأجير مقابل قيمة إيجارية يتفق عليها المؤجر مع المستأجر.
  2. كل عقد يلتزم بمقتضاه المؤجر بأن يؤجر إلى المستأجر عقارات أو منشآت مملوكة للمؤجر أو يقيمها على نفقته بقصد تأجيرها للمستأجر، وذلك بالشروط والأوضاع والمواصفات والقيمة الإيجارية التي يحددها العقد.
  3. كل عقد يلتزم بمقتضاه المؤجر بتأجير مال إلى المستأجر تأجيرا تمويليا إذا كان هذا المال قد آلت ملكيته للمؤجر من المستأجر بموجب عقد يتوقف نفاذه على إبرام عقد التأجير التمويلي.

ونصت المادة الأولى من قانون تنظيم عمليات الإيجار التمويلي اللبناني رقم 160 لسنة 1999، على أنه (يقصد بعمليات التأجير التمويلي عمليات تأجير تجهيزات ومعدات وآليات على أنواعها مشتراة من المؤجر بهدف تأجيرها مع الاحتفاظ بملكيتها، شرط إعطاء المستأجر حق تملكها لقاء ثمن متفق عليه تحدد شروطه عند إجراء العقد مع الأخذ بالاعتبار ولو جزئيا الأقساط المدفوعة كبدلات الإيجار).

ونصت المادة 3 من قانون التأجير التمويلي الأردني رقم 45 لسنة 2008 على أنه:

  1. يكون العقد عقد تأجير تمويلي، إذا تحقق فيه الشرطان التاليان وبغض النظر عن شموله أو عدم شموله لخيار الشراء:
  1. أن يكون تملك المؤجر للمأجور من المورد بهدف تأجيره بموجب عقد التأجير.
  2. أن يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمأجور مقابل بدل الإيجار.

وفي فلسطين عرفت المادة الأولى من القرار بقانون رقم 6 لسنة 2014 بشأن التأجير التمويلي التأجير التمويلي بأنه النشاط الذي يمارسه المؤجر ويمنح بموجبه حق حيازة واستخدام العين المؤجرة إلى المستأجر لمدة محددة مقابل دفعات التأجير وفقا لأحكام عقد التأجير التمويلي. كما عرفت عقد التأجير التمويلي بأنه: عقد خطي يتم إبرامه وتنظيمه وفقا لأحكام هذا القرار بقانون.

ونصت المادة 4 منه على أنه:

  1. يعتبر العقد عقد تأجير تمويلي إذا تحققت فيه الشروط التالية مجتمعة، ويستثنى منها شموله أو عدم شموله لخيار الشراء.
  1. أن يحدد المستأجر العين المؤجرة ويختار المورد.
  2. أن يكون تملك العين المؤجرة من المورد بهدف تأجيرها بموجب عقد التأجير التمويلي.
  3. أن يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل دفعات التأجير.
  4. أن يكون عقد التأجير التمويلي خطيا.
  5. في حالة عدم تحقق أي من الشروط المحددة في الفقرة (1) من هذه المادة تنتفي صفة التأجير التمويلي عن العقد، ولا يخضع لأحكام هذا القرار بقانون.

ويتبين من النصوص السابقة ما يأتي:

  1. تشترط بعض القوانين – كالقانونين الفرنسي والمصري – أن تكون الأموال المؤجرة ذات طبيعة إنتاجية؛ سلعية أو خدمية، سواء كان لغرض صناعي أم زراعي أم تجاري أم مهني، فلا يعتبر عقد تأجير تمويلي إذا كان للاستخدام الشخصي. بينما تجيز قوانين أخرى – كالقانونين الأمريكي والأردني– إبرام عقد تأجير تمويلي للحصول على السلع المخصصة للاستعمال الشخصي.
  2. تشترط بعض القوانين – كالقانونين الفرنسي والأردني واللبناني – أن يقوم المؤجر بشراء الأموال المنقولة بقصد تأجيرها، أي وجود طرف ثالث هو المورد أو البائع. بينما لا تشترط قوانين أخرى – كالقانونين الأمريكي والمصري – سبق شراء المؤجر للأموال المؤجرة؛ بل يجوز أن تكون الأموال المؤجرة ملكا للمؤجر؛ أي أن تقتصر عملية التأجير التمويلي على طرفين فقط.
  3. تشترط بعض القوانين – كالقانونين الفرنسي واللبناني – أن ينتهي عقد التأجير التمويلي بخيار المستأجر في شراء المأجور بعد انتهاء مدة العقد وإلا لا يعتبر العقد عقد تأجير تمويلي. بينما لا تشترط قوانين أخرى – كالقانون الأردني– النص على هذا الشرط في العقد، بل يعد ذلك قاعدة مكملة يجوز أن لا ينص عليه في العقد دون أن يفقد العقد صفته كعقد تأجير تمويلي.
  4. حصرت بعض القوانين – كالقانون اللبناني واتفاقية أوتاوا – محل عقد التأجير التمويلي بالأموال المنقولة فقط. بينما أجاز بعضها الآخر – كالقانونين المصري والأردني – أن يكون محل عقد التأجير التمويلي جميع الأشياء التي تدخل دائرة التعامل سواء كانت أموالا غير منقولة أم منقولات مادية أو معنوية.
  5. اشترطت بعض القوانين – كالقانون الأردني – أن يكون العقد خطيا، أي أنه عقد شكلي وأن الكتابة شرط لانعقاد العقد كعقد تأجير تمويلي، بينما لم تشترط قوانين أخرى – كالقانون المصري – ذلك بمعنى أن العقد هو من العقود الرضائية وفق القواعد العامة وأن الكتابة للإثبات وليس للانعقاد.

وبالرجوع إلى القرار بقانون رقم 6 لسنة 2014 بشأن التأجير التمويلي، نجد أن المادة الأولى منه قد عرفت عقد التأجير التمويلي بأنه: عقد خطي يتم إبرامه وتنظيمه وفقا لأحكام هذا القرار بقانون. كما عرفت العين المؤجرة بأنها: كل مال منقول أو غير منقول مما يتحقق الانتفاع به باستعماله مرارا مع بقاء عينه ولا يشمل النقود أو الأوراق التجارية أو الأوراق المالية.

كما نجد أنه في المادة 4/1/ب منه يشترط سبق شراء المؤجر للمال محل عقد التأجير، وفي حال انتفى هذا الشرط تنتفي صفة التأجير التمويلي عن العقد ولا يخضع لأحكام هذا القرار بقانون. غير أنه لم يشترط أن تكون الأموال المؤجرة ذات طبيعة إنتاجية بل يجوز وفقا لأحكامه أن يكون هذا المال للاستعمال الشخصي. كما لم يشترط أن ينص في العقد على شمول العقد لخيار الشراء (مادة 4/1)، بل يعد هذا الشرط اختياريا يجوز الاتفاق عليه كما يجوز عدم الاتفاق عليه في العقد دون أن يفقد العقد صفته كعقد تأجير تمويلي.

ثانيا: في القضاء

عرف مجلس الدولة المصري عقد التأجير التمويلي بأنه : عقد يتضمن إيجار أصول مملوكة للمؤجر، يقوم المستأجر بتحديد مواصفاتها واختيار موردها، واستئجارها مدة يتفق عليها مقابل أجرة معلومة ، ويكون للمستأجر الحق في شراء هذه الأصول كلها أو بعضها في الموعد وبالثمن المتفق عليه بالعقد، على أن يراعى في تحديد ذلك ما تم أداؤه من الأجرة، ومن ثم فإن ملكية الأصول المستأجرة لا تنتقل بموجب هذا العقد من المؤجر إلى المستأجر طيلة مدة الإيجار وإنما تظل هذه الملكية ثابتة للمؤجر طوال هذه المدة ولو قام المستأجر بشرائها نيابة عن المؤجر. (12)

ثالثا: في الفقه

عرف بعض الفقه عقد التأجير التمويلي بأنه: نشاط تمويلي لشراء معدات أو أصول رأسمالية بغرض تأجيرها بعقد طويل الأجل، غير قابل للإلغاء، ولا يتحمل المؤجر أية تكاليف، بحيث يكون للمستأجر حق تملك الأصل. (13)

وعرفه بعضهم بأنه: تأجير عيني لأصول رأسمالية بمقتضى علاقة تعاقدية بين المؤجر والمستأجر مقابل قيمة إيجارية يدفعها المستأجر للمؤجر خلال فترة زمنية معينة. (14)

كما عرف بأنه: ائتمان طويل ومتوسط الأجل مضمون بحق الملكية. (15)

وهناك من عرفه بأنه: عقد إيجار ذو طبيعة خاصة مختلفة عن باقي العقود والتي تدخل في عملية إبرامه (كالوعد بالإيجار؛ والوكالة؛ والإيجار؛ والوعد بالبيع؛ ثم البيع) واستمد هذه الطبيعة من جوهره المتمثل بتمويل استثمار محدد للمستأجر. (16)

وتم تعريفه أيضا وفق المادتين 2 و3 من القانون الأردني بأنه (عقد إجارة يتم تنظيمه وإبرامه وفقا لأحكام قانون خاص، يقضي بتملك المؤجر للمأجور من المورد بأمواله الخاصة أو المقترضة، بهدف تأجيره إلى المستأجر وتمكينه من حيازة المأجور واستعماله والانتفاع به، ثم تملكه مقابل بدل الإيجار). وبأن التأجير التمويلي هو معاملة مالية يقصد منها تمكين أحد طرفيها من أن يتملك من الآخر عينا قابلة للتأجير، عند الوفاء بالالتزامات متعاقبة – مالية وغير مالية – تجاه الطرف الآخر، مع تمليكه لمنفعة هذه العين خلال فترة والوفاء. (17)

رأينا في تعريف عقد التأجير التمويلي وفق القرار بقانون رقم 6 لسنة 2014 بأنه: عقد خطي غير قابل للإلغاء ، بين شركة تأجير تمويلي مسجلة وفق القانون أو بنك حاصل على ترخيص من سلطة النقد، وبين صاحب مشروع؛ سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا، يتضمن تأجير عين سواء كانت عقارا أو منقولا ( ماديا أو معنويا)، حدد المستأجر مواصفاتها واختار موردها؛ وقامت شركة التأجير التمويلي أو البنك، بشرائها بقصد تأجيرها للمستأجر مدة معينة ، مقابل دفعات نقدية يتفق عليها في العقد، سواء اشتمل العقد على خيار المستأجر في شراء العين المؤجرة في نهاية مدة العقد أو لم يشتمل على هذا الشرط.

القانون الواجب التطبيق على عقد التأجير التمويلي:

نظم المشرع الفلسطيني التأجير التمويلي بالقرار بقانون رقم 6 لسنة 2014، الذي نشر في العدد 107 من الوقائع الفلسطينية بتاريخ 28/5/2014. وحددت المادة (2) منه نطاق تطبيق القانون فنصت على أنه:

  1. تسري أحكام هذا القرار بقانون على أي تأجير تمويلي لأموال تتواجد داخل فلسطين، أو إذا كان المركز الرئيس لأعمال المستأجر يقع في فلسطين، أو إذا كان أحد شروط عقد التأجير التمويلي يقضي بالاحتكام إلى التشريعات الفلسطينية.
  2. لا تسري أحكام هذا القرار بقانون على العلاقة بين المؤجر والمستأجر إلا إذا كانت هذه العلاقة قد نظمت بموجب عقد تأجير تمويلي وفقا لأحكام هذا القرار بقانون.
  3. فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القرار بقانون أو في عقد التأجير التمويلي فإنه يتم تطبيق قواعد القانون المدني، بما لا يتعارض مع طبيعة هذا النشاط.
  4. ما لم يرد نص في هذا القرار بقانون، فإنه يخضع عقد التأجير التمويلي للتشريعات السارية التي تتعلق بالمال غير المنقول الموضوع تأمينا للدين، أو تلك التي تتطلب إشعارا عاما لعقد التأجير، أو العين محل عقد التأجير، وينحصر أثر الإخلال بالالتزام بتلك المتطلبات لأحكام هذه التشريعات. (18)

وقد نصت المادة (6) من القرار بقانون على أنه (يتمتع المؤجر والمستأجر بحرية تحديد مضمون عقد التأجير التمويلي، ويجوز لهما تغيير الأحكام الواردة في الفصول (2) و (3) و(4) باستثناء ما تنص عليه الفقرة (1) من المادة (8)، والمواد (10) و (11) و (12) و (13) و (15) و(16) و (22) و ()28) و (30) من هذا القرار بقانون.

ويتبين من هذا النص أن القرار بقانون قد ترك للمؤجر والمستأجر الاتفاق على شروط عقد التأجير التمويلي، فإن لم يتفقا على مسألة معينة تطبق القواعد المكملة الواردة فيه، بينما نظم بعض المسائل بقواعد آمرة.

(1)(1) يسمى أيضا الائتمان الإيجاري، والتمويل بالاستئجار، والاعتماد الإيجاري، وعقد الإيجار التمويلي، أو الليزنغ (Leasing). وقد اختلف الفقه في تاريخ نشأته، فذهب بعضهم إلى أنه يعود إلى حضارة البابليين وخاصة قانون حمورابي، أو إلى عهد السومريين في مدينة (أور) في العراق قبل سنة 2000 قبل الميلاد، ثم انتقلت الفكرة إلى القانون الروماني. وذهب بعضهم الآخر إلى أن الفكرة تعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد حيث عرف في مصر القديمة عندما كان يقوم أحد الأغنياء بتأجير أدواته أو عقاراته إلى الآخرين لمدة محدودة وأجرة معلومة. وذهب رأي فريق ثالث إلى أن المجتمعات الإسلامية عرفته حيث كان التاجر يقوم باستثمار أمواله لدى المضاربين مقابل شهادة أسهم من أجل تجنب الربا، ويتم ذلك بمقتضى عقد تحدد فيه التزامات كل طرف. محمد عايد شوابكة، عقد التأجير التمويلي، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2011، صفحة 15.

(2)(2) محمد عايد الشوابكة، المرجع السابق صفحة 58.

(3)(3) Independent Leasing Company عن طريق أحد رجال الصناعة يسمى D.P.Boothe Junior الذي كان يملك مصنعا صغيرا لإنتاج المواد الغذائية المحفوظة، حيث طلب منه الجيش الأمريكي تزويده بكميات كبيرة مما ينتجه بمناسبة الحرب الكورية عام 1950، ولم يكن لمصنعه القدرة الإنتاجية لتلبية هذه الصفقة ، ولم يكن يملك رأس المال الكافي لشراء معدات لتوسيع مصنعه وتلبية الصفقة يمكن أن وفشل في الحصول على قرض لشراء ما يحتاجه من معدات ، وفكر في استئجار المعدات ولم يوفق في العثور على مؤجر، وبعد دراسة قام بها توصل إلى أن احتراف تأجير الأصول الإنتاجية أو المعدات لأي مشروع يمكن أن يكون مصدر ربح يفوق ما يحققه مصنعه الصغير الذي عجز عن تلبية صفقة الجيش، واستطاع أن يقنع مجموعة من رجال العمال بالفكرة التي انتهت إلى تأسيس هذه الشركة كأول شركة سنة 1952.

(4)(4) محمد عايد شوابكة، المرجع السابق، صفحة 16.

(5)(5) The International for the unification of private law

(6)(6) محمد عايد شوابكة، المرجع السابق، صفحة 18.

(7)(7) نشر في العدد رقم 4542 من الجريدة الرسمية بتاريخ 1/5/2002 في الصفحة 1644.

(8)(8) Uniform Commercial Code .

(9)(9) A Lease in which the Lesser dose not select , manufacturer, or supply the goods , but enters into a contract with a third party supplier to acquire goods specifically for the purpose of Leasing them to the Lessee . نقلا عن محمد عايد الشوابكة، عقد التأجير التمويلي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2011، صفحة 29.

(10)(10) نقلا عن صخر خصاونة، عقد التأجير التمويلي في القانون الأردني مع الإشارة إلى أحكام الفقه الإسلامي. دار وائل للنشر والتوزيع، عمان 2005، طبعة أولى، صفحة 32.

(11)(11) نقلا عن محمد عايد الشوابكة، المرجع السابق، صفحة 34.

(12)(12) فتوى الجمعية العمومية بقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 975 بتاريخ 23/1/1996 الملف رقم 37/2/540 نقلا عن محمد عايد الشوابكة، المرجع السابق، صفحة 47.

(13)(13) محمود فهمي وآخرين، التأجير التمويلي، صفحة 115.

(14)(14) احمد فؤاد عطا، صناعة التأجير التمويلي وأثرها المباشر على الاقتصاد المصري، ندوة التأجير التمويلي، جامعة عين شمس بتاريخ 17م2م1999.

(15)(15) هاني محمد دويدار، النظام القانوني للتأجير التمويلي، دار الجامعة الجديدة، 1994، صفحة 692، علي سيد قاسم، الجوانب القانونية للإيجار التمويلي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، صفحة 25.

(16)(16) فايز نعيم رضوان، عقد التأجير التمويلي، طبعة 2، (د.ن.) 1994، صفحة 74.

(17)(17) آدم نوح علي القضاه وموسى مصطفى القضاه، واجبات المستأجر والمؤجر وحقوقهما في التأجير التمويلي، دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الأردني، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، المجلد 43 العدد 1، 2016، الجامعة الأردنية.

(18)(18) نصت المادة الثالثة من القرار بقانون على أن أهداف القانون هي: 1- إيجاد منظومة قانونية لتطوير خدمات التأجير التمويلي وحل النزاعات المرتبطة بها في فلسطين. 2- تنظيم ومراقبة أعمال التأجير التمويلي والحفاظ على حقوق ومصالح أطراف عقد التأجير التمويلي. 3- تنظيم نشاط التأجير التمويلي كأداة لتمويل الموجودات الثابتة، مثل الآلات والمعدات والمركبات والأراضي. 4- مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي لا تمتلك رأس مال كبير على التطور وتوسيع أعمالها من خلال الحصول على المعدات اللازمة للقيام بعملها. كما عهد القرار بقانون إلى هيئة سوق رأس المال الرقابة والتنظيم والإشراف على نشاط التأجير التمويلي فنص في المادة (7) منه على أن:

1-تتولى الهيئة لغايات تطبيق أحكام هذا القرار بقانون، المهام الآتية: أ-وضع السياسات المتعلقة بالتأجير التمويلي. ب-ترخيص شركات التأجير التمويلي. ج-الإشراف والرقابة على أعمال التأجير التمويلي. د-تنظيم وتطوير التأجير التمويلي في فلسطين. 2-تتقاضى الهيئة رسوما مقابل ترخيص شركات التأجير التمويلي، وعمليات تسجيل عقود التأجير التمويلي وتحدد قيمة هذه الرسوم بموجب نظام يصدر لهذه الغاية.