الفصل الثالث – التحويل المصرفي

المطلب الثاني

تنفيذ الأمر بالتحويل المصرفي

يتناول هذا المطلب شروط تنفيذ الأمر بالتحويل المصرفي، وأسلوب تنفيذه في فرعين على التوالي.

الفرع الأول
شروط تنفيذ التحويل المصرفي

يشترط لتنفيذ الأمر بالتحويل المصرفي ثلاثة شروط هي:

  1. وجود اتفاق على إجراء التحويل المصرفي بين المصرف والعميل الآمر بالتحويل من جهة، وبين المصرف والمستفيد من التحويل من جهة أخرى. فالاتفاق بين المصرف والآمر بالتحويل لازم لتنفيذ التحويل المصرفي، والاتفاق مع المستفيد لازم لتحقيق آثار التحويل المصرفي، كما سيأتي لاحقا. وهذا الاتفاق يستفاد من تراضي ذوي الشأن على عملية التحويل وهم العميل مصدر الأمر؛ والمستفيد من الأمر؛ والمصرف الموجه إليه الأمر. وغالبا ما يتم الاتفاق مع المصرف على التحويل المصرفي بمناسبة عقود مصرفية أخرى تتعلق بفتح الحسابات المصرفية كالحساب الجاري؛ أو الحساب العادي لوديعة النقود… ونادرا ما يتم الاتفاق على التحويل المصرفي في عقد مستقل. (4)
  2. وجود حساب مصرفي لكل من الآمر بالتحويل والمستفيد منه، سواء أكان الحسابان في ذات المصرف الموجه إليه الأمر بالتحويل، أم في مصرفين مختلفين، وسواء كان الحسابان عائدين إلى شخص واحد أم إلى شخصين مختلفين، ولكن يشترط على الأقل أن يكون حساب الآمر قابلا للسحب منه وإلا تعذر تنفيذ التحويل المصرفي.
  3. وجود مبلغ في حساب الآمر بالتحويل مساو على الأقل للمبلغ المطلوب تحويله. فإذا كان المبلغ الموجود في الحساب أقل من المبلغ المحدد في أمر التحويل المصرفي، وكان الأمر موجها إلى المصرف من الآمر مباشرة، جاز للمصرف أن يرفض تنفيذه على أن يخطر الآمر بذلك دون إبطاء. أما إذا كان أمر التحويل مقدما إلى المصرف من المستفيد، قيّد المصرف لحسابه الرصيد الجزئي ما لم يرفض المستفيد ذلك. وعلى المصرف أن يؤشر على أمر التحويل بقيد الرصيد الجزئي أو بالرفض الصادر من المستفيد.
الفرع الثاني
أسلوب تنفيذ التحويل المصرفي

يتم تنفيذ التحويل المصرفي متى توافرت شروطه، عن طريق القيد الحسابي. غير أن هذا القيد لا يتم إلا بعد تحقق المصرف من صحة الأمر بالتحويل، وذلك على التفصيل التالي.

أولا: فحص الأمر بالتحويل المصرفي.

عندما يتلقى المصرف الأمر بالتحويل المصرفي يقوم بالتحقق من صحة هذا الأمر، وذلك بمراجعة بياناته ومضاهاة توقيع الآمر مع النموذج المحفوظ لديه. ومتى ثبتت سلامة الأمر بالتحويل شكليا، على المصرف تنفيذ الأمر دون تأخير متى كان الرصيد في حساب العميل كافيا، وليس للمصرف أن يرفض تنفيذ الأمر بالتحويل وإلا كان مسئولا عن الأضرار التي تنشأ عن كل تأخير غير اعتيادي في التنفيذ.

ثانيا: قيد مبلغ التحويل المصرفي.

يكون تنفيذ التحويل المصرفي من خلال عملية قيد المبلغ في الحسابين المنقول منه والمنقول إليه، وتنفذ هذه العملية بإجراءات خاصة وبزمان محدد، على التفصيل التالي.

إجراءات القيد:

يختلف أسلوب تنفيذ التحويل المصرفي حسب ما إذا كان التحويل داخليا، أي بين حسابين مفتوحين لدى ذات المصرف، وهو ما اصطلح على تسميته (التحويل المصرفي البسيط). أم كان خارجيا، أي بين حسابين مفتوحين في مصرفين مختلفين، وهو ما اصطلح على تسميته (التحويل المصرفي المركب).

التحويل المصرفي الداخلي.

متى كان حساب كل من الأمر بالتحويل والمستفيد في ذات المصرف، يتم التحويل عن طريق القيد الحسابي، حيث يقوم المصرف أولا بقيد المبلغ المطلوب تحويله في الجانب المدين من حساب الآمر بالتحويل وهو ما يسمى (القيد بالخصم)، ثم قيد المبلغ ذاته في الجانب الدائن من حساب المستفيد وهو ما يسمى (القيد بالإضافة)، سواء أكان التحويل بين حسابين لذات الشخص أم حسابين لشخصين مختلفين.

التحويل المصرفي الخارجي.

في التحويل الخارجي يلزم تدخل المصرف الذي يوجد فيه حساب المستفيد المطلوب تحويل المبلغ إليه، حيث يقوم المصرف الموجه إليه الأمر بالتحويل؛ بقيد المبلغ المطلوب تحويله في الجانب المدين من حساب الآمر، ويضع تحت تصرف مصرف المستفيد ائتمانا مساويا للمبلغ المراد تحويله، بأن يقيد المبلغ في الحساب الدائن لمصرف العميل المستفيد؛ ويخطر هذا المصرف بالقيد والتحويل. على أن يقوم مصرف المستفيد بقيد المبلغ في الجانب الدائن لحساب المستفيد لديه. وبعد ذلك تسوى العلاقة بين المصرفين (مصرف الآمر ومصرف المستفيد) إما عن طريق المقاصة، أو بطريق الشيكات إن كان بينهما حساب، أو بعملية تحويل مصرفي جديدة لدى مصرف ثالث يكون لكليهما حساب فيه، والغالب أن يكون هو البنك المركزي أي سلطة النقد.

ويترتب على اختلاف إجراءات قيد المبلغ المطلوب تحويله بين النوعين من التحويل المصرفي، اختلاف كل من زمان ومكان التحويل.

زمان التحويل:

يقصد بزمان التحويل الوقت الذي يجري فيه تنفيذ أمر التحويل، والأصل أن على المصرف إجراء القيد فورا حال تسلمه أمر التحويل مع مراعاة الوقت اللازم لإجراء هذا القيد، وهذه القاعدة تستفاد من المادة 364 من المشروع التي نصت على أنه (يجوز الاتفاق على إرجاء أوامر التحويل الصادرة من الآمر أو المقدمة من المستفيد مباشرة إلى آخر اليوم لتنفيذها مع غيرها من الأوامر التي من نوعها والصادرة في ذات اليوم). وعلى ذلك إذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق؛ لا يجوز للمصرف تأخير إجراء القيد إلا في الأحوال التي نص عليها المشروع في المواد 365 و367 و368 منه وهي:

  1. إذا كان مقابل الوفاء أقل من القيمة المذكورة في أمر التحويل، وكان الأمر موجها من الآمر بالتحويل، جاز للمصرف أن يرفض تنفيذ الأمر على أن يخطر الآمر بذلك دون إبطاء. ويلاحظ أن النص لم يحدد المدة اللازمة لعمل الإخطار وترك ذلك للعرف المصرفي. (5)
  2. إذا كان أمر التحويل مقدما من المستفيد مباشرة، قيد المصرف لحسابه المقابل الناقص، ما لم يرفض المستفيد ذلك، وعلى المصرف أن يؤشر على أمر التحويل بقيد المقابل الناقص؛ أو بالرفض الصادر من المستفيد. وفي هذه الحالة يبقى للآمر بالتحويل حق التصرف في المقابل الناقص، إذا رفض المصرف تنفيذ الأمر أو رفض المستفيد قيد المقابل الناقص لحسابه.
  3. إذا أشهر إفلاس المستفيد، جاز للآمر أن يعترض على تنفيذ أمر التحويل ولو تسلمه المستفيد بنفسه.
  4. في حالة وفاة الآمر بالتحويل يتوقف المصرف عن تنفيذ الأمر من تاريخ العلم بالوفاة، أما في حالة وفاة المستفيد فيستمر المصرف في تنفيذ أمر التحويل.

وفي خارج هذه الحالات لا يجوز للمصرف رفض تنفيذ الأمر بالتحويل، ولا يملك التأخر في قيد القيمة طبقا لما تقضي به هذه العملية من إجراءات، لهذا نصت المادة 366 من المشروع على أنه (إذا لم ينفذ المصرف أمر التحويل في أول يوم عمل تال ليوم تقديمه، اعتبر الأمر الذي لم ينفذ كأن لم يكن، ويجب رده إلى من قدمه مقابل إيصال، وإذا اتفق على مدة أطول من ذلك، فيجب أن يضاف أمر التحويل الذي لم ينفذ إلى الأوامر التي تقدم في الأيام التالية خلال تلك المدة).

وهذا النص لا يعني عدم مسئولية المصرف عن التنفيذ المتأخر عن زمان استلامه لحين اليوم التالي، وإنما تبقى مسئولية المصرف عن الضرر الذي ينشأ عن هذا التأخير قائمة متى كان التأخير غير مبرر. مع بقاء الأمر بالتحويل؛ بالرغم من التأخير؛ قابلا للتنفيذ طوال الفترة الزمنية الواقعة بين زمان تقديمه ونهاية الدوام لأول يوم عمل تال له، ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك.

ويختلف زمان تمام عملية التحويل المصرفي بما يفيد أن مبلغ التحويل أصبح تحت تصرف المستفيد، بحسب ما إذا كان التحويل داخليا أم خارجيا:

ففي التحويل الداخلي في حالة تقديم الأمر بالتحويل إلى المصرف من الآمر نفسه، يتم التحويل المصرفي وقت قيد المبلغ المحول في الجانب المدين من حسابه المنقول منه، وفي حالة قيام المستفيد بتقديم الأمر إلى المصرف يترتب أثر التحويل من وقت هذا التقديم ومن هذه اللحظة يفقد الآمر بالتحويل حقه في الرجوع فيه.

بينما في التحويل الخارجي لا يتم التحويل إلا في تاريخ القيد الذي يجريه المصرف الثاني الذي يوجد فيه حساب المستفيد ولو كان هو نفس الآمر بالتحويل.

وتبدو أهمية تحديد تاريخ تمام عملية التحويل المصرفي من نواح متعددة منها:

  1. قبل هذا التاريخ يستطيع العميل الآمر أن يرجع عن التحويل، فيلغي الأمر الذي أصدره.
  2. لهذا التاريخ أهمية عند إفلاس العميل الآمر، أو إفلاس المصرف الموجه إليه الأمر، حيث يتوقف على هذا التاريخ صحة التحويل أو بطلانه بحسب ما إذا كان الإفلاس سابقا أو لاحقا على تمام التحويل.
  3. الشيك الذي يصدره الآمر بعد خروج المبلغ المحول من حسابه يعد دون رصيد إذا كان المبلغ الباقي في حسابه أقل من مبلغ الشيك.
  4. إذا كان المصرف قد صار دائنا للمحيل، كان من حقه رفض تنفيذ أمر التحويل ليتمكن من إجراء المقاصة بين دينه وحساب العميل المحيل.

مكان التحويل المصرفي:

في التحويل الداخلي يتم التحويل المصرفي في موطن المصرف الذي أجري فيه القيد. أما في التحويل الخارجي فيتم التحويل المصرفي في موطن المصرف الثاني وهو مصرف المستفيد الموجود فيه الحساب المطلوب التحويل إليه.

(4)(4) تنص المادة 359/2 من المشروع على أنه (ينظم الاتفاق بين المصرف والآمر بالتحويل شروط إصدار الأمر، ومع ذلك لا يجوز أن يكون أمر التحويل لحامله) وهذا النص منقول عن المادة 229/2 من قانون التجارة المصري رقم 17 لسنة 1999. وقد اختلف الفقه حول هذا النص، فذهب رأي إلى أن المصرف غير ملزم بتنفيذ أمر التحويل لا تجاه الآمر ولا تجاه المستفيد، ما لم يتفق على ذلك مع الاثنين سوية؛ أو مع كل منهما على حده. وهذا الاتفاق يمكن أن يكون سابقا على صدور الأمر بالتحويل كما يمكن أن يكون لاحقا. بينما ذهب رأي آخر إلى أن المصرف يلزم بتنفيذ التحويل المصرفي على حساب ولمصلحة عملائه متى كان لهم حساب لديه، لأن المصرف بقبوله فتح الحساب يلتزم ضمنا بخدمة صندوق العميل ومنها قبول تنفيذ الشيكات وأوامر التحويل، وأن ما نصت عليه القوانين عن تنظيم الاتفاق بين المصرف والآمر بالتحويل من شروط إصدار الأمر، لا يعدو عن كونه تأكيدا على جواز الاتفاق خلافا للقواعد المعمول بها عادة في المصارف بهذا الشأن في غياب نصوص قانونية آمرة. وأن اتفاق المصرف مع المستفيد غير لازم لتنفيذ التحويل المصرفي، وإنما هو لازم لأغراض تحقق آثار هذا التحويل. عزيز العكيلي المرجع السابق صفحة 355. أكرم ياملكي، الأوراق التجارية والعمليات المصرفية، دار الثقافة، عمان،2009، صفحة 335. فائق الشماع الحساب المصرفي صفحة 289 و290.

(5)(5) طالب حسن موسى، العقود التجارية والعمليات المصرفية، مؤتة، 1992، صفحة 450.