الفصل الثاني – إجراءات إصدار الحكم

أولا : الديباجة ، وهي تشمل على:

  1. بيان اسم المحكمة التي أصدرت الحكم ، لتأكيد أن الحكم قد صدر من محكمة مختصة.إلا أن المادة 175 لم ترتب البطلان لعدم بيان اسم المحكمة التي أصدرت الحكم ، لذلك يمكن التحقق من ذلك بالتعرف على المحكمة التي قيدت الدعوى فيها .
  2. أسماء القضاة الذين اشتركوا في إصداره وحضروا النطق به ، للتأكد من أن الحكم صدر من قضاة صالحين لإصداره، وأن القضاة الذين سمعوا المرافعات الختامية هم الذين تداولوا لإصداره وحضروا النطق به. ويكفي ذكر أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم مرة واحدة في صدر الحكم أو في خاتمته. وإذا ورد خطأ في اسم أحد القضاة الذين أصدروا الحكم بأن يكون اسم القاضي الذي اشترك في المداولة ووقع المسودة في محضر الجلسة  مثلا ” عبد المجيد ” ولكن اسمه الوارد في الحكم ” عبد الحميد”  يمكن تصحيحه بالرجوع إلى ما هو ثابت في محضر جلسة النطق بالحكم الذي يعد مكملا له دون غيره من الأدلة الأخرى. فإن كان محضر الجلسة بدوره قد تضمن ذات الخطأ ، كان ذلك من قبيل الخطأ المادي في الحكم لا يؤثر في كيانه ولا يفقده ذاتيته ، وتتولى المحكمة تصحيحه من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم ، ولا يصلح سببا للطعن فيه أو طلب بطلانه. وعدم ذكر أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه البطلان وفقا لأحكام المادة 175 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية .(1) 
  3. أسماء الخصوم بالكامل وحضورهم أو غيابهم ، يترتب البطلان على خلو الحكم من اسم أحد الخصوم سواء كان محكوما له أو محكوما عليه، لما يترتب على ذلك من تغيير في نطاق الخصومة وما يتصل بتنفيذ الحكم . كما أنه إذا شاب الحكم نقص أو خطأ جسيم في أسماء الخصوم كان الحكم باطلا. والخطأ الجسيم هو الذي من شأنه التجهيل في تعيين الخصم أو تحديد صفته في الخصومة مما يمتنع معه على خصمه التعرف عليه، وتوافر الشك فيه على نحو يتسع معه نطاق الخصومة مما كانت عليه قبل صدور الحكم،  بأن ذكر اسما لا يطابق الاسم الذي تضمنته لائحة الدعوى. ويكون الحكم باطلا أيضا إذا حدد الخصوم بأنهم ورثة فلان دون بيان أسمائهم. (1)  أما إذا كان النقص أو الخطأ ليس من شأنه التشكيك في حقيقة الخصم أو اتصاله بالخصومة فلا يكون الحكم باطلا ولو لم يذكر اسمه كاملا ، أو ذكر اسم الخصم المتوفى بعد اختصام ورثته ، أو ذكر اسم الخصم الذي توفي أثناء نظر الدعوى في ديباجة الحكم دون ذكر أسماء ورثته الذين عجلت الدعوى قبلهم ، ما دام هذا لا يؤدي  إلى التشكيك في حقيقتهم من حيث اتصالهم بالخصومة . والعبرة باسم الأصيل دون نائبه ، فإذا تضمن الحكم اسم الأصيل وأغفل اسم نائبه أو أورده مشوبا بخطأ جسيم فلا يكون باطلا.  كما أن  إثبات الحضور والغياب فإن إغفاله لا يترتب عليه بطلان الحكم.  
  4. تاريخ إصدار الحكم ، أي تاريخ النطق به، لمعرفة بدء ميعاد الطعن في الحكم،. ولتحديد الوقت الذي تسري فيه حجية الأمر المقضي . ويكفي أن يرد التاريخ في صدر الحكم أو في نهايته ، غير أن إغفال إثبات تاريخ صدور الحكم أو إثباته بالتقويم الهجري دون الميلادي ، لا يترتب عليه البطلان ، ويمكن التحقق من هذا البيان بالرجوع إلى محضر الجلسة المتضمنة النطق به فيكون تاريخ هذا المحضر هو تاريخ إصدار الحكم .   
  5. صدور الحكم باسم الشعب ، وهذا البيان – كما سبق – لا يعد من بيانات الحكم المنصوص عليها ، ويمكن أن يرد في الديباجة كما يمكن أن يرد في خاتمة الحكم  .

ثانيا : الوقائع ، وهي التي تبين فيها هيئة المحكمة

  1. عرضا مجملا لوقائع الدعوى ، لأن وقائع النزاع هي الأساس الذي يقوم عليه الحكم ، وعلى المحكمة أن تلم بها إلماما صحيحا، فإن هي أخطأت في فهمها وترتب على ذلك عدم تطبيق القانون تطبيقا صحيحا ، كان حكمها مشوبا بالقصور المبطل لما شابه من خطأ في الأسباب الواقعية وعدم تحصيلها لفهم الواقع في الدعوى.(1)   غير أن المحكمة غير ملزمة بتضمين حكمها  بيان مراحل الدعوى على نحو تفصيلي يبين الخطوات والمراحل التي قطعها النزاع أمام المحكمة من تأجيل أو وقف أو شطب أو تعجيل ، لأن في ذلك من السرد ما قد يطول في بعض الأحوال وتضيع معه معالم الطريق إلى النزاع الجوهري، فضلا عما يستغرقه ذلك من وقت وجهد،  لذلك يغني عنه ما سجلته محاضر الجلسات . إنما يكفي ذكر الوقائع الضرورية للفصل في الدعوى لتعلقها بسير الخصومة فيها باعتبارها حلقة من حلقاتها قام بين الخصوم نزاع بشأنها.
  2. طلبات الخصوم ، لمعرفة نطاق سلطة المحكمة ، والعبرة بالطلبات الأخيرة للخصوم، فإن أغفلتها المحكمة وتناولت الطلبات السابقة بالبحث وأصدرت قضاءها فيها، كان حكمها مشوبا بالقصور المبطل ، فضلا عن مخالفة الثابت في الأوراق المتمثلة في المذكرات ومحاضر الجلسات واللوائح التي تضمنت التعديل في الطلبات ، وتكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم على سهو منها.  
  3. 3-    ومستنداتهم ، ويكفي في ذلك الإشارة للمستندات دون إيراد نصها، كما لا يلزم ذكر جميع أقوال الشهود بل تكفي الإشارة إلى ما ورد فيها بما ينبئ عن مراجعتها.  
  4. ودفوعهم لمراقبة بيان المحكمة لأسباب الحكم ويجب بيان جميع الدفوع ومناقشتها. ودفاعهم الجوهري أو ما استندوا إليه من الأدلة والحجج القانونية، ويقصد بالدفاع الجوهري الذي يؤثر في النتيجة التي انتهت إليها المحكمة بحيث أن المحكمة لو كانت قد بحثته لجاز أن تتغير به هذه النتيجة . ويلزم ذكر هذا البيان عند فصل الحكم في النزاع الذي قدمت بصدده أوجه الدفاع والدفوع، أما إذا اقتصر الحكم على الحكم بعدم الاختصاص أو رد الدعوى لسبب شكلي لأي سبب فلا داعي له. 

ثالثا : أسباب الحكم وتسمى أيضا بالحيثيات لأنها تبدأ عادة بعبارة ( حيث إن) أو ما في معناها كعبارة ( وبما أن ) أو ( ولما كان ) ، وهي الأسباب التي بنت المحكمة عليها حكمها . ويقصد بالأسباب الأسانيد القانونية والأدلة الواقعية التي بنت المحكمة عليها حكمها . ونظرا لأهمية تسبيب الحكم فسوف نفرد له المطلب التالي .

رابعا : المنطوق ، وهو النتيجة التي خلصت إليها المحكمة بناء على الأسباب التي أوردتها، أي ما حكمت به المحكمة في الطلبات التي عرضها عليها الخصوم . وهذا البيان هو أهم أجزاء الحكم ، وهو الذي يجب أن يتلى شفويا في الجلسة، وبه تتحدد حقوق الخصوم المحكوم بها، لذلك  فهو الذي يحوز الحجية ؛ وهو الذي يطعن فيه المحكوم عليه. وإذا خلا الحكم من أي منطوق أو كان المنطوق متناقضا بطل الحكم إذ لا يمكن أن يحقق وظيفته. ومع ذلك قد يرد منطوق الحكم في أسبابه المتصلة به اتصالا وثيقا . كما أن الأسباب الجوهرية تحوز الحجية مع المنطوق إذا كان لا يمكن فهمه دون الرجوع إليها، وكذلك الوقائع التي تلزم حتما لفهم المنطوق .

خامسا : توقيع رئيس الجلسة وكاتبها . وقد اكتفى المشرع بتوقيع رئيس الجلسة ولم يشترط توقيع جميع القضاة  الذين اشتركوا في إصداره ، وعلى ذلك إذا زالت صفة أحد القضاة بعد النطق بالحكم وقبل كتابة نسخته فإن ذلك لا يؤثر في صحة الحكم ما دام جميع القضاة قد وقعوا على مسودة الحكم المودعة في ملف الدعوى ، حيث إن الحكم يكون قد صدر بمجرد النطق به . وإذا قام مانع لدى رئيس الجلسة بعد التوقيع على مسودة الحكم والنطق به يمنعه من توقيع النسخة الأصلية ، يوقعها رئيس المحكمة ، ذلك أن الحكم يكون قد أصدر بمجرد النطق به ، ولا تعدو كتابة نسخة الحكم الأصلية سوى توثيق له.  أما عدم توقيع كاتب الجلسة فإنه لا يرتب البطلان لأن الحكم كعمل إجرائي ليس عمل الكاتب بل هو عمل القضاة الذين أصدروه. (1) والتمسك بعد توقيع الكاتب لا يعد سببا للطعن في الحكم وينطوي على الإغراق في التمسك بالشكلية خلافا لإرادة المشرع. (2)

جزاء النقص في بيانات الحكم :

      تنص المادة 175 على أن ” القصور في أسباب الحكم الواقعية ، والنقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم وعدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه البطلان ” .

ويتبين من هذه المادة أنها ترتب البطلان على نقص بعض بيانات الحكم دون بعضها الآخر ، ولكن ذلك لا يعني أن نقص البيانات الأخرى أو الخطأ فيها لا يرتب البطلان، بل تخضع هذه البيانات للقاعدة العامة في البطلان التي تقرر أن الإجراء يكون باطلا – ولو لم ينص المشرع على ذلك – إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء (م 23/1) . فإذا تمسك الخصم ببطلان الحكم لغير هذه البيانات عليه أن يقيم الدليل على تخلف الغاية من هذا البيان عملا بالمادة المذكورة.

      فضلا عن أن الحكم باعتباره ورقة شكلية لا يقبل تكملة ما نقص فيه من بيانات بأي طريق من طرق الإثبات ، ولا يغني عن البيان الناقص إمكان معرفته من ورقة أخرى من أوراق الدعوى ولو كانت رسمية ، لأن الحكم يجب أن يكون دالا بذاته على استكمال شروط صحته فلا يقبل تكملة النقص في بياناته الجوهرية بأي دليل آخر غير مستمد منه.

      وعلى ذلك فإن عدم ذكر تاريخ إصدار الحكم ؛ أي تاريخ النطق به ؛ يرتب البطلان باعتباره من البيانات الجوهرية حيث من هذا التاريخ تسري كثير من الأحكام القانونية . أما إذا لم يتطابق تاريخ النطق بالحكم المذكور في نسخته الأصلية مع التاريخ المذكور في مسودة الحكم ؛ فإنه يمكن  تحديد التاريخ الصحيح للنطق بالحكم من محضر الجلسة التي نطق فيها بالحكم ، فتصح الإجراءات باعتبار ذلك مجرد خطأ مادي في المسودة أو في نسخة الحكم الأصلية . وفي حالة وجود خلاف بين ما هو مدون في نسخة الحكم الأصلية وما ورد في مسودته ، فإن العبرة بما ورد في مسودة الحكم ويعتبر ما ورد في أصل الحكم خطأ ماديا يصحح بالطريق الذي رسمه القانون ، لأن مسودة الحكم يوقع عليها جميع قضاة الهيئة فضلا عن تحريرها بخط أحدهم ، أما أصل الحكم فيحرره الكاتب ويراجعه رئيس الهيئة وعملهما توثيق ما ورد بالمسودة .

      أما عدم توقيع رئيس المحكمة على نسخة الحكم فإن هذا الحكم يعتبر معدوما ؛ فالحكم غير الموقع عليه من رئيس الجلسة لا يعد حكما ، بل ورقة تحمل بيانات لا قيمة قانونية لها لأن توقيع القاضي هو الذي يضفي عليه الصفة القانونية ،  ولا يلزم لإبطاله الطعن فيه أو رفع دعوى بطلب إبطاله ، بل يكفي أن ينكره المحكوم عليه عند التمسك به عليه ، ولكن إذا أمكن إجراء التوقيع فإن الإجراءات تصح وتزول حالة الانعدام .

      بينما لا يترتب البطلان على عدم ذكر اسم المحكمة التي أصدرت الحكم لأن المفروض أن المحكمة التي أصدرت الحكم هي التي أودع ملفه قلم المحكمة ،  أو رقم الدعوى التي صدر فيها أو الخطأ فيه، أو على بيان اسم كاتب الجلسة أو توقيعه، أو أن الحكم صدر بعد المداولة ، أو الخطأ في بيان اسم وكيل الخصم .

          وإذا ورد العيب في حكم أول درجة ، وطعن في هذا الحكم بالاستئناف ، فإن المحكمة الاستئنافية تعيد نظر الدعوى بصرف النظر عما شاب هذا الحكم من عيوب. فإذا أصدرت فيها حكما ، فالعبرة بهذا الحكم دون حكم أول درجة ، لذلك لا يجوز بعد صدور حكم ثاني درجة التمسك بعيب – أيا كان – ورد في حكم أول درجة .

الصور الرسمية للحكم

      تنص المادة 177 على أنه ” يجوز إعطاء صورة من نسخة الحكم الأصلية لمن يطلبها ولو لم يكن له شأن في الدعوى وذلك بعد دفع الرسم المستحق “. بينما تنص المادة 181 على أنه ” إذا كان الحكم واجب النفاذ يحق للمحكوم له الحصول على صورة تنفيذية من الحكم لأجل تنفيذه مختومة بخاتم المحكمة وموقعة من رئيس قلم المحكمة ” .

      أما المادة 182 فإنها تنص على أنه ” لا يجوز تسليم صورة تنفيذية ثانية للمحكوم له إلا في حالة التثبت من فقدان الصورة الأولى أو تلفها “.

      ويتبين من هذه النصوص أن المشرع فرق بين نوعين من صور الحكم :

      النوع الأول هو الصورة البسيطة ، وهي تعطى لمن يطلبها مقابل رسم معين ، ولو لم يكن للطالب شأن في الدعوى ، وهي لا تفيد إلا باعتبارها دليلا رسميا يثبت وجود الحكم . وهذه الصورة لا يوقع عليها رئيس الجلسة وإنما تختم بخاتم المحكمة ويوقع عليها رئيس قلم المحكمة.

      والنوع الثاني : الصورة التنفيذية ، وهي تزيد على الصورة البسيطة بكونها مذيلة بالصيغة التنفيذية . وهذه الصورة لا تسلم إلا للخصم الذي تضمن الحكم منفعة تعود عليه من تنفيذه ، ولا تسلم له إلا إذا كان الحكم جائزا تنفيذه ، سواء كان معجل التنفيذ ؛ أو اكتسب الدرجة القطعية . كما لا تعطى له إلا مرة واحدة حتى لا يتكرر تنفيذ الحكم . ولكن المشرع أجاز إعطاء صورة تنفيذية ثانية استثناء متى ثبت فقدان الصورة الأولى أو تلفها . وفي هذه الحالة فإن كاتب المحكمة لا يملك إعطاء صورة تنفيذية ثانية من تلقاء نفسه وبمطلق تقديره ، لأنه لا يملك تحقيق ضياع الصورة الأولى ولا اختصاص له في هذا الشأن ، بل على طالب الصورة التنفيذية الثانية الذي يدعي ضياع أو تلف الصورة الأولى أن يرفع طلبه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتفصل فيه بحضور جميع المحكوم عليهم لاحتمال سبق التنفيذ في مواجهة بعضهم بالصورة التنفيذية الأولى، وذلك بعد التثبت من ضياع الصورة أو تلفها فعلا  ، ويجوز إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات لأنها واقعة مادية .


(1) نقض مدني 50/2003 تاريخ 28/2/2004 ، نقض مدني 176/2004 تاريخ 29/1/2005 ، مجموعة المبادئ ج2 ص 229 . نقض مدني 10/2004 تاريخ 29/1/2004 ج 2 ص 219.

(1) نقض مدني 176/2004 تاريخ 29/1/2005 ج3 ص 251 ، نقض مدني 134/2006 تاريخ 12/9/2006  ج 2 ص 265.

(1) نقض مدني 10/2004 تاريخ 29/1/2004 ج 2 ص 219.

(1) نقض مدني 93/2008 تاريخ 29/12/2008  ج 4 ص 269.

(2) نقض مدني 201/2008 تاريخ 11/9/2008 ج 4 ص 582.