الفصل الثالث – تنفيذ العقد وزوال الرابطة التعاقدية

المبحث الأول

تنفيذ العقد

إذا انعقد العقد صحيحا وجب تنفيذ الالتزامات الناشئة عنه ، ويجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية . بمعنى أن القاضي يطبق العقد على المتعاقدين ويلزمهما بتنفيذه كما لو كان يطبق قانونا ، لأن العقد يقوم مقام القانون في تنظيم العلاقة فيما بين المتعاقدين . مع ملاحظة أن العقد لا يجوز أن يخالف نصوص القانون الآمرة لأنها من النظام العام .

ويترتب على هذه القاعدة نتيجتان :

الأولى:أنه لا يجوز نقض العقد ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين عند إبرام العقد أو بعد ذلك باتفاق لاحق أو للأسباب التي يقررها القانون مثل الخيارات ، وجواز تعديل أو إنهاء عقد الوكالة وعقد الوديعة .
الثانية:أنه يجب تنفيذ العقد بطريقة تتفق مع حسن النية ، فمن مقتضى حسن النية مثلا وجوب الامتناع عن كل عمل من شأنه جعل نقل الحق المبيع إلى المشتري مستحيلا أو عسيرا . وكذلك على المؤجر أن يمتنع عن كل ما يعوق المستأجر من الانتفاع بالمأجور ، وعلى سائق سيارة الأجرة أن ينقل الراكب من أقرب وأيسر طريق … الخ .

جزاء عدم تنفيذ العقد (المسؤولية العقدية)

إذا لم يكن تنفيذ التزام المدين عينا ممكنا إما لهلاك المحل إذا كان التزاما بإعطاء شيء ، أو لضرورة قيام المدين به بنفسه إذا كان التزاما بعمل ، أو لسبق وقوع المخالفة إذا كان التزاما بامتناع عن عمل ، أو كان التنفيذ العيني ممكنا ولكن لم يطلبه الدائن ولم يعرضه المدين ، فإنه لا يكون في جميع هذه الصور أمام الدائن سوى المطالبة بالتعويض على أساس المسؤولية العقدية .

ولكن مجرد عدم التنفيذ لا يستتبع قيام مسؤولية المدين ، بل يجب أن يكون التنفيذ راجعا إلى خطأ منه . فلا تقوم المسؤولية العقدية إلا إذا توافر خطأ المدين ، وتبع هذا الخطأ ضرر يلحق بالدائن، وأن يكون هذا الضرر راجعا إلى الخطأ .

وعلى ذلك فإن أركان المسؤولية العقدية هي : الخطأ ، والضرر ، وعلاقة السببية بينهما .

المطلب الأول

الخطأ

الخطأ هو انحراف في سلوك المدين يؤدي إلى مؤاخذته . ومعياره هو الانحراف عن سلوك الرجل العادي ، وهي فكرة مجردة يرجع في تحديدها إلى الرجل العادي في طائفة الناس التي ينتمي إليها المدين . فإذا كان المدين مهندسا مثلا يقارن مسلكه لمعرفة ما إذا ارتكب خطأ بمسلك المهندس العادي إذا وجد في مثل ظروفه(1) .

والأصل في المسؤولية العقدية هو افتراض وقوع الخطأ من جانب المدين إذا لم ينفذ التزامه في جملته أو في جزء منه أو تأخر في تنفيذه . ولا يستطيع المدين نفي الخطأ عن نفسه إلا إذا أثبت أن عدم التنفيذ راجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه .

والخطأ قد يقع من المدين نفسه ، وقد يقع من شخص آخر يسأل عنه المدين ، ويتحقق ذلك إذا كلف المدين الغير بتنفيذ التزامه ، أو كان التكليف آت من القانون كما هو الشأن لمسؤولية الصغير أو المحجور عليه عن خطأ الولي أو الوصي أو القيم في تنفيذ العقود التي عقدوها لحسابه . كما قد يقع الخطأ من شيء في حراسة المدين ، كما لو أصيب راكب في حادث تصادم سيارة ، فإن أمين النقل يكون مسؤولا مسؤولية عقدية لوجود عقد بينه وبين الراكب ، أساسها فعل الشيء وليس فعل أمين النقل .

المطلب الثاني

الضرر

تقوم المسؤولية العقدية على وجوب تعويض المضرور عما لحقه من ضرر . والقاعدة أن إثبات الضرر على الدائن لأنه هو الذي يدعيه .

وقد يكون الضرر ماديا ، يصيب الشخص في ذمته المالية أو في جسمه ، مثل عدم رد الوديعة أو إصابة المسافر في حادث أثناء السفر . كما قد يكون الضرر أدبيا يصيب الشخص في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي . ولكن فكرة التعويض عن الضرر الأدبي في المسؤولية العقدية لا زالت محل خلاف في الفقه .

وقد قصد المشرع الأردني التعويض على الضرر الواقع فعلا ، أي على الخسارة التي لحقت الدائن فعلا دون الربح الذي فاته . غير أن التقدير النهائي للتعويض عن الضرر الواقع فعلا قد لا يكون متيسراً للقاضي عند نظر الدعوى ، وفي هذه الحالة يجوز للقاضي الحكم بتعويض مؤقت على أن يعاد النظر في الحكم خلال فترة معقولة يحددها القاضي ، وفي نهايتها يمكن إعادة النظر والحكم للمضرور بتعويض إضافي إذا اقتضى الأمر ذلك .

أما إذا كان الضرر محتمل الوقوع أي قد يقع وقد لا يقع في المستقبل ، فلا محل لطلب التعويض عنه في الحال ، بل يجب الانتظار حتى يتحقق فعلا . كما لو أصيب مسافر في حادث تصادم ، فالإصابة ضرر محقق يعوض عنه في الحال ، أما ما قد ينشأ عنها من فقد عضو في جسده كقدمه أو ذراعه فضرر محتمل ، ولذا لا يعوض عنه إلا إذا تحقق الضرر فعلا .

المطلب الثالث

علاقة السببية

حتى تقوم المسؤولية العقدية يجب إثبات علاقة السببية بين الخطأ والضرر ، أي بين فعل المدين والضرر الذي أصاب الدائن . ويتم ذلك وفق القواعد العامة . أي أن على المدعي أي الدائن إثبات ما يدعيه من أن الضرر اللاحق به نتيجة لخطأ المدين في عدم تنفيذ التزامه ، ويكفي أن يثبت أن هذا الضرر الذي أصابه هو نتيجة معقولة لخطأ المدين . فإن أثبت ذلك قامت قرينة قضائية على علاقة السببية بين خطأ المدين والضرر الذي أصاب الدائن .

فإذا أراد المدين أن يدفع المسؤولية عن نفسه يكون عليه أن يثبت أن الضرر يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه ، كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة أو فعل الغير أو فعل المتضرر .

(1)(1) يمكن أن يتم تشديد أو تخفيف مقدار العناية المطلوبة إما باتفاق المتعاقدين أو بنص خاص
في القانون ، مثل الوكالة بلا أجر حيث يشترط القانون أن يبذل الوكيل في تنفيذ ما وكل به
العناية التي يبذلها في أعماله الخاصة دون أن يكلف في ذلك أزيد من عناية الرجل المعتاد.