الفصل الأول – عقد التأجير التمويلي

المبحث الثاني

انعقاد عقد التأجير التمويلي

نتناول في هذا الفصل، مراحل انعقاد العقد، وشروط انعقاده، والحقوق والالتزامات المترتبة عليه في مباحث ثلاثة

المطلب الأول

مراحل انعقاد عقد التأجير التمويلي

تمر عملية التأجير التمويلي بالخطوات التالية:

  1. يحدد صاحب المشروع المعدات والآلات أو السلع التي يرغب في الحصول عليها لبدء مشروعه أو تطويره، ومواصفاتها الفنية، ويبحث عن مورد (صانع أو منتج) أو بائع، ويقوم بالتفاوض معه بشأن مواصفات تلك المعدات والآلات أو السلع وطريقة صنعها أو إنشائها وخصائصها وثمنها… الخ، ويحصل منه على عرض يتضمن الثمن وجميع المواصفات المتفق عليها، ويعد دراسة جدوى اقتصادية للمشروع.
  2. يقدم صاحب المشروع طلبا لشركة التأجير التمويلي لشراء تلك المعدات والآلات من المورد أو البائع، وتأجيرها له، ويتفاوض معها من حيث قيمتها وبدل إيجارها ومدة الإيجار وقيمة كل قسط وشروط العقد الأخرى.
  3. تقوم شركة التأجير التمويلي بدراسة الطلب ومرفقاته وفحص الصفقة المطلوب تمويلها والحالة المالية لصاحب المشروع؛ وتتخذ قرارها في ضوء نتيجة هذه الدراسة سواء بالموافقة أو عدم الموافقة على تمويل المشروع. وإذا وافقت على الطلب تقوم بإبرام عقدين:

العقد الأول عقد شراء المعدات المطلوبة مع المورد أو البائع الذي اختاره العميل، وتفوض العميل في معاينة المعدات واستلامها ويحرر محضر بالتسليم يرسل لها (أي لشركة التأجير التمويلي)، فتدفع الثمن للبائع أو المورد.

والعقد الثاني عقد تأجير تمويلي مع العميل كمستأجر، يشتمل على شروط العقد من حيث قيمة التمويل وما إذا كان سيرد على كامل الأموال أو على نسبة مئوية من قيمة العقد، وآلية التسديد وقيمة الأقساط ومواعيدها؛ ومدة العقد والتزامات كل طرف والضمانات التي سيقدمها المستأجر كالتأمين على المأجور لصالح المؤجر، وغيرها من الشروط. وتدفع الأقساط الإيجارية في فترات زمنية معينة؛ تكون عادة مرتبطة بالعمر الافتراضي لهذه المعدات؛ بحيث يشكل مجموع هذه الأقساط الدورية (الأجرة) ثمن شراء الأصول المؤجرة؛ ومصاريف إتمام الصفقة؛ وهامش ربح معقول. كما ينص في العقد على بقاء ملكية المأجور للمؤجر طوال مدة العقد، وعلى خيار المستأجر في الشراء في نهاية مدة الإيجار بالثمن المحدد المتفق عليه. ويراعى في تحديد الثمن عند إبداء الرغبة في الشراء؛ قيمة الأقساط المدفوعة، أي بسعر تحفيزي، وقد يتم التملك دون مقابل في بعض القوانين إذا كانت الأقساط تغطي كامل الثمن المتفق عليه.

ويتبين من ذلك أن إنجاز عملية التأجير التمويلي تتطلب تدخل ثلاثة أطراف هم : المستأجر صاحب المشروع الذي يبادر إلى تحريك العملية لحاجته للانتفاع بالأصل في مشروعه، والبائع أو المورد الذي يريد التصرف في المنقول والحصول على الثمن ويقوم بتنفيذ التزاماته الناشئة عن عقد البيع لفائدة المستأجر، وشركة التأجير التمويلي التي تقوم بالشراء وإبرام عقد البيع مع المورد أو البائع بناء على طلب المستأجر منها ذلك فيتحقق بذلك مراد الطرفين الآخرين، ومع ذلك يمكن أن تحصل شركة التأجير التمويلي على تمويل من مؤسسة مالية لشراء محل العقد لصالح المؤجر فيصبح عندنا طرف رابع هو تلك المؤسسة الممولة.

وفي حين لا تتعدى العلاقة بين البائع أو المورد والمستأجر اختيار الآلات وتكون العلاقة المباشرة بين ذلك البائع وشركة التأجير التمويلي، ويعتبر المستأجر في اختياره الآلات والمعدات محل عقد البيع وفحصها واستلامها بمثابة وكيل لشركة التأجير التمويلي، فإن المستأجر يتحمل كل النتائج المترتبة على سوء اختياره للآلات والموردين، وتحول له ضمانات البائع (كالعيوب الخفية)، بينما لا تتحمل شركة التأجير التمويلي أي مسئولية ناتجة عن عملية التأجير التمويلي مع احتفاظها بحق الملكية.

المطلب الثاني

شروط انعقاد عقد التأجير التمويلي

عرفت المادة الأولى من القرار بقانون رقم 6 لسنة 2014 عقد التأجير التمويلي بأنه: عقد خطي يتم إبرامه وتنظيمه وفقا لأحكام هذا القرار بقانون.

ويتبين من هذا التعريف أن عقد التأجير التمويلي وفقا للقانون الفلسطيني هو عقد شكلي، أي أنه يجب أن يكون مكتوبا؛ وأن الكتابة شرط لانعقاد العقد كعقد تأجير تمويلي، فإن لم يكن مكتوبا تنتفي عنه صفة التأجير التمويلي، ولا يخضع لأحكام هذا القرار بقانون. (19) بل يخضع للأحكام العامة في القانون المدني.

ونبين فيما يأتي، طرفا عقد التأجير التمويلي، وسببه، ومحله.

أولا: طرفا عقد الـتأجير التمويلي

لتحديد طرفي عقد التأجير التمويلي؛ يجب أن نفرق بين هذا العقد وبين العملية التأجيرية، فطرفا العقد هما شركة التأجير التمويلي والمستأجر، بينما نجد أن العملية التأجيرية قد تشتمل على طرف ثالث هو المورد أو المقاول؛ دون أن يكون طرفا في عقد التأجير التمويلي، ولكن وجوده له أثر في الالتزامات والحقوق التي تترتب على ذلك العقد.

  1. المؤجر

عرفت المادة الأولى من القرار بقانون المؤجر بأنه: الشخص المعنوي المسجل وفق أحكام التشريعات النافذة، والذي تكون غايته الرئيسية مباشرة نشاط التأجير التمويلي بموجب عقد التأجير التمويلي، ولا يشمل المصطلح الشركة العادية أو الشركة المدنية.

ويتبين من هذا التعريف أن المؤجر يجب أن يكون شركة مساهمة سواء كانت مساهمة عامة أو مساهمة خصوصية، مسجلة وفق القانون أو بنكا حصل على ترخيص من سلطة النقد (البنك المركزي)، ويحظر القانون على المؤجر غير المقيد في السجل أن يستعمل عبارة التأجير التمويلي أو أي مرادفات لها في عنوانه أو مزاولة عمليات التأجير التمويلي. ويمكن أن يكون المؤجر شركة أجنبية متى كانت مقيدة في السجل الخاص بالمؤجرين.

ويشترط في شركة التأجير التمويلي أن يكون لديها القدرة الفنية والإدارية في إدارة نشاط التأجير التمويلي والقيام به، ويجب أن يكون هذا النشاط هو غرض الشركة الأساسي وليس تابعا لنشاط آخر. وتشترط بعض القوانين أن لا يقل رأسمال الشركة عن مبلغ معين هو في مصر نصف مليون جنيه، وفي الأردن مليون دينار. بينما لم يحدد المشرع الفلسطيني ذلك، مكتفيا بما نص عليه قانون الشركات الساري المفعول.

  1. المستأجر

عرفت المادة الأولى من القرار بقانون المستأجر بأنه: الشخص الذي له حق حيازة واستخدام العين المؤجرة بموجب عقد التأجير التمويلي، ويشمل المصطلح كل مستأجر “ومستأجر من الباطن” ما لم يدل السياق على خلاف ذلك.

فالمستأجر هو كل شخص طبيعي أو معنوي يتعاقد مع شركة التأجير التمويلي، سواء كان تاجرا لأغراض مشروع اقتصادي، أو شخصا طبيعيا مدنيا للاستعمال الشخصي، وسواء كان وطنيا أم أجنبيا. (20) غير أنه إذا كان المستأجر أجنبيا أو شخصا اعتباريا، فإنه -وفق المادة (16) من القرار بقانون-يجب عليه الحصول على الموافقات الرسمية اللازمة لاستئجار العقار أو تملكه وفق أحكام التشريعات النافذة.

ثانيا: سبب عقد التأجير التمويلي

سبب عقد التأجير التمويلي بمعنى الغرض المباشر من العقد، هو بالنسبة للمستأجر الرغبة في توفير المال لتمويل شراء المعدات اللازمة لإنشاء أو تطوير مشروعه، أو لاستعماله الشخصي. وبالنسبة للمؤجر هي الرغبة في تحقيق الربح باستثمار مضمون. وهذا السبب موجود وصحيح ومشروع وفيه منفعة لعاقديه.

ثالثا: محل عقد التأجير التمويلي

محل عقد التأجير التمويلي هو الآلات أو المعدات الإنتاجية أو العقارات المتعاقد على تأجيرها، أي يجب أن يكون من الأشياء الاستعمالية، فلا يرد على الأشياء الاستهلاكية.

رابعا: شهر عقد التأجير التمويلي

نظم المشرع تسجيل العين المؤجرة في الفصل الخامس من القرار بقانون، فنص في المادة 31 منه على تسجيل الأموال المنقولة الخاصة والأموال غير المنقولة بقولها:(21)

  1. يجب على المؤجر تسجيل العين المؤجرة لدى الجهات المختصة وفقا لطبيعتها.
  2. يخضع العقار محل العقد للتسجيل لدى دائرة تسجيل الأراضي المختصة، ولا تسري عليه أحكام الشفعة والأولوية عند نقل ملكيته من المؤجر إلى المستأجر أو من مؤجر إلى مؤجر آخر، مع مراعاة أحكام التشريعات المتعلقة بتملك الأجانب للأموال غير المنقولة وتصرف الأشخاص المعنويين بالأموال غير المنقولة.
  3. يحق للمستأجر تقديم طلب تسجيل العين المؤجرة شريطة أن يتضمن هذا الطلب اسم المؤجر، وأن يشير إلى أن حيازة المستأجر للعين المؤجرة قد تمت بموجب عقد التأجير التمويلي.
  4. يعفى المؤجر والمستأجر من أي رسوم متعلقة بنقل الملكية أو تسجيل الأموال المنقولة الخاصة والأموال غير المنقولة للمستأجر تنفيذا لعقد التأجير التمويلي.
  5. عند قيام المستأجر بممارسة خيار شراء العين المؤجرة من غير المنقول أو الأموال المنقولة الخاصة، أو في حال نص عقد التأجير على انتقال ملكية العين المؤجرة محل العقد إلى المستأجر بعد سداده لكافة الالتزامات المترتبة عليه، يجب على المؤجر تسجيل العين المؤجرة باسم المستأجر خلال (15) يوما من تاريخ أحقية المستأجر بتملك العين المؤجرة، وإذا لم يقم المؤجر بذلك، للمستأجر الحق في اللجوء إلى المحكمة المختصة للحصول على قرار بنقل ملكية العين المؤجرة إلى المستأجر.

كما نصت 32 منه على أنه:

  1. تنشئ الوزارة سجلا تكون الغاية منه إطلاع الغير بوجود حق متعلق بالأموال المنقولة المتعلقة بالتأجير التمويلي.
  2. يكون تسجيل المال المنقول في السجل اختياريا، وينظم السجل كافة البيانات المتعلقة بالمال المنقول والبيانات المتعلقة بالمستأجر والمؤجر، ولا يترتب على التسجيل أية رسوم.
  3. يحق لأي شخص الاطلاع على البيانات المدونة في السجل.
  4. لا تسجل الأموال غير المنقولة والأموال الخاصة في السجل.
  5. إذا قام المؤجر بتسجيل إشعار بخصوص العين المؤجرة، يتمتع بحق أولوية على جميع الحقوق الناشئة لاحقا في ذات العين المؤجرة بحسب تاريخ تسجيل عقد التأجير التمويلي والحقوق الأخرى.

والغاية من تطلب تسجيل العقد في السجل المعد لذلك هي حماية الآخرين الذين يتعاملون مع المستأجر، فحيازة المستأجر الظاهرة للعين المؤجرة وخاصة بالنسبة للمنقولات، يمكن أن توحي للغير بملكيته لها، عملا بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية. لذلك فإنه بتسجيل العقد يصبح حجة على الكافة ضمانا لحقوق شركة التأجير التمويلي، كما يمكن للمؤجر وضع لافتة ملصقة على المنقول المؤجر أو عند مدخل العقار الرئيسي، تبين أنه مملوك لشركة التأجير التمويلي، لإعلام الغير بذلك، حماية لحقوقها.

ولكن عدم تسجيل عقد التأجير التمويلي المكتوب لا يعني بطلانه، بل يبقى صحيحا ومنتجا لآثاره فيما بين طرفيه، ولكن لا يمكن الاحتجاج به على غيرهما.

(19)(19) المادة 4/2 من القرار بقانون، في حين يذهب بعض الفقه أن عقد التأجير التمويلي -وفق القانون الأردني-عقد رضائي يكفي فيه توافق إرادتين لإبرامه ودون أن يتوقف إبرامه على إفراغه في شكل معين، ولا يغير من ذلك اشتراط المشرع تنظيم العقد خطيا بين المؤجر والمستأجر وتسجيله، فغاية هذا التنظيم تدوين حقوق والتزامات طرفيه، وأن الكتابة شرط أساسي تمهيدا لتنظيمه قانونيا حتى يصبح حجة على غيره. ولكن تطلب تنظيمه خطيا يمنع المتعاقدين من إثباته بالشهادة أو القرائن. محمد عايد شوابكة، المرجع السابق، صفحة 141.

(20)(20) أما المورد فقد عرفته المادة الأولى من القرار بقانون بأنه: الشخص الذي ينقل ملكية العين المؤجرة محل عقد التأجير التمويلي إلى المؤجر. كما عرفت اتفاقية التوريد بأنها: الاتفاقية التي تنتقل بموجبها ملكية العين المؤجرة من المورد إلى المؤجر لأغراض التأجير التمويلي.

(21)(21) عرفت المادة الأولى من القرار بقانون الأموال المنقولة الخاصة بأنها: المنقولات ذات الملك الخاص التي تقضي التشريعات السارية تسجيلها لدى الجهات المختصة، وتشمل على سبيل المثال المركبات والسفن والطائرات.