الفصل الثاني – حضور الخصوم وغيابهم

المبحث الثاني

الغياب عن المحاكمة

      عند حلول موعد الجلسة المحددة لنظر الدعوى ينادى على الخصوم ، ولا يخلو الحال عندئذ من أحد فروض ثلاثة :

      الفرض الأول : أن يحضر الخصمان – المدعي والمدعى عليه أو وكيلاهما – معا ، في الجلسة الأولى والجلسات التالية ، وفي هذه الحالة تسير الدعوى ويبدي كل من الطرفين طلباته ودفوعه ، وتنتهي الدعوى إلى الحكم فيها .

      الفرض الثاني : أن يغيب الطرفان (المدعي والمدعى عليه) معا ، وفي هذه الحالة بعد أن تتأكد المحكمة من صحة تبليغ موعد الجلسة للطرفين ، تقرر شطب الدعوى (م 85/1 من قانون أصول محاكمات مدنية وتجارية جديد)، وقد منح المشرع المحكمة صلاحية شطب الدعوى من تلقاء نفسها لأنها لا تستطيع السير في الخصومة وتحقيق الدعوى مع غياب طرفيها . (1)

      وشطب الدعوى لا يعني زوال الخصومة، بل يقصد بشطب الدعوى استبعادها من جدول القضايا المتداولة في الجلسات أمام المحكمة مع بقاء الخصومة قائمة أمام القضاء رغم الشطب ومنتجة لآثارها، فتبقى المطالبة القضائية بكل آثارها الإجرائية والموضوعية، كما تبقى كل الإجراءات التالية التي اتخذت في الجلسات السابقة على الشطب قائمة، غير أن المحكمة تحذف الدعوى من جدول القضايا ولا تنظرها ولا تحدد لها جلسة تالية إلا بطلب تجديدها من أحد الخصوم . ولا يستوجب شطب الدعوى تبليغ الخصوم، وعلى من تخلف عن متابعة دعواه أن يبادر من تلقاء نفسه لمعرفة ما آلت إليه ليتخذ الإجراء الذي مكنه القانون منه وهو طلب التجديد بإعادتها إلى جدول الدعاوى قيد النظر.(1)

          وشطب الدعوى من المسائل الجوازية التي ترك المشرع تقديرها لمحكمة الموضوع حتى لو توافرت شروطها،(2)  فإذا رأت عدم إصدار قرار بالشطب وأجلت الدعوى لجلسة مقبلة، انطوى ذلك على عدم رغبتها في استبعاد القضية وأنها تعدها للحكم فيها، ويكون ذلك في الغالب عندما تكون المحكمة قد قطعت شوطا كبيرا في تحقيق الدعوى بحيث قربت من نهايتها والفصل فيها، لذلك إذا حضر المدعى عليه ولم يحضر المدعي فلا تلزم المحكمة بشطب الدعوى ولو طلب المدعى عليه ذلك.

          وقرار شطب الدعوى لا يعتبر حكما وإنما هو قرار تنظيمي أو قرار إدارة قضائية باستبعاد الدعوى من جدول القضايا باعتباره عقوبة على من تخلف عن متابعة دعواه، ولذلك لا يقبل الطعن بطرق الطعن المقررة للأحكام،(3) ويكون للمحكمة الرجوع عنه في ذات الجلسة إذا حضر المدعي قبل انتهائها. فإذا قررت العدول عن قرار الشطب لحضور المدعي قبل انتهاء الجلسة وكان المدعى عليه حاضرا نظرتها. أما إذا كان المدعى عليه حاضرا وقت صدور قرار الشطب ثم انصرف، أو لم يكن حاضرا أصلا وقررت المحكمة العدول عن قرار الشطب حددت جلسة لنظر الدعوى يبلغ بها المدعى عليه حسب الأصول، وتعاد الدعوى إلى جدول القضايا المتداولة.

ويفترض لشطب الدعوى تحقق الشروط التالية:

  1. غيبة المدعي بعدم حضوره وعدم  حضور ممثله الجلسة المقررة لنظر الدعوى، وإذا تعدد المدعون فيشترط لشطب الدعوى عدم حضورهم جميعا. فإذا حضر بعضهم وغاب آخرون فإن الدعوى تستقيم أمام المحكمة بالنسبة لمن حضر من المدعين، أما بالنسبة لمن غاب منهم فقد ذهب رأي إلى أنه لا يجوز شطب الدعوى بالنسبة لمن تغيب مع استمرارها بالنسبة لمن حضر، فلا يكون أمام المحكمة في هذه الحالة سوى تأجيل الدعوى إلى جلسة أخرى يبلغ بها المتخلفون، فإذا حضر بعض المدعين في الجلسة التالية وغاب بعضهم حكمت المحكمة في الدعوى بحكم يعتبر حضوريا في حق جميع المدعين من حضر منهم ومن لم يحضر باعتبار أن جميع المدعين قد ضمنوا الدعوى أوجه دفاعهم وطلباتهم سواء كان موضوع الدعوى قابلا للتجزئة أم غير قابل للتجزئة. بينما ذهب رأي آخر إلى أنه إذا كان موضوع الدعوى قابلا للتجزئة جاز للمحكمة شطب الدعوى بالنسبة لمن تخلف من المدعين, وعلى المدعين الغائبين تعجيل الدعوى في الميعاد القانوني وإلا اعتبرت كأن لم تكن بالنسبة لهم. أما إذا كان موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة فيجب على المحكمة تأجيل نظر الدعوى وإعادة تبليغ الغائبين حتى تتمكن من الفصل في الدعوى بالنسبة لجميع الخصوم بحكم واحد له وصف واحد بالنسبة لهم جميعا. (1) والعمل جار في المحاكم وفقا للرأي الثاني.
  2. أن يكون المدعي على علم بالجلسة التي صدر فيها القرار، فلا تقرر المحكمة شطب الدعوى إلا إذا تحقق علم المدعي بالجلسة ولم يحضر فيها. ويتحقق هذا العلم بأن يكون تبلغ موعد الجلسة بالذات، أو حضر هو أو وكيله الجلسة السابقة التي نظرت فيها الدعوى. فإذا كان لا يعلم بالجلسة، كما لو أجلت الجلسة إداريا ولم يبلغ بالجلسة الجديدة يمتنع في هذه الحالة شطب الدعوى بل يجب على المحكمة تأجيل الدعوى وإعادة تبيلغ المدعي، فإن قررت الشطب دون أن تتنبه لعدم التبيلغ كان قرارها منعدما وكان للمدعي الحق في تجديد الدعوى ولو بعد انقضاء ستين يوما.

وقد اشترط القانون لتجديد الدعوى ما يلي:

  1. أن يقدم طلب تجديد الدعوى إلى قلم المحكمة خلال ستين يوما من تاريخ قرار شطبها. وغالبا ما يكون طلب تجديد الدعوى من المدعي لأنه حريص على سيرها ، ولكن يجوز للمدعى عليه أيضا أن يقدم طلبا لتجديد الدعوى باعتباره طرفا في الخصومة تعلق حقه بها إذا كان له مصلحة في السير في الدعوى والفصل فيها .
    1. دفع نصف الرسم المقرر للدعوى عملا بالمادة 10 من قانون رسوم المحاكم رقم 11 لسنة 2003، أما إذا لم يقدم طلب التجديد خلال هذه المدة فتدفع الرسوم كاملة إلا إذا أقرت المحكمة بخلاف ذلك.(1) وإذا دفع الرسم كاملا بعد المدة المذكورة فإننا نكون أمام دعوى جديدة لا تجديد للدعوى المشطوبة لأنها أصبحت كأن لم تكن بحكم القانون.
    1.  تحديد جلسة وتبليغ الخصم بالطلب وبموعد الجلسة،  فإذا تقدم أحد الخصوم خلال المدة المحددة بطلب لتجديدها يتم تعيين موعد جلسة جديدة ويبلغ للخصم الآخر ، ولا يشترط أن يقع تاريخ الجلسة خلال الستين يوما ما دام أن طلب التجديد قد قدم خلال هذه المدة .    

وعلى المحكمة عند تقديم طلب التجديد أن تنعقد بهيئتها لتقرر في الطلب بحضور الخصوم، ولا يملك القاضي أو رئيس المحكمة من تلقاء نفسه أن يقرر رفض طلب التجديد على استدعاء الطلب بحجة أنه مقدم بعد مضي المدة،(2) لأن الميعاد المقرر يتعلق به حق الخصم الآخر وهو من كان قرار الشطب لصالحه، كما أن لمن شطبت دعواه أن يتمسك ببطلان قرار الشطب تخلصا من ميعاد التجديد. ويترتب على تجديد الدعوى من الشطب أن تستأنف الإجراءات فيها من حيث توقفت بصدور قرار الشطب.

وإذا شطبت الدعوى ولم يقدم طلب لتجديدها خلال ستين يوما من تاريخ قرار الشطب حكمت المحكمة من تلقاء نفسها باعتبار الدعوى كأن لم تكن (م 88/1 معدلة)، فتزول الدعوى وما يترتب عليها من آثار ، وقد جاء هذا التعديل  لحسن إدارة الدعوى وعدم تراكم القضايا المشطوبة .

      أما إذا كان المدعى عليه هو الذي قام بتحريك الدعوى فإنه لا يجوز له إبداء هذا الدفع لأنه يكون قد تنازل عنه ضمنا ، ويذهب رأي إلى أن هذا الدفع مقرر لمصلحة المدعى عليه وحده فلا يجوز أن يستفيد منه المدعي ، بمعنى أنه إذا عجل المدعى عليه الدعوى بعد الستين يوما من تاريخ شطبها فلا يجوز للمدعي أن يتمسك باعتبار الدعوى كأن لم تكن (1). ولكننا نرى أن اعتبار الدعوى كأن لم تكن يسري في حق الخصمين معا ، وأن عدم تجديد الدعوى من قبل المدعي يدل على تركه لها وفق المادة 138 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد وعدم رغبته في السير فيها ، فلا يجوز بعد مرور المدة القانونية أن يجبر المدعي على السير في الدعوى ، وقد ركن إلى أنها أصبحت كأن لم تكن ، ولكن لا يحول اعتبار الدعوى كأن لم تكن دون إقامة دعوى جديدة .

امتناع شطب الدعوى إذا تعلقت بالنظام العام

          إذا كانت الدعوى تتعلق بالنظام العام لا يجوز للخصوم النزول عنها أو تركها مثل دعوى شهر إفلاس تاجر، فإذا تخلف المدعي أو الخصمان عن الحضور لا يمنع ذلك من نظر الدعوى ولا تملك المحكمة شطبها، ومفاد ذلك أنه إذا رفع الدائن دعوى إفلاس على مدينه ولم يحضر الدائن فإن المحكمة يمتنع عليها شطب الدعوى، لأنه إذا أجيز للمحكمة أن تشطب الدعوى في هذه الحالة فإن التخلف عن الحضور في مثل هذه الدعاوى سوف يصبح ذريعة للنزول عن الدعوى بصورة ضمنية، ولذلك فإن المحكمة تنظر هذه الدعاوى رغم غياب الخصوم جميعا.

اعتبار الدعوى كأن لم تكن لعدم حضور الطرفين بعد التجديد

إذا جددت الدعوى سواء بناء على طلب المدعي أو المدعى عليه ، ثم تغيب المدعي عن الحضور في أي جلسة  بعد التجديد ، فإن المحكمة بالخيار حسب ما تراه ، إما تأجيل الدعوى ومن ثم السير فيها ، أو اعتبارها كأن لم تكن (م 88/2 معدلة) . أما إذا غاب الطرفان عن الجلسة التي تم تحديدها في طلب التجديد، فإن المحكمة تقرر اعتبار الدعوى كأن لم تكن، ذلك أنه إذا حدد القاضي جلسة لنظر الدعوى وتغيب الطرفان، لا يملك القاضي شطب الدعوى مرة ثانية لأن الشطب لمرة واحدة ، ولا يستطيع أن ينظر الدعوى لأنها غير صالحة للحكم فيها، لذلك تقرر المحكمة اعتبار الدعوى كأن لم تكن لأن ذلك يتعلق بإجراءات التقاضي ويتصل بالتالي بالنظام العام وتفصل فيه المحكمة من تلقاء نفسها. (1)


(1) لم يعالج المشرع حالة غياب الطرفين عندما تكون الدعوى صالحة للفصل فيها ، كما هو الحال في المادة 82/1 من قانون المرافعات المصري التي نصت على أنه ” إذا لم يحضر المدعي ولا المدعى عليه حكمت المحكمة في الدعوى إذا كانت صالحة  للحكم فيها وإلا قررت شطبها”.  ونقترح أن يأخذ المشرع بهذا الحكم اختصارا للوقت والإجراءات.

(1) نقض مدني رقم 136/2005 تاريخ 4/3/2006 . ج2 ص 341. نقض مدني 216/2006 تاريخ 2/9/2008 ج 4 ص 690 ويتعلق بشطب الاستئناف، ويرجع بالنسبة لشطب الدعوى إلى أحكام محكمة النقض المنشورة في الجزء الثاني الصفحات 330-358 والجزء الثالث الصفحات 326-331. وبخاصة القرار 15/2006 تاريخ 8/7/2007 والقرار57/2006 تاريخ 14/11/2007.  

(2) نقض مدني 9/2005 تاريخ 4/4/2005 ج 2 ص 333.

(3) نقض مدني 22/2005 تاريخ 16/4/2005 ج 2 ص 337، نقض مدني 212/2006 تاريخ 14/11/2007 ج 3 ص 335، ونقض مدني 124/2007 تاريخ 16/10/2008 ج 4 ص 476 .

(1) د. أحمد المليجي ج 1 ص 608 و 609.

(1) فإذا دفع نصف الرسم وكان طلب التجديد قد قدم بعد مضي الستين يوما تقرر المحكمة عدم قبول الطعن. ولا يرد القول بتطبيق حكم المادة 215 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية بأن تكلف المحكمة المدعي بإتمام الرسم ..لأن دفع نصف الرسم جاء بعد مضي المدة المنصوص عليها في المادة 88 من القانون المذكور. نقض مدني رقم 64/2005 تاريخ 19/3/2005 ج 2 ص 355. 

(2) نقض مدني 111/2005 تاريخ 11/3/2006 ج 2 ص 344.

(1) د. أحمد أبو الوفا ، المرافعات المدنية والتجارية ، دار المعارف بمصر، الطبعة العاشرة، 1970،  صفحة 595 . أنور طلبه ج 2 ص 19.

(1) أنور طلبه ج2 ص14.