الفصل الخامس – الاختصاص المحلي

المبحث الثاني

محل العمل

      عرفت المادة (4) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد محل العمل بأنه المكان الذي يمارس فيه الشخص تجارته أو حرفته أو يقوم على إدارة أمواله فيه ، وبالنسبة للموظف والعامل هو المكان الذي يؤدي فيه عمله عادة .

      فإذا كان الشخص يعمل لحساب نفسه يكون محل عمله هو مقر تجارته أو حرفته أو إدارة أمواله ، وإذا كان يعمل لحساب غيره سواء كان موظفا أم عاملا ، فإن محل عمله هو المكان الذي يؤدي فيه العمل لصالح الغير .

     وقد يكون موطن الشخص ومحل عمله واحدا إذا جمع بين سكنه وعمله في مكان واحد ، كما يجوز أن يختلف موطنه عن محل عمله إذا كان سكنه في مكان ومحل عمله في مكان آخر ، كما لو كان يسكن في رام الله ومحل عمله في بيت لحم مثلا .

      والغالب أن يكون للشخص مكان عمل واحد ، إلا أنه يجوز أن يكون له أكثر من محل عمل في وقت واحد ، كما لو كان له متجر في رام الله ومصنع في بيت لحم،  وفي حالة تعدد محل العمل ، يعد كل واحد منها محل عمل وتكون جميعها متساوية في نظر القانون .

تعدد المدعى عليهم

      إذا تعدد المدعى عليهم فإنه يجوز وفق الفقرة الثانية من المادة (42) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد أن تقام الدعوى لدى المحكمة التي يقع في دائرتها موطن أو محل عمل أحدهم. وقد يتحد موضوع الدعوى وسببها بالنسبة لجميع المدعى عليهم، كالدعوى التي يرفعها المشتري على البائعين بدفع مبلغ على سبيل التعويض لإخلالهم بالتزامهم بالضمان فالموضوع بالنسبة للجميع واحد وهو طلب التعويض، والسبب واحد وهو الإخلال بالالتزام بالضمان، وفي هذه الحالة ينعقد الاختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم.

          وقد يتحد موضوع الدعوى وتختلف الأسباب، كالدعوى التي يرفعها المضرور على المتسبب بالحادث وعلى شركة التأمين لمطالبتهما بمبلغ على سبيل التعويض، حيث يكون موضوع الدعوى واحدا وهو التعويض المطالب به، ويكون كل من المدعى عليهما مسئولا عنه بالكامل وفقا لأحكام التضامم، بينما اختلف سبب الدعوى بالنسبة لكل منهما، فهو الفعل الضار بالنسبة للمتسبب بالحادث وعقد التأمين بالنسبة لشركة التأمين، وطالما وجدت الرابطة بين المدعى عليهما في الموضوع فإن الاختصاص المحلي ينعقد للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهما.

          أما إذا اختلف الموضوع والسبب كانت مسئولية كل مدعى عليه منفصلة عن مسئولية الآخر رغم تحقق مسئولية الجميع في مناسبة واحدة ولو جمعتهم دعوى جنائية واحدة، مثال ذلك أن يعتدي شخصان على آخر فيحدث كل منهما به إصابة متميزة عن الإصابة التي أحدثها الآخر، أو أحدث أحدهما إصابة بالمجني عليه بينما أتلف الآخر سيارته، فيرجع المجني عليه بالادعاء المدني على كل منهما بتعويض مستقل، ويكون كل تعويض بمثابة دعوى مستقلة منبتة الصلة بالدعوى الأخرى، ولذلك ينتفي التضامم. 

      وإذا أقيمت الدعوى في محكمة امتنع على غيرها رؤية هذه الدعوى وذلك لأنه لا يتصور أن ترفع الدعوى الواحدة أمام جملة محاكم – تجنبا لتعدد الدعاوى ، وتضاعف النفقات ، وتناقض الأحكام .

      ويشترط لإعمال هذه القاعدة ما يلي :

  1. أن يكون تعدد المدعى عليهم حقيقيا لا تعددا صوريا . فلا تجوز إقامة الدعوى أمام محكمة موطن شخص لا شأن له بالنزاع وقصد من اختصامه جلب الخصوم الحقيقيين أمام محكمة غير مختصة أصلا بالنسبة لهم .
  2. أن يكون المدعى عليهم المتعددون ملتزمين في الدعوى بصفة أصلية، أي أن يكون كل واحد منهم مدينا أصليا أو مدينا منضما للمدين الأصلي في تنفيذ الالتزام بأن يتعهد بتنفيذه إلى جانب المدين الأصلي. أما إذا تعهد بتنفيذه في حالة عدم قيام المدين الأصلي بتنفيذه فإنه يكون ملتزما بصفة احتياطية أو تبعية كالكفيل أو الضامن ومن ثم لا نكون بصدد مدعى عليهم متعددين، وبالتالي ينعقد الاختصاص المحلي في هذه الحالة للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدين الأصلي وحده. فالدعوى التي يختصم فيها المدين والكفيل والضامن يجب أن تقام أمام محكمة موطن المدين ، ولا تجوز إقامتها أمام محكمة موطن الكفيل أو الضامن لأنه ملتزم بصفة احتياطية .والدعوى التي يرفعها مشتري عين على من ينازعه في الملكية وعلى البائع للمدعي يطالبه بتنفيذ التزامه بالضمان، يكون البائع فيها مختصما بصفة احتياطية فلا يجوز إقامة الدعوى في محكمة موطنه.
  3. أن ترفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحد المدعى عليهم ، أو محل عمله ، فلا يكفي أن ترفع أمام المحكمة المختصة بالنسبة لأحدهم تطبيقا لقاعدة أخرى من قواعد الاختصاص المكاني . فإذا كان بين المدعي وأحد المدعى عليهم اتفاق باختصاص محكمة أخرى غير محكمة موطن المدعى عليهم فلا يجوز إقامة الدعوى على جميع المدعى عليهم أمام تلك المحكمة لأنها ليست محكمة موطن أحدهم أو محل عمله ، وكذلك إذا رفعت الدعوى أمام محكمة لا يقع في دائرتها موطن أحد المدعى عليهم أو محل عمله وقبل أحدهم اختصاصها، فمن حق الباقين الدفع بعدم الاختصاص . على أنه إذا كانت المحكمة المختصة هي محكمة موقع العقار كما إذا كانت الدعوى عينية عقارية، يجب رفع الدعوى أمام محكمة موقع العقار ولا يجوز رفعها أمام محكمة موطن أحد المدعى عليهم.
  4. أن يكون موضوع الطلبات واحدا وأن يكون بينها ارتباط يبرر جمع المدعى عليهم أمام محكمة واحدة، تجنبا لتحايل المدعي على قواعد الاختصاص، والارتباط الذي يبرر جمع مدعى عليهم في دعوى واحدة قد يرجع إلى وحدة موضوع الدعوى أو وحدة السبب، كما لو بنيت الطلبات الموجهة إلى المدعى عليهم المتعددين على عقد واحد أو فعل ضار واحد أو غير ذلك من أسباب الارتباط. أما إذا كانت الدعوى في حقيقتها دعاوى متعددة لا يجوز للمدعي أن يرفعها أمام محكمة موطن أحد المدعى عليهم، بل لا بد من الفصل بين هذه الدعاوى ورفع كل منها على حدة.