الفصل الثاني – إجراءات إصدار الحكم

المبحث الرابع

إيداع مسودة الحكم

      تنص المادة 172 على أنه ” تودع مسودة الحكم في ملف الدعوى عند النطق به مشتملة على منطوقه وأسبابه وموقعة من هيئة المحكمة ” .

          مسودة الحكم هي الورقة التي يحرر فيها القاضي أسباب الحكم ومنطوقه ويوقعها القضاة الذين أصدروه ، وهي تكتب عقب الانتهاء من المداولة وقبل النطق بالحكم ، ويتم بموجبها تحرير نسخة الحكم الأصلية .  

      ويقصد من إيداع مسودة الحكم في ملف الدعوى تمكين الخصوم فور النطق بالحكم من الاطلاع عليه وعلى أسبابه (م173) حتى يستعدوا للطعن فيه إذا وجدوا مبررا لذلك .

      ويوجب القانون إيداع مسودة الحكم في ملف الدعوى عند النطق به ؛ للتأكد من أن القاضي أو  هيئة المحكمة قد استقر رأيها على ما جاء فيه ، وأن القضاة متفقون على أسبابه وحيثياته قبل النطق به . ويلاحظ أن المشرع الفلسطيني لم يرتب البطلان على عدم إيداع مسودة الحكم قلم المحكمة فور النطق به ، بينما نص المشرع المصري على البطلان صراحة في المادة 175 من قانون المرافعات .(1)

      وقد اكتفى النص بأن تشتمل مسودة الحكم على بيانات ثلاثة هي منطوقه ؛ وأسبابه ؛ وتوقيع جميع القضاة الذين اشتركوا في المداولة(2)، وهذه البيانات الثلاث هي بيانات جوهرية يترتب على إغفال أي منها بطلان الحكم . ويلاحظ أن الحكم الباطل يجوز استئنافه ولو كان صادرا في حدود النصاب النهائي لمحكمة الصلح ، وذلك عملا بنص المادة 203 من القانون .

 ولم يتطلب النص غير هذه البيانات على اعتبار أن مسودة الحكم تكتب على وجه السرعة ؛ ولا يعتمد عليها إلا بصفة مؤقتة وإلى أن تكتب نسخة الحكم الأصلية التي تعد أصل ورقة الحكم . لذلك نص في المادة 173 على أن ” للخصوم الحق في الاطلاع على منطوق الحكم ولا تعطى منه صور إلا بعد إتمام نسخته الأصلية ” .

      لذلك لا يكفي إعلان منطوق الحكم على أن تدون أسبابه فيما بعد ، لأن معنى هذا أن القضاة قد نطقوا بالحكم قبل أن يتداولوا في أسبابه ويتفقوا عليها وتستقر عقيدتهم على أساس فيها ، فيكون حكمهم قد خلا من هذه الضمانة التي يحرص عليها المشرع . كما لا يجوز تكملة بيانات المسودة بما هو وارد في ورقة أخرى كمحضر الجلسة .

      كما لا يكفي توقيع رئيس هيئة المحكمة أو بعض أعضائها على مسودة الحكم ، بل يجب أن يوقع جميع القضاة على كل من منطوق الحكم وأسبابه ، فإذا كتب القرار على ثلاث صفحات اشتملت الأولى منها على الوقائع والطلبات والثانية على أسباب الحكم والثالثة على منطوقه ، وتم توقيع الورقة الأخيرة من الهيئة التي أصدرت الحكم بدلا من أن تكون الورقتين الأولى والثانية موقعة من كامل الهيئة  فإن ذلك يعيب القرار  لوجود شبهة في أن المنطوق تم تحريره قبل المداولة وتحرير الأسباب ، فالمسودة المودعة في الملف يجب أن تكون موقعة من رئيس المحكمة ومن جميع القضاة الذين اشتركوا في المداولة ، وذلك للتحقق من أن القضاة طالعوا الأسباب وتناقشوا فيها وأقروها على النحو الذي ورد في المسودة . (1) أما إذا كانت الصفحة الأخيرة التي وقع عليها القضاة تشمل المنطوق وبعض الأسباب ، وأغفلوا التوقيع على إحدى الصفحات فإن ذلك ينفي شبهة عدم استكمال المداولة على الأسباب والمنطوق ولا يعد عيبا يبطل الحكم.  

          وتفيد المادتان 172 و176 أن المشرع أوجب إيداع مسودة الحكم ملف الدعوى وأن تكون شاملة لعناصر عديدة منها توقيع الهيئة المنظمة لهذه المسودة واكتفى بأن تكون نسخة الحكم الأصلية موقعة من رئيس الهيئة والكاتب . لذلك لا يجوز أن يكتفى بنسخة الحكم الأصلية دون المسودة على اعتبار أن المسودة تكون محل اطلاع من قبل الخصوم وأنها مصدر التحقق فيما إذا شاب الحكم الأصلي خطأ مادي أو سهو، لذلك فإن عدم توافر المسودة يوجب البطلان لانتفاء الغاية التي أرادها المشرع منها طبقا لأحكام المادة 23/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.(2)

وإذا كانت المحكمة مشكلة من قاض فرد وجب عليه تحرير المسودة بخطه، فإن ثبت تحريرها بخط غيره كان الحكم الذي يصدره باطلا ، على أن خلو مسودة الحكم المكتوبة بخط اليد من توقيع القاضي لا يعد مخالفة لنص المادة 172 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية طالما أن نسخته الأصلية موقعة منه.(3) وكذلك لا يبطل الحكم إذا كانت بعض الصفحات السابقة للورقة الأخيرة للحكم غير موقعة من القاضي مصدره طالما أن الحكم بكافة أوراقه مهما تعددت يعتبر وحدة واحدة لا تتجزأ وما دامت أوراق الحكم جاءت في سياق واحد ينفي أي عيب قانوني من شأنه القول إن الحكم معيب قانونا لدرجة تؤدي إلى بطلانه.(1)

          كما أن خلو مسودة الحكم من توقيع بعض أعضاء الهيئة مصدرته لا يشكل بطلان ذلك الحكم ما دام أن نسخته الأصلية موقعة من كامل أعضاء الهيئة،(2) إذ أن المشرع لم يرتب البطلان على عدم توقيعه في هذه الحالة كما أن جلسة النطق بالحكم تضمنت أسماء الهيئة الحاكمة التي تلي الحكم من قبلها، (3) وأن الغاية من التوقيع على المسودة تحققت بالتوقيع على نسخة الحكم الأصلية ، فالعبرة في الحكم هي بنسخته الأصلية ولا تعدو المسودة أن تكون ورقة لتحضيره .

فقد مسودة الحكم

          إذا فقدت مسودة الحكم بعد إيداعها في ملف الدعوى وبعد تحرير نسخة الحكم الأصلية ، فلا يترتب البطلان على هذا الفقد ، لأن الغرض من المسودة باعتبارها ورقة مرافعات تحضيرية لتحرير النسخة الأصلية  يكون قد تحقق . أما إذا فقدت قبل تحرير نسخة الحكم الأصلية فلا يكون الغرض منها قد تحقق وبذلك يكون الحكم باطلا

لأنه يصبح مجهلا بالنسبة لأسبابه ومنطوقه . ولا يزيل هذا التجهيل عنه الاستعانة بأي ورقة أخرى منفصلة عنه ، كما لو قام أحد الخصوم بتصوير المسودة فوتوغرافيا وأقرها الخصوم ولم ينكرها أحد منهم، لتعلق مسودة الحكم بالتنظيم القضائي الذي يسمو على مصالح الخصوم الخاصة . 


(1) ونصها : يجب في جميع الأحوال أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة من الرئيس ومن القضاة عند النطق بالحكم وإلا كان الحكم باطلا ، ويكون المتسبب في البطلان ملزما بالتعويضات إن كان لها وجه.

(2) لم يشترط النص ذكر تاريخ إيداع المسودة لأنه أوجب أن تودع عند النطق بالحكم.

(1) نقض مدني 67/2004 تاريخ 10/6/2004  ج 2 ص 246.

(2) نقض مدني 194/2008 تاريخ 16/10/2008  ج 4 ص 382.

(3) نقض مدني 102/2006 تاريخ 7/5/2007 ج 3 ص 288. 

(1) نقض مدني 36/2008 تاريخ 11/10/2008 ج 4 ص 119.

(2) نقض مدني201/2008 تاريخ 11/9/2008 ج 4 ص 582. وكان رئيس الهيئة قد وقع على مسودة الحكم بينما وقع كامل أعضاء الهيئة على نسخة الحكم الأصلية المرفقة بلائحة الطعن وهناك تطابق بين ما ورد في النسختين.

(3) نقض مدني 53/2007 تاريخ 6/6/2007 ج 3 ص 290.