الفصل الثاني – شروط قبول الدعوى

      يشترط القانون لسماع الدعوى توافر شروط معينة ، وبغير توافرها تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى دون حاجة إلى فحص موضوعها . وهذه الشروط هي :

  1. أن تكون لرافع الدعوى مصلحة في رفعها .
  2. ألا يكون قد سبق صدور حكم في موضوعها ، إذ لا يجوز للمحكمة أن تفصل في نزاع سبق أن حسمه حكم سابق تطبيقا لمبدأ حجية الشيء المحكوم به ، إلا إذا كانت هذه المحكمة مختصة بنظر الطعن الموجه لذلك الحكم .
  3. أن ترفع الدعوى في المناسبة أو الميعاد الذي حدده المشرع ، فلا تقبل إذا رفعت قبل هذا الميعاد ومثال على ذلك المادة 260 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية بخصوص دعوى الإجراءات المختصرة التي تنص على أنه ” يتعين على المدعي أن يخطر المدعى عليه بأداء الحق المدعى به وذلك قبل إقامة الدعوى بخمسة عشر يوما ويرفق هذا الإخطار بلائحة الدعوى ،  والمادة 7 من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على أنه ” لا تسمع دعوى الزيادة أو النقص في النفقة المفروضة قبل مضي ستة أشهر على فرضها ما لم تحدث طوارىء استثنائية كارتفاع الأسعار”.  ودعوى التفريق للغيبة سنه فأكثر بلا عذر مقبول . أو بعد انتهاء هذا الميعاد مثال ذلك عدم سماع الدعوى لمرور الزمن ( التقادم ) .
  4. ألا يكون قد اتفق على التحكيم بصددها ، لأن مثل هذا الاتفاق يعد صحيحا وملزما لطرفيه وبالتالي يمنع المحكمة من سماع الدعوى .
  5. ألا يكون قد تم صلح بين الخصوم بصدد الدعوى المرفوعة ، إذ أنه بمقتضى الصلح لا يعتد بما كان للخصوم من حقوق سابقة شملها ذلك الصلح ، وبالتالي لا يكون لديهم دعوى لحمايتها.  أما إذا ثار النزاع بصدد تفسير الصلح فمن الجائز أن ترفع دعوى بصدد تفسيره وتحديد حقوق أطرافه .

      ونقتصر هنا على دراسة الشرط الأول وهو شرط المصلحة في الدعوى لأن باقي الشروط واضحة ولا تحتاج إلى تفصيل .

المصلحة في الدعوى

      يشترط الفقه لقبول الدعوى شكلا ، أي بصفة مبدئية ، أن تتوافر للمدعي مصلحة ظاهرة ، وأن تكون هذه المصلحة لفائدة المدعي نفسه . فالمصلحة في الدعوى تعني الحاجة إلى الحماية القانونية . ويسلم جميع الفقهاء  بوجود قاعدة قانونيه تنص على أن ” المصلحة مناط الدعوى ” وأنه لا دعوى بغير مصلحة . وتطبق جميع المحاكم هذه القاعدة رغم عدم النص عليها في القانون ، لأنه من الواجب ألا تشغل المحاكم بدعاوى لا يفيد منها أحد . ولم ينص المشرع الأردني على هذه القاعدة إلى أن صدر قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد رقم 24 لسنة 1988 فنص في الفقرة الأولى من المادة الثالثة منه على أنه “1- لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون “. ونظم المشرع الفلسطيني هذا الحكم في المادة الثالثة من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد مضيفا إليه الدعوى ، وهذه المادة أكثر شمولا ودقة من النص الأردني حيث نصت على أنه

  1. لا تقبل دعوى أو طلب أو دفع أو طعن لا يكون لصاحبه مصلحة قائمة فيه يقرها القانون .
  2. تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه .
  3. إذا لم تتوافر المصلحة وفقا للفقرتين السابقتين قضت المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى .

فالمصلحة وفق هذا النص شرط لقبول أي دعوى أو طلب أو دفع أو طعن في حكم أيا كان نوعه، سواء كان من طرفي الدعوى أم من جانب الغير الذي يتدخل في الدعوى منضما أو مختصما.

       ويقصد بالطلب، الطلب الموضوعي – سواء كان أصليا أم عارضا- أو طلبا يتصل بإجراءات سير الدعوى أو إثباتها. ويقصد بالدفع، الدفع الموضوعي والدفع الشكلي والدفع بعدم القبول، ودفع الدفع وهو عادة من الدفوع بعدم القبول كالدفع بقدم قبول الدفع الشكلي بسبب الإدلاء به بعد التكلم في الموضوع.

       فإذا دفع خصم في نزاع على ملكية عين ببطلان عقد بيع بدعوى أنه هبة تمت بعقد عرفي، وسلم له خصمه بالبطلان متمسكا بالحيازة المدة الطويلة، وقضت له المحكمة على هذا الأساس، فإنه لا يقبل من المحكوم عليه عند الطعن في الحكم أن يدفع بصورية العقد لانعدام المصلحة في الدفع ما دامت المحكمة لم تبن حكمها بالملكية على العقد المدعى بصوريته وإنما بنته على الحيازة الطويلة المدة.

       كما أنه إذا كان المدعى عليه قد دفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى في نهاية مرافعته بعد أن كان أبدى طلباته الختامية المتعلقة بأصل الدعوى، وبدل أن تقضي المحكمة بسقوط حقه في هذا الدفع بحثت الدفع وقضت برفضه، فإنه لا يقبل الطعن في هذا الحكم بدعوى أن المحكمة أخطأت فقضت برفض الدفع بدلا من القضاء بسقوط الحق فيه، فهذا الدفع عديم الجدوى لانعدام المصلحة ويتعين عدم قبوله.

أوصاف المصلحة

      يقصد بالمصلحة في هذا المعنى الفائدة العملية أو المنفعة التي يجنيها المدعي من التجائه إلى القضاء، فلكي تكون الدعوى مقبولة يجب أن تكون هناك فائدة تعود على المدعي من دعواه على فرض الحكم لصالحه، أما إذا كان الغرض من الدعوى مجرد الكيد فإن القضاء لا يتردد بعدم قبولها. وتعد الدعوى كيدية إذا كانت مبنية على مصلحة تافهة أو حقيرة(1) .

          وعلة اشتراط المصلحة هي عدم اشتغال القضاء بدعاوى لا فائدة منها، من ذلك دعوى وارث ببطلان إقرار صدر من مورثه بملكية الغير للمال، إذا كان الوارث لا يدعي أن هذا المال ملك لمورثه، ودعوى دائن مرتهن ببطلان إجراءات التوزيع إذا كان من الثابت أن ديون الدائنين السابقين له في المرتبة تستغرق كل المبلغ الذي ينصب عليه التوزيع ولن يبقى لرافع الدعوى شيء .

 وحتى تكون المصلحة جديرة بالاعتبار يجب أن تتوافر فيها أوصاف أو شروط معينه هي : أن تكون المصلحة قانونية ، وأن تكون شخصية ومباشرة ، وأن تكون قائمة وحالة .

أولا : المصلحة القانونية

      يقصد بأن تكون المصلحة قانونية ، أن يكون موضوعها المطالبة بحق أو مركز قانوني . فوظيفة القضاء هي حماية النظام القانوني ، لذا لا تقبل الدعوى إلا إذا كانت ترمي إلى حماية حق أو مركز قانوني بتقريره إذا نوزع فيه، أو دفع العدوان عليه، أو تعويض ما لحق به من ضرر بسبب ذلك . أما إذا رفعت الدعوى للمطالبة بمصلحة اقتصادية أو أدبية لا يحميها القانون فإنها لا تكون مقبولة لأنها تتجاوز وظيفة القضاء.

      ومثال المصلحة الاقتصادية البحتة ، أن يطلب تاجر بطلان شركة منافسة في تجارته دون أن يكون شريكا فيها ، فلهذا التاجر مصلحة ظاهرة في طلب إبطال الشركة للتخلص من منافستها له في السوق ، ولكن هذه المصلحة ليست مصلحة قانونية بل هي مجرد مصلحة اقتصادية ، ولذلك فإنها لا تكفي لقبول دعواه .

      أما المصلحة الأدبية المحضة ، فمثالها أن ترفع فتاة دعوى على خطيبها تطلب فيها الزواج منه نظرا للعلاقات العميقة التي قامت بينهما خلال فترة الخطبة ، فمهما بلغت مبررات هذا الطلب الأدبية وعدالته، فإنه لا يرقى إلى مستوى الدعوى القانونية.

      والمصلحة القانونية قد تكون مادية أو مالية إذا كان الغرض من الدعوى حماية حق عيني أو اقتضاء حق شخصي، سواء بتنفيذ التزام عقده المدعى عليه مع المدعي تنفيذا عينيا، أو المطالبة بدين، أو طلب مبلغ من النقود نتيجة لتعهد ارتبط به المدعى عليه، أو عن إخلال المدعى عليه بالتزام واقع على عاتقه. وقد تكون أدبية أو معنوية مثل تعويض رمزي عن فعل ضار ارتكبه خصمه في حقه، كالدعوى التي يرفعها شخص على صحفي نشر مقالا يمس شرفه يطلب فيها إلزام الصحفي بأن يدفع إليه قرشا واحدا على سبيل التعويض الرمزي ، مع نشر الحكم في الجريدة التي نشر فيها ذلك المقال، ودعوى الأب عن الألم النفسي الذي أصابه لقتل ولده.

          وتوصف المصلحة بأنها مادية أو أدبية طبقا لما يطلبه المضرور في دعواه، فإذا طالب بالتعويض المالي كانت مصلحته مادية، وإذا طلب الترضية المعنوية كانت مصلحته أدبية. وعلى ذلك قد يكون الضرر أدبيا ولكن المدعي يطلب تعويضا ماليا كبيرا، وقد يكون الضرر ماديا ولكن المدعي يطلب تعويضا أدبيا.

ثانيا : المصلحة الشخصية المباشرة

      يقصد بالمصلحة الشخصية المباشرة أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق المراد حمايته أو من ينوب عنه كالوكيل بالنسبة للموكل ، والولي أو الوصي بالنسبة للقاصر . وهو ما يعبر عنه الفقه والقضاء بالصفة في الدعوى . فإذا لم تتوافر لرافع الدعوى الصفة القانونية ، أي لم يثبت أن له ولاية التقاضي عن غيره ، فان دعواه تكون غير مقبولة .(1) لذلك لا تقبل الدعوى التي يرفعها شخص للمطالبة بحق الغير كالمطالبة بحق لأبيه أو أخيه أو ابنه دون أن يكون وكيلا عن صاحب الحق أو له الولاية عليه . وعلة ذلك أن صاحب الحق أقدر على ترجيح مصلحته وله الخيار في رفع الدعوى من عدمه .

      والقاعدة كما قلنا أن يرفع الدعوى صاحب الحق المعتدى عليه أو نائبه لأنه وحده صاحب الصفة في رفعها . غير أن المشرع أجاز استثناء من هذه القاعدة أن ترفع الدعوى من غير صاحب الحق أو نائبه بموجب نص قانوني. وأمثلة ذلك في القانون عديدة، مثل الدعوى غير المباشرة التي يرفعها الدائن على مدين مدينه للمطالبة بحق مدينه( مادة 366 مدني أردني) حيث يعتبر القانون الدائن في هذه الحالة نائبا عن مدينه في مقاضاة مدين المدين نيابة قانونية، والدعوى التي يجيز القانون أن  ترفعها النيابة العامة مثل دعوى الإفلاس، والدعاوى التي ترفعها النقابات والجمعيات دفاعا عن مصالح أعضائها، مثل الدعوى التي ترفعها نقابة عمالية ضد رب العمل لإخلاله بالتزام وارد في اتفاق عمل جماعي عملا بأحكام المواد 60-65 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000. ومن الأمثلة الظاهرة في الشريعة الإسلامية دعوى الحسبة، وهي دعوى لا يكون لرافعها مصلحة شخصية مباشرة ، بل يرفعها بقصد الدفاع عن حق من حقوق الله ، احتسابا لوجه الله تعالى وابتغاء الثواب منه ، وأساسها النهي عن المنكر . ومثال ذلك رفع دعوى للتفريق بين زوجين يمنع الدين من زواجهما كأن يكون بين الزوجين قرابة محرمية أو أخوة بسبب الرضاع أو أن الزوج مسيحي والزوجة مسلمة ، ودعوى إثبات الطلاق البائن .

 

ثالثا : المصلحة القائمة والحالة

      يقصد بالمصلحة القائمة أن تكون مصلحة المدعي في الدعوى مصلحة مؤكدة غير احتمالية ، أما المصلحة الحالة فيراد بها ألا تكون المصلحة مستقبلية .

      وتتوافر المصلحة القائمة الحالة في حالتين :

الحالة الأولى ، إذا وقع اعتداء على حق المدعي بالفعل أو حصلت له منازعة فيه ، فيتحمل المدعي ضررا حالا نتيجة حرمانه من منافع حقه ، وتوجد له بالتالي مصلحة قائمة وحالة في إصلاح هذا الضرر، تبرر الالتجاء إلى القضاء. وقد يتم ذلك بمجرد الامتناع عن فعل ، كأن يمتنع المدين عن سداد دين حل أجله، كما قد لا يتحقق الضرر إلا بإتيان عمل إيجابي من جانب شخص ما يترتب عليه حرمان صاحب الحق من مزايا حقه ، كالاعتداء على حق الملكية .

والحالة الثانية ، وتتوافر فيها المصلحة القائمة والحالة رغم أن الاعتداء على حق المدعي لم يقع بعد ، إذا كان يتهدد هذا الحق خطر حال أو محدق يحتمل وقوعه ، لأن هذا الخطر المحتمل يثير الخوف وعدم الاطمئنان في نفس المدعي ويهدد استقراره ، وبذا توجد له مصلحة قائمة وحالة في الوقاية من هذا الضرر  المحتمل وإزالة ما يعتريه من خوف وهو ما يعبر عنه بالمصلحة في الاستقرار ذلك أن الفقه الحديث يرى أن القضاء في المجتمعات الحديثة لا ينبغي أن يقتصر على إصلاح الضرر بعد وقوعه، بل ينبغي أن يؤدي  دورا وقائيا ، لأن الوقاية خير من العلاج ، وتدخل القضاء لمنع الضرر أولى من تدخله لإصلاح هذا الضرر .

      وقد نص قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على هذه الحالة في الفقرة الثانية من المادة الثالثة منه بقولها ” 2- تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه “.

      ويلاحظ على هذا النص أن استعمال المشرع عبارة ” المصلحة المحتملة ” غير دقيق، ذلك أن هذا النص لا يتناول استثناء يرد على شرط المصلحة ، بل يعرض لشرط وقوع الضرر فعلا ، فيتخفف في بعض الحالات ويجيز قبول الدعوى رغم أن الضرر لم يقع بالفعل ولكن يحتمل وقوعه . لذا فالأولى أن يقال عنها ” المصلحة الوقائية “. ويعبر عن الدعاوى التي تستند إلى هذه المصلحة بالدعاوى الوقائية ، لأنه في الحالتين تتوافر للمدعي مصلحة قائمة وحالة في الدعوى في الحالة الأولى مصلحة حالة في إصلاح الضرر الحال ، وفي الحالة الثانية مصلحة حالة في الوقاية من الضرر المحتمل(1).

      وتحصر الفقرة الثانية المذكورة الحالات التي يكفي فيها احتمال وقوع الضرر لقبول الدعوى في طائفتين من الدعاوى الوقائية :

أولا : دعاوى الغرض منها الاحتياط لدفع ضرر محدق . ويشترط في هذه الطائفة أن يكون الضرر محدقا أو وشيك الوقوع ، أي أن تستند إلى خطر عاجل وهو الخطر الذي يمكن أن يقع في أية لحظة كنتيجة مباشرة لأسباب قائمة بالفعل ومثالها دعوى وقف الأعمال الجديدة . ومن صورها أن يبدأ شخص في بناء حائط يؤدي لو اكتمل البناء إلى سد مطل للجار ، فيطالب الجار بالحكم بوقف بناء هذا الحائط تفاديا لسد المطل .

     وكذلك دعوى ” قطع النزاع ” وصورتها أن يزعم شخص أن له حقا قبل آخر ، فيرفع الأخير دعوى على الأول يطالبه فيها بإثبات ما يدعيه ، فإذا عجز عن الإثبات حكم عليه بأنه لا حق له فيما يزعمه ، ويحوز هذا الحكم حجية الشيء المحكوم فيه . ولم تكن هذه الدعوى مقبولة في ظل قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى ، فأصبحت بهذا النص الجديد صحيحة ومقبولة .

ثانيا : دعاوى الغرض منها الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه ، وتسمى دعاوى الأدلة . وهذه الدعاوى لا يشترط فيها أن يكون الضرر محدقا، وإنما يكفي أن يكون الغرض من الطلب الثقة في وجود الحق والاطمئنان عليه ولو كان الضرر المحتمل ما زال بعيدا ، ومثالها دعوى إثبات الحالة ، ودعوى سماع الشهود (1).

      وشرط أن تكون المصلحة قائمة وحالة يعني أنه إذا كانت المصلحة غير مؤكدة بل احتمالية كمن يرفع دعوى على أساس أنه قد يرث، أو كانت هذه المصلحة مستقبلة أي متراخية أو مؤجلة لا تتحقق عملا إلا بعد حين ، أو كانت المصلحة متوقفة على تحقق أمر معين أي معلقة على شرط لم يتحقق بعد ، فإن المصلحة في جميع هذه الحالات تكون غير قائمة ولا حالة ، ويسمى الدفع عملا في هذه الحالة ” الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان “، ومثالها أن يرفع المدعي دعوى بطلب دين قبل حلول أجله ، ويحكم القاضي في هذه الحالة بعدم قبول الدعوى ويؤسس حكمه على أن المصلحة في الدعوى غير قائمة أو غير حالة .

      وقد بينت الفقرة الثالثة من المادة (3) حكم الدعوى التي لا تتوافر فيها المصلحة وفقا للفقرتين السابقتين ، وقررت أن المحكمة تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى وبهذا القرار تكون المحكمة قد قررت أنه ليس من حق المدعي رفع الدعوى ، أي ليس له حق اللجوء للقضاء في هذه الحالة المعروضة . فالمحكمة تقرر عدم قبول الدعوى لا رفضها ، لأن الحكم برفض الدعوى هو قضاء في موضوعها .

          ويلزم استمرار توافر المصلحة من وقت رفع الدعوى إلى حين الفصل فيها، فإذا توافرت عند رفع الدعوى ثم زالت بعد ذلك وقبل صدور الحكم فيها، تقرر المحكمة عدم قبول الدعوى على اعتبار ضرورة توافر المصلحة في جميع مراحل الدعوى.

          كما يلزم أيضا توافر الصفة من وقت رفع الدعوى إلى حين الفصل فيها، غير أنه إذا زالت الصفة بعد إقامة الدعوى فإن هذا لا يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى كما هو الحال بالنسبة للمصلحة، بل يؤدي إلى انقطاع الخصومة عملا بالمادة 128/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، ويسري عليها حكم المادة المذكورة وما بعدها. (1)

          وشرطا المصلحة والصفة يتعلقان بالنظام العام، ذلك أن من العبث رفع دعاوى لا مصلحة لأصحابها في رفعها ولا صفة لهم فيها، لأنها لا تكون ذات قيمة أو حجية على أصحاب المصلحة والصفة الحقيقيين، لذلك يجوز إبداء الدفع بانعدام المصلحة أو الصفة في أي مرحلة من مراحل الدعوى، ولدى جميع درجات المحاكم، بل وأمام محكمة النقض، وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولو أغفل الخصوم التمسك به.


(1) جاء في تبصرة الحكام ج1 ص 37 ( لا يسمع القاضي الدعوى في الأشياء التافهة الحقيرة التي لا يتشاح فيها العقلاء، كعشر سمسمة، قاله القرافي).

(1) نقض مدني 128/2005 تاريخ 6/2/2006 ج 2 ص 359.

(1) د. وجدي راغب، المرجع السابق صفحة 116 و 123.

(1) يرجع إلى ما سبق ص  137 و138.

(1) يرجع لما بعده ص 464 وما بعدها .