الفصل الثاني – رجال القضاء وأعوانهم

المطلب الرابع

مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة

          قدر المشرع أن القاضي قد يرتكب خطأ أثناء ممارسته لعمله فالخطأ اليسير لا يسلم منه قاض، وأن تركه كباقي موظفي الدولة ليكون مسئولا مسئولية مدنية عن أي خطأ يرتكبه خلال تأديته لوظيفته سيؤدي إلى عدم شعوره بالاستقلال في الرأي عند إصدار حكمه، وهو ما يتنافى مع حسن سير القضاء لما يترتب عليه من تهيب القضاة التصرف والحكم. لذلك قرر مبدأ التقاضي على درجتين ، بحيث يمكن للخصوم تصويب ما قد يعتري الحكم من خطأ أو نقص، وذلك بالطعن فيه بالطرق المحددة في القانون، فإذا استنفذت هذه الطرق وفاتت مواعيدها ثبتت للحكم حجيته التي لا تقبل إثبات العكس وأصبح عنوانا للحقيقة، ولم يعد للخصوم ذريعة للزعم بأن القاضي قد أخطأ في تطبيق القانون وأن هذا الخطأ رتب ضررا للخصم يستوجب أن يقوم القاضي بتعويضه عنه، وإلا أصبح القاضي خصما لكل من صدر الحكم لغير صالحه وشغل بالدفاع عن نفسه بدل أداء واجبه، مما يؤدي – كما قال البعض بحق – إلى أن يقضي القاضي نصف عمره في إصدار الأحكام والنصف الآخر في الدفاع عنها.

          لذلك وضع المشرع نظاما خاصا لمساءلة القضاة يؤمن القضاة في مباشرة عملهم ويحميهم من إسراف الخصوم في رفع الدعاوى التي تفتقد إلى الأساس للكيد بهم، ويوفر احترام حجية الأحكام التي يصدرونها هو نظام مخاصمة القضاة.

          ويقوم هذا النظام على أساس أن الأصل هو عدم مساءلة القاضي عن أي خطأ فيما يصدر عنه من أحكام وأوامر وقرارات أثناء عمله، لأنه يستعمل في ذلك حقا خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه.  ولكن استثناء من هذا الأصل حدد المشرع حالات معينة على سبيل الحصر أجاز مساءلة القاضي عن خطئه فيها إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها، مع عدم خضوعه في ذلك للقواعد العامة من الناحية الإجرائية، وإنما تجري وفق نظام إجرائي خاص يحفظ للقضاء هيبته ويضمن جديّة المخاصمة وسرعة الفصل فيها.

             فدعوى مخاصمة القاضي، أو دعوى التعويض التي يرفعها الخصم المضرور على القاضي لسبب من الأسباب التي نص عليها القانون، هي نظام خاص لمساءلة القضاة مدنيا عن أعمالهم الوظيفية، أفرد لها المشرع أحكاما وإجراءات معينة. وقصر هذه المسؤولية على حالة إخلال القاضي بواجبه إخلالا جسيما، وأحاطه في هذه الحالة بضمانات حتى لا تتخذ مقاضاته وسيلة للتشهير به .   

      وتقتصر قواعد المخاصمة على مسؤولية القاضي عن عمله الوظيفي فقط، أما ما يقع من القاضي من أخطاء خارج نطاق عمله فإنه يخضع للقواعد العامة في المسؤولية المدنية .

      ولا يقتصر الغرض من رفع دعوى المخاصمة على مطالبة بالتعويض فحسب، بل إنها تهدف أيضا إلى الحكم ببطلان ما اتخذه القاضي المخاصم من أحكام وقرارات. ويمكن توجيه الدعوى إلى جميع القضاة، كما يجوز أن توجه إلى أعضاء النيابة العامة.

      ولم يكن قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى يأخذ بهذا المبدأ ، كما لم يأخذ به قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني لعام 1988. وقد اقتبسه المشرع الفلسطيني في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد من قانون المرافعات المصري الذي نظمه في المواد 494 وما بعدها، مع اختلاف في بعض التفاصيل.

أسباب المخاصمة

      نص المشرع على ثلاث حالات تصلح سببا لمخاصمة القضاة ، وهذه الحالات وردت على سبيل الحصر في المادة (153) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد وهي :

الحالة الأولى: الغش والتدليس

          يقصد بالغش ، الانحراف عن العدالة بقصد وسوء نية لاعتبارات خاصة تتنافى مع النزاهة، نتيجة لخضوع القاضي إلى عامل المحبة أو البغضاء أو المصلحة الشخصية. فهو يصدر عن القاضي بقصد، أي أنه عمد إلى الانحراف في عمله عن بصيرة وإدراك، سواء للرغبة في إيثار أحد الخصوم أو الانتقام منه، أو لتحقيق مصلحة شخصية له.

          وصور الغش متعددة ولا يمكن حصره، فهو يقوم في كل حالة ينحرف فيها القاضي عن العدالة مستعملا وسائل التحريف العمد في الوقائع أو الأقوال أو المستندات التي أسس عليها حكمه أو قراره أو تصرفه، قاصدا الإضرار بأحد الخصوم أو محاباته على حساب العدالة . من ذلك تغيير شهادة الشهود، وتحريف أقوال الخصوم، ووصف مستند بغير ما اشتمل عليه، وتغيير في مسودة الحكم، كما يعد غشا انحراف القاضي في استعمال سلطته التقديرية عن غايتها وهي تحقيق القانون إلى تحقيق مصلحة خاصة ولو لم يكن القاضي قد لجأ إلى وسائل احتيالية.(1)

ولا يختلف التدليس عن الغش فهو يقع عندما يصدر الحكم أو الأمر عن القاضي مخالفا العدالة، والجامع بينهما هو سوء النية، أي العمد وقصد الإضرار بالخصم وذلك بانحراف عن علم وسوء قصد عن جادة الصواب، لذلك يمكن الاكتفاء بالغش باعتبار أنه يشمل كذلك التدليس.

الحالة الثانية: الخطأ المهني الجسيم

          الخطأ المهني الجسيم هو الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط فاضح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي ، أو بسبب إهماله في عمله إهمالا مفرطا أو لجهل لا يغتفر. فهو الخطأ الذي لا يرتكبه القاضي المتبصر الحريص في عمله. (2)

      والفارق بين الغش والخطأ الجسيم ، أن الغش يفترض العمد ويلزم لتوافره سوء النية وهو أمر عسير الإثبات . بينما الخطأ يفترض الإهمال ولا يشترط فيه سوء النية لذلك يسهل إثباته . فيكفي أن يثبت المتقاضي أن القاضي قد ارتكب خطأ جسيما، كما لو سها في تسبيب حكم أصدره وترتب على ذلك بطلان الحكم، أو أنه تسبب عن غير قصد فلم يطبق قانونا جديدا نافذا . ومن ذلك أيضا الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون، وتسبب القاضي عن غير قصد في ضياع أحد المستندات الهامة في الدعوى، والجهل الفاضح بالوقائع الثابتة في ملف الدعوى كأن يقرر عدم وجود واقعة رغم كونها ظاهرة في الأوراق.

          ولا يعد خطأ جسيما، الخطأ في تقدير الوقائع أو في تكييفها، أو في تفسير القانون على وقائع الدعوى، أو في تسبيب الحكم طالما كان القاضي في ذلك حسن النية. (1)وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول بالنسبة للمسألة القانونية المطروحة ولو خالف في ذلك أحكام القضاء أو آراء الفقهاء. واشتراك أحد القضاة في المداولة دون سماعه للمرافعة النهائية، وأمر القاضي بالحبس في جنحة لا يجيز فيها القانون الحبس الاحتياطي.(2) وعدم إثبات تخلف أحد القضاة عن النطق بالحكم مع توقيعه على مسودته وحلول غيره محله، لا يعد سببا للمخاصمة وإن كان يترتب عليه بطلان الحكم .  

      وقد اشترط المشرع لمساءلة القاضي عن الخطأ المهني الجسيم أن يكون هذا الخطأ لا يمكن تداركه. وبذلك وضع معيارا يمكن بموجبه معرفة متي يكون الخطأ المهني الجسيم موجبا للمساءلة. فإذا كان يمكن تدارك هذا الخطأ لا مسؤولية عنه رغم جسامته حتى لو كان هذا الخطأ محل مساءلة تأديبية، أما إذا كان لا يمكن تداركه فإنه يكون خطأ مهنيا جسيما موجبا للمسؤولية المدنية والمخاصمة . وعلى ذلك فإن القاضي لا يكون محلا للمساءلة إذا كان الحكم الذي أصدره قابلا للطعن فيه، فسبيل تدارك الخطأ في هذه الحالة هو الطعن في الحكم بطريق الطعن المناسب .(3) وعلى ذلك لا يكون قاضي الصلح محلا للمساءلة إلا إذا كان الحكم الذي أصدره غير قابل للاستئناف، ولا يكون قاضي البداية محلا للمساءلة إلا إذا نظرت المحكمة الدعوى بصفتها الاستئنافية وكان حكمها أو قرارها غير قابل للطعن بالنقض، وكذلك الحال بالنسبة لقاضي الاستئناف.

          وتحديد الفعل المنسوب صدوره من القاضي من الوقائع المكونة له مسألة واقع تستقل بتقديره محكمة الموضوع ولا تخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، غير أن وصف المحكمة هذا الفعل بعد استخلاصه من الوقائع بأنه يعتبر خطأ مهنيا جسيما أو لا يعتبر، أي تقدير مدى جسامة الخطأ هي مسألة قانونية تتعلق بتكييف وقائع الدعوى، والتكييف مسألة قانون يخضع لرقابة محكمة النقض.

          وعلى أي حال يجب عند تقدير قيام الخطأ الجسيم أن يؤخذ في الاعتبار الظروف التي يعمل القاضي من خلالها، ويقصد بهذه الظروف عدد القضايا التي ينظرها، وانتظام وصول القوانين الجديدة إليه، وعدد الجلسات التي يعقدها كل أسبوع، وتخصص أو عدم تخصص القاضي، ووجود أو عدم وجود الإدارات القانونية التي تساعد القاضي في أداء عمله، ووسائل إمداد القاضي بالمعلومات الحديثة والمتطورة.(1)

ثانيا : في الأحوال الأخرى التي يقضي فيها القانون بمسؤولية القاضي والحكم عليه بالتعويضات

      ويشترط في هذه الحالة أن يكون هناك نص في القانون يرتب مسؤولية على القاضي لسبب معين، وأن يقرر هذا النص صراحة أن جزاء هذه المسؤولية هو الحكم على القاضي بالتعويضات .

     نصت المادة 30 / 3  من القانون الأساسي المعدل على أنه ( يترتب على الخطأ القضائي تعويض من السلطة الوطنية يحدد القانون شروطه وكيفياته).  غير أنه لا يوجد في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية نص يحدد شروط وحالات التعويض عن الخطأ القضائي سوى ما جاء في المادة 160/2 بأنه ( إذا قضت المحكمة للمدعي بطلباته تحكم على المدعى عليه بالتعويضات والمصاريف وببطلان تصرفه). بينما تقضي المادة (175) من قانون المرافعات المصري بالحكم على القاضي بالتضمينات إذا لم يودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه في الميعاد الذي حدده القانون إذا ترتب على ذلك بطلان الحكم، كما تقضي المادة 179 منه بضرورة توقيع رئيس الجلسة وكاتبها على نسخة الحكم الأصلية خلال أربع وعشرين ساعة من إيداع المسودة في القضايا المستعجلة وسبعة أيام في القضايا الأخرى وإلا كان المتسبب في التأخير ملزما بالتعويض.

المحكمة المختصة بدعوى المخاصمة

           تحرص التشريعات المختلفة على جعل الاختصاص بدعوى المخاصمة لمحكمة أعلى درجة من المحكمة التي يتبعها القاضي المدعى عليه، لضمان عدم عرض الدعوى على زملاء للمدعى عليه مما قد يؤثر في حيادهم.      

          لذلك نجد أنه وفق المادة (158) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية تحدد المحكمة المختصة برؤية دعوى المخاصمة على النحو التالي :

  1. إذا كان المدعى عليه قاضيا بالمحكمة العليا (النقض أو العدل العليا) أو بمحكمة الاستئناف أو نائبا عاما، تختص بنظر الدعوى إحدى دوائر محكمة النقض، وإذا كانت المخاصمة موجهة لإحدى هيئات محكمة النقض قدمت الدعوى لهيئة أخرى.
  2. إذا كان المدعى عليه قاضيا أو عضو نيابة من غير المذكورين سابقا، تختص بنظر الدعوى محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة .

إجراءات المخاصمة

        تقام دعوى المخاصمة على القاضي الذي قام به سبب من أسباب المخاصمة أيا كانت درجته أو المحكمة التي يعمل فيها. بل يمكن مخاصمة الهيئة التي نظرت الدعوى بكاملها ولو كانت بمحكمة النقض، لأن نظام سرية المداولة يقف عادة عقبة في سبيل معرفة القاضي الذي ينسب إليه الخطأ، فضلا عن أن الحكم يصدر عن الهيئة بكاملها، إلا إذا وجد رأي مخالف. ولا يستثنى من ذلك سوى الهيئة العامة بالمحكمة العليا، فالقول بإمكانية مخاصمتها يجعل دعوى المخاصمة بغير محكمة تنظرها.

 ويعتد بصفة القاضي – أو عضو النيابة العامة – عند ارتكاب الخطأ الذي ترفع الدعوى بسببه، لذلك يجوز رفع دعوى المخاصمة على القاضي حتى بعد إحالته إلى المعاش. وباعتبارها دعوى تعويض فإنه في حال وفاة القاضي يمكن أن ترفع على ورثته. كما يجوز اختصام الدولة في نفس الخصومة لأنها المسئولة المباشرة عن أداء مرفق القضاء لوظيفته بشكل معيب باعتبار القاضي تابعا لها تطبيقا لقواعد مسئولية المتبوع عن أعمال التابع.

      وتوجب المادة (154) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على المدعي في دعوى المخاصمة قبل إقامتها أن يخطر مجلس القضاء الأعلى بما يسنده إلى المدعى عليه سواء كان قاضيا أو عضو نيابة، فإذا أقام دعوى المخاصمة قبل إخطار المجلس بذلك كانت دعواه حرية بعدم القبول ، ولا يكفي طلب الإذن بالمخاصمة من رئيس المجلس فهذا الطلب لا يغني عن إخطار المجلس بذاته.(1)

      بينما تبين المادة (155) منه أن دعوى المخاصمة تقام بلائحة تقدم إلى محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة موقعة من المدعي أو من وكيله بموجب توكيل خاص . ويجب أن تشتمل اللائحة على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها وأن ترفق بها الأوراق المؤيدة لها . وعلى المدعي إيداع خزينة المحكمة مبلغ مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا على سبيل الكفالة .

      ويأمر رئيس محكمة الاستئناف بتحديد جلسة سرية لنظر دعوى المخاصمة يبلغ بها الخصوم (م156). وتعرض الدعوى على المحكمة المختصة بنظرها، وتقوم المحكمة بسماع الخصوم (المدعي أو وكيله والقاضي أو عضو النيابة المدعى عليه) مرافعة أو بموجب مذكرات مكتوبة، لتتحقق من صحة الإجراءات والمواعيد، كما تتحقق من المستندات من قيام الدعوى على حالة من حالات المخاصمة. فإذا تبين لها هذا قررت قبول دعوى المخاصمة ويكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى من تاريخ هذا الحكم (م159) .

          ويجوز للمدعي ترك الخصومة في دعوى المخاصمة ما دام القاضي المخاصم لم يبد أي طلبات، وإلا فإنه لا يجوز الحكم بترك الخصومة إلا بقبوله عملا بالمادة 138 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 ، ذلك أن هذا النص هو نص عام مفاده جواز ترك الخصومة أيا كان موضوعها ولم يستثن دعوى المخاصمة من حكمها.(1)

الحكم في دعوى المخاصمة

      إذا قضت المحكمة بعدم قبول دعوى المخاصمة أو بردها ، تحكم على المدعي بغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا ، وبمصادرة الكفالة مع التعويضات إذا كان لها وجه (م160/1). ويجوز للقاضي أن يتولى الفصل في الدعوى إذا لم يقم أي عائق في سبيل ذلك، كما إذا أقيمت عليه دعوى تأديبية. ولا يحكم للقاضي المخاصم بالتعويض في حال رفض دعوى المخاصمة إلا إذا طلب ذلك بدعوى فرعية أثناء نظر المخاصمة، كما يجوز له رفع دعوى أصلية لدى المحكمة المختصة أصلا وفق القواعد العامة.

      أما إذا قضت المحكمة بصحة المخاصمة فإنها تحكم على القاضي أو عضو النيابة المدعى عليه بالتعويضات والمصاريف وببطلان تصرفه، ولكن في هذه الحالة فإن على المحكمة وفق المادة (161) أن لا تحكم ببطلان الحكم الصادر لمصلحة خصم آخر غير المدعي إلا بعد تبليغه لإبداء أقواله حتى لا يؤخذ بحكم في خصومة لم يكن طرفا فيها ودون أن تتاح له فرصة الدفاع عن مصلحته، وذلك احتراما لحقوق الدفاع .

       ويترتب على بطلان الحكم إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور الحكم . وتوفيرا للوقت والجهد أجاز المشرع للمحكمة التي تقضي ببطلان الحكم أن تحكم في الدعوى الأصلية إذا رأت أنها صالحة للحكم في موضوعها بعد سماع الخصوم (م160/2). أما إذا اكتفت بتقرير البطلان فإنها تحيل الدعوى للمحكمة المختصة لنظرها والحكم فيها من جديد.

    ويلاحظ هنا أن الدولة تكون مسئولة عما يحكم من التضمينات على القاضي أو عضو النيابة، وأن لها حق الرجوع عليه طبقا للقواعد العامة في القانون .

الطعن في الحكم

             أجازت المادة (162) الطعن في الحكم الصادر في دعوى المخاصمة ما لم يكن صادرا من محكمة النقض . بمعنى أن الدعوى إذا كانت مقامة لدى محكمة الاستئناف فإنه يجوز الطعن في الحكم الصادر عن هذه المحكمة بطريق النقض . أما إذا كانت الدعوى قد نظرت أصلا في إحدى دوائر النقض فإن الحكم يكون نهائيا غير قابل للطعن، وقد جاء سياق عبارة النص عاما مطلقا يدل على أن مراد المشرع في أن يكون منع الطعن منصبا على كافة الأحكام التي تصدرها هذه المحكمة في دعاوى المخاصمة دون قيد أو تخصيص، لذلك لا يجوز مخاصمة هيئة محكمة النقض التي أصدرت الحكم في دعوى المخاصمة. (1) وهذا أمر بديهي لأن القول بغير ذلك يجعل من دعوى المخاصمة سيفا مسلطا على قضاة محكمة النقض بحيث إذا لم تحكم هيئة المحكمة لصالح خصم القاضي أو الهيئة المخاصمة قام بمخاصمتها، وهكذا وهو ما يتنافى مع المنطق ومع طبيعة دعوى المخاصمة باعتبارها أجيزت على سبيل الاستثناء.

تقادم دعوى مخاصمة

      حددت المادة (163) مدة قصيرة لتقادم دعوى المخاصمة فنصت على أنه :

  1. تسقط دعوى المخاصمة بمضي ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ اكتشاف الغش أو التدليس أو الخطأ المهني الجسيم .
  2. وفي جميع الأحوال تسقط هذه الدعوى بمضي ثلاث سنوات على ارتكاب الفعل المستوجب للمخاصمة .

(1) د. احمد المليجي، الجزء السادس، صفحة 734 . د. أحمد هندي، أصول قانون المرافعات المدنية والتجارية، الدار الجامعية الجديدة للنشر ، الإسكندرية ، 2002، صفحة 54 .

(2) نقض مدني 1/2004 تاريخ 30/4/2007 ج 3 ص 352.

(1) ) الحكم المشار إليه ذاته.

(2) د. أحمد المليجي، المرجع السابق، صفحة 730 .

(3) لم يرد في المادة 491/1 من قانون المرافعات المصري مثل هذا الشرط، لذلك يمكن في مصر مخاصمة القاضي عن الخطأ الجسيم حتى ولو كان يمكن تداركه بطريق الطعن في الحكم. كما أن المادة المذكورة أضافت في الفقرة الثانية منها حالة ليس لها مثيل في قانون = = أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني وهي إذا امتنع القاضي من الإجابة على عريضة قدمت له أو من الفصل في قضية صالحة للحكم وذلك بعد إعذاره مرتين على يد محضر خلال مدد محددة في الفقرة المذكورة.

(1) د. أحمد هندي، المرجع السابق، صفحة 59و60.

(1) نقض مدني 186/2006 تاريخ 30/4/2007 ج 3 ص 357 ، ونقض مدني  58/2007 تاريخ 1/11/2007 ج 3 ص 360.

(1) د. أحمد المليجي، المرجع السابق، صفحة 783، حيث يقول ذهب رأي في الفقه إلى أنه لما كانت دعوى المخاصمة تتعلق بالمصلحة العامة فإنه يتعين أن تنظر ولو نزل عنها المدعي، لأن المصلحة العامة تقتضي حتما الفصل فيها متى رفعت ( أبو الوفا) . ولكن قضاء محكمة النقض المصرية مستقر على جواز ترك الخصومة في دعوى المخاصمة.

(1) نقض مدني دعوى المخاصمة رقم 65/2007 تاريخ 24/6/2008 غير منشور.