الفصل الثالث – الطلبات المستعجلة

المبحث الثالث

المحكمة المختصة بنظر الأمور المستعجلة

  تنص المادة (103) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه : تقدم الطلبات المتعلقة بالمسائل المستعجلة إلى :

  1. قاض الأمور المستعجلة بصورة مستقلة .
  2. المحكمة التي تنظر موضوع الدعوى بالتبعية للدعوى الأصلية .

     يفترض هذا النص وجود قاض للأمور المستعجلة بصورة مستقلة وأن اختصاصه بهذه الأمور هو اختصاص مطلق بحيث يشمل جميع الدعاوى الداخلة في اختصاص محاكم الدرجة الأولى سواء كانت محكمة صلح أو محكمة بداية .  وقد نصت المادة 11 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001 على أنه: بقرار من مجلس القضاء الأعلى ينتدب قاضي صلح أو أكثر للنظر في الأمور الوقتية والمستعجلة ويسمى قاضي الأمور المستعجلة طبقا لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية . كما نصت المادة 17 من ذات القانون على أنه: بقرار من مجلس القضاء الأعلى ينتدب قاضي بداية للنظر في الأمور الوقتية والمستعجلة ويسمى قاضي الأمور المستعجلة طبقا لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية.

          ويتبين من هذين النصين أن قاضي الأمور المستعجلة في محكمة الصلح يختص فقط في الطلب المستعجل متى كانت الدعوى الموضوعية تدخل في اختصاص محكمة الصلح، أي لا يختص بنظر الطلب المستعجل إلا إذا كانت قيمة الحق المراد حمايته كحد أعلى تصل إلى مبلغ عشرة آلاف دينار أردني أو كانت الدعوى الموضوعية تتعلق بمسألة من المسائل التي تدخل في اختصاص قاضي الصلح بنص القانون. أما إذا كانت الدعوى الموضوعية تدخل في اختصاص محكمة البداية فإن الطلب المستعجل يكون من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة المنتدب في محكمة البداية. فإذا قدم الطلب إلى قاض غير مختص بنظره عليه إحالة هذا الطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة المختص عملا بالمادتين 60و93 ، كما يجوز للمستدعى ضده في حال نظر الطلب بحضور الطرفين أن يدفع بعدم الاختصاص والإحالة .

          وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز تقديم طلب مستعجل أمام محكمة الاستئناف باعتبارها محكمة موضوع لأن ذلك يتعارض مع نص المادة 110 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية التي تقضي بأن القرار الصادر في الطلب المستعجل على ذمة الدعوى الأصلية يكون قابلا للاستئناف. لذلك لا يكون أمام المستدعي في هذه الحالة سوى تقديم طلبه المستعجل إلى قاضي الأمور المستعجلة المختص.       والاختصاص بالطلبات المستعجلة يرجع إلى نوع هذه الطلبات، أي كونها تتعلق بمسائل مستعجلة يخشى عليها من فوات الوقت بصرف النظر عن أي اعتبار آخر، فلا عبرة بطبيعة أصل الحق أو نوعه، وإنما العبرة في انعقاد هذا الاختصاص هي بتوافر الاستعجال. والأصل أن الاختصاص النوعي في المسائل المستعجلة يكون لقاضي الأمور المستعجلة الذي يندب في مقر محكمة البداية أو لقاضي محكمة الصلح الذي يندب لذلك. غير أنه يجوز استثناء عرض الطلب العارض المستعجل على محكمة الموضوع بالتبعية للدعوى الأصلية ولو لم تكن مختصة بنظره أصلا فيما لو رفع لها بصفة مستقلة. واختصاص قاضي الموضوع الاستثنائي بنظر الطلب المستعجل لا يكون إلا إذا كان الطلب المستعجل مرتبطا بالطلب الأصلي، وقيام الارتباط مسألة موضوعية متروكة لتقدير المحكمة. وعلى محكمة الموضوع وهي بصدد الفصل في الطلب المستعجل أن تتحقق من توافر صفة الاستعجال باعتبارها تنظر هذا الطلب كمحكمة قضاء مستعجل .

          وبالنسبة للاختصاص المكاني لقاضي الأمور المستعجلة نصت المادة 49 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه: تختص محكمة موطن المدعى عليه أو المحكمة المطلوب حصول الإجراء في دائرتها بالدعاوى المتضمنة اتخاذ إجراء وقتي أو مستعجل.  ويلاحظ على هذا النص أنه معيب من حيث الصياغة إذ يمكن أن يفهم منه أنه إذا رفعت دعوى موضوعية وتضمنت لائحة الدعوى طلب اتخاذ إجراء وقتي أو مستعجل فإن المحكمة المطلوب حصول الإجراء في دائرتها تكون مختصة بنظر الدعوى ولو لم تكن مختصة بنظرها وفق قواعد الاختصاص المكاني الواردة في القانون . وهذا الفهم غير صحيح بل المقصود بهذا النص أن المحكمة المطلوب حصول الإجراء في دائرتها تختص بنظر الطلب المستعجل ولو لم تكن مختصة بنظر الدعوى الموضوعية ، لذلك نقترح تعديل هذا النص واستخدام كلمة الطلبات بدل الدعاوى حتى يستقيم المعنى ولا ينشأ عن ذلك غموض أو خلاف.

      ويجوز تقديم الطلب لقاضي الأمور المستعجلة سواء قبل تقديم الدعوى لمحكمة الموضوع أم بعد أن ترفع الدعوى للمحكمة المختصة . كما يجوز أن يقدم الطلب المستعجل لمحكمة الموضوع بطريق التبعية للدعوى الأصلية، وعلى ذلك فإن ولاية إحدى المحكمتين لا تنفي ولاية المحكمة الأخرى . وإذا قدم الطلب لقاضي الأمور المستعجلة المختص وقبل إصدار قراره أقيمت الدعوى بالموضوع، فإن قاضي الأمور المستعجلة يبقى مختصا بنظر الطلب باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل ، ولا يجوز للخصوم طلب إحالة الطلب المستعجل إلى قاضي الموضوع لاختلاف طبيعة الطلب المستعجل عن دعوى الموضوع، بمعنى أن الطلب المستعجل يبقى أمام قاضي الأمور المستعجلة والدعوى أمام قاضي الموضوع .

      ولكن يثور السؤال في حال تقديم طلب لقاضي الأمور المستعجلة ورفض القاضي هذا الطلب . هل يجوز تقديم الطلب لمحكمة الموضوع تبعا للدعوى الأصلية رغم عدم تغير المعطيات والظروف ؟

      ونحن نرى أنه ما دام المشرع قد أجاز استئناف قرار قاضي الأمور المستعجلة فإنه لا يجوز تقديم ذات الطلب لمحكمة الموضوع ، بل على المستدعي اللجوء إلى الاستئناف، حتى لا يكون هذا الخيار بالنسبة له وسيلة للتحايل ، وحتى لا تهدر أية قيمة لقرارات القضاء المستعجل ، ويصدق هذا القول كذلك في حالة تقديم الطلب إلى محكمة الموضوع ورفضه ، فلا يجوز اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة إلا إذا تغيرت الظروف التي أدت إلى رفض القرار من قبل المحكمة .

          القضاء المستعجل والاتفاق على التحكيم:

          يمكن أن يكون أطراف العلاقة القانونية قد اتفقوا على حل الخلافات التي تنشأ عن هذه العلاقة بطريق التحكيم، فإذا نشأت حالة استعجال ورغب أحد الطرفين في اتخاذ إجراء مستعجل هل يلجأ لقاضي الأمور المستعجلة أم لهيئة التحكيم ؟

          للإجابة على هذا السؤال نجد أن المادة 33 من قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000 تنص على أنه: يجوز لهيئة التحكيم أثناء نظر النزاع أن تصدر أمرا باتخاذ أية إجراءات تحفظية أو مستعجلة تراها مناسبة بحق أحد أطراف التحكيم إذا نص اتفاق التحكيم على ذلك، ويكون لهذا الأمر قوة الأمر الصادر عن المحكمة المختصة ويجري تنفيذه بذات الطريقة التي تنفذ بها الأحكام والقرارات.

          ويتبين من هذا النص أنه فرق بين حالتين:

 الحالة الأولى عدم وجود نص صريح في اتفاق التحكيم ، وفي هذه الحالة لا يجوز لهيئة التحكيم اتخاذ أي إجراء تحفظي أو مستعجل ويبقى ذلك من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة. وفي هذه الحالة إذا لجأ الخصم إلى قاضي الأمور المستعجلة قبل بدء إجراءات التحكيم، على القاضي أن يضمن قراره إلزام المستدعي البدء بإجراءات التحكيم خلال ثمانية أيام من تاريخ القرار المستعجل وإلا اعتبر القرار الصادر في الطلب كأن لم يكن عملا بالمادة 107 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية باعتبار هيئة التحكيم محكمة موضوع بالنسبة للدعوى الأصلية. أما إذا لجأ إلى قاضي الأمور المستعجلة أثناء نظر النزاع من قبل هيئة التحكيم، فإنه يصدر قراره دون أن يضمنه هذه العبارة لأن الدعوى الأصلية في هذه الحالة تكون منظورة فعلا.  

          والحالة الثانية وجود نص صريح في اتفاق التحكيم يجيز لهيئة التحكيم اتخاذ الإجراءات التحفظية والمستعجلة، وفي هذه الحالة فإن الأصل هو اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظر الطلبات المستعجلة، سواء قبل بدء إجراءات التحكيم أم أثناء نظر النزاع من قبل هيئة التحكيم. ولكن قانون التحكيم أجاز في هذه الحالة للخصم أثناء نظر النزاع، أن يطلب من هيئة التحكيم اتخاذ أي إجراء تحفظي أو مستعجل وللهيئة أن تأمر باتخاذ أية إجراءات تحفظية أو مستعجلة تراها مناسبة. ولكن النص وهو يجيز لهيئة التحكيم اتخاذ الإجراءات التحفظية أو المستعجلة، لم يسلب قاضي الأمور المستعجلة اختصاصه في هذه الحالة، لذلك يجوز للخصم أن يقدم الطلب المستعجل لقاضي الأمور المستعجلة أثناء نظر هيئة التحكيم للنزاع. كما أنه لم يوجب على هيئة التحكيم في حال تقديم الطلب لها أن تفصل فيه، لذلك يجوز لهيئة التحكيم أن تأمر باتخاذ الإجراء المناسب أو أن تمتنع عن قبول الطلب وتكلف الخصم بتقديم طلبه لقاضي الأمور المستعجلة إذا لم يكن باستطاعتها الفصل في الطلب المستعجل لأي سبب.