الفصل الثاني – الحساب الجاري

المبحث الثالث

آثار القيد في الحساب الجاري

نصت المادة 111 من قانون التجارة على:

  1. إن الديون المترتبة لأحد الفريقين إذا أدخلت في الحساب الجاري فقدت صفاتها الخاصة وكيانها الذاتي فلا تكون بعد ذلك قابلة على حدة للوفاء ولا للمقاصة ولا للمداعاة ولا لإحدى طرق التنفيذ ولا للسقوط منفردة بالتقادم.
  2. وتزول التأمينات الشخصية أو العينية المتصلة بالديون التي أدخلت في الحساب الجاري ما لم يكن اتفاق مخالف بين الفريقين.

ويستفاد من هذا النص أمران:

  1. تحول المدفوعات إلى عنصر من عناصر الحساب، أو مفردا من مفرداته.
  2. عدم قابلية الحساب الجاري للتجزئة.

أولا: تحول المدفوعات.

يقصد بذلك أن كل دفعة تدخل الحساب تصبح عنصرا من عناصره – الإيجابية أو السلبية – وتفقد صفتها الأصلية التي ترافقها، فقد تكون الدفعة وفاء لدين؛ أو ثمنا لبضاعة مشتراة؛ أو بدل إيجار عقار؛ أو سحب مبلغ من اعتماد مفتوح …. الخ، وينظر لكل دفعة – مهما كان منشؤها – باعتبارها عنصرا عاديا في الحساب لا أكثر ولا أقل.

وتصبح هذه الدفعات؛ بمجرد استلامها؛ ملكا للمستلم يستطيع التصرف فيها كما يتصرف في سائر أمواله الخاصة الأخرى؛ دون أن يعتبر مسيئا للائتمان. وقد أوضحت المادة 106 من قانون التجارة هذا المفهوم بقولها ” …. دون أن يكون لأي منهما حق مطالبة الآخر بما سلمه له بكل دفعة على حدة …”.

وخير مثال يوضح مفهوم اعتبار المدفوع عنصرا في الحساب حالة قيام أحد المصارف بفتح اعتماد مالي لعميله. فقد يكون هذا الاعتماد مقترنا بحساب عادي أو بحساب جار.

  1. فتح اعتماد مالي في حساب عادي:

فتح الاعتماد هو عقد بين المصرف والعميل؛ يلتزم بمقتضاه المصرف بأن يضع تحت تصرف العميل مبلغا معينا من النقود لأجل معين.

فإذا فتح أحد المصارف اعتمادا لشخص ما (ولم يقيد هذا الاعتماد في حساب جار) فإن ما يتسلمه المعتمد له (العميل) وما يدفعه يحسبان على أساس الاعتماد المفتوح. فإذا كان مبلغ الاعتماد 1000 دينار مثلا، وأخذ العميل منه 500 دينار، ثم سدد مبلغ 450 دينار، فإن هذا التسديد يعتبر وفاء جزئيا للدين يخصم من مبلغ الاعتماد؛ ولا يحق لصاحب الاعتماد -بعد أن كان أخذ 500 دينار – أن يأخذ أكثر من ال500 دينار الباقية.

  1. فتح اعتماد مالي في حساب جار:

إذا وضع الاعتماد في حساب جار، فإن المبلغ المدفوع يعتبر عنصرا في الحساب ويفقد صفته كقرض، كما أن ما يسدده العميل من جانبه يعد عنصرا في الحساب أيضا، أي أن مبلغ ال450 دينار الذي أعاده العميل للمصرف في المثال السابق لا يعتبر وفاء بدين؛ وإنما يقيد بندا في الحساب؛ ويكون للعميل أن يسحب من المصرف في حدود قيمة الاعتماد البالغة 1000 دينار، بحيث يكون باستطاعة هذا العميل أن يأخذ من المصرف من الاعتماد المفتوح له مبلغ 950 دينارا، لأن المقاصة التي جرت بين مختلف الدفعات تركت لصالحه رصيدا بهذا المقدار.

ثانيا: عدم قابلية الحساب للتجزئة.

نصت المادة 112 من قانون التجارة على أنه:

  1. لا يعد أحد الفريقين دائنا أو مدينا للفريق الآخر قبل ختام الحساب الجاري.
  2. إن إيقاف هذا الحساب هو وحده الذي يحدد العلاقات القانونية بين الطرفين وهو الذي تنشأ عنه حتما المقاصة الجماعية لجميع بنود الحساب من تسليف واستلاف وهو الذي يعين الدائن والمدين. (13)

ويفيد هذا النص أن الحساب الجاري بجميع عناصره أو مفرداته يعد وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة، حيث تندمج هذه العناصر وتمتزج ببعضها وينشأ عن هذا الاندماج دين واحد هو دين الرصيد الذي يستخلص عند قفل الحساب، حيث تسوى المدفوعات المدرجة في الحساب بعملية مقاصة واحدة، وذلك بخصم المبلغ الأقل من المبلغ الأكبر، وبذلك يبين الرصيد مركز كل من الطرفين بالنسبة للآخر، فقد يكون العميل دائنا للمصرف بمبلغ الرصيد، وقد يكون المصرف هو الدائن للعميل بهذا الرصيد، حسب الأحوال.

وهذا المبدأ يعد من الآثار الهامة التي تترتب على قيد المدفوعات في الحساب الجاري، وتتفرع عنه نتائج قانونية هامة بينتها المادة 111 من قانون التجارة. غير أن العمل جرى على تقرير بعض الاستثناءات من هذا المبدأ أضعفت من شأنه.

نتائج مبدأ عدم التجزئة:

  1. لا يجوز لأحد طرفي الحساب أثناء فترة تشغيله اقتطاع أحد مفرداته المدرجة فيه ليطالب به على حدة، وإنما عليه أن ينتظر إلى حين قفل الحساب واستخراج الرصيد، فيكون لمن كان الرصيد دائنا بالنسبة له حق المطالبة به.(14)
  2. لا يجوز إجراء المقاصة بين إحدى الدفعات التي قدمها أحد الفريقين للآخر وبين دين آخر عليه خلال فترة تشغيل الحساب، لأن المقاصة عملية وفاء واستيفاء وهذه العملية لا يمكن إجراؤها إلا مرة واحدة لكل المدفوعات عند غلق الحساب.
  3. لا يجوز لأحد الطرفين أن يقاضي آخر من أجل بند مقيد في الحساب بصورة منفردة، وإنما تجري المقاضاة على رصيد الحساب بعد انتهائه.
  4. تنقطع الفوائد التي كانت ترافق أحد الديون من تاريخ قيده في الحساب، ليحل محلها فائدة جديدة بالمعدل الذي اتفق عليه الطرفان في عقد فتح الحساب الجاري.
  5. لا يسري التقادم على أحد عناصر الحساب الجاري بصورة مستقلة؛ طالما كان تشغيل الحساب مستمرا، لأن التقادم لا يتناول سوى الرصيد بعد استحقاقه. فإذا كان لأحد طرفي الحساب دين عند الآخر منذ سبع سنوات مثلا، ثم قيد هذا الدين باتفاقهما في الحساب الجاري القائم بينهما، فإن هذا القيد يعطي الدين المذكور صفة جديدة يبدأ معها سريان تقادم جديد يشمل عناصر الحساب – بما فيها الدين – ابتداء من يوم قفل الحساب.
  6. زوال التأمينات الشخصية أو العينية المتصلة بالديون التي تدخل في الحساب الجاري، ما لم يكن هناك اتفاق مخالف بين الفريقين.
  7. عدم جواز الحجز على مفرد من مفردات الحساب أثناء تشغيله، لذلك لا يجوز لدائن العميل أن يتخذ إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير على دفعة لمدينه أدرجت في الحساب. بل يقطع الحساب مؤقتا لمعرفة الرصيد وما إذا كان دائنا لصالح العميل فيجمده لنتيجة قرار المحكمة؛ إما برفع الحجز وبالتالي يستمر الحساب، أو بصحة الحجز والوفاء بقيمة الرصيد إلى الدائن. أما إذا كان الرصيد في صالح المصرف فإن الحجز يكون غير ذي موضوع.

الاستثناءات من مبدأ عدم التجزئة:

يرد على مبدأ عدم تجزئة الحساب الجاري استثناءان:

الأول: وقف الحساب الجاري مؤقتا أثناء سيره وإجراء موازنة دورية واستخراج الرصيد المؤقت أثناء تشغيل الحساب، ويجوز لصاحب هذا الرصيد المؤقت التصرف فيه متى كان دائنا. ونفصل في هذا الوقف لاحقا.

الثاني: الحجز على الرصيد الدائن المؤقت، حيث يجوز لدائن العميل صاحب الحساب الجاري توقيع الحجز تحت يد المصرف على رصيد مدينه الدائن وقت توقيع الحجز. وفي هذه الحالة يجري المصرف المفتوح لديه الحساب وقفا مؤقتا للحساب للكشف عن مركز المحجوز عليه وقت توقيع الحجز، ويبلغ المحكمة بهذا الرصيد، ولا يكون للحجز أثر إلا إذا كان الرصيد المؤقت دائنا بالنسبة للعميل المطلوب الحجز على رصيده، حيث يعلق المصرف التعامل في الحساب حتى يتم الفصل في الدعوى فلا يجوز للعميل سحب أي مبلغ من الرصيد المحجوز، ولا يمكن تغيير قيمة ذلك الرصيد من خلال قيد عمليات لاحقة لتاريخ الحجز سواء من قبل العميل أو المصرف.

وفي ذلك نصت المادة 405 من المشروع على أنه (يجوز لدائن أحد طرفي الحساب الجاري توقيع الحجز أثناء سير الحساب على الرصيد الدائن لمدينه وقت توقيع الحجز، وفي هذه الحالة يجري الطرف المفتوح لديه الحساب ميزانا مؤقتا للحساب للكشف عن مركز المحجوز عليه وقت توقيع الحجز).

غير أن أثر الحجز لا يشمل سوى الرصيد الذي ظهر لحظة الوقف المؤقت ولا يمتد إلى رصيد العميل الدائن اللاحق لتوقيع الحجز، مثال ذلك لو أعطى العميل للمصرف ورقة تجارية لتحصيلها فالدفعة الناتجة عن الورقة لا تدخل في نطاق الحجز. (15)

المبحث الرابع

وقف الحساب الجاري وقفله

نظم قانون التجارة أحكام وقف الحساب الجاري وقفله في المادتين 113 و114 منه.

أولا: وقف الحساب الجاري.

نصت المادة 113 من قانون التجارة على أنه: (16)

  1. يوقف الحساب ويصفى في آجال الاستحقاق المعينة بمقتضى العقد أو بحسب العرف المحلي وإلا ففي نهاية كل ستة أشهر.
  2. ويؤلف الرصيد الباقي دينا صافيا مستحق الأداء ينتج ابتداء من يوم التصفية فائدة بالمعدل المعين في الحساب الجاري إذا نقل هذا الرصيد إلى حساب جديد وإلا فبالمعدل القانوني.

وبناء على هذا النص:

  1. تقوم المصارف بوقف الحساب مؤقتا في مواعيد دورية معينة لتحديد رصيده المؤقت، وترسل كشفا بذلك للعميل يتضمن بندا يفيد أن عدم اعتراضه عليه خلال مدة معينة يفيد موافقته عليه.
  2. يظهر الوقف المؤقت للحساب الجاري رصيده بتاريخ الوقف لكي ينتج من هذا التاريخ فوائد لمصلحة الطرف الدائن في الحساب بالسعر المتفق عليه في عقد الحساب إذا نقل هذا الرصيد إلى حساب جديد مهما كان نوعه؛ وإلا حسبت الفائدة بالمعدل القانوني.
  3. غير أن إيقاف الحساب لا يعني انتهاءه؛ ولا يؤدي إلى أية نتيجة من نتائج الانتهاء. فإذا كان الرصيد المؤقت مدينا؛ فإن ذلك لا يعطي المصرف حق التنفيذ على الضمانات التي قدمها له العميل لضمان وفاء الرصيد النهائي، لأن الضمانة تكون لصالح الرصيد النهائي لا للرصيد المؤقت. وإذا كان الحساب مفتوحا باسم شركة تضامن؛ وانسحب أحد الشركاء منها، لا يجوز للمصرف مطالبة الشريك المنسحب برصيد الحساب إذا كان هذا الرصيد المؤقت مدينا بتاريخ انسحابه؛ إلا إذا اتفق على ذلك.
  4. أن الرصيد المؤقت يكون مستحق الأداء بناء على طلب العميل إذا كان دائنا لهذا الرصيد بتاريخ الوقف.

وقد جرى العمل على ترتيب نتائج قانونية على الرصيد المؤقت أثناء تشغيله وقبل قفله بصورة نهائية على النحو التالي:

  1. إن سحب شيكات على الحساب – قبل إيقافه – هو خروج على مبدأ عدم تجزئة الحساب الجاري؛ لأن تعيين صفة الدائن والمدين لا يكون إلا بعد إيقاف الحساب؛ وإن سحب الشيك يعني حتما وجود مقابل وفاء له، أي كون الساحب دائنا.
  2. إذا كان الرصيد المؤقت دائنا بالنسبة للمصرف، جاز له الطعن في تصرفات عميله المدين بدعوى عدم نفاذ تصرفاته متى تحققت شروطها.
  3. إذا كان أحد طرفي الحساب شركة، وجب قيد الرصيد المؤقت في ميزانيتها في جانب الأصول إذا كان الرصيد دائنا بالنسبة للشركة؛ وفي جانب الخصوم إذا كان الرصيد مدينا بالنسبة لها، نظرا لأهمية هذا القيد في تحديد أرباح الشركة الصافية للسنة المالية المنتهية، رغم أن هذا الحساب لم يوقف بعد.
  4. قيد الدين في الحساب لا يسقط ما للطرفين من حقوق بشأن العقود والمعاملات التي نشأت عنها تلك المفردات، فإذا تقرر إبطال هذه المعاملات وبالتالي إبطال الدين الناشئ عنها، وجب إلغاء القيد لهذا الدين أو تخفيضه وتعديل الحساب تبعا لذلك. وفي ذلك نصت المادة 395 من المشروع على أن (قيد الدين في الحساب لا يحول دون استعمال الحقوق المتعلقة بالعملية المنشئة لهذا الدين).
  5. يعد قيد الورقة التجارية المظهرة للمصرف تظهيرا ناقلا للملكية صحيحا، على أن لا يحتسب بدلها إذا لم يدفع عند الاستحقاق. ويجوز إعادتها لصاحبها وإلغاء قيدها بإجراء قيد عكسي بقيمة معادلة لقيمة الورقة التجارية؛ مضافا إليها حق المصرف في المصاريف.

ثانيا: قفل الحساب الجاري.

يقصد بقفل الحساب الجاري، وقف تشغيله بصورة نهائية بغرض تسوية مفرداته تسوية إجمالية لاستخراج الرصيد. ويطلق على قفل الحساب أيضا اسم (غلق الحساب) تمييزا له عن الوقف المؤقت للحساب.

وقد نصت المادة 114 من قانون التجارة على أنه ” ينتهي العقد في الوقت المعين بمقتضى الاتفاق وإن لم يتفق على الأجل ينتهي العقد بحسب إرادة أحد الفريقين وينتهي أيضا بوفاة أحدهم أو بفقدانه الأهلية أو بإفلاسه “. (17)

يتبين من هذا النص أنه إذا كان عقد الحساب الجاري محدد المدة، فإن الحساب يظل مفتوحا طوال المدة المتفق عليها؛ ولا يجوز لأحد الطرفين قفله قبل انقضاء هذه المدة إلا بموافقة الطرف الآخر، ما لم يوجد شرط يخول المصرف إنهاء العقد بإرادته المنفردة، وفي هذه الحالة يفضل أن يقوم المصرف بإخطار العميل بالأسباب والدوافع التي قرر بسببها إنهاء الحساب حتى يتجنب تحمل المسئولية عن تعويض الضرر المتوقع أو الذي يلحق العميل نتيجة إنهاء الحساب بإرادة المصرف المنفردة.(18)

أما إذا كان عقد الحساب الجاري غير معين المدة، فإنه يجوز لأي من طرفيه إنهاء العقد بإرادته المنفردة في أي وقت بشرط إخطار الطرف الآخر؛ واختيار الوقت المناسب للطرف الآخر بما لا يلحق به ضررا؛ واتباع العرف الجاري إن وجد.

فلا يجوز للمصرف إنهاء الحساب الجاري أثناء قيام العميل باستخدام الحساب في تنفيذ عملية تجارية؛ مما يترتب عليه إلحاق الضرر بأعماله التجارية، إذ يعد ذلك في وقت غير مناسب؛ وبالتالي يلزم المصرف بتعويض العميل عما لحقه من ضرر.

كما يقفل الحساب عند وفاة العميل، وإذا أراد الورثة الاستمرار في التعامل بالحساب الجاري مع المصرف؛ وجب عليهم إبرام عقد جديد لهذا الغرض.

كما يقفل الحساب إذا تم الحجر على العميل لأنه أصبح عديم الأهلية أو ناقصها، لأن شرط كمال الأهلية يجب أن يتحقق ابتداء لإنشاء الحساب، كما يشترط ذلك لاستمرار وجود الحساب، وإلا وجب إنهاءه وترتيب آثار القفل.

كما يقفل الحساب في حالة إفلاس أحد طرفيه أو إعساره، حتى ولو كان ذلك قبل حلول الأجل المتفق عليه لقفل الحساب الجاري، لأن الإفلاس يغل يد المفلس عن إدارة أمواله فيصبح الحساب عاجزا عن تلقي مدفوعات جديدة من المفلس، كما أن الإفلاس يؤدي إلى سقوط الأجل الممنوح للمدين، وبالتالي يتعين تصفية الحساب للوقوف على مقدار الرصيد، لمساس ذلك بحقوق دائني المفلس.

وإذا كان العميل فاتح الحساب الجاري شخصا معنويا كشركة، فإن انحلال هذه الشخصية يؤدي إلى قفل الحساب، غير أنه قد يلزم أحيانا استمرار التعامل بالحساب حتى انتهاء التصفية وزوال الشخصية كليا، لذلك يجوز للمصفي إدارة هذا الحساب وتشغيله في حدود حاجات التصفية.

آثار قفل الحساب:

يترتب على قفل الحساب الجاري وقف التعامل به نهائيا، وتصفية مفرداته من خلال عملية المقاصة بين مفردات الحساب الدائنة والمدينة، لاستخراج الرصيد الذي يستقر حقا لأحد طرفيه في ذمة الآخر.

ومتى تم قفل الحساب لا يجوز بعد ذلك قيد أية عملية جديدة، بل تتم تصفية الحساب من خلال عملية المقاصة التي تقع فورا وتلقائيا بين مفرداته الدائنة والمدينة لاستخراج الرصيد. ويجب إقرار الرصيد من الطرفين صراحة أو ضمنا بعدم اعتراض العميل على الكشف النهائي المرسل إليه من المصرف.

ويعد الرصيد حقا لمن ظهر لمصلحته مستحق الأداء، ويجب على الطرف الآخر الوفاء به فورا، إلا إذا اتفق الطرفان على ترحيله إلى حساب جديد.

وينتج دين الرصيد فائدة تسري من تاريخ قفل الحساب بالسعر المتفق عليه أو بالسعر القانوني.

ولا يوجد نص خاص بمدة عدم سماع (تقادم) الدعاوى المتعلقة بالرصيد النهائي، لذلك فإن هذه الدعاوى تسري عليها المدة الواردة في المادة 58 من قانون التجارة وهي عشر سنوات. (19)

ولا بد من الإشارة – في هذا المجال – إلى أنه إذا كان للعميل أكثر من حساب لدى المصرف ذاته، فيجب أن يصفى كل منها – مبدئيا – على حدة. غير أنه قد يحدث أن يكون رصيد بعضها دائنا ورصيد بعضها الآخر مدينا؛ مما يؤدي إلى الإضرار بالمصرف أو العميل نفسه في بعض الحالات الخاصة ولا سيما في حالة الإفلاس. وتلافيا لهذا المحذور، يضمن المصرف العقد شرطا يسمى شرط وحدة الحساب يخصص بموجبه الرصيد الدائن في هذه الحسابات لتغطية الرصيد المدين وضمانته. ومثل هذا الشرط معتبر من الناحية القانونية لأن طرفي العقد كانا يستطيعان منذ البدء؛ جعل الحسابات المتعددة في حساب واحد مما يؤدي إلى النتيجة ذاتها.

تصحيح الحساب الجاري:

كانت المصارف قبل التطور الذي جرى بخصوص استخدامها الإنترنت والصراف الآلي والهاتف الآلي، ترسل للعميل كشفا شهريا أو كل مدة معينة، وكذلك عند قفل الحساب نهائيا، عملا بالمادة 113/1 من قانون التجارة. وكان هذا الكشف يتضمن بندا مفاده أن عدم اعتراض العميل خطيا أو بالبريد المسجل على ما جاء في الكشف خلال مدة معينة (هي عادة 15 يوما)، فإن الكشف يعتبر نهائيا وموافقا عليه. وقد اعتبر القضاء هذا الشرط صحيحا ولكن يجب تنفيذه بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية.(20) (21)

لذلك كان يترتب على موافقة العميل على الكشف سواء صراحة أو ضمنا بعدم الاعتراض عليه، اعتبار الكشف نهائيا وعدم جواز الطعن في صحة مصادقة العميل على نتيجة كشف الحساب وعلى ما جاء فيه من بنود؛ ما دام قد قبله بكامل إرادته ولم يعتريها أي عيب من عيوب الإرادة عملا بسلطان الإرادة باعتبار العقد شريعة المتعاقدين. أما إذا وقع العميل في غلط حمله على الاعتقاد بصحة كشوفات المصرف فإن هذا الغلط لا يحرمه من حقه في طلب تصحيح هذا الغلط.

غير أن المصارف لم تعد ترسل مثل هذا الكشف الدوري، وأصبحت ترسل للعميل رسائل على هاتفه المحمول كلما تم قيد دفعة في حسابه أو قام بسحب مبلغ من الحساب، فضلا عن حصوله على وصل سواء من الموظف المختص أو من الصراف الآلي بما تم سحبه أو إيداعه.

وقد كان وما زال متاحا للعميل الحصول على نوعين من الكشوف: الأول كشف بالرصيد، وهذا الكشف ليس له قيمة قانونية في الإثبات كونه مجرد جدول محاسبي لا يظهر العمليات التي تمت في الحساب بشكل تفصيلي. والثاني كشف تفصيلي يتضمن عمليات الإيداع والسحب؛ وهذا الكشف يمثل الوسيلة الأولى للتأكد من سلامة وصحة العمليات التي تم إجراؤها في حساب العميل، ويتيح للعميل مراجعته للتحقق من تطابق ما ورد فيه مع مستندات الإيداع والسحب الخاصة به.

وقد يكتشف المصرف لدى مراجعته الداخلية أو الخارجية غلطا في الحساب، كما قد يكتشف العميل لدى مراجعة الكشف أيضا مثل هذا الغلط في بعض مفردات الحساب، سواء أثناء سريان الحساب أو بعد قفله، لذلك يطلب تصحيحه. وأسباب طلب تصحيح الحساب هي:

  1. الغلط المادي في الحساب، مثل قيد مبلغ في حساب عميل كان يفترض قيده في حساب عميل آخر، أو غلط في ترصيد أو ترحيل المبلغ؛ كما لو كان العميل قد دفع مبلغ (95) وقيد في الحساب (59).
  2. الإغفال أو السهو، بعدم قيام المصرف بإجراء قيد في حساب العميل كان من الواجب أن يقيده في حسابه، كما لو دفع مبلغا للمصرف وسهى أو غفل موظف المصرف عن قيده.
  3. التكرار، كما لو قيدت عملية السحب أو الإيداع أكثر من مرة.
  4. احتساب فوائد زائدة عن الفائدة المتفق عليها أو التي حددها القانون، وطلب إعادتها للحد القانوني باعتبارها فوائد ربوية.
  5. حالة التزوير أو وجود غش عن طريق حذف أو إلغاء عمليات من سجلات ووثائق المصرف أو تغيير تلك العمليات.

ويتم تصحيح الغلط في الحساب الجاري بإحدى وسيلتين:

الوسيلة الأولى: اتفاقية، حيث يتفق المصرف مع العميل على تصويب الغلط، وبقراءة النماذج التي تعدها المصارف لعقود فتح الحسابات الجارية، نجد أن المصرف يحتفظ لنفسه بحق إجراء التصحيح لأي غلط قد يقع مستقبلا في حسابات عملائه، وذلك بإجراء القيد العكسي لأي قيد جرى عن طريق الغلط. من ذلك نموذج عقد فتح حساب جار لدى البنك العربي، حيث نص الشرط الثالث من الشروط والأحكام العامة التي تطبق على جميع الحسابات على أنه (في حال قيد أية مبالغ لحساب العميل بالخطأ، يحق للبنك ودون الرجوع للعميل أن يقيد على حسابه نفس المبالغ المقيدة له، ولا يحق للأخير المطالبة بتلك المبالغ في أي حال من الأحوال، وتنفيذا لذلك يفوض العميل البنك مسبقا تفويضا نهائيا ومطلقا للقيام بالقيد العكسي). (22)

والوسيلة الثانية: قضائية، عن طريق دعوى تصحيح الحساب الجاري.

وقد نصت على ذلك المادة 113/3 من قانون التجارة بقولها ” إن الدعاوى المختصة بتصحيح الحساب من جراء خطأ أو إغفال أو تكرار أو غير ذلك من التصحيحات يجب أن تقام في مهلة ستة أشهر”. (23)

ومحل هذه الدعوى هو المفردات (القيود) الواردة في الحساب الجاري، لذلك إذا ادعى أحد طرفي الحساب وجود غلط في الحساب، وجب عليه أن يحدد على وجه الدقة المفردات التي وقع الغلط فيها والمطلوب تصحيحها؛ وأن يكون طلب التصحيح واضحا ومحددا وبناء على أسباب جدية، وأن يرفق بلائحة الدعوى المستندات الدالة على صحة ما يدعيه.

على أن دعوى التصحيح نتيجة غلط في الحساب لا تسمع بعد مرور ستة أشهر من تاريخ استلام الكشف أو إقفال وتسوية رصيد الحساب نهائيا، أو إقرار الحساب من الطرفين.

(13)(13) بينما نصت المادة 394 من المشروع على أنه (1-لا تقبل المفردات المقيدة في الحساب الجاري التجزئة قبل قفل الحساب واستخراج الرصيد. 2-ولا تجوز المقاصة بين مفرد في الحساب ومفرد آخر في نفس الحساب).

(14)(14) المادة 106 تجارة.

(15)(15) معين البرغوثي، دور العرف المصرفي في تطور عملية الحساب الجاري، دراسة في القانون الفلسطيني، رسالة ماجستير، جامعة بير زيت، 2003 صفحة 195.

(16)(16) نصت المادة 397 من المشروع على أنه (يجوز وقف الحساب مؤقتا أثناء سيره لبيان مركز كل من الطرفين، وذلك في المواعيد التي يتفق عليها الطرفان، أو يحددها القانون، ويكون لكل طرف أن يتصرف في رصيده الدائن الذي قد يظهر عن الوقف المؤقت في أي وقت، ما لم يتفق على غير ذلك). كما نصت المادة 403 منه على أنه (إذا كان الحساب الجاري مفتوحا بين مصرف وطرف آخر اعتبر الحساب مقطوعا في نهاية السنة المالية للمصرف، ولا يعتبر هذا القطع قفلا للحساب، وإنما يظل مفتوحا ويرحل الرصيد إلى نفس الحساب الذي يستأنف حركته في اليوم التالي لقطعه).

(17)(17) نصت المادة 401 من المشروع على أنه (1- إذا حددت مدة للحساب الجاري، فيجب قفله بانتهائها، ويجوز قفله قبل انتهاء المدة باتفاق الطرفين. 2- وإذا لم تحدد مدة للحساب الجاري، جاز قفله في كل وقت بإرادة أي من الطرفين، مع مراعاة مواعيد الإخطار المتفق عليها، أو التي يجري عليها العرف. 3- وفي جميع الأحوال يقفل الحساب الجاري بوفاة أحد طرفيه أو شهر إفلاسه أو إعساره أو الحجر عليه). ونصت المادة 403 منه على أنه (يستخرج رصيد الحساب الجاري عند قفله، ويكون دين الرصيد حالا، ما لم يتفق على غير ذلك، أو كانت بعض العمليات الواجب قيدها في الحساب لا يزال جاريا وكان من شأن قيدها تعديل مقدار الرصيد، وفي هذه الحالة يكون دين الرصيد حالا من اليوم التالي لآخر قيد تستلزمه تلك العمليات).

(18)(18) مفيد عبد العزيز أحمد خلايلة، إغلاق الحساب الجاري، رسالة ماجستير، جامعة القدس، 2004، صفحة 71.

(19)(19) تنص المادة 404 من المشروع على أنه (تسري القواعد العامة على تقادم دين الرصيد وعائده، ويحسب العائد على دين الرصيد من تاريخ قفل الحساب، ما لم يتفق على غير ذلك).

(20)(20) وفي ذلك قضت محكمة التمييز (ليس من حق المقترضة الطعن بأي كشف يصدر عن المصرف المستند إلى دفاتره وحساباته إذا ورد في عقد فتح الحساب الجاري مدين بند يتضمن إقرارا من المقترضة والكفيل يعترفان بموجبه بأن دفاتر المصرف وحساباته تعتبر بينة قاطعة لإثبات المبالغ المستحقة أو التي ستستحق عليه للمصرف بموجب الاعتماد). تمييز حقوق رقم 48/90 تاريخ17/6/1990 مجلة النقابة لسنة 1991 صفحة 1649.

(21)(21) كما قضت (إن وسائل الإثبات من حق الخصوم وليست من النظام العام، وعليه فإن العقد المبرم فيما بين البنك والمقترض الذي يقضي بالتزام المقترض بقيود البنك وحساباته واعتبارها بينة قاطعة وملزمة لإثبات المبالغ المستحقة أو التي ستستحق عليه للبنك بموجب العقد وملاحقه، ملزم ونافذ بحق الفريقين ولا يحق للمقترض نقضه بالإرادة المنفردة). تمييز حقوق رقم 163/90 تاريخ 17/7/1990 مجلة النقابة لسنة 1991 صفحة 1673.

(22)(22) استعمل المصرف مصطلح (خطأ) والمقصود هو مصطلح (غلط) لأن الخطأ في القانون هو أحد عناصر المسئولية، بينما الغلط هو عيب في الإرادة ويوجب التصحيح. وفي ذات المعنى جاء الشرط الثاني من عقد فتح حساب جار لدى بنك فلسطين المحدود، والشرط الثالث من عقد فتح حساب جار لدى بنك الأردن.

(23)(23) تنص المادة 408 من المشروع على أنه (1- لا تقبل الدعوى بتصحيح الحساب الجاري ولو كان الطلب مبنيا على غلط أو سهو أو تكرار القيود، وذلك فيما يتعلق بالقيود التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات، إلا إذا حصل خلال هذه المدة إخطار من أحد طرفي الحساب إلى الآخر بتمسكه بتصحيح الحساب، أو إذا لم يثبت في حالة الحساب مع المصرف أن العميل لم يتلق من المصرف خلال المدة المذكورة أي بيان بحسابه. 2- وفي جميع الأحوال تسقط الدعوى بانقضاء خمس سنوات من اليوم الذي ينشأ فيه الحق في تصحيح الحساب).