الفصل الثاني – تداول الشيك

تمهيد

يحق لكل دائن وفقاً للقواعد العامة، أن يحول حقه إلى الغير، سواء أكان هذا الحق ثابتاً في ورقة عادية أم في ورقة تجارية. ولكن إجراءات حوالة الحق المدنية، وضمانات الوفاء بها، وآثارها، لا تلائم الأوراق التجارية ولاتمكنها من القيام بوظائفها.

لذلك نظم قانون التجارة طرقاً أخرى لتحويل الحق الثابت في الشيك تتسم بالبساطة وتتفق وطبيعة المعاملات التجارية التي تقوم على السرعة والائتمان. فأجاز تداول الشيك الذي لحامله بمجرد التسليم أو المناولة . كما أجاز أن يتم تحويل الحق الثابت في الشيك الذي لأمر، بمجرد كتابة تفيد ذلك على ظهر الشيك . ولذلك يسمى هذا التحويل باسم (التظهير)، إشارة إلى مكان كتابته . ويسمى حامل الشيك القديم (المحيل) مظهراً ، والحامل الجديد (المحال إليه) مظهراً إليه .

كما قرر أن الشيك قابل للتداول بالتظهير، سواء اشتمل على شرط الأمر أم لا ، وإذا أراد الساحب أو المحرر عدم تداول الشيك بالتظهير فيجب أن يضمنه صراحة عبارة (ليس لأمر) أو أية عبارة أخرى تفيد هذا المعنى، وفي هذه الحالة يخضع تداوله لأحكام حوالة الحق المقررة في القانون المدني .

والتظهير ثلاثة أنواع : تظهير تام أو ناقل للملكية ، وتظهير توكيلي ، وتظهير تأميني ، ونتكلم عن كل منهم في مبحث على التوالي .

المبحث الأول

التظهير التام أو الناقل للملكية(1)

التظهير الناقل للملكية هو بيان يكتبه المظهر على الشيك ينقل بواسطته ملكية الحق الثابت فيه لأمر المظهر إليه . وهو تصرف قانوني يتم باتفاق الطرفين (المظهر والمظهر إليه) دون حاجة إلى رضاء المدين الأصلي ، بل ودون إخباره أو حقه في المعارضة . ويتطلب التظهير لصحته شروطاً موضوعية وشروطاً شكلية ، سنتكلم عنها فيما يلي ، ثم نبين الآثار التي تترتب على التظهير ، وبعد ذلك نتناول حكم التظهير اللاحق للاستحقاق .

المطلب الأول

الشروط الموضوعية

يجب أن يتوفر في التظهير الشروط الموضوعية اللازمة لصحة الالتزامات بشكل عام ، بأن يصدر من شخص أهل للتعامل ، وأن يستند إلى رضاء صحيح ، وسبب حقيقي ومشروع ، كأن يخصم المظهر الشيك لدى أحد البنوك للحصول على قيمته قبل ميعاد الاستحقاق ، أو يهدف من تظهير الشيك الوفاء بدين في ذمته إلى المظهر إليه أو تسديد ثمن بضاعة اشتراها منه . وتنطبق في كل ذلك القواعد التي عرضنا لها عند دراسة الشروط الموضوعية لإنشاء الشيك نفسه .

وبالإضافة إلى ذلك فإنه يجب أن يتوفر في التظهير ما يلي :

1- صدور التظهير من ذي صفة

يجب أن يصدر التظهير من الحامل الشرعي للشيك، ويعد من بيده الشيك أنه حامله الشرعي متى كان مستفيداً أو مظهراً إليه انتقل إليه الشيك نتيجة تظهيرات متصلة بعضها ببعض ولو كان آخرها تظهيراً على بياض . ولأن انتقال الشيك عن طريق التظهير يقوم أساساً على السرعة، فإن المظهر إليه لا يجبر على التحقق من شرعية التظهيرات السابقة، بل يكفي مجرد التحقق -وبصورة سريعة – من اتصال هذه التظهيرات، علماً بأن التظهير المشطوب يعد كأن لم يكن .

وكما يتم التظهير من الحامل الشرعي ، يجوز أن يتم من نائبه ، كالوكيل ومدير الشركة . ولكن يجب أن تكون الوكالة بالتظهير صريحة ، وأن يبين الوكيل صفته هذه عند التظهير . فإذا أهمل أو تجاهل ذكر صفته اعتبر في حكم المظهر ، أي ملتزماً وعلى وجه التضامن أمام الحامل حسن النية . وليس له في هذه الحالة سوى الرجوع على الأصيل استناداً إلى عقد الوكالة لتحصيل ما دفعه .

أما إذا كان التظهير قد تم من قبل شخص ليس له حق على الشيك وليس مفوضاً من قبل الحامل الشرعي، فإن التظهير يقع باطلاً. ويحدث هذا الفرض في الغالب في حالة ضياع أو سرقة الشيك. وفي هذه الحالة لا يحتج على الحامل الشرعي بالوفاء بقيمة الشيك حتى لو كان المظهر إليه حسن النية.

وللمسحوب عليه أن يمتنع عن الوفاء بقيمة الشيك ، ولا يكون هناك سبيل أمام المظهر إليه سوى الصعود في سلسلة التظهيرات حتى الوصول إلى من قام بتظهير الشيك بغير حق . أي أنه لا يكون للحامل الأخير سوى الرجوع على من ظهر له الشيك ، ويكون لهذا الأخير الرجوع على المظهر السابق … وهكذا، حتى نصل إلى (المظهر المزعوم) حيث يكون لمن تلقى منه الشيك الرجوع عليه بالتعويض .

ويكون المظهر إليه عادة شخصا أجنبيا عن الشيك سواء أكان شخصاً طبيعياً أم شخصاً اعتبارياً. غير أن المشرع أجاز تظهير الشيك للساحب نفسه فنص في المادة (239/3) من قانون التجارة على أنه :

” 3- ويصح التظهير ولو للساحب نفسه أو لأي ملتزم آخر، ويكون لهؤلاء جميعاً الحق في تظهيره “.

ولكنه اعتبر التظهير إلى المسحوب عليه مخالصة (إيصالاً) لذلك نص في المادة 240/2 من القانون ذاته على أن التظهير الصادر من المسحوب عليه باطل .

ومن جهة أخرى فإن المشرع قد يمنع تظهير الشيك إلى شخص معين ، كما في نص المادة (60/3) من قانون نقابة المحامين النظاميين رقم 11 لسنة 1972 حيث تقضي بأنه ” يمتنع على المحامي تحت طائلة المسؤولية : 3- أن يقبل الأسناد التجارية بطريق الحوالة لاسمه، بقصد الادعاء بها دون وكالة “.

فلا يجوز للمحامي وفق هذا النص أن يحصل من موكله على شيك بطريق التظهير ، ليقوم بتحصيل قيمته باسمه الشخصي باعتباره مظهراً إليه . بل يجب أن يطالب بقيمة الشيك بصفته وكيلاً عن حامله الشرعي بناءً على وكالة صريحة بذلك . غير أن هذا المنع لا يعني بطلان التظهير ، بل يكون التظهير صحيحاً ، ولكن يترتب على مخالفة المحامي لهذا النص أن يقع تحت طائلة المسؤولية التي يفرضها قانون النقابة .

2- أن يكون التظهير كلياً يشمل مبلغ الشيك بكامله

أوجب المشرع أن يرد التظهير على المبلغ الوارد في الشيك بكامله ، واعتبر التظهير الجزئي ، أي الذي يرد على بعض المبلغ ، باطلا.

وحكمة ذلك أن التظهير يستوجب بالضرورة تسليم الشيك إلى المظهر إليه حتى يتمكن من تقديمه للمدين والمطالبة بقيمته . والمظهر في التظهير الجزئي لا يتخلى عن حيازة الشيك ولا يسلمه إلى المظهر إليه طالما أنه لا يزال دائنا بجزء من قيمته ، لذلك لا يستطيع المظهر إليه أن يظهر الشيك مرة أخرى ، أو أن يطالب المدين بقيمة الجزء الذي انتقل إليه من قيمة الشيك بسبب عدم حيازته له .

وعلى فرض أن المظهر إليه استلم الشيك، فإنه لا يستطيع مطالبة المدين سوى بالجزء الذي ظهر إليه من المبلغ، فإذا امتنع المدين عن الوفاء لا يستطيع المظهر إليه أن يحرر احتجاجاً إلا بهذا الجزء دون الجزء الآخر الذي لم تنتقل إليه ملكيته، فيسقط حق مالك هذا الجزء الآخر في الرجوع على المظهرين والضامنين بسبب الإهمال .

3- أن يكون التظهير باتاً غير معلق على شرط

نصت على هذا الشرط المادة (142/1) بقولها ” مع عدم الإخلال بحكم المادة 154 يجب أن يكون التظهير خالياً من كل شرط . وكل شرط معلق عليه التظهير يعتبر كأن لم يكن “.

وعلة ذلك أن تعليق التظهير على شرط يتعارض مع وظيفة الشيك كأداة وفاء وائتمان ، ويعوق تداوله حيث يتعذر على الغير أن يتعرف من الشيك ذاته عما إذا كان الشرط قد تحقق أو لم يتحقق ، لأن الوفاء بالشرط يتوقف على أمر خارج عن بيانات الشيك . على أن البطلان في هذه الحالة لا يقع على التظهير، بل يبطل الشرط وحده ويكون التظهير صحيحاً.

4- عدم وجود شرط يمنع التظهير

سبق أن قلنا إن الشيك التي يدون فيه صاحبه عبارة (ليس لأمر) أو أية عبارة أخرى مماثلة ، يخضع تداوله لأحكام الحوالة المقررة في القانون المدني، لذلك فإن هذا الشيك لا يقبل التداول بطريق التظهير .

أما إذا وضع شرط عدم التظهير من قبل أحد المظهرين ، فإن هذا الشرط لا يحول دون تظهير الشيك ، ولكن من وضع الشرط لا يكون ، وفق المادة 145/2، ملزماً بالضمان تجاه من يؤول إليهم الشيك بتظهير لاحق .

(1)(1) يسمى التظهير في التشريع العراقي ” الجيرو ” ، وفي التشريع الليبي ” التدور “.