الفصل الثاني – التجار

نتكلم في هذا الموضوع عن تعريف التاجر ، ثم نبين الآثار القانونية المترتبة على اكتسابه لهذه الصفة في مبحثين على التوالي .

المبحث الأول

تعريف التاجر

تنص المادة 9/1 من قانون التجارة على أن : ” التجار هم :

  1. الأشخاص الذين تكون مهنتهم القيام بأعمال تجارية .
  2. الشركات التي يكون موضوعها تجاريا ” .

ويتضح من هذا النص أن تعريف التاجر يرتبط بالعمل الذي يباشره ، ويلزم أن يكون الشخص أهلا لمباشرة التجارة لأن التجارة من أعمال التصرف .

وعلى ذلك يشترط لاكتساب صفة التاجر شرطان :

الشرط الأول : احتراف الأعمال التجارية .

الشرط الثاني : الأهلية التجارية .

الشرط الأول

احتراف الأعمال التجارية

احتراف القيام بالأعمال التجارية معناه ممارسة هذه الأعمال بصورة مستمرة ومنتظمة وعلى سبيل الاستقلال بقصد الارتزاق منها .

ويتضح من هذا التعريف أن لاحتراف القيام بالأعمال التجارية عناصر أربعة هي :

  1. تكرار القيام بالعمل بشكل منتظم ، فلا يكفي القيام بالعمل عرضا كما لو قام مزارع بشراء محصول جاره في موسم معين بقصد بيعه وتحقيق ربح من فروق الأسعار .

لكن لا يشترط أن يكون احتراف التجارة هو النشاط الوحيد للشخص ، بل يعد الشخص تاجرا متى احترف التجارة وإن تعاطى عملا آخر غير تجاري . ويشترط في ذلك أن يكون العمل التجاري مستقلا أي غير تابع للنشاط المدني.

ولم يشترط القانون تكرار العمل عددا معينا من المرات ليتحقق منها الاحتراف لذلك يكفي أن يكون التكرار كافيا للدلالة على اعتماد الشخص على هذا العمل في رزقه ولو قام به مرات قليلة نتيجة لطبيعة التجارة التي يقوم بها ، كشراء الأقطان في المواسم .

كما لا يشترط أن يمارس التاجر عمله في محل تجاري ، بل يكتسب صفة التاجر البائع المتجول ، وكذلك البائع الذي يعرض بضاعته على الرصيف .

وعلى الرغم من أن الاحتراف الفعلي شرط أساس لاعتبار الشخص تاجرا ، إلا أن المشرع حماية للظاهر اعتبر تاجرا الشخص الذي ظهر للناس بهذه الصفة وإن لم يتخذ التجارة مهنة مألوفة له ، فنص في المادة 11 من قانون التجارة على أن ” كل من أعلن في الصحف أو النشرات أو أية واسطة أخرى عن المحل الذي أسسه وفتحه للاشتغال بالأعمال التجارية يعد تاجرا وإن لم يتخذ التجارة مهنة مألوفة له “.

  1. مباشرة الأعمال التجارية على سبيل الاستقلال .

ومعنى ذلك أن يقوم الشخص بالأعمال التجارية لحسابه الخاص، بحيث يتحمل نتائجه فتعود عليه الأرباح ويتحمل الخسائر، وتكون مسؤوليته شاملة جميع أمواله.

أما إذا كان تابعا لغيره مرتبطا معه بعقد استخدام كمدير الشركة والموظفين والعمال وربان السفينة ، فإنه لا يعد تاجرا لقيامه بالعمل باسم ولحساب رب العمل حتى ولو كان يتقاضى نسبة من الأرباح .

وقد يقوم شخص باحتراف الأعمال التجارية مستترا وراء شخص آخر أو مستخدما اسمه إذا كان غير قادر على تعاطي التجارة ، أو ممنوعا من احترافها بمقتضى القانون ، أو كانت له مصلحة من هذا الاستتار .

فمن هو الشخص الذي تلحقه صفة التاجر في هذه الحالة .

الشخص الظاهر يكتسب صفة التاجر ويتحمل النتائج المترتبة على محترفي التجارة حماية للوضع الظاهر الذي تقوم عليه التجارة . رغم أنه لا يقوم بالعمل لمصلحته الشخصية ولا يتمتع بالاستقلال .

أما الشخص المستتر ، فقد اختلف الفقه بشأنه ، فذهب رأي إلى عدم ثبوت صفة التاجر بالنسبة له لأن الغير لم يعتمد في تعامله إلا على الشخص الظاهر وحده “.

بينما ذهب رأي آخر إلى أن الشخص المستور يعد تاجرا طالما أنه صاحب المشروع الحقيقي وهو الذي يجني الربح ويتحمل الخسارة . وهو الرأي الذي نفضله .

  1. الاحتراف هو وسيلة التاجر للارتزاق والعيش .

يشترط لاكتساب صفة التاجر أن يكون احتراف القيام بالعمل التجاري هو وسيلة الشخص للارتزاق والعيش ، أو على الأقل أحد وسائله في ذلك .

ومتى توفرت نية الارتزاق اعتبر الشخص تاجرا ولو لم يوفق في عمله ولم يتحقق الربح المأمول ، أو حتى مني بخسارة .

ولا عبرة بمقدار الرزق ، فلا فرق في ذلك بين التاجر الكبير والتاجر الصغير مهما تضاءلت موارده ، كالبائع الجوال أو على الرصيف .

  1. أن ينصب الاحتراف على عمل من الأعمال التجارية الواردة في المادتين 6 و 7 من قانون التجارة أو أي عمل مشابه لهذه الأعمال . على أن يكون هذا العمل مشروعا ، فلا يكتسب صفة التاجر من يحترف تجارة المخدرات أو إدارة ناد للعب القمار .

بداية الاحتراف ونهايته :

يبدأ الاحتراف منذ أول يوم يقوم فيه الشخص بعمل داخل في مهنته الجديدة أو متعلقا بها ، كاستئجار دكان أو شراء أثاث أو استخدام عمال .

وينتهي الاحتراف بالتوقف عن ممارسة التجارة نهائيا بقصد اعتزالها . أو بوفاة التاجر . ولا تنتقل صفة التاجر إلى الورثة لأنها لاصقة بالشخص .

مزاولة الدولة والأشخاص المعنوية العامة للتجارة :

يجوز أن تمارس الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة نشاطا تجاريا لسد حاجاتها الخاصة، أو لضمان حسن تنظيم المرفق ، أو لأي سبب آخر .

مثال ذلك احتكار الدولة البريد والهاتف ، وقيام البلديات بتزويد المواطنين بالمياه والكهرباء ، وإنشاء مؤسسة للنقل العام .

وقد نصت المادة 13 من قانون التجارة على أن هذه الأعمال تكون خاضعة لأحكام قانون التجارة. ولكن الدولة أو الشخص العام لا يكتسب صفة التاجر لأن هذه الصفة تتنافى وطبيعة هذه المؤسسات العامة .

الشرط الثاني

الأهلية التجارية

وقد تكلمنا عن ذلك في نظرية الحق فنحيل إليه . ويكفي أن نشير إلى موضوع حظر مباشرة التجارة .

فقد يقصر المشرع احتراف مهنة معينة على شخص أو فئة تتوفر فيهم شروط خاصة كما في مهنة الصيدلة فلا يجوز لغيرهم ممارستها .

كما قد يمنع القانون بعض الأشخاص من احتراف التجارة بالنظر للوظيفة التي يشغلونها أو المهنة التي يزاولونها حرصا على سمعة الوظيفة وما يجب أن يتوفر في شاغلها من استقلال وثقة . مثل القضاة والمحامين وموظفي الدولة .

غير أن هذا المنع يقتصر على الأشخاص الممنوعين بموجب القانون فقط ، فلا يشمل أولادهم وأزواجهم .

فإذا خالف القضاة والموظفون هذا المنع يخضعوا للصلح الواقي والإفلاس حماية للغير حسن النية ، ولكنهم لا يكتسبون صفة التاجر ولا يستفيدون من هذه الصفة .

أما المحامي فيكتسب صفة التاجر ولكن يتعرض لعقوبة تأديبية ربما تصل إلى شطب اسمه من سجل المحامين .