الفصل الثاني – الاستئناف

الفرع الرابع

عدم جواز إبداء طلبات جديدة في الاستئناف

      تنص المادة (1/221) على أنه “لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف وتحكم المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبولها”.

      وعلة هذا النص أن تقديم طلب جديد في الاستئناف يفوت على الخصوم درجة من درجات التقاضي، حيث يحول المحكمة الاستئنافية إلى محكمة أول درجة، وبذلك يفقد الاستئناف فاعليته في تشغيل مبدأ التقاضي على درجتين. فضلا عن مخالفة ذلك لقواعد الاختصاص النوعي التي توجب تقديم الطلبات الجديدة لمحكمة أول درجة ولذا تعد هذه القاعدة من النظام العام وتحكم المحكمة بعدم قبول الطلبات الجديدة من تلقاء نفسها.

      ولم يعرف المشرع الطلب الجديد الذي يحظر تقديمه في الاستئناف، لذلك يرجع في تعريفه إلى القواعد العامة، والتي يعد الطلب جديدا وفقا لها إذا اختلف مع الطلب الأصلي في أي عنصر من عناصره الثلاثة، أطرافه سواء من حيث الأشخاص أم الصفات، أو محله (موضوعه)، أو سببه.

      ولما كان موضوع الطلب القضائي يتحدد بمجموع ادعاءات الخصوم، وهي تتحدد بالطلبات المفتتحة للخصومة والطلبات التي تتخذ ردا عليها، فإنه يمكن القول إن الطلب الجديد هو الطلب الذي لم يسبق طرحه على محكمة أول درجة، ولم يصدر فيه حكم، ولم يحدث، في الغالب، طعن فيه بالاستئناف.

      ويناط بالمحكمة الاستئنافية سلطة تقدير ما إذا كان الطلب المقدم إليها يعد جديدا أو سبق طرحه على محكمة أول درجة، وذلك من خلال قيامها بمقارنة عناصر ذلك الطلب بعناصر الطلب الأصلي. وهذا التقدير يدخل في نظام السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.

أولا: الطلبات الجديدة بأطرافها:

      يعد الطلب جديدا إذا انطوى على تغيير لأطراف خصومة الدرجة الأولى، سواء من حيث أشخاصهم، بأن قدم من شخص لم يكن موجودا في خصومة أول درجة؛ أو في مواجهة شخص لم يكن طرفا في تلك الخصومة. أم من حيث صفاتهم، لأن تغيير صفة أحد الخصوم في الاستئناف عن الصفة التي كان متصفا بها في أول درجة يتساوى مع تغيير الشخص ذاته؛ ويؤدي إلى عدم قبوله باعتباره طلبا جديدا.

      وعلى ذلك إذا رفع شخص دعوى بصفته الشخصية، فلا يجوز له في الاستئناف أن يترافع بصفته ناظر وقف، أو يترافع باسم شخص آخر بصفته وليا أو وصيا عليه. وكذلك الحال إذا كان الاستئناف مقدما من شخص لم يكن طرفا أو ممثلا أمام محكمة أول درجة، أو قدم من طرف سبق تمثيله أمام محكمة أول درجة، ولكن هذا الطلب الأخير قدم من هذا الشخص بصفة تختلف عن الصفة التي ظهر بها أمام محكمة أول درجة.

ثانيا: الطلبات الجديدة بموضوعها:

      لا تنظر المحكمة الاستئنافية سوى في نزاع سبق طرحه على محكمة أول درجة وأصدرت فيه حكما، فهي تنظر نفس القضية التي سبق أن نظرها قاضي أول درجة. وطرح طلبات جديدة بموضوعها يخالف مبدأ التقاضي على درجتين ويتعارض مع الأثر الناقل للاستئناف.

      ويقصد بموضوع الطلب – كما بينا سابقا – الشيء المطالب به أمام القضاء، وهو يتكون من عنصرين:

الأول: عنصر قانوني وهو أي حق من الحقوق المقررة بواسطة القانون والذي يتمسك به الخصم مطالبا القضاء بالاعتراف له به وهو الحق أو المنفعة التي تمسك بها الشخص أمام القضاء.

والثاني: عنصر مادي، أي محل الحق المطالب به وهذا يتكون في معظم الحالات من شيء بالمعنى العام لهذه الكلمة وهو الشيء المتنازع عليه أو المطالب به والذي يمثل موضوع الخصومة، سواء كان شيئا ماديا أم معنويا يمكن ترجمته صياغة إلى شيء محسوس كتعويض نقدي، كما في دعوى التعويض عن الضرر الأدبي.

      ويعد الطلب جديدا إذا اختلف مع الطلب الأصلي في أي من عنصري موضوعه، لذلك فهو يعد جديدا في حالتين:

الحالة الأولى: إذا طالب الخصم بنفس الحق على شيء مختلف، كما لو طالب في أول درجة بحق الملكية على البناء، وفي الاستئناف طالب بملكية الأرض.

الحالة الثانية: إذا طالب بحق مختلف على نفس الشيء، وذلك في حالة إبدال حق بآخر من درجة لأخرى، مثل تغيير موضوع الطلب من حق ملكية إلى حق ارتفاق أو العكس، وتغيير طلب فسخ العقد في أول درجة إلى طلب بطلان ذلك العقد في الاستئناف أو إلى صحة العقد ونفاذه.

      وعلى العكس لا يعد الطلب جديدا، بالرغم من اختلاف موضوعه عن موضوع الطلب الأصلي، إذا طالب الشخص بالتنفيذ بطريقة التعويض بدلا من التنفيذ العيني. كما أن إنقاص الطلب الأصلي أمام محكمة الاستئناف لا يعد طلبا جديدا.

ثالثا: الطلبات الجديدة بسببها:

      إذا اختلف سبب الطلب في الاستئناف عن سبب الطلب الأصلي يعد طلبا جديدا؛ ويجب على المحكمة الاستئنافية أن تحكم بعدم قبوله أسوة بالطلبات الجديدة بأطرافها وموضوعها.

      فمن طالب بإخلاء المأجور لعدم دفع الأجرة أمام أول درجة، لا يجوز أن يطالب في الاستئناف بالإخلاء لسبب آخر من أسباب الإخلاء الجائزة، كالإضرار بالمأجور، أو التنازل عن المأجور للغير.(1)

الاستثناء: جواز تقديم طلبات جديدة في حالات معينة

      بعد أن قررت الفقرة الأولى من المادة (221) القاعدة العامة بعدم تقديم طلبات جديدة في الاستئناف، أجازت الفقرة الثانية من هذه المادة تقديم بعض الطلبات الجديدة استثناء من هذه القاعدة العامة، وهذه الاستثناءات هي:

  1. طلب الأجور والمرتبات وسائر الملحقات التي تستحق بعد تقديم الطلبات الختامية أمام محكمة الدرجة الأولى،

      وتشمل الملحقات المذكورة الثمار والفوائد المستحقة بعد تقديم الطلبات الختامية. فلا يجوز أن يطرح لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية طلب ثمار أو فوائد أو ملحقات أخرى مستحقه قبل هذا.

      ويشترط أن تكون هذه الملحقات قد طلبت أمام محكمة الدرجة الأولى، وأن يكون ما يطلب منها أمام محكمة الدرجة الثانية هو ما استجد بعد تقديم الطلبات الختامية أمام محكمة الدرجة الأولى، ولو استحقت قبل صدور الحكم المطعون فيه بالاستئناف ، ما دامت قد استحقت بعد تقديم الطلبات الختامية لدى محكمة الدرجة الأولى.

      ويبرر هذا الاستثناء أن هذه الطلبات كان يتعذر طلبها أمام محكمة أول درجة لعدم استحقاقها بعد وهي في الواقع لا تمثل طلبا جديدا بقدر ما تمثل نموا لاحقا للطلب الأصلي، فهي طلبات كانت كامنة في الطلب الأصلي وتعتبر تابعة له ولذلك ليس من المقبول إلزام الخصم بالرجوع إلى محكمة أول درجة لكي يطلبها أمامها، لأن ذلك يخالف مبدأ الاقتصاد في النفقات. والواقع أيضا أن محل الطلب الخاص بالملحقات لا يختلف في موضوعه أمام محكمة الاستئناف عن الطلب الأصلي.

      ويقتصر الاستثناء على الملحقات التي تستحق بعد تقديم الطلبات الختامية أمام محكمة أول درجة باعتبار الثمار والفوائد في رأي البعض من ملحقات الشيء الأصلي، فلا تشكل تعديلا أو تغييرا في الموضوع، بل تعد امتدادا للشيء السابق طلبه. أو باعتبارها في رأي آخرين متصلة بذات الشيء المطلوب وتعد إضافتها إليه أمرا طبيعيا وخارجا عن إرادة الخصوم.

  • طلب ما يزيد من التعويضات بعد تقديم الطلبات الختامية:

      أجاز النص لكل من ناله ضرر، وكان مضمون الطلب الأصلي التعويض عن هذا الضرر، أن يطلب في الاستئناف زيادة مبلغ التعويض على المبلغ المطلوب من محكمة أول درجة، إذا تفاقم الضرر عما كان عليه أمام قاضي أول درجة. فكلما كان الضرر متغيرا تعين على القاضي النظر فيه، لا كما كان عندما وقع بل كما صار إليه عند الحكم. فهذه الزيادة لا ترجع لإرادة الأطراف بل هي تستند على ذات السبب الذي استند إليه الطلب الأصلي، وموضوعها هو الموضوع الذي سبق طرحه أمام محكمة أول درجة.

      ويشترط لقبول الطلب الجديد بزيادة التعويض أن يكون عن نفس الواقعة المطلوب التعويض عنها أمام محكمة أول درجه، أما إذا كان طلب التعويض يستند إلى واقعة جديدة فإنه يكون غير مقبول. كما يلزم أن يقدم الخصم ما يبرر طلب هذه الزيادة عما ورد في طلباته الختامية أمام أول درجة.

  • طلب الحكم بالتعويض عن الاستئناف الكيدي:

      نصت على هذا الاستثناء الفقرة الثالثة من المادة (221) بقولها “يجوز للمحكمة أن تحكم بالتعويضات إذا كان الاستئناف قد قصد به الكيد”.

      وعلى ذلك يجوز للمستأنف عليه أن يطلب من المحكمة الاستئنافية الحكم له بالتعويض عن رفع الاستئناف إذا كان يقصد الكيد، وهذا النص مستحدث لأول مرة في القانون الجديد، علما بأنه ليس سوى تطبيق للقواعد العامة في المسؤولية، وهو يقتصر على رفع الاستئناف الكيدي . وليس لمحكمة الاستئناف أن تقضي بالتعويض عن الاستئناف الكيدي من تلقاء ذاتها، وإنما يجب أن يطلب الخصم ذلك.

      ويعد هذا الطلب جديدا بسببه وموضوعه وهو طلب لم يكن من المتصور طرحه أمام محكمة أول درجة، لأن الضرر المطلوب التعويض عنه لم يحدث إلا بسبب الطعن بالاستئناف في الحكم الصادر من محكمة أول درجة. وهو يعد طلبا مرتبطا بالطلب الأصلي المطروح أمام محكمة الاستئناف. ففكرة الارتباط هي التي تبرر طرح هذه الطلبات لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية، ولا بد أن يبنى طلب التعويض على أساس رفع الاستئناف الكيدي سواء كان الاستئناف أصليا أم مقابلا.

ويقع عبء إثبات الكيد على المستأنف عليه الذي يطالب بالتعويض، ومجرد إبداء المستأنف أسبابا للاستئناف يخفق في إثبات صحتها لا يدل بذاته على أنه قد قصد بالاستئناف الكيد. وتقدير الكيد يترك لتقدير المحكمة المطلق، تستخلصه من ظروف كل حالة بحيث إذا كان للمستأنف ذريعة تبرر تقديم الاستئناف ، أو كانت على الأقل شبهة تسوغ مسلكه، فلا مؤاخذة عليه. وعلى المحكمة بيان الأسس التي اعتمدتها في حكمها لإثبات الكيد ، فإذا حكمت بالتعويض دون بيان الأسس يكون حكمها حريا بالنقض.(1)

          وإذا تعدد من وجه الاستئناف الكيدي، جاز الحكم عليهم جميعا بالتعويض عملا بالقواعد العامة في القانون المدني.


(1) وفق المادة 235/2 من قانون المرافعات المصري يجوز في الاستئناف مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله ، تغيير سببه والإضافة إليه ، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون أن المشرع نص على ذلك لصعوبة التمييز بين ما يعد سببا وما يعد وسيلة دفاع وتوفيرا للإجراءات والاقتصاد في الإجراءات . ولا يوجد نص مماثل عندنا

(1) نقض مدني 94/2004 تاريخ 5/7/2004 ج 1 ص 244.