الفصل الثاني – أنواع القواعد القانونية

المبحث الثاني

القواعد الآمرة والقواعد المكملة

عندما ينظم القانون علاقات الأفراد في المجتمع، فانه يقيد من حريات الأفراد ونشاطهم، فيوجه لهم طائفة من الأوامر والنواهي يجبرون على طاعتها واحترامها، وتكون قواعده في هذه الحالة آمرة.

ولكنه في نفس الوقت يترك للأفراد قدراً من الحرية في تنظيم علاقاتهم مع الغير وتوجيه نشاطهم، وفي هذه الحالة توجد القواعد المكملة.

لذا سنتكلم عن كل من القواعد الآمرة والقواعد المكملة، ثم نبين معيار التمييز بينهما.

المطلب الأول

القواعد الآمرة

القواعد الآمرة هي القواعد التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف الحكم الذي تقرره، وكل اتفاق على مخالفة هذا الحكم يعد باطلا لا يعتد به ولا أثر له .

فهذا النوع من القواعد يتعلق بتنظيم المسائل التي تتصل بكيان المجتمع ومقوماته الأساسية، أو المسائل التي تتعلق بأوضاع اجتماعية يرى المشرع أنها توجب تحقيق مصلحة أشخاص أو رعاية مصلحة فئة معينة. لذا لا يصح أن يترك مثل هذا التنظيم لإرادة الأفراد. ومن ثم لا يباح للأفراد أن يتخذوا سلوكا يتعارض مع الحكم الذي تقرره، بل يفرض حكمها عليهم دون أن يكون في مكنتهم التخلص منه.

مثال ذلك القواعد التي تمنع ارتكاب الجرائم كالقتل والسرقة وغيرها. وكذلك القاعدة التي تقرر حق الزوج المسلم في أن يطلق زوجته، والقواعد التي تفرض الضرائب، ونصوص قانون العمل التي تقرر الحد الأدنى للأجور، وساعات العمل، والإجازات، والمكافآت، وغير ذلك من الحقوق العمالية.

فجميع هذه القواعد وما شابهها قواعد آمرة يلتزم الأفراد باحترامها، ولا توجد طريقة للتهرب من حكمها، ولا أثر لأي اتفاق يخالفها، لأنها تتعلق بكيان الجماعة ومصالحها الأساسية.

لذلك إذا اتفق شخص مع آخر على قتله، أو اتفق أفراد أسرة شخص على قتله لا يعتد بهذا الاتفاق ولا يمنع من معاقبة القاتل إذا ما ارتكب جريمته. وإذا اتفق الزوج مع زوجته وقت الزواج أو بعده على تنازل الزوج عن حقه في الطلاق يكون هذا الاتفاق باطلاً لا أثر له ولا يمنع الزوج من استعمال هذا الحق. كما لا يجوز أن يتفق صاحب العمل مع العامل على إنقاص الحقوق المقررة للعامل في قانون العمل.

ويجب أن يلاحظ هنا أن قولنا إن هذه الطائفة من القواعد آمرة، لا يعني أنها ترد دائما في صيغة الأمر أو النهي، وإنما هو اصطلاح للدلالة على المعنى الذي بيناه من عدم إمكان الاتفاق على مخالفة حكمها.