الفصل الثاني – رجال القضاء وأعوانهم

المطلب الثاني

ضمانات القضاة

      أحاط المشرع القاضي بضمانات كثيرة تحميه من تدخل السلطات الأخرى ، ومن عبث المتقاضين ، وتحميه أيضا من نفسه . وذلك لتهيئة جو صالح للقاضي يكفل له إصدار قضاء بعيد عن الشبهات ويشيع الطمأنينة في نفوس المتقاضين.

ومن هذه الضمانات ما يأتي:

أولا: الاستقلال ، فنص في المادة 98 من القانون الأساسي المعدل على أن : القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة.  ولتحقيق هذه الضمانة نصت المادة 100 من القانون الأساسي المعدل على أن ( ينشأ مجلس أعلى للقضاء ويبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم أي شأن من شؤون السلطة القضائية بما في ذلك النيابة العامة .  

ثانيا : عدم القابلية للعزل

    نصت المادة 99/2  من القانون الأساسي المعدل على أن القضاة غير قابلين للعزل إلا في الأحوال التي يجيزها قانون السلطة القضائية . كما  نصت المادة (27) من  قانون السلطة القضائية الفلسطيني على أن “القضاة غير قابلين للعزل إلا في الأحوال المبينة في هذا القانون“. ويتبين من هذا النص أن مبدأ عدم القابلية للعزل لا يعني أن يظل القاضي غير قابل للعزل طوال حياته ، وأنه يحتفظ بمنصبه ولو بدرت منه تصرفات غير مقبولة . وإنما معناه أن القاضي لا يفصل أو يحال على التقاعد أو يوقف عن العمل إلا في الأحوال وبالكيفية المبينة في القانون .   

      وقد أناط المشرع هذه المهمة بمجلس القضاء الأعلى حماية للقاضي من تعسف الحكومة ، وحتى لا يكون ذلك وسيلة للاعتداء على استقلال القضاء .

ثالثا: الحصانة القضائية  

فرض قانونالسلطة القضائية قيودا بالنسبة للقبض على القاضي في أية جريمة فقد نصت المادة (57) من  قانون السلطة القضائية على أنه ” يختص مجلس القضاء الأعلى بالنظر في توقيف القاضي وتجديد حبسه ما لم يكن الأمر منظورا أمام المحاكم الجزائية المختصة بنظر الدعوى فتختص هي بذلك “. كما نصت المادة (56) منه على أنه ” في غير حالات التلبس بالجريمة ، لا يجوز القبض على القاضي أو توقيفه إلا بعد الحصول على إذن بذلك من مجلس القضاء الأعلى . وفي حالات التلبس يجب على النائب العام عند القبض على القاضي أو توقيفه أن يرفع الأمر إلى المجلس خلال الأربع والعشرين ساعة التالية للقبض عليه ، وللمجلس أن يقرر بعد سماع أقوال القاضي إما الإفراج عنه بكفالة أو بغير كفالة وإما استمرار توقيفه للمدة التي يقررها وله تمديد هذه المدة . ويجري توقيف القاضي وتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية عليه في مكان مستقل عن الأماكن المخصصة للسجناء الآخرين .

          وقد رتبت المادة 58  من القانون المذكور على توقيف القاضي وقفه مباشرة عن أعمال وظيفته، كما أجازت لمجلس القضاء الأعلى بناء على طلب من وزير العدل أو من القاضي المنتدب للتحقيق أن يأمر بوقف القاضي عن مباشرة أعمال وظيفته أثناء إجراءات التحقيق عن جريمة منسوب إليه ارتكابها. كما نصت المادة 59 منه على أنه لا ترفع الدعوى الجنائية على القاضي إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى، ويحدد المجلس المحكمة التي تنظر الدعوى بغض النظر عن قواعد الاختصاص المكاني المقررة في القانون.

كما تضمن قانون السلطة القضائية قواعد خاصة لتنظيم مسألة نقل القضاة وندبهم وإعارتهم من جهة ، ومساءلتهم تأديبيا من جهة أخرى . ونعرض لهاتين المسألتين في فرعين على التوالي .

الفرع الأول

نقل القضاة وندبهم وإعارتهم

     نصت المادة 99 من القانون الأساسي المعدل على أن نقل القضاة وانتدابهم يكون بالكيفية التي يقررها قانون السلطة القضائية . وقد نصت المادة (22) من قانون السلطة القضائية على أنه ” لا يجوز نقل القضاة أو ندبهم أو إعارتهم إلا في الأحوال والكيفية المبينة في القانون ” . كما نصت المادة (23) منه على أنه .

  1. لا يجوز نقل القضاة أو ندبهم لغير الجلوس للقضاء إلا برضائهم .
  2. يكون نقل القضاة أو ندبهم بقرار من مجلس القضاء الأعلى ، ويعتبر تاريخ النقل أو الندب من تاريخ التبليغ بالقرار .
  3. استثناء مما ورد في الفقرتين أعلاه يجوز ندب القاضي مؤقتا للقيام بأعمال قضائية غير عمله أو بالإضافة إليه أو للقيام بأعمال قانونية متى اقتضت ذلك مصلحة وطنية بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى .

      أما المادة (24) منه فقد نصت على أنه :

      وفقا لأحكام هذا القانون يجوز لمجلس القضاء الأعلى :

  1. أن يندب مؤقتا للعمل بالمحكمة العليا أحد قضاة محاكم الاستئناف ممن تتوافر فيهم شروط العمل بالمحكمة العليا لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد .
  2. أن يندب أحد قضاة محاكم الاستئناف أو البداية للعمل في محكمة أخرى من ذات الدرجة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد  .

بينما نصت المادة 26 منه على أنه :

  1. تجوز إعارة القاضي إلى الحكومات الأجنبية أو الهيئات الدولية بقرار من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى.
  2. لا يجوز أن تزيد مدة الندب أو الإعارة عن ثلاث سنوات متصلة إلا إذا اقتضت ذلك مصلحة وطنية ، ولا يجوز ندب أو إعارة القاضي إلا إذا كان قد أمضى السنوات الأربعة السابقة في عمله بدوائر المحاكم واستوفى تقارير الكفاية . 

كما نصت المادة 35 من قانون تشكيل المحاكم النظامية معدلة بالقرار بالقانون رقم 15 لسنة 2014 على أنه : على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، لرئيس المجلس أو لنائبه حال غيابه أن ينتدب أي قاض لأي محكمة أعلى أو أقل بدرجة واحدة لمدة لا تزيد على سنة، على أن يصادق مجلس القضاء الأعلى على ذلك في أول جلسة يعقدها بعد صدور قرار الندب، ولمجلس القضاء الأعلى تمديد الانتداب للمدة التي تقتضيها مصلحة العمل وبما لا يتجاوز سنة أخرى.

       وقد حسم هذا التعديل الخلاف الذي ثار في ظل النص السابق  حول ما إذا كان يجوز ندب القاضي من محكمة أعلى إلى محكمة أقل درجة ، غير أنه غفل عن بيان شروط ندب القاضي من محكمة أقل درجة إلى محكمة أعلى درجة كما كان الحال في النص القديم، حيث كان يشترط أن تتوافر في القاضي شروط العمل في المحكمة التي سينتدب ليجلس قاضيا فيها، وهو شرط جوهري، نأمل أن يأخذه مجلس القضاء الأعلى ورئيسه في الاعتبار عند ممارسة الندب.

الفرع الثاني

مساءلة القضاة تأديبيا

نصت المادة 99 / 1 من القانون الأساسي المعدل على أن مساءلة القضاة تكون

بالكيفية التي يقررها قانون السلطة القضائية . وقد وضع المشرع في الفصل الرابع من قانون السلطة القضائية قواعد خاصة بمساءلة القضاة تأديبيا عما قد يقع منهم مخالفا لواجباتهم أو لمقتضيات وظيفتهم . ونتناول في هذا الموضوع بيان الأفعال التي تستوجب المساءلة التأديبية ، والعقوبات التأديبية التي توقع على القضاة ، والسلطة المختصة بالتأديب ، والإجراءات التأديبية ، وانقضاء الدعوى التأديبية ، والطعن في قرار التأديب .

أولا :  الأفعال التي تستوجب مساءلة القضاة تأديبيا

          الأفعال التي تستوجب المساءلة التأديبية بشكل عام لا تقع تحت حصر ، ذلك أن من غير الممكن صياغة واجبات الموظفين العموميين في عبارات محددة ومنضبطة لكي ترتبط بعقوبات معينة ، فكثير من واجبات الموظفين تعتمد في تنفيذها على الالتزام بقواعد الشرف المنظمة لكيفية أداء العمل ومن العسير صياغتها في قوالب جامدة ، لذلك فإن ما يرد منها في التشريعات يكون على سيبل المثال .

          ويمكن تقسيم الأفعال التي تستوجب مساءلة القاضي إلى ثلاث مجموعات :

المجموعة الأولى ، هي أفعال تنطوي على جرائم جنائية كما في الرشوة وغيرها من الأفعال المعاقب عليها في قانون العقوبات .

والمجموعة الثانية ، هي أفعال ترتبط بحسن السمعة والسلوك العام للقاضي . فإذا كان يشترط فيمن يعين قاضيا أن يكون محمود السيرة وحسن السمعة ( م 16/4 ) ، فإن هذا الشرط لازم قيامه طوال شغل القاضي لمنصبه لأن شروط الصلاحية لشغل المنصب لا تقتصر على القاضي شخصيا ، بل تمتد إلى مركزه في الأسرة وفي المجتمع . ذلك أن سلوك القاضي الشخصي في غير نطاق الوظيفة ينعكس على سلوكه العام في مجال الوظيفة من حيث الإخلال بكرامتها ومقتضياتها ، لذلك يجب أن يلتزم في سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار لأنه لن يستطيع القيام بأعباء المنصب إذا فقد الهيبة بين الناس ، إذ لا يقوم عازل سميك بين الحياة العامة والحياة الخاصة يمنع كل تأثير متبادل بينهما .

          فنوع الحياة التي يحيياها القاضي ، والمظهر الذي يظهر به بين الناس ، ومن يخالطهم من الأصدقاء ، والأماكن التي يرتادها ، ومعاملته لزوجته وأولاده ومدى قيامه بواجبه كرب أسرة ، كل ذلك يمكن أن يكون موضع مساءلة . لذلك يتعين على القضاة أن يضعوا نصب أعينهم الابتعاد عن مواطن الشبهات والريب، وتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى فضيحة عامة ، كالظهور بحالة سكر ظاهر في محل عام ، ولعب القمار على اختلاف أنواعه ، وارتياد المحلات العامة والملاهي التي لا تتناسب مع شخصيته أو وظيفته ، والمضاربة في البورصات ، ومخالطة أشخاص أو أسر ذات سمعة سيئة ، والإفراط في الاستدانة بما يهدد استقراره المالي ويؤدي إلى ارتباك حياته، والتقصير في إشرافه على أسرته ، وعدم استغلال الوظيفة أو النفوذ الرسمي لمنفعة أو ربح شخصي أو تسوية المسائل الخصوصية، لما من شأن ذلك المساس بهيبة القاضي لدي الجماهير أو المساس بسمعة الوظيفة ، لأن أثر ذلك كله لا يقتصر على القاضي وحده بل قد يمتد إلى الجهاز القضائي الذي يعمل فيه .

          بل إن الأمر يمتد ليشمل سلوك زوج القاضي وبناته ، ولا يمكن أن يثار هنا مبدأ ( شخصية المسئولية ) على أساس أن المحاسبة التأديبية يجب أن تنصب على أمور ارتكبها القاضي نفسه ، وأن زوجه وبناته إذا كن قد بلغن سن الرشد فهن أحرار في تصرفاتهن ، فإن هذا المنطق إذا صدق في مجال العقوبات ، فإنه غير مقبول في المجال التأديبي ، لأن الحياة الخاصة للقاضي تنعكس – كما قلنا – على مركزه الوظيفي ، وكثيرا ما يضطر بعض رجال الإدارة إلى الاستقالة بسبب فضيحة تنسب إلى زوجه أو أحد أفراد أسرته المقربين ، ومركز القاضي أكثر حساسية من منصب الإداري مهما علت مكانته . (1)

والمجموعة الثالثة ، هي أفعال تتعلق بالوظيفة العامة التي يشغلها القاضي ، وقد نص قانون السلطة القضائية وقوانين أخرى على حظرها . ومن هذه الأفعال:

  1. القيام بعمل تجاري : فلا يجوز للقاضي القيام بأي عمل تجاري ( م28/1) ، والمقصود بالعمل التجاري هنا الأعمال التي نص قانون التجارة على أنها أعمال تجارية ، وهذا المنع يشمل القيام بالعمل بطريق مباشر أو غير مباشر، باسمه أو بأسماء أخرى . غير أنه ليس ممنوعا على القاضي استثمار أمواله بالطرق التي لا تندرج في النطاق التجاري . وقد راعى المشرع وهو يحرم اشتغال القضاة بالتجارة أنها فضلا عن تعارضها مع مبدأ التفرغ الوظيفي تتعارض مع هيبة القضاء وتعرض القاضي لمخاطر غير محدودة إذا ما توقف عن الدفع وأشهر إفلاسه.
  2. ممارسة العمل السياسي : (م29/2) فيحظر على القاضي الانتماء للأحزاب أو الجماعات السياسية ، والاشتراك في اجتماعات أو مظاهرات حزبية أو دعايات انتخابية ، أو القيام بأي نشاط سياسي، أو نشر مقالات سياسية في الصحف والمجلات بإمضاء صريح أو مستعار ، أو حمل شارة حزب ما أو أن يتشيع له، أو أن يشترك بأية صورة من الصور في أي نشاط بهدف تحقيق هذه الغايات .
  3. القيام بأي عمل لا يتفق واستقلال القضاء وكرامته ، ويدخل في ذلك قبول هدية أو منحة أو امتياز بسبب أدائه لأعمال وظيفته ، أو الاقتراض من أصحاب المصالح المتعلقة بهذه الوظيفة .
  4. إفشاء أسرار المداولات أو المعلومات السرية التي يحصلون عليها أثناء تأديتهم لعملهم .( م 29 / 1) .
  5. إنكار العدالة، ذلك أن واجب القاضي هو أن يفصل في الخصومات المعروضة عليه ، فإذا امتنع عن الفصل في الدعوى دون سبب ، أو أخر الفصل فيها رغم صلاحيتها لذلك ، فإنه يعتبر منكرا للعدالة . ولا يشترط أن يظهر الامتناع في صورة إيجابية تتمثل في رفض القاضي صراحة الفصل في الدعوى ، وإنما يكفي مجرد اتخاذ موقف سلبي يتجسد في عدم بذل القاضي نشاطا ولو لم يصرح بذلك . كما لا يشترط تعمد القاضي الامتناع عن مباشرة وظيفته ، بل مجرد تحقق واقعة الامتناع بصرف النظر عن قصد القاضي أو عدم قصده ذلك . غير أن مجرد تأجيل الفصل في الدعوى لا يعد امتناعا طالما كان لهذا التأجيل ما يبرره ، كمزيد من الدراسة أو لظروف طارئة ألمت بالقاضي ولم يستطع معها العمل .ولا يعد طول الوقت في نظر الدعوى امتناعا طالما أن القاضي ينظر الدعوى ويجد فيها مشاكل معقدة تتطلب وقتا للتفكير في حلها.
  6. الغياب بدون معذرة ، فلا يجوز للقاضي وفق المادة 31/1 من قانون السلطة القضائية أن يتغيب أو ينقطع عن عمله بغير عذر قبل إخطار رئيس المحكمة التابع لها . ذلك أن الغياب بلا عذر يعتبر أخطر ما يهدد فاعلية إنجاز العمل لما يؤدي إليه من إرباك في تعيين موعد الجلسات ونظر الدعاوى وتأجيلها.لذلك استقر القضاء على أن الغياب بلا استئذان سابق – ما دام هذا ممكنا – يعتبر سببا للمساءلة التأديبية . ولا يقتصر معنى الغياب على الانقطاع عن الحضور في أوقات العمل الرسمية ، بل يشمل عدم التقيّد بأوقات الدوام بالحضور متأخرا أو الانصراف قبل نهاية الدوام بدون إذن . وإذا كان ممنوعا على القاضي أن يتغيب عن العمل لأي سبب كان ، فإنه ممنوع عليه من باب أولى أن ( يضرب عن العمل) ، لأن الإضراب فيه معنى التعطيل العمدي لمرفق القضاء . ويلاحظ أن المادة 31 المذكورة قد فرقت بين الغياب غير المتصل والغياب المتصل ، فنصت في الفقرة الثانية منها على أنه 2- يعتبر القاضي مستقيلا إذا انقطع عن عمله مدة خمسة عشرة يوما متصلة بدون عذر يقبله مجلس القضاء الأعلى ولو كان ذلك بعد انتهاء مدة إجازته أو إعارته أو ندبه لغير عمله .  وعلى ذلك فإن الغياب المتصل لمدة تزيد على خمسة عشر يوما بدون عذر لا يعد سببا للمساءلة التأديبية لأن الاستقالة من العمل تعد سببا لانقضاء الدعوى التأديبية ولذلك لا تصلح سببا للمساءلة التأديبية من باب أولى لما في ذلك من تناقض .
  7. الخروج عن واجب اللياقة في معاملة الرؤساء والزملاء والمرءوسين وأفراد الجمهور، فالاحترام والتوقير بين الرئيس والمرءوس ، وبين الزملاء بعضهم وبعض ، وحسن معاملة أفراد الجمهور من المتقاضين وغيرهم هو واجب أخلاقي يتبع الاثنين في كل مكان يلتقيان فيه . وهذا الاحترام لا يقيد المرءوس في ممارسة حرياته وحقوقه لا داخل الوظيفة ولا خارجها، لأنه أمر يتعلق بالأسلوب لا بالموضوع .وهو يفرض على القاضي أن يمتنع عن توجيه الاتهامات الباطلة والنقد اللاذع إلى زملائه ورؤسائه ومرءوسيه ولو تحت ستار الغيرة على الصالح العام .

ثانيا : العقوبات التأديبية

     نصت المادة 55 من قانون السلطة القضائية على 1- أن العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على القاضي هي : أ- التنبيه. ب- اللوم. ج- العزل .

وقد اقتصر المشرع على هذه العقوبات الثلاث ولم يورد العقوبات التأديبية الأخرى الواردة في المادة 68 من قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 ، مثل الخصم من الراتب ، والحرمان من العلاوة الدورية أو الترقية، والوقف عن العمل، وتخفيض الدرجة ، لما لمكانة القاضي وهيبة القضاء من أهمية ، بحيث يؤدي توقيع واحدة من تلك العقوبات على القاضي إلى زوال هيبته أمام المتقاضين ووكلائهم ويقلل من احترامه في نظرهم ، لذلك فإن القاضي الذي يصرّ على ارتكاب مخالفة ما بعد تنبيهه أو لومه يفقد صلاحيته للاستمرار في عمله القضائي ولا يبقى سوى عزله .

لا يملك رئيس المحكمة التابع لها القاضي سوى توقيع عقوبة التنبيه سواء كان شفاها أم كتابة ، بينما يملك مجلس التأديب توقيع أي من العقوبات الثلاث .

ثالثا : السلطة المختصة بالتأديب

تبنى قانون السلطة القضائية النظام الإداري في تأديب القضاة ، فعهد بذلك إلى رئيس المحكمة التي يتبعها القاضي ، أو مجلس التأديب المشكل لهذه الغاية ، ولم ينشئ محكمة تأديبية كما هو الحال في بعض تشريعات الدول الأخرى .

  1. رئيس المحكمة التي يتبعها القاضي

نصت المادة 47 من قانون السلطة القضائية في فقرتها الأولى على أن لرئيس كل محكمة الإشراف على القضاة العاملين بها وعلى سير العمل فيها. كما منحت الفقرة الثانية من هذه المادة لرئيس كل محكمة تنبيه القاضي إلى ما يقع منه مخالفا لواجباته أو لمقتضيات وظيفته . ويقتصر هذا الاختصاص لرئيس المحكمة على المخالفة التأديبية التي تقع لأول مرة ، وله في هذه الحالة أن يوجه للقاضي تنبيها يبين فيه وجه المخالفة وضرورة عدم تكرارها . وقد يكون التنبيه شفويا ويكون في هذه الحالة نهائيا غير قابل للطعن فيه بالاعتراض أو غيره من طرق الطعن . كما قد يكون التنبيه كتابة، وفي هذه الحالة يجوز للقاضي الاعتراض على هذا التنبيه الخطي خلال خمسة عشر يوما من تبليغه إليه وفقا للإجراءات المقررة في المادة 45 من هذا القانون .

ومن الجدير بالذكر هنا أن صلاحية رئيس المحكمة بتنبيه القاضي إلى المخالفة التأديبية قاصرة على تلك المخالفات التي لا تنطوي على جرم جنائي، أما إذا كان الفعل المنسوب للقاضي يشكل جرما جنائيا فإن على رئيس المحكمة رفع الأمر لمجلس القضاء الأعلى لاتخاذ الإجراء اللازم لإحالة القاضي إلى التحقيق الجنائي عملا بالمادتين 56 و 57 من قانون السلطة القضائية .

ويلاحظ على هذا النص ما يلي :

أ- إنه نص على حق القاضي في الاعتراض على التنبيه الخطي ، بينما نجد أن المادة

    45 تتكلم عن تظلم وليس اعتراض.

ب- ورد في المادة 47/2 أنه إذا اعترض القاضي على التنبيه الخطي تقضي المحكمة

       إما برفض الاعتراض أو باعتبار التنبيه كأن لم يكن ، بينما نجد أن التظلم وفق   المادة 45 يقدم بعريضة إلى دائرة التفتيش القضائي التي عليها عرض التظلم على مجلس القضاء الأعلى الذي يفصل في التظلم ويصدر قراره قبل إجراء الحركة القضائية بوقت كاف .

ويتبين من ذلك وجود تناقض في نصوص قانون السلطة القضائية المنظمة لهذه المسألة تستوجب تدخل المشرع لتصويبه .

  • مجلس التأديب

بينت المادة 48 من قانون السلطة القضائية أن تأديب القضاة بجميع درجاتهم من اختصاص مجلس يسمى مجلس التأديب يكون لهذه الغاية . ويؤلف هذا المجلس من أقدم اثنين من قضاة المحكمة العليا وأقدم قاض من قضاة محاكم الاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وعند غياب أحد الأعضاء أو وجود مناع لديه يحل محله الأقدم فالأقدم ممن يلونه في الأقدمية من الجهة التي يتبعها . ويتولى رئاسة المجلس أقدم أعضائه الحاضرين من المحكمة العليا، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة لأعضائه .

ولضمان الحيدة في عمل المجلس فإنه لا يجوز أن يشترك في عضويته من اشترك في التحقيق أو سبق له الاتصال بمراحل الاتهام، أو من وجد بالنسبة له سبب من أسباب التنحي المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، حتى يكون متجردا من التأثير بعقيدة سبق أن كونها عن القاضي موضوع المحاكمة التأديبية .

ويختص مجلس التأديب بنظر الدعاوى التأديبية التي تحال إليه من النيابة العامة في حالتين: الأولى حالة ما إذا تكررت المخالفة بعد تنبيه القاضي من قبل رئيس المحكمة، أو استمرت بعد صيرورة التنبيه نهائيا، والثانية حالة إحالة القاضي إلى مجلس التأديب بناء على تحقيق جنائي.  وللمجلس أن يمارس نوعين من الاختصاصات، اختصاص يتعلق بتوقيع العقوبة المناسبة على الفعل المنسوب للقاضي، وهذا الاختصاص له طابع قضائي . واختصاص له طابع ولائي يتمثل وفق ما نصت عليه المادة 50/3 في وقف القاضي عن مباشرة أعمال وظيفته حتى تنتهي محاكمته ، وله أن يعيد النظر في قرار الوقف في أي وقت . وله كذلك النظر في وقف راتب القاضي أو جزء منه ، ذلك أن قرار وقف القاضي عن العمل لا يترتب عليه وقف مرتبه مدة الوقف إلا إذا قرر مجلس التأديب غير ذلك .

رابعا: الإجراءات التأديبية

يقصد بالإجراءات هنا المعنى الضيق ، أي الخطوات المنظمة التي يتعين اتباعها للتحقق من ارتكاب القاضي للمخالفة المنسوبة إليه تمهيدا لتوقيع العقوبة التأديبية المناسبة عليها، وهي تتمثل في الإحالة إلى التحقيق ، والإحالة إلى مجلس التأديب ، ومن ثم الفصل في الدعوى التأديبية .

  1. الإحالة إلى التحقيق :

البدء بالتحقيق هو مجرد إجراء تمهيدي ولكن قد يترتب عليه نتائج خطيرة قبل القاضي ، لذلك ضمانا لاستقرار القاضي في عمله وعدم تعريضه للحرج ، يجب ألا يبدأ التحقيق معه إلا إذا كانت هناك خطورة حقيقية واحتمال معقول لارتكاب الفعل المنسوب إليه ، لأن من شأن التحقيق – حتى ولو انتهى بالحفظ – أن يثير غبارا حول القاضي ويعرضه للأقاويل مما يزعزع مركزه .

          وقد نصت المادة 49 من قانون السلطة القضائية على أن الدعوى التأديبية تقام على القاضي بناء على طلب من وزير العدل أو من رئيس المحكمة العليا أو من رئيس المحكمة التي يتبعها القاضي ، ولكن لا تقام هذه الدعوى إلا بناء على تحقيق جنائي إذا كان الفعل المنسوب للقاضي ينطوي على جرم جنائي وفي هذه الحالة تتولاه النيابة العامة . أو بناء على تحقيق يجريه أحد قضاة المحكمة العليا يندبه رئيسها لذلك من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من وزير العدل أو من النائب العام أو من رئيس المحكمة التي يتبعها القاضي .

          ويهدف التحقيق إلى كشف الحقيقة ، وقد منحت المادة 49/2 القاضي المنتدب للتحقيق صلاحيات المحكمة بالنسبة لسماع الشهود الذين يرى سماع أقوالهم ، وينظم محضرا بالتحقيق.

          وأول ما يجب أن يقوم عليه التحقيق هو مواجهة القاضي المحال للتحقيق بما هو منسوب إليه دون لبس أو إبهام ، وتمكينه من الدفاع عن نفسه بجميع الوسائل المشروعة ، وإذا انتهى التحقيق يرسل الملف متضمنا التوصيات إلى الجهة التي طلبت إجراء التحقيق .

  • الإحالة إلى مجلس التأديب :

إذا انتهى التحقيق – أيا كانت الجهة التي أجرته – بغير الحفظ ، فإن القاضي

 يحال إلى مجلس التأديب . وفي هذه الحالة تقام الدعوى التأديبية على القاضي من قبل النائب العام بموجب عريضة تشتمل على التهمة أو التهم التي انتهت إليها التحقيقات ، وتودع العريضة لدى سكرتارية مجلس التأديب.( م 50/1).

          ويبحث مجلس التأديب عريضة الدعوى ، وله أن يتخذ من الإجراءات القانونية ما يوصله إلى الحقيقة ، بغض النظر عما تم من هذه الإجراءات في مرحلة التحقيق الإداري أو الجنائي . فإذا وجد أن ما نسب للقاضي لا يشكل مخالفة تأديبية قرر حفظها . وإذا تبين له وجود نقص في التحقيقات فله أن يستوفي ما يراه من نقص أو أن يندب لذلك أحد أعضائه ، ويكون له في هذه الحالة صلاحيات المحكمة فيما يختص بسماع الشهود الذين يرى سماع أقوالهم ( م 51) ، وللقاضي في هذه الحالة أن يستدرك ما فاته من بينات وأن يفند التحقيق وأن يقدم أمام المجلس ما يشاء من أدلة قانونية

          أما إذا رأى المجلس وجها للسير في الإجراءات فإنه يأمر بتكليف القاضي بالحضور في الموعد الذي يحدده لنظر الدعوى التأديبية ، ويجب أن يشتمل التكليف على بيان كاف بموضوع الدعوى وأدلة الإثبات ، وتسلم للقاضي بناء على طلبه وبغير رسوم صورة عن أوراق الدعوى قبل موعد الجلسة بأسبوع على الأقل ( م 50/3).

          وحفاظا على سمعة القاضي نصت المادة 52/1 على أن تكون جلسات المحاكمة التأديبية سرية إلا إذا طلب القاضي المرفوعة عليه الدعوى أن تكون علنية.  وفي اليوم المعين لنظر الدعوى يحضر القاضي بشخصه أمام مجلس التأديب، وله أن يقدم دفاعه كتابة أو أن ينيب أحد القضاة أو أحد المحامين في الدفاع عنه. وإذا لم يحضر القاضي أو من ينوب عنه جاز للمجلس أن يحكم في غيبته بعد التحقق من صحة إعلانه ( م 52/2) . كما يمثل الادعاء العام أمام مجلس التأديب النائب العام أو أحد مساعديه( م49/3) .

          ويكون واجب مجلس التأديب محصورا في الفصل فيما إذا كانت الوقائع المنسوبة إلى القاضي قد حدثت فعلا ، وما إذا كان هو مرتكبها ، وأنها تكون جريمة تأديبية ، ومن ثم تحديد العقوبة المناسبة لها . ومن ثم ليس للمجلس أن يتعرض لغير القاضي الوارد اسمه في عريضة الدعوى ، أو أن يعاقب القاضي على غير الأفعال التي نص عليها صراحة في قرار الإحالة ، غير أنه لا يتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة على الوقائع التي وردت فيه ، فله تغيير وصف التهمة وينزل عليه حكم القانون .

          ويصدر مجلس التأديب قراره في الدعوى التأديبية بعد سماع طلبات الادعاء ودفاع القاضي ، ويجب أن يشتمل القرار على الأسباب التي بني عليه ، وتتلى عند النطق  بالقرار في جلسة سرية ( م 53).

خامسا : الطعن في قرار مجلس التأديب

بالرغم من أن القرار الصادر من رئيس المحكمة أو من مجلس التأديب هو قرار إداري بالمعنى الفني لهذا الاصطلاح ، إلا أنه قرار إداري يصدر من جهة قضائية ذات اختصاص قضائي ، لذلك فإن رئيس المحكمة أو مجلس التأديب لا يستطيع أن يسحب قراره أو يعيد النظر فيه عقب صدوره ، بل يكون وفق المادة 47/2 من قانون السلطة القضائية للقاضي أن يعترض على التنبيه الكتابي الصادر من رئيس المحكمة ، كما يكون للقاضي وللنائب العام وفق المادة 53 من القانون المذكور الطعن على قرار مجلس التأديب بطريق التظلم ، وفقا للإجراءات المقررة في المادة 45 من هذا القانون. وعلى ذلك يكون الطعن في القرار التأديبي على مرحلتين ، الأولى طعن إداري بطريق الاعتراض أو التظلم. والثانية الطعن القضائي بالإلغاء.

  1. الاعتراض أو التظلم :

يتبين من نص المادة 45 من قانون السلطة القضائية أن الاعتراض أو التظلم من

القرار الصادر بعقوبة تأديبية يكون بعريضة تقدم إلى دائرة التفتيش القضائي، وعلى هذه الدائرة عرض الاعتراض أو التظلم على مجلس القضاء الأعلى خلال خمسة أيام من تاريخ تقديمه لها.

          وبينما أوجبت المادة 47/2 على القاضي تقديم الاعتراض خلال خمسة عشر يوما من تبليغه التنبيه الكتابي ، لم تبين المادة 53 المدة التي يجب أن يقدم خلالها التظلم، لذلك فإن للقاضي أو النائب العام تقديم التظلم خلال المدة المقررة للطعون الإدارية بوجه عام وهي ستين يوما من صدور قرار مجلس التأديب أو تبليغه للقاضي إذا صدر في غيابه حسب الحال.

          ويفصل مجلس القضاء الأعلى في الاعتراض أو التظلم بعد الاطلاع على الأوراق وسماع أقوال المعترض أو المتظلم ، ويصدر قراره قبل إجراء الحركة القضائية بوقت كاف يخطر به صاحب الشأن بكتاب مسجل بعلم الوصول(م 45/2).

  • الطعن بالإلغاء:

          لما كان القرار التأديبي الذي يجوز الطعن فيه بالإلغاء لدى المحكمة المختصة هو القرار النهائي ، ولما كان قانون السلطة القضائية قد أوجب تقديم اعتراض أو تظلم على القرار الصادر من رئيس المحكمة أو من مجلس التأديب، فإن القرار الصادر عن رئيس المحكمة أو مجلس التأديب لا يجوز الطعن المباشر فيه لدى المحكمة لأنه إما أن يكون ليس قرارا نهائيا غير قابل للطعن أمام القضاء ما دام قابلا للاعتراض أو التظلم منه، أو أن لا يعترض عليه أو يتظلم منه في الميعاد فيصبح قطعيا فلا يقبل الطعن فيه أيضا.  ، وعلى ذلك فإنه لا يجوز الطعن المباشر لدى المحكمة في هذا القرار قبل أن يفصل مجلس القضاء الأعلى في الاعتراض أو التظلم ، وإلا كان الطعن القضائي سابقا لأوانه وتقرر المحكمة عدم قبوله. (1)

          كما أنه لا يجوز من ناحية أخرى أن يقرر مجلس القضاء الأعلى رفض الاعتراض أو التظلم لوجود طعن في قرار مجلس التأديب لدى المحكمة، لأن الطعن المباشر في قرار مجلس التأديب لدى المحكمة العليا لا يعد سببا موجبا لرفض الاعتراض أو التظلم، ويكون قرار مجلس القضاء الأعلى حريا بالإلغاء .

          فإذا ما أصدر مجلس القضاء الأعلى قراره في الاعتراض أو التظلم ، يكون للقاضي في الحالة الأولى ، وللقاضي أو النائب العام في الحالة الثانية، الطعن في قرار المجلس لدى المحكمة العليا سندا للمادة 46 من قانون السلطة القضائية التي تنص على أنه:1- تختص المحكمة العليا دون غيرها بالفصل في طلبات الإلغاء والتعويض ووقف التنفيذ التي يرفعها القضاة على القرارات الإدارية المتعلقة بأي شأن من شؤونهم… ودلالة المادة33/4 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001 التي تنص على أن : تختص محكمة العدل العليا بالنظر فيما يلي : 4- المنازعات المتعلقة بالوظائف العمومية من حيث التعيين أو الترقية ….أو التأديب… ، باعتباره قرارا إداريا يطعن فيه بالإلغاء وإن كان قد صدر عن جهة إدارية ذات اختصاص قضائي. ذلك أن الموضوع الذي فصل فيه ليس منازعة قضائية بل محاكمة مسلكية تأديبية ، فهو قرار إداري بجزاء تأديبي في مؤاخذة مسلكية تنشئ في حق القاضي الصادرة في شأنه مركزا قانونيا جديدا ما كان لينشأ من غير هذا القرار . وعلى ذلك فإن الطعن في هذا القرار يكون وفق الإجراءات المتبعة للطعن في القرارات الإدارية وليس وفق القواعد العامة الواردة في أصول المحاكمات المدنية والتجارية .

          وتفصل المحكمة العليا في الطعن في حالة الاعتراض إما برفضه أو باعتبار التنبيه كأن لم يكن (م47/3)، كما تفصل في الطعن في حالة التظلم إما برفض الطعن أو بإلغاء القرار المطعون فيه ، وبالتالي يعتبر كأن لم يكن أيضا .

سادسا: انقضاء الدعوى التأديبية

          تنص المادة 54 من قانون السلطة القضائية على أنه: تنقضي الدعوى التأديبية باستقالة القاضي أو بإحالته إلى المعاش ولا تأثير للدعوى التأديبية على الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عن الواقعة ذاتها.

          وتكون الاستقالة صريحة ، وفي هذه الحالة تعتبر الاستقالة مقبولة بعد أسبوعين من تاريخ تقديمها لرئيس مجلس القضاء الأعلى، ويصدر بقبولها قرار من وزير العدل اعتبارا من ذلك التاريخ عملا بالمادة 33 من قانون السلطة القضائية. كما قد تكون الاستقالة ضمنية وذلك في الحالة التي نصت عليها المادة 31 من القانون المذكور بقولها : 2- يعتبر القاضي مستقيلا إذا انقطع عن عمله مدة خمسة عشرة يوما متصلة بدون عذر يقبله مجلس القضاء الأعلى، ولو كان ذلك بعد انتهاء مدة إجازته أو إعارته أو ندبه لغير عمله.

          كما تنقضي الدعوى التأديبية بإحالة القاضي إلى المعاش، وعلى ذلك فإن هذه الدعوى تنقضي ببلوغ القاضي سبعين سنة من العمر عملا بالمادة 34/1 من قانون السلطة القضائية التي تنص على أنه : 1- لا يجوز أن يبقى في وظيفة قاض أو يعين فيها من جاوز عمره سبعين سنة. وبذلك فإنه يعد محالا إلى المعاش بحكم القانون ولا يعود قاضيا من تاريخ بلوغه السبعين من العمر ولو تأخر صدور قرار بذلك من الجهة الإدارية المختصة، لأن هذا القرار هو قرار كاشف وليس قرارا منشئا. وبالتالي فإن استمرار القاضي في عمله بعد بلوغ السبعين من العمر يعد مخالفا للقانون وتكون جميع القرارات أو الأحكام التي يصدرها منعدمة لصدورها عن غير ذي صفة، كما تكون القرارات والأحكام التي يشارك في إصدارها باطلة لصدورها عن هيئة غير مشكلة وفق القانون.

          ومن البديهي أن تنقضي الدعوى التأديبية بوفاة القاضي، ذلك أن العقوبة التأديبية – شأنها شأن العقوبة الجنائية – تتسم بالطابع الشخصي، ومن ثم يجب أن توقع على شخص حي. وعلى ذلك إذا توفي القاضي بعد وقوع الفعل وقبل صدور قرار الإحالة للتحقيق أو مجلس التأديب فلا محل لإحالته لذلك. وإذا توفي بعد رفع الدعوى التأديبية وقبل صدور قرار فيها، فإنه يتعين على مجلس التأديب أن يقرر انقضاء الدعوى لوفاة القاضي. وإذا توفي القاضي بعد صدور القرار التأديبي وأثناء الطعن فيه، فإن الدعوى تنقضي أيضا، سندا للأصل الوارد في المادة 425/3 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 التي تنص على أن تنقضي العقوبة بوفاة المحكوم عليه ، وهذا الأصل هو الواجب الاتباع عند وفاة المتهم أثناء نظر المحاكمة التأديبية، سواء أكان ذلك أمام مجلس التأديب أم أمام المحكمة العليا .           ويلاحظ أن قانون السلطة القضائية لم ينص على مدة معينة تنقضي بعدها الدعوى التأديبية، على أنه إذا كانت الدعوى التأديبية تكون في الوقت ذاته جريمة جنائية، فإن الدعوى التأديبية في هذه الحالة تسقط بتقادم الدعوى الجنائية، وهذا يؤدي إلى نتيجة شاذة وغير مقبولة ، ذلك أنه إذا كانت الدعوى التأديبية لا تكون جريمة جنائية لا يعقل عدم انقضائها ، فليس من المنطق والمعقول أن الجرائم التأديبية الخطيرة التي تشكل جرما جنائيا تسقط بالتقادم ، في حين أن الأخطاء اليسيرة يمكن أن يعاقب عنها القاضي طيلة بقائه في الخدمة . لذلك نرى ضرورة أن يبادر المشرع لتلافي هذا النقص في التشريع . 


(1) د. سليمان الطماوي ، القضاء الإداري، الجزء الثالث، قضاء التأديب ، 1971 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، صفحة 198و199 .

(1) قرار المحكمة العليا في الطعن رقم 2/2008 تاريخ 18/11/2008 غير منشور.