الفصل الثاني – الاستئناف

المطلب الثالث

الأحكام غير القابلة للاستئناف بصرف النظر عن النصاب

      قد يكون الحكم قابلاً للاستئناف وفق قاعدة النصاب، ومع ذلك لا يجوز الطعن فيه بالاستئناف إما بحكم القانون أو بإرادة المحكوم عليه.

      ونتكلم عن هاتين الحالتين فيما يأتي:

أولا: الأحكام غير القابلة الاستئناف بحكم القانون:

      تؤدى اعتبارات متعددة ترجع في معظمها إلى اعتبار الملاءمة الذي يتعلق في الواقع بالسياسة التشريعية، إلى تدخل المشرع في بعض الحالات لكي يمنع الطعن بالاستئناف في بعض الأحكام، رغم قابليتها حسب القواعد العامة للطعن فيها بهذا الطريق. من ذلك ما نصت عليه المادة (3/191) من أنه لا يقبل الطعن في الأحكام الصادرة بناء على اتفاق الخصوم. وكذلك عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة بناء على اليمين الحاسمة، سواء أكان الحكم مترتبا على حلفها أم ردها أم النكول عنها، وذلك للتوصل إلى إلغائه وبالتالي إلغاء اليمين والتخلص من آثاره. وذلك ما لم تكن الإجراءات الخاصة بتوجيه اليمين أو حلفها أو النكول عنها باطلة، أو كان ذات الحكم باطلا لسبب من الأسباب العامة، فهنا يجوز الطعن في الحكم وفق القواعد العامة. وكذلك إذا قضت محكمة الصلح بإحالة كل من الطلب الأصلي والطلب العارض على محكمة البداية ( م 40/2 أصول مدنية) ، والحكم الصادر بطلب رد الخبير (م 72 بينات) .

ثانيا: الأحكام غير القابلة للاستئناف بإرادة المحكوم عليه:

      ذكرنا سابقا أن قبول الحكم صراحة أو ضمنا من قبل المحكوم عليه بعد صدوره يحول دون الطعن فيه، وهي قاعدة تنطبق بالنسبة للاستئناف كما تنطبق على غيره من طرق الطعن(1).

      ولكن السؤال الذي يثور هنا هو هل يجوز التنازل عن الحق في الاستئناف قبل صدور الحكم، بحيث يجوز الاتفاق قبل بدء الخصومة، أو أثناء نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة على أن يكون حكمها نهائياً غير قابل للطعن فيه؟

      وللإجابة على هذا السؤال نجد أن الحق في الطعن في الحكم الصادر من محكمة أول درجة بالاستئناف، لا يتولد إلا من اللحظة التي يصدر فيها الحكم، وحيث إنه لا يجوز الاتفاق على النزول عن حق قبل ثبوته لصاحبه، فإنه لا يجوز الاتفاق على النزول عن الحق في الطعن بالاستئناف إلا بعد صدور الحكم ما لم يرد نص في القانون على خلاف ذلك.

          وقد كانت المادة 206 من قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى تنص على أنه إذا اتفق الفريقان على أن ترى دعواهما وتفصل في المحكمة البدائية دون أن يكون لأي منهما الحق في استئناف حكم تلك المحكمة لا يبقى لأي منهما الحق في استئناف الحكم الذي تصدره المحكمة البدائية فيها ) . وقد نقل المشرع الأردني نص المادة 206 المذكورة في المادة 177 من قانون أصول المحاكمات المدنية لسنة 1988، كما أن المشرع المصري قد نص في الفقرة الثانية من المادة (219) من قانون المرافعات على أنه “ويجوز الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى انتهائيا”. لذلك فإنه من الجائز في مصر وفق هذا النص اتفاق الطرفين على تنازل كل منهما عن حقه في الاستئناف ويعد هذا الاتفاق عقدا إجرائيا ملزما للجانبين مستندا إلى نص المادة (219) مرافعات، ولكن لا يجوز العكس، أي لا يجوز اتفاق الأطراف على استئناف حكم غير قابل للاستئناف وفقا لقاعدة النصاب أو بحكم القانون(1)، ويكون الاستئناف في هذه الحالة غير مقبول، وعدم القبول هذا يتعلق بالنظام العام.

غير أن المشرع الفلسطيني عدل عن هذا الاستثناء ولذلك  لم ينص قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد، على أي استثناء يجيز هذا التنازل، وبالتالي فإنه لا يجوز الاتفاق مسبقا على عدم قابلية حكم محكمة أول درجة للاستئناف، ويعد مثل هذا الاتفاق – إن وجد – غير ملزم بحيث يجوز لأي من طرفيه استئناف الحكم بالرغم من وجود هذا الاتفاق (1).

      ويشترط لسلامة هذا الاتفاق في القانونين الأردني والمصري :

  1. أن يكون الخصم حائزا لأهلية الصلح في موضوع النزاع، اي حائزا لأهلية التصرف.
  2. أن لا يكون موضوع النزاع متعلقا بالنظام العام، فالاتفاق على نهائية الحكم بما يفيد التنازل عن حق الطعن فيه بالاستئناف، يجب ألا يقيد صاحبه في حالات النظام العام، وبالتالي يكون له العدول عنه طالما أن ميعاد الطعن قائم.

      وينصب النزول مقدما عن الطعن في الحكم الصادر في الدعوى، على عدم التظلم من القضاء الموضوعي للمحكمة، ولذلك فإنه لا يتضمن التنازل عن التمسك بانعدام الحكم أو ببطلانه. فالبطلان يعتبر أمرا مستقلا عن الاتفاق الحاصل بين الخصوم باعتبار الحكم الابتدائي نهائيا، لذلك يجوز التمسك بهذا أو ذاك رغم التنازل، إعمالا للمادة 221 من قانون المرافعات المصري المقابلة للمادة 203 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني الجديد التي تجيز الطعن في الأحكام النهائية الصادرة من محاكم الدرجة الأولى متى كانت باطلة أو مبنية على إجراءات باطلة، لأنه لا يجوز الاتفاق مقدما على التنازل عن التمسك ببطلان الإجراءات إذ لا يؤمن معه التعسف، وإنما يجوز التنازل عن التمسك بالبطلان بعد حصول الإجراء الباطل لأنه يعد تنازلا عن التمسك بالجزاء بعد ثبوت الحق فيه، وهذا جائز ما لم يكن الجزاء متعلقا بالنظام العام.


(1) يرجع لما سبق صفحة 635.

(1) د. وجدي راغب، الموجز في مبادئ القضاء المدني، صفحة 500.

(1) ) وكذلك لا يجوز قبل إقامة الدعوى التنازل عن حق الاستئناف في القانون اللبناني . د. أحمد هندي ص 392.