الفصل الثالث – مصادر القانون

المبحث الثاني

المصادر الاحتياطية

لا يمكن للتشريع أن يحيط بكل شيء، فقد يغفل تنظيم أمر من الأمور، كما قد يستجد أمر بعد صدور التشريع لم يكن المشرع قد أدخله في اعتباره. لذلك يلزم البحث عن مصادر أخرى غير التشريع ، وهي ما تسمى بالمصادر الاحتياطية.

والمصادر الاحتياطية التي نص عليها القانون المدني حسب الترتيب هي : أحكام الفقه الإسلامي ومبادئ الشريعة الإسلامية، والعرف، وقواعد العدالة .

أولا : أحكام الفقه الإسلامي ومبادئ الشريعة الإسلامية

عرفنا أن الشريعة الإسلامية ، تعد مصدرا تاريخيا للقانون المدني الأردني . كما عرفنا أنها تعد مصدرا رسميا بالنسبة لبعض أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين .

وبالإضافة لذلك جعل المشرع أحكام الفقه الإسلامي ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا احتياطيا بعد التشريع ، بالنسبة للمعاملات المالية .

ويراد بمبادئ الشريعة الإسلامية، المبادئ العامة أي الأصول الكلية المستخلصة من الكتاب والسنة، وهي لا تختلف من مذهب إلى آخر .

أما أحكام الفقه الإسلامي فهي الأحكام التفصيلية المتفرعة عن تلك الأصول الكلية والمدونة في كتب الفقه والتي تختلف فيها الآراء من مذهب إلى مذهب، بل وبين فقهاء المذهب الواحد.

ثانيا : العرف

العرف هو اعتياد الناس على سلوك معين زمنا طويلا واعتقادهم بأن القاعدة الناشئة عن هذا السلوك قاعدة ملزمة .

والعرف هو أول مصدر رسمي ظهر من الناحية التاريخية ، ولكن مع تطور الزمن احتل التشريع مكانته وأصبحت منزلته كمصدر للقانون منزلة ثانوية .

أركان العرف

يقوم العرف على ركنين، ركن مادي يتمثل في اعتياد الناس على سلوك معين، وركن معنوي، ونعني به شعور الناس بأن القاعدة التي نشأت من هذا السلوك قاعدة ملزمة.

1- الركن المادي: الاعتياد

قد يسلك فرد ما سلوكا معيناً تحت ضغط حاجة معينة، أو يتفق شخصان على حل للفصل في مسألة معينة، ثم يتكرر هذا السلوك أو الحل في مناسبات مماثلة، إما بدافع الرغبة في التقليد، وإما لصلاحية هذا الحل لتنظيم علاقة معينة، فيصبح اتباع هذا السلوك أو الحل عاما في نفس المناسبة ويعتاد الناس عليه وبذا يتكون الركن المادي للقاعدة القانونية .

ويشترط في العرف لكي يصبح مصدرا من مصادر القانون أن تتوفر فيه الشروط الآتية :

  1. أن يكون عاما أي يسير عليه أغلبية الأفراد ، والعموم لا يعني الإجماع وإنما يكفي الشيوع . والعرف قد يكون عاما بالنسبة لكل الناس في الدولة . كما قد يكون خاصا بإقليم معين منها ويعد محليا . كما قد يكون خاصا بفئة من الناس فقط مثل فئة التجار أو المزارعين … ويعد مهنيا أو طائفيا.
  2. أن يكون قديما ، استقر اتباع الناس لحكمه مدة طويلة ، وليس هناك مدة محددة لذلك، بل تختلف المدة باختلاف نوع السلوك ومدى تكراره في حياة الأفراد. ويعود تقدير ذلك يترك للقضاء .
  3. أن يكون ثابتا ، يتبعه الناس بانتظام بطريقة لا تتغير ولا تنقطع . أي أن يتكرر نفس السلوك كلما تحققت نفس الظروف التي اتبع فيها هذا السلوك . فلا يتبعونه في بعض الأوقات ويتركونه في أوقات أخرى . ويترك تقدير ذلك للقضاء.
  4. أن لا يكون مخالفا للنظام العام أو الآداب ، وهذه المخالفة لا يتصور تحققها إلا إذا كان العرف محليا أو طائفيا . مثال : عادة الأخذ بالثأر في بعض المناطق .

2– الركن المعنوي: عقيدة الإلزام

حتى يصبح السلوك المعتاد عرفا ، يلزم أن يتكون في أذهان الناس الاعتقاد بأن هذا السلوك الذي اعتادوا عليه ملزم ، وأن مخالفته تنطوي على مخالفة قانونية تستوجب توقيع الجزاء .

وهذا الشعور بالإلزام يميز العرف عن العادة . ونظرا لأنه يتكون تدريجيا ، فإن القضاة قد يختلفون في مرحلة التكوين حول ما إذا كانت عادة معينة قد أصبحت عرفا أم لا .

ثالثا : قواعد العدالة

من المبادئ الهامة في القانون أن القاضي لا يجوز له أن يمتنع عن القضاء فيما يعرض عليه لعدم وجود قاعدة قانونية تبين حكم المسألة المعروضة. وفي نفس الوقت فان المشرع لا يستطيع حصر مصادر القانون بطريقة شاملة للقواعد القانونية التي تصلح لمواجهة كل ما يحتمل أن يعرض على القاضي . لذلك على المشرع أن يبين للقاضي ما يفعله فيما يعرض عليه من مسائل لا يجد لها حكم في قاعدة قانونية . لذلك نص على الحكم بمقتضى قواعد العدالة.

والعدالة شعور كامن في النفس يكشف عنه العقل السليم ، ويوحي به الضمير المستنير ويهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه بترجيح المصلحة الأولى بالرعاية إذا تعارضت المصالح . وعلى ذلك يجب على القاضي أن يجتهد في حل النزاع إذا لم تسعفه مصادر القانون ، على أن يقيم اجتهاده على اعتبارات موضوعية عامة، بحيث يحكم بما يكون مقبولا في المجتمع في الوقت الذي يصدر فيه حكمه، دون أن يتأثر في ذلك بأفكاره الخاصة ومعتقداته الذاتية .