الفصل الثالث – الاختصاص القيمي

        يعد المعيار القيمي هو الأصل أو الأساس في توزيع الاختصاص بين محاكم الدرجة الأولى، فقد وزع المشرع اختصاص المحاكم العادية في بعض الدعاوى بحسب قيمة الدعوى، ورسم قواعد عامة لتقدير قيمة الدعوى ثم وضع بعض القواعد لتقدير قيمة بعض الدعاوى التي يكون محلها ليس مبلغا من المال. وعلى ذلك يتوقف على قيمة الدعوى معرفة المحكمة المختصة بنظرها، ومعرفة قابلية الحكم الصادر فيها للطعن أو عدم قابليته، وتحديد الرسوم القضائية التي يلزم رافع الدعوى بدفعها ويتحملها في النهاية من يحكم عليه فيها .

      ونتناول هذا النوع من الاختصاص ببيان قواعد تقدير قيمة الدعوى، وكيفية القيام بهذا التقدير، وأخيرا توزيع هذا الاختصاص .

المبحث الأول

قواعد تقدير قيمة الدعوى

      تقدر قيمة الدعوى بالنظر إلى قيمة المطالبة القضائية ، إذ أن المطالبة القضائية هي التي تحدد نطاق الدعوى التي تنظرها المحكمة والتي تحكم فيها .

      وقد بين قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد قواعد تقدير قيمة الدعوى في الفصل الثاني من الباب الثاني منه في المواد 31 حتى 38 ، وهي تتلخص في القواعد الآتية :

القاعدة الأولى : تقدر قيمة الدعوى باعتبارها يوم إقامتها (م31) . (1)

      وعلى ذلك لا يتأثر اختصاص المحكمة بأي تغيير في قيمة الطلب بعد رفع الدعوى . فإذا كانت قيمة الشيء المطالب به يوم رفع الدعوى أحد عشر ألف دينار ، ثم أصبحت هذه القيمة عند نظر الدعوى تسعة آلاف وخمسمائة دينار، تبقى محكمة البداية مختصة بنظر الدعوى ، لأنه لا يعتد بتقلبات الأسعار بعد رفع الدعوى ، ولا يجوز أن يؤدي مرور الزمن إلى تغيير المركز القانوني الموجود فيه الخصوم عند بدء الخصومة .

          والعبرة بما يطلبه الخصوم لا بما تحكم به المحكمة، لأن تحديد المحكمة المختصة مسألة سابقة على رفع الدعوى والحكم فيها ولا يتصور عقلا أن يتوقف تحديد اختصاص المحكمة على ما سوف تحكم به . كما أن العبرة بالقيمة المطلوبة في الدعوى بصرف النظر عن قيمة الشيء محل الطلب، ففي دعوى التعويض عن فسخ عقد تحدد المحكمة المختصة على أساس ما يطلب من تعويض بصرف النظر عن قيمة الشيء محل العقد.

القاعدة الثانية : العبرة في تقدير قيمة الدعوى بالطلبات الأخيرة (م31) 

     فالطلبات الأخيرة للخصوم هي التي تعبر عن القيمة الحقيقية للدعوى، فإذا رفعت الدعوى بمبلغ معين ، ثم عدل المدعي طلبه بالزيادة أو النقص ، تكون العبرة بالطلبات الأخيرة . ذلك أن للمدعي الحق في تعديل طلباته حتى إقفال باب المرافعة في الدعوى، وتقوم المحكمة بتقدير قيمة الدعوى بناء على هذا التعديل لتتبين ما إذا بقيت مختصة بنظر الدعوى أم أنها أصبحت غير مختصة بنظرها فتحيلها للمحكمة المختصة. كما أنه إذا أغفل المدعي في مرافعته الختامية التي حدد فيها طلباته تحديدا جامعا بعض الطلبات التي كان قد أوردها في لائحة الدعوى، فإن المحكمة لا تفصل في هذه الطلبات وإلا تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم.

          ويشترط في ذلك أن لا يقصد المدعي من تعديل الطلبات التحايل على القانون بمحاولة عقد الاختصاص لمحكمة غير المحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى بالنظر إلى قيمتها، فإذا كان قصد المدعي التحايل على القانون يجب على المدعى عليه أن يتمسك بإثارة ذلك أمام المحكمة ، أما إذا سكت اعتبر عدم اعتراضه قبولا ضمنيا بتعديل طلبات المدعي.     

      مثال ذلك أن يرفع المدعي دعوى لمحكمة الصلح يطلب فيها مبلغ (9) آلاف دينار ثم يعدل طلبه إلى (11) ألف دينار فتصبح المحكمة بذلك غير مختصة وعليها أن تحيل الدعوى إلى محكمة البداية المختصة وإذا رفعت الدعوى بطلب (11) ألف دينار إلى محكمة الصلح ثم عدل المدعي طلبه إلى 9 ألف دينار أصبحت مختصة .

      ولا تتأثر قيمة الدعوى بما تحكم به المحكمة فيها ، لأن معرفة ذلك لا تكون إلا بعد ختام المحاكمة وهو ما يفترض اختصاص المحكمة بنظرها والفصل فيها .

     كما لا تتأثر قيمة الدعوى بالوسائل التي يؤيد بها المدعي طلبه، أو بدفوع المدعى عليه أو دفاعه أو إقراره ببعض الطلب . فإذا قدم مستندات تشتمل على حقوق تزيد قيمتها على قيمة ما طلبه في الدعوى ، فلا عبرة بقيمة هذه المستندات إذا لم يقصد من فحصها الحكم بصحتها ، وإنما قصد مجرد تطبيقها على الطلب المرفوعة به الدعوى .

القاعدة الثالثة : العبرة بالقيمة الحقيقية للدعوى

      ولا يعتد بتقدير قيمة الدعوى من الخصوم إذا كان مخالفا للأسس التي نص عليها المشرع للتحايل على قواعد الاختصاص، سواء بالمبالغة في التقدير أو التقليل منه لكي تدخل الدعوى في اختصاص محكمة معينة ، أو لكي يكون الحكم قابلا للاستئناف أو لكي يكون غير قابل للاستئناف . وفي هذه الحالة للمحكمة أن ترد الأمر إلى نصابه وتفصل في اختصاصها حسب القيمة الحقيقية لموضوع الدعوى .  

     فالعبرة في تقدير قيمة الدعوى بما تضمنه قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية ، وهذه قاعدة آمرة لا يجوز أن يتفق الخصوم على مخالفتها، ولا يعتد بالتقدير الذي يحدده المدعي لدعواه ويسكت المدعى عليه عن المجادلة فيه، فإذا ارتابت المحكمة في صحة التقدير (م33) فإنها تملك من تلقاء نفسها تقدير قيمة الدعوى وتقدر في هذه الحالة من قبل رئيس المحكمة وله الاستعانة بالخبراء ، وذلك لأن الاختصاص القيمي من النظام العام .

القاعدة الرابعة : يضاف إلى الطلب الأصلي ملحقاته وتوابعه المستحقة يوم رفع الدعوى .

      وقد نصت على ذلك المادة (32) بقولها ” يدخل في تقدير قيمة الدعوى ما يكون مستحقا يوم إقامتها من التضمينات والريع والمصروفات وغير ذلك من الملحقات المقدرة القيمة ” .

      ويتضح من هذا النص أنه يشترط في الملحقات والتوابع شرطان :

الشرط الأول : أن تكون مستحقة الأداء يوم رفع الدعوى، فإذا لم تكن مستحقة عند رفع الدعوى فإنها لا تدخل في تقدير قيمة الدعوى لأنه لا يمكن تقديرها مقدما حتى لو تحققت قيمتها فيما بعد، حتى ولو طالب بها المدعي . فيمكن للمدعي المطالبة بثمار الشيء المدعى به المستحقة حتى رفع الدعوى وتدخل في تقدير قيمتها ، بينما لا يدخل في التقدير الثمار المستحقة بعد رفع الدعوى مهما طال أمد التقاضي ، كما لا يدخل في تقدير قيمة الدعوى الفوائد المطالب بها والتي تستحق بعد رفع الدعوى لأنه لا يمكن معرفة مقدار ما يستحق من فوائد بعد رفع الدعوى وإلى حين صدور الحكم فيها .

الشرط الثاني : أن تكون قابلة للتقدير ، أما الملحقات غير القابلة للتقدير التي يكون الغرض منها إلزام المدعى عليه بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، مثل طلب شطب التسجيل الوارد على عقار، أو سد المطل ، أو تسليم عين ، أو طرد مستأجر، أو إلزام رب العمل بإعادة العامل إلى عمله، فلا يعتد بها ولا تدخل في الحساب عند تقدير قيمة الدعوى طالما كانت تابعة للطلب الأصلي ، فتقدر الدعوى باعتبار قيمتها بالنظر إلى الطلب الأصلي دون ملحقاته . أما إذا رفعت بها دعوى مستقلة اعتبر كل منها طلبا أصليا. مثال ذلك رفع دعوى بصحة ونفاذ عقد بيع ولم يطلب المدعي التسليم، ثم رفع دعوى جديدة بتسليم المبيع فيعتبر التسليم طلبا جديدا وتقدر قيمة الدعوى بقيمة العين محل هذا الطلب.

      ويستثنى من هذه القاعدة طلب الإزالة ، فهو في الأصل غير مقدر القيمة ، إنما نص القانون الجديد على أن قيمة الدعوى في هذه الحالة تقدر بقيمة البناء أو الغرس المطلوب إزالته ، سواء كان طلب الإزالة أصليا أم تبعيا ، أي سواء رفع الطلب وحده أم تابعا لطلب آخر بملكية الأرض أو بفسخ عقد إيجار أو غيرهما .

 فإذا رفع المدعي دعوى تثبيت ملكية أرض وإزالة ما عليها من بناء أو غراس، تعين تقدير قيمة الدعوى بالطلبين معا، طلب تثبيت الملكية وطلب الإزالة، فتقدر قيمة الأرض وقيمة البناء أو الغراس معا يوم رفع الدعوى.

القاعدة الخامسة : العبرة بقيمة الحق كله عند النزاع فيه

  تنص المادة 35/3 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه ” إذا كانت الدعوى متعلقة بجزء من الحق قدرت قيمتها بقيمة هذا الجزء ما لم يكن الحق كله متنازعا فيه “.

      ويفيد هذا النص أنه إذا كان المطلوب جزء من حق ، تقدر الدعوى بقيمة هذا الجزء ، فإذا طالب الدائن بقسط من دينه المستحق تقدر الدعوى بقيمة هذا القسط وحده وليس بقيمة الدين كله .

      أما إذا كانت متعلقة بجزء من الحق، ولكن النزاع امتد إلى الحق كله فإن الدعوى تقدر باعتبار قيمة الحق بأكمله وليس بقيمة الجزء المطالب به فقط. فإذا طلب

 المشتري من البائع تعويضا بسبب تأخره في تسليم المباع، فنازع البائع في عقد البيع، قدرت الدعوى بقيمة عقد البيع . وإذا طلب المؤجر أجرة متأخرة فدفع المستأجر ببطلان عقد الإيجار قدرت الدعوى بقيمة عقد الإيجار (أي بأجرة المدة جميعها) وإذا طالب الدائن مدينه بالفوائد فنازع المدين في أصل الدين ، قدرت الدعوى بقيمة الدين كله .

 ويشترط في ذلك أن لا يكون الجزء المطالب به هو الجزء الباقي من الحق، كأن يكون المدين قد دفع أقساط سابقة وكانت الدعوى بطلب القسط الأخير من الدين ودفع المدعى عليه بعدم صحة الدين أو بانقضاء هذه المطالبة أو ببطلان العقد ، فالعبرة في هذه الحالة بالجزء المطالب به فقد وليس بالحق كله.

كما يشترط أن تكون المنازعة جدية ، فلا يكفي أن يقول المدعى عليه بسقوط الحق أو انقضائه أو ببطلان العقد دون أن يؤيد ادعاءه بما يدل على جديته، بل عليه أن يستند إلى وقائع أو قرائن أو مستندات يشير ظاهرها إلى احتمال صحة هذا الدفاع. وعلى القاضي أن يبحث في أوجه النزاع ويتحرى أسانيده لا للفصل في موضوعه، بل للوصول إلى مدى جديته، وله في ذلك سلطة تقديرية ولا رقابة عليه من محكمة النقض متى أقام قضاءه على اعتبارات واقعية وأسباب سائغة.

القاعدة السادسة : إذا تعددت الطلبات الأصلية فالعبرة بوحدة السبب أو تعدده .

      تنص المادة 37/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه ” إذا تضمنت الدعوى طلبات ناشئة عن سبب قانوني واحد كان التقدير باعتبار قيمتها جملة فإذا كانت ناشئة عن أسباب قانونية مختلفة كان التقدير باعتبار قيمة كل منها على حدة “. وهذا النص يعرض لفرضين :

      الفرض الأول : أن تكون الطلبات المتعددة ناشئة عن سبب قانوني واحد ، وفي هذه الحالة تقدر الدعوى بمجموع هذه الطلبات. ويقصد بالسبب الأساس القانوني الذي تبنى عليه الدعوى، أي منشأ الالتزام الذي تم الاتفاق بشأنه أو نص عليه القانون. وهو يختلف بهذا المعنى عن الأدلة ، أي الوسائل التي تؤيد سبب الدعوى وتثبته كالسند الكتابي، لذلك ينبغي عدم الخلط بين السبب وبين السند أو الدليل الذي يثبت هذا السبب.

فإذا طالب المؤجر المستأجر بأجرة متأخرة وبتعويض الأضرار التي سببها استعماله العين المؤجرة ، وبفسخ عقد الإيجار، قدرت قيمة الدعوى بمجموع هذه الطلبات لأنها ناشئة عن سبب قانوني واحد هو عقد الإيجار . وإذا باع شخص عينا وحرر المشتري بالثمن سندات متعددة ورفعت الدعوى بطلب قيمة سندين أو أكثر منها، فتقدر قيمتها بمجموع المطلوب لأن السبب هو عقد البيع . وإذا طالب شخص بحصته الإرثية في بناء وقطعة أرض ومتجر، تقدر قيمة الدعوى بمجموع حصته في هذه الأشياء جميعا، وإذا طالب عامل بحقوق عمالية ناشئة عن عقد العمل كالأجر والتعويض عن الفصل التعسفي وبدل الإشعار وبدل نهاية الخدمة تقدر قيمة الدعوى بمجموع هذه الطلبات لأنها ناشئة عن سبب قانوني واحد.

          وكذلك الحال في الفعل الضار الذي ينتج عنه عدة أضرار ويرجع المضرور بطلبات متعددة لتعويضه عن كل ضرر منها، حيث تقدر قيمة الدعوى بقيمة هذه الطلبات باعتبارها ناشئة عن سبب قانوني واحد، مثال ذلك أن يعتدي شخص على آخر ويحدث به إصابات، كما يترتب على الاعتداء إتلاف منقول له، فيرجع المضرور بتعويض عن الإصابات وآخر عن الإتلاف، وتقدر قيمة الدعوى بمجموع الطلبين معا.

          والعبرة هنا أن تكون الطلبات صادرة من خصم واحد في مواجهة الخصم الآخر، فإذا تعددت طلبات الخصوم بأن أبدى المدعي بعضها وأبدى المدعى عليه بعضها، تقدر طلبات المدعي وحدها، وطلبات المدعى عليه وحدها، ويحدد اختصاص المحكمة القيمي بالاعتداد بكل على حدة، فإذا جاوزت طلبات المدعى عليه نصاب اختصاص المحكمة وجب عليها إعمال نص المادة 93 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وإحالة هذه الطلبات للمحكمة المختصة .

      الفرض الثاني : أن تكون الطلبات المتعددة ناشئة عن أسباب قانونية مختلفة (ولو كانت هذه الأسباب متماثلة) ، وفي هذه الحالة تقدر قيمة الدعوى باعتبار قيمة كل منها على حدة . فإذا اشترى شخص من آخر منقولا ، ثم اشترى منه بعد ذلك منقولا آخر ، فطالب البائع المشتري بثمن المبيعين ، كانت الخصومة متضمنة دعويين ، وتقدر قيمة كل دعوى بقيمة الطلب المشتملة عليه .

      وكذلك إذا طالب المؤجر المستأجر بأجرة متأخرة وبتعويض الضرر الذي لحق المؤجر بسبب قيام المستأجر بهدم جزء من البناء ، قدر كل طلب على حدة لاختلاف السبب القانوني الناشئ عنه كل طلب ، فالطلب الأول سببه القانوني عقد الإيجار ، والطلب الثاني سببه العمل غير المشروع .

          وقد يقيم المدعي الدعوى بطلبين، الأول موجه لشخص وهو الحكم بتثبيت ملكية المدعي لأرض، والثاني موجه لشخص آخر باعتباره البائع له وهو طلب رد ما دفعه من الثمن في حالة عدم إجابة الطلب الأول، فهذان الطلبان وإن جمعتهما لائحة دعوى واحدة، إلا أنهما يعتبران في حقيقتهما دعويين مختلفتين مستقلتين، تختلفان خصوما وموضوعا وسببا، وتقدر قيمة كل منهما وفقا لقواعد تقدير الدعاوى المنصوص عليها في القانون.

          ولا يشترط لتعدد الأسباب القانونية تعدد المحررات التي تتضمنها، فقد يتضمن محرر واحد عدة أسباب قانونية. فالمقصود بالسبب القانوني هو مصدر الالتزام، وإذا تعددت هذه المصادر في محرر واحد تعددت الأسباب القانونية ولو كانت متماثلة، إذ لا يحول التماثل دون التعدد. وهنا تقدر قيمة كل طلب على حدة، ويكون كل طلب بمثابة دعوى مستقلة. مثال ذلك عقار مملوك على الشيوع لثلاثة أشخاص، للأول النصف، ولكل واحد من الثاني والثالث الربع. فإذا باع الثلاثة العقار بموجب عقد بيع واحد بمبلغ عشرين ألف دينار، واضطر المشتري إلى رفع دعوى بصحة ونفاذ العقد، فإن الدعوى تنصرف إلى ثلاث طلبات، الأول بصحة ونفاذ العقد بالنسبة لحصة الشريك الأول ويقدر بعشرة آلاف دينار، والثاني بصحة ونفاذ العقد بالنسبة لحصة الشريك الثاني ويقدر بخمسة آلاف دينار، والثالث بصحة ونفاذ العقد بالنسبة لحصة الشريك الثالث ويقدر بخمسة آلاف دينار، باعتبار أن كل واحد من الثلاثة التزم قبل المشتري ببيع حصته في العقار فكان ذلك هو السبب القانوني الذي يرجع المشتري بموجبه بإلزام البائع تنفيذ التزامه، ويقدر هذا الطلب بقيمته مستقلا عن الطلبين الموجهين للبائعين الآخرين، بحيث إذا رجع المشتري على أي من هؤلاء البائعين وحده قدرت الدعوى بقيمة هذا الطلب وحده دون اعتداد بقيمة العقد ككل، فإذا رجع المشتري على البائع الثاني الذي يملك الربع قدرت قيمة الدعوى بقيمة هذا الطلب أي بخمسة آلاف دينار.

          ولا ينال تماثل الأسباب القانونية من التعدد، ففي المثال المتقدم تماثلت الأسباب القانونية في شكل بيع، ومع ذلك كانت متعددة، فلا يلزم التعدد اختلاف الأسباب القانونية من ناحية النوع والتماثل.

          وتقدير وحدة السبب أو تعدده يرجع لمحكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض ما دامت قد بنت قرارها على أسباب واقعية سائغة.

القاعدة السابعة : إذا تعدد الخصوم فالعبرة بوحدة السبب أو تعدده .

      تنص المادة 37/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه ” إذا كانت الدعوى مقامة من واحد أو أكثر على واحد أو أكثر بمقتضى سبب قانوني واحد، كان التقدير باعتبار قيمة المدعى به دون التفات إلى نصيب كل منهم “.

      ويتبين من هذا النص أنه في حالة تعدد أحد أطراف الخصومة في الدعوى، أي إذا تعدد المدعون أو تعدد المدعى عليهم، فالعبرة بوحدة السبب أو تعدده كما هو الحال عند تعدد الطلبات، وعلى ذلك فهناك فرضان .

      الفرض الأول : أن تكون الدعوى ناشئة عن سبب قانوني واحد ، وفي هذه الحالة تقدر قيمتها بقيمة المدعى به دون التفات إلى نصيب كل واحد منهم . فإذا رفع الدائن دعوى على ورثة مدينه يطالب كلا منهم بحصته في الدين قدرت الدعوى بمجموع الطلبات، لأن هذه الطلبات ناشئة عن سبب قانوني واحد . كذلك الحال إذا رفع ورثة الدائن دعوى على مدين مورثهم يطالب كل منهم بنصيبه من دين مورثهم . وكذلك إذا تعدد المدعون أو المدعى عليهم في دعوى تعويض عن فعل ضار ، كما لو أصاب سائق سيارة مجموعة من الأشخاص بضرر نتيجة حادث طرق ، فأقاموا عليه دعوى للمطالبة بالتعويض استنادا للمسئولية التقصيرية ، فإن طلباتهم تجمع لوحدة مصدر الالتزام( الفعل الضار) بغض النظر عن مدى الضرر الذي أصاب كل واحد منهم، وكذلك إذا أقام منتج ومؤلف ومخرج عمل فني معين دعوى على ممثل مطالبين إياه بالتعويض عما أصابهم من ضرر نتيجة إخلاله بالعقد المبرم بينه وبينهم،(1) فالعبرة هي بوحدة الفعل الضار ذاته الواقع على الأشخاص المتعددين أو الحاصل منهم.

      الفرض الثاني : أن يكون المطلوب لكل مدع أو من كل مدعى عليه ناشئا عن سبب مختلف (ولو كانت الأسباب متماثلة) ، وفي هذه الحالة تكون الخصومة مشتملة على عدة دعاوى تقدر كل منها بقيمة ما هو مطلوب لكل مدع أو من كل مدعى عليه . فإذا رفع مستخدمو رب عمل دعوى عليه للمطالبة بأجورهم وكان كل منهم يعمل بمقتضى عقد خاص مستقل – ولو كانت قد حررت في يوم واحد وكانت متشابهة فيما اشتملت عليه من حقوق والتزامات – اعتبرت الخصومة مشتملة على دعاوى متعددة وقدرت كل منها بقيمة ما هو مطلوب من رب العمل، إذ إنها ناشئة عن أسباب قانونية مختلفة. أما إذا استندوا في دعواهم إلى عقد عمل جماعي فإن سببها يكون واحدا.

          ولا يشترط قيام تضامن بين الخصوم أو كون الالتزام غير قابل للتجزئة، بل يجوز تعدد الخصوم في الدعوى سواء كانوا متضامنين فيما بينهم أم غير متضامنين، وسواء كان الالتزام قابلا للتجزئة أم غير قابل للتجزئة.


(1) نقض مدني 14/2007 تاريخ 10/10/2007 ج 3 ص 268.

(1) د. أحمد الهندي صفحة 222.