الفصل الخامس – الاختصاص المحلي

      يتعلق الاختصاص المحلي بتوزيع العمل بين المحاكم على أساس جغرافي أو مكاني ، بمعنى أن تختص كل محكمة بقضايا منطقة معينة تسمى ( دائرة المحكمة ). وهدف ذلك هو تيسير التقاضي بين الخصوم ، بحيث تكون المحاكم بقدر الممكن قريبة من موطنهم أو من محل النزاع بينهم .

     وقد راعى المشرع أن المدعي هو من يختار الوقت الذي يرفع فيه الدعوى ، بعد أن يعد مستنداته، وأن الأصل براءة ذمة المدعى عليه – حتى يثبت عكس ذلك – لذلك تجب له الرعاية، فقرر أن على المدعي أن يسعى إلى المدعى عليه في أقرب محكمة إليه. فنصت المادة 42 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه:

  1. يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ، أو محل عمله ، أو المكان الذي نشأ فيه الالتزام .
  2. إذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أو محل عمل أحدهم .

      ويلاحظ أن المشرع في هذا النص قد حدد ثلاثة أماكن يمكن أن ترفع الدعوى في أي واحد منها ، وجعل الخيار للمدعي وهذه الأماكن هي :

  1. موطن المدعى عليه .
  2. مكان عمل المدعى عليه .
  3. المكان الذي نشأ فيه الالتزام .

      وبعد أن قرر المشرع هذه القواعد الثلاثة العامة في الاختصاص المحلي أورد عليها بعض الاستثناءات ، لذلك نبين هذه القواعد والاستثناءات الواردة عليها في المباحث التالية .

المبحث الأول

موطن المدعى عليه

1-  الموطن العام

      عرفت المادة (4/1) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد الموطن بأنه المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة . أي المكان الذي تستقر به إقامة الشخص على وجه الدوام والاستقرار ولو تخللت هذه الإقامة فترات انقطاع، وبذلك يختلف الموطن عن محل الإقامة أي المكان الذي يقيم فيه الشخص إقامة عارضة أو مؤقتة حيث تنتفي في شأنه نية الاستقرار ولو كان الشخص يكثر التردد عليه طالما أن إقامته فيه عارضة.

 ويتبين من هذا التعريف ضرورة توافر عنصرين في الموطن، عنصر مادي هو الإقامة الفعلية، وعنصر معنوي هو الاستقرار بمعنى الإقامة على وجه يتحقق معه شرط الاعتياد ولو تخللها فترات غيبة متقاربة أو متباعدة . ويتحدد الموطن باجتماع العنصرين معا . وعلى ذلك فإن وجود الشخص في مكان معين بصفة عابرة لا يجعل هذا المكان موطنا له .

      وقد يكون الشخص بلا موطن إذا لم يكن له مكان يقيم فيه عادة، مثل البدو الرحل، وقد يغير الشخص موطنه إذا انتقل للإقامة في مكان جديد وانقطعت إقامته في المكان الأول . كما يجوز وفق المادة (4/2) أن يكون للشخص أكثر من موطن وفي أحوال التعدد يتساوى الجميع . فيمكن أن يكون للإنسان أكثر من مكان إقامة معتاد داخل الدولة، كما إذا كان يقيم في مدينة جبلية في الصيف ويقيم في الأغوار في الشتاء، أو كان له زوجتان يقيم مع كل واحدة منهما فترة من الوقت في مكان مختلف عن الآخر. كما يمكن أن يكون له مكان إقامة معتاد  في دولتين أو أكثر، ولا رابط بين طول الإقامة وقصرها لتقرير الإقامة أو ثبوتها فالعبرة للإقامة النوعية لا للإقامة الزمنية.  (1)

2-  الموطن الخاص

      إلى جانب الموطن الأصلي أو العام نص المشرع على أنه يمكن وجود موطن خاص للشخص وذلك في المادتين الخامسة والسادسة من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد . فقد بينت المادة الخامسة الموطن القانوني ، كما بينت المادة السادسة الموطن المختار .

أ-  الموطن القانوني

      تنص المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أن ” موطن القاصر أو فاقد الأهلية أو المحجور عليه أو المفقود أو الغائب هو موطن من ينوب عنه قانونا ، وموطن الشخص الاعتباري هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته الرئيس ، وبالنسبة للأشخاص الاعتبارية التي يكون مركزها في الخارج ولها فروع في فلسطين يعتبر مركز فرعها موطنا لها ” .

      وقد نظمت هذه المادة الموطن بالنسبة لفئتين من الأشخاص :

      الفئة الأولى : أشخاص طبيعيون غير قادرين على ممارسة التصرفات القانونية بأنفسهم ، وقد حدد المشرع لهم موطنا لا دخل لإرادتهم في اختياره ، لذلك سمي بالموطن القانوني أو الإلزامي ، وهؤلاء الأشخاص هم فاقد الأهلية والقاصر والمحجور عليه ، والمفقود ، والغائب ، فموطن فاقد الأهلية والقاصر هو موطن وليه الشرعي أو الوصي عليه ، وموطن المحجور عليه هو موطن القيّم عليه …الخ، ولو لم يكن الشخص يقيم عادة مع من يمثله قانونا ، لأن هؤلاء الأشخاص لا يباشرون التصرفات القانونية بأنفسهم بل يقوم بها نيابة عنهم من يمثلهم قانونا .

      الفئة الثانية : الأشخاص الاعتبارية ، كالشركات والجمعيات وغيرها ، وموطن الشخص الاعتباري وفق القانون هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته الرئيس ، وعادة ما يحدد هذا المكان في عقد تأسيس الشخص الاعتباري أو نظامه . وإذا لم يحدد في العقد أو النظام ، فإنه يكون المكان الذي توجد فيه الهيئات الرئيسة لإدارة الشخص الاعتباري والذي تصدر فيه قرارات الإدارة وتوجيهاتها .

      وقد بين النص أن الشخص الاعتباري الذي يكون مركز إدارته في الخارج وله فرع في فلسطين يعتبر مركز فرعه موطنا له .

ب-  الموطن المختار :

      تنص المادة (6) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه

  1. يجوز اتخاذ موطن مختار لتنفيذ عمل قانوني معين ، ويكون هو الموطن بالنسبة لكل ما يتعلق بهذا العمل إلا إذا اشترط صراحة قصره على عمل دون آخر .
  2. لا يجوز إثبات وجود الموطن المختار إلا بالكتابة .

      وتتناول هذه المادة الموطن المختار ، حيث أجازت للشخص أن يختار مكانا محددا لتنفيذ عمل أو تصرف قانوني معين ، كأن يختار مكتب محاميه ، بخصوص الأعمال القانونية المتعلقة بعقد معين ، كعقد مقاولة أو عقد إيجار مثلا ، ويكون هذا المكان موطنا مختارا لهذا المقاول أو المستأجر في كافة الأعمال المتعلقة بهذا العقد موضوعية كانت أم إجرائية إلا إذا نص صراحة على أعمال محددة دون أخرى . وهذا الموطن يقتصر على العقد الذي حدد بالنسبة له دون غيره من العقود الخاصة بهذا المقاول أو المستأجر ، فلا يتعداه إلى أوجه النشاط الأخرى للمقاول أو المستأجر ، بل يخاطب بشأنها في موطنه العام .

      ويجب أن يكون اختيار هذا الموطن ثابتا بالكتابة ، حيث لا يجوز إثباته بأية طريقة أخرى غير الكتابة .


(1) نقض مدني 268/2005 تاريخ 6/12/2006 ج 2 ص 846.