الفصل الثالث – الطلبات المستعجلة

المبحث الرابع

إجراءات الطلب المستعجل

      نظرا للسرعة التي تقتضيها صفة الاستعجال ، بسّط المشرع إجراءات تقديم الطلب المستعجل ، بحيث يقدم باستدعاء إلى قاضي الأمور المستعجلة مباشرة ، فيقال مثلا : لدى قاضي الأمور المستعجلة في رام الله .

      كما يجوز تقديم الاستدعاء إلى محكمة الموضوع سواء مع الدعوى الأصلية بلائحة واحدة أم بطلب عارض من الخصوم أثناء نظر الدعوى وفقا للإجراءات التي حددها المشرع في المادة 108 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، أي بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة مع مراعاة الأحكام الخاصة بالمواد المستعجلة، وبذلك يوجه إلى قاضي الموضوع بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة تبعا للدعوى الموضوعية المنظورة أمامه، فيقال مثلا : لدى قاضي بداية / صلح رام الله بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة تبعا للدعوى المنظورة أمامه برقم     /

      وبالإضافة إلى ذكر اسم كل من المستدعي والمستدعى ضده بالكامل ومهنته أو محل عمله أو موطنه، واسم من يمثله قانونا (كما هو الحال في لائحة الدعوى)، يجب أن يشتمل الاستدعاء على موضوع الطلب المستعجل، وبيان دواعي العجلة والأوجه القانونية للطلب المستعجل، ويرفق به البيانات والوثائق المؤيدة للطلب المستعجل، كما يرفق به كفالة مالية تضمن للمستدعى ضده كل عطل وضرر يترتب على الإجراء المتخذ إذا تبين أن المستدعي غير محق في طلبه(1). وعلى محكمة الموضوع وهي بصدد الفصل في الطلب المستعجل الذي يقدم إليها بالتبعية لدعوى موضوعية، أن تتحقق من شروط اختصاص القضاء المستعجل بالفصل في الطلب، إذ أنها تصدر قرارها فيه باعتبارها محكمة أمور مستعجلة، وقرارها فيه قابل للاستئناف في جميع الحالات حتى لو كان الطلب الموضوعي غير قابل للاستئناف.

      ولأن القرار في الطلب المستعجل يصدر بصفة مؤقتة ولا يمس أصل الحق فلا بد أن يكون مرتبطا بدعوى موضوعية، سواء كانت مرفوعة أم سترفع مستقبلا، لأن القرار المستعجل مآله أن يكون تحت نظر قاضي الموضوع .

      لذلك أوجبت المادة (107) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على قاضي الأمور المستعجلة إذا قرر إجابة الطلب واتخاذ الإجراء المطلوب قبل إقامة الدعوى الأصلية أن يتضمن القرار إلزام المستدعي بتقديم لائحة دعواه خلال ثمانية أيام وإلا اعتبر القرار الصادر في الطلب كأن لم يكن .

      ولا يحوز القرار في الطلب المستعجل أي حجية عند نظر الدعوى الموضوعية ولا تتقيد به المحكمة التي يعرض عليها النزاع على أصل الحق، ولو كانت هي نفس المحكمة التي أصدرته . وينقضي القرارالمستعجل بحماية القضاء الموضوعي للحق والتنفيذ القضائي، فينقضي الحجز التحفظي مثلا بالحكم في دعوى الحق وتنفيذه .

      ويقدم الاستدعاء إلى قلم المحكمة، وتستوفى عنه الرسوم القضائية، ثم يقيد في دفتر خاص برقم متسلسل، ويوضع عليه وعلى الأوراق المرفقة به ختم المحكمة، ويذكر أمام الرقم تاريخ القيد، وينظم له ملف خاص حسب الأصول .

      ويعرض الاستدعاء على قاضي الأمور المستعجلة (أو قاضي الموضوع إذا كان الطلب مقدما تبعا للدعوى)، الذي أجاز له القانون اتخاذ أحد موقفين :

      الموقف الأول أن ينظر الطلب بحضور المستدعي فقط، وفي غياب المستدعى ضده، ويصدر قراره بعد التحقق من احتمال وجود الحق وصفة الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق.

      الموقف الثاني أن يقرر تعيين جلسة خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام لنظر الطلب وتبليغ المستدعى ضده بالحضور (م 104)، ويكون ذلك إذا لم يكن ظاهر البينات المقدمة من المستدعي كاف للدلالة على احتمال وجود الحق، وجديّة النزاع.  

      وفي هذه الحالة تسري على الطلب المستعجل إجراءات التقاضي المقررة في القانون من حيث التبليغ والحضور والغياب، مع مراعاة الأحكام الخاصة بالمواد المستعجلة، بحيث يحدد القاضي مدة قصيرة للتبليغ، ويصدر قراره بعد الاستماع إلى الخصوم دون التعرض لأصل الحق .

          ولا يجوز لقاضي الأمور المستعجلة أن يحيل الطلب المستعجل إلى التحقيق، كسماع شهود حول موضوع النزاع أو توجيه يمين حاسمة أو التحقيق في الادعاء بالتزوير، ولكن يجوز له أن يقرر سماع شاهد أو المعاينة أو ندب خبير لتوضيح ظاهر الوقائع من أجل معرفة كون الطلب المعروض أمامه يستدعي الحماية المؤقتة أم لا، أي باعتبار ذلك وسيلة للتحقق من اختصاصه. مثال ذلك تقديم طلب لوقف أعمال البناء أو الهدم في عقار مجاور لأن ذلك يهدد عقار المستدعي، يجوز للقاضي أن يندب خبيرا للتثبت من أن هذه الأعمال تهدد عقار المستدعي، فإذا تبين له ذلك كان مختصا وإلا فإن ركن الخطر ينتفي وينتفي معه اختصاصه.(1)

          وينظر قاضي الأمور المستعجلة الطلب المقدم إليه على صفة الاستعجال، فإذا كان الإجراء المطلوب من الإجراءات التي نظمها المشرع بنص خاص مثل الحجز التحفظي أو تعيين القيّم أو المنع من السفر أو توصيل خدمة ضرورية، فإن حالة الاستعجال في هذه الطلبات مفترضة بحكم القانون. أما في غير هذه الحالات فإن الاستعجال كوصف للطلب يستمد من ظروف ووقائع النزاع والظروف المحيطة بالطلب، فالقاضي المستعجل هو الذي يقرر وصف الاستعجال وعليه التحقق من وجوده من تلقاء نفسه لأنه من عناصر التحقق من اختصاصه النوعي المتعلق بالنظام العام، فإذا تبين له من لائحة الطلب وظروف الحال عدم توافر صفة الاستعجال قرر عدم قبول الطلب لعدم الاختصاص. أما إذا تبين له توافر صفة الاستعجال، تلمس من ظاهر البينات التي يقدمها المستدعي، احتمال وجود الحق المراد حمايته، وأن الإجراء المطلوب لا يمس أصل الحق، فإن لم يستشعر احتمال وجود أصل الحق أو استشعر أن الإجراء المطلوب يمس أصل الحق، قرر رد الطلب لتخلف شروطه.وإن استشعر احتمال وجود أصل الحق وأن الإجراء المطلوب لا يمس أصل الحق قرر اتخاذ  الإجراء المناسب.(1)  ويجب على القاضي أن يسبب قراره حتى تتمكن محكمة الاستئناف من التحقق من سلامة هذا القرار.


(1) يلاحظ أن قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد جعل تقديم الكفالة جوازيا للمحكمة وليس وجوبيا ، فلها أن تأمر بتقديم الكفالة ولها أن تقبل الطلب المستعجل دون تقديم كفالة .

(1) د. أحمد المليجي ، الجزء الأول ، صفحة 1157.

(1) عكس ذلك أحمد السويطي ، القضاء المستعجل في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني رقم 2 لسنة 2001 ، رسالة ماجستير ، جامعة القدس ، 2004 ، بدون ناشر ، صفحة 71 ، حيث يرى أن شرط الاستعجال هو شرط ليقرر القاضي الحماية المؤقتة للحق وليس شرطا لنظر الطلب، لأن قاضي الأمور المستعجلة ينظر الطلب بحكم القانون.