الفصل الثاني – إجراءات إصدار الحكم

      يوجب القانون على المحكمة بعد استكمال إجراءات المحاكمة أن تصدر حكما في الدعوى ، حيث لا يجوز وفق المادة 164 أن تمتنع المحكمة عن إصدار  حكم في دعوى منظورة أمامها بسبب عدم وجود نص قانوني أو غموض فيه .

      فمتى انتهت المرافعات تصبح القضية صالحة للحكم فيها وتعلن المحكمة إقفال باب المرافعة . وإذا كانت المحكمة مكونة من قاض واحد إما أن يصدر حكمه فور اختتام المحاكمة ، وإما أن يرفع الجلسة مؤقتا ثم يعيدها وينطق بالحكم ، وإما  أن يؤجل النطق به إلى جلسة أخرى إذا كانت القضية بحاجة إلى التدقيق أي إلى فحص ودراسة . وإذا كانت المحكمة مكونة من عدة قضاة فإنه يلزم لإصدار الحكم أن يتبادل القضاة مجتمعين الرأي ووجهات النظر في الدعوى المعروضة عليهم ، والمشاورة في منطوق الحكم وأسبابه قبل النطق به وهو ما يسمى بالمداولة .

      وتقوم هيئة المحكمة بالنطق بالحكم في جلسة علنية ، ويوجب القانون إيداع مسودة الحكم في ملف الدعوى عند النطق به ، على أن يتم تحريره بصورة نهائية . وتضمن المحكمة حكمها إلزام من تراه من الخصوم بمصاريف الدعوى .

      وعلى ذلك يلزم أن نتناول بالشرح المسائل التالية :

المبحث الأول : إقفال باب المرافعة .

المبحث الثاني : المداولة .

المبحث الثالث : النطق بالحكم .

المبحث الرابع : إيداع مسودة الحكم .

المبحث الخامس : تحرير الحكم .

المبحث السادس : مصاريف الدعوى .

المبحث الأول

إقفال باب المرافعة

      تنص المادة 165/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه “تقرر المحكمة حجز القضية للحكم بعد إقفال باب المرافعة“.

      ويتم إقفال باب المرافعة بعد أن تتيح المحكمة للخصوم تقديم ما لديهم من بينات ودفوع وأقوال بحيث تصبح القضية صالحة للفصل فيها . ولا يجوز النطق بالحكم قبل إقفال باب المرافعة صراحة أو ضمنا ، وإلا كان الحكم باطلا . فقد تصدر المحكمة قرارا صريحا بإقفال باب المرافعة وحجز القضية للحكم ، وقد يتم إقفال باب المرافعة ضمنا إذا قررت المحكمة في ختام المرافعة تحديد جلسة للنطق بالحكم .

      أما إذا قررت المحكمة حجز القضية للحكم مع إتاحة الفرصة للخصوم لتقديم مذكرات في ميعاد معين ، فإن باب المرافعة لا يعد مقفولا إلا بانتهاء هذا الميعاد ، لأنه لا يقفل إلا إذا انتهت المرافعة فعلا سواء أكانت قد تمت مشافهة أم كتابة ، ففي هذه اللحظة فقط تكون القضية صالحة للحكم فيها(1).

      ومتى قررت المحكمة إقفال باب المرافعة انقطعت صلة الخصوم بها ولم يبق لهم اتصال بها إلا بالقدر الذي تصرح به المحكمة ، فلا يجوز لأي من الخصوم تقديم مذكرات أو إيداع مستندات، وإذا قدم خصم طلبا أم دفاعا أو مستندا فإن على المحكمة تجاهله واعتباره غير موجود أمامها ، ولذلك فهي لا تلتزم بالرد عليه وليس لها أن تستند إليه في حكمها وإلا كان باطلا .

 على أنه يجوز للخصوم في أية حالة كانت عليها الدعوى ؛ ولو بعد إقفال باب المرافعة أن يطلبوا إثبات ما اتفقوا عليه في محضر الجلسة عملا بالفقرة الثانية من المادة 118 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد ، ولو كان ما اتفقوا عليه لا ينهي الخصومة كلها ، ولا بد للمحكمة في هذه الحالة من فتح باب المرافعة لتدوين ما اتفق عليه .

فتح باب المرافعة بعد إقفالها

    تنص المادة 166 على أنه “يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أن تقرر فتح باب المرافعة لأسباب جدية وضرورية للفصل في الدعوى “.

      ويتبين من هذا النص أن قرار المحكمة بإقفال باب المرافعة هو قرار ولائي لا يقيد المحكمة ، ولا يمنع من إعادة فتح باب المرافعة . وقد ترك المشرع هذه المسألة لمطلق تقدير القاضي ، فطلب فتح باب المرافعة من جديد ليس حقا للخصوم تتحتم إجابتهم إليه بل هو متروك لمحكمة الموضوع التي تستقل بتقدير مدى الجدية فيه، فلا تلتزم بإجابة الطلب ولا بيان سبب عدم الاستجابة لهذا الطلب، بل تستطيع تجاهله فلا تشير إليه في حكمها مما يعتبر رفضا ضمنيا له . كما أنه لا يلزمها بالحكم متى أقفلت باب المرافعة ؛ بل هي تملك فتح باب المرافعة من تلقاء نفسها إذا رأت استيفاء نقطة معينة، أو تكليف خصم بتقديم مستند قبل النطق بالحكم ، أو بناء على طلب أي خصم إذا جد ما يبرر ذلك بحيث تكون هناك أسباب جدية . أما إذا وجدت عدم جدية الطلب باستناده إلى قول مرسل ، أو قصد به المماطلة ، أو أن ما يطلب الخصم تقديمه كان يمكنه تقديمه خلال المحاكمة ولكنه قصر في ذلك ، رفضت الطلب وأصدرت حكمها.

      ولكن وفق المادة 170 إذا تبدلت هيئة المحكمة بعد حجز القضية ؛ فإنه يجب على الهيئة الجديدة أن تقوم بفتح باب المرافعة وسماع المرافعات الختامية للخصوم ثم تصدر حكمها .

      وإذا قررت المحكمة فتح باب المرافعة سواء من تلقاء نفسها أم بناء على طلب أحد الخصوم ، فإن عليها أن تكلف قلم كتاب المحكمة بتبليغ الخصوم بالجلسة المحددة لنظر الدعوى من جديد ، ولا يجوز لها الحكم في الموضوع في هذه الجلسة إلا إذا تحققت من تبليغ جميع الخصوم إلى هذه الجلسة ، بما في ذلك الخصم الذي كان غائبا خلال المحاكمة ، وذلك لأن آخر إجراء تم في مواجهة الخصوم هو إقفال باب المرافعة ؛ فيلزم تبليغهم بفتحها من جديد وإلا عد ذلك عيبا في الإجراءات يجيز الطعن في  الحكم . ويغني عن التبليغ حضور الخصم أو وكيله وقت النطق بالقرار أو بعد ذلك وتوقيعه على محضر الجلسة بما يفيد علمه ، أو حضوره في جلسة المرافعة.(1)

       ويجوز للخصوم بعد إعادة فتح باب المرافعة الادعاء بكل ما هو جائز الإدلاء به من طلبات أو دفوع قبل إقفال باب المرافعة كإبداء طلبات عارضة فيما أجازه المشرع .


(1) د. أحمد أبو الوفا ، نظرية الأحكام، ص 86 .

(1) أنور طلبه ج 3 ص 79.