الفصل الخامس – حماية الحق

المبحث الثاني

نطاق حماية الحق

(إساءة استعمال الحق)

كان الفرد في الماضي مطلق الحرية في استعمال حقه لا يخضع في ذلك لأية رقابة ، فلا يجوز منعه من استعمال هذا الحق ولا مساءلته عما يترتب على هذا الاستعمال من ضرر بالغير. غير أن الفقه الإسلامي (وفقهاء الغرب في العصر الحديث أخذا عن القانون الروماني) يذهب إلى أن الحق إنما يمنح لخدمة الأفراد تحقيقاً لغرض اجتماعي، فهو يمثل وظيفة اجتماعية. وبناء على هذه الفكرة قالوا إنه إذا انحرف استعمال الحق عن مقصده كان ذلك موجباً للجزاء . فهم يذهبون إلى أن الإنسان لا يسأل فقط إذا هو تجاوز الحدود المرسومة لحقه، بل أيضاً إذا استعمل حقه استعمالاً ينحرف به عن سلوك الرجل العادي . فالقانون يحمي الشخص في استعمال حقه طالما كان يسعى إلى تحقيق مصلحة مشروعة، أي مصلحة خاصة لا تتعارض مع مصلحة الجماعة. فإذا تعارضت المصلحة العامة والمصلحة الخاصة يضحى بالمصلحة الخاصة فلا تستحق الحماية، لذا يكون استعمال الشخص لحقه غير مشروع.

وقد صاغ الفقه الإسلامي في هذا الخصوص نظرية عامة تضارع إن لم تفق في دقتها وأحكامها أحدث ما أسفرت عنه مذاهب المحدثين من فقهاء الغرب . لذلك حرص القانون المدني الأردني على أن يأخذ بلب القواعد التي استقرت في الفقه الإسلامي في هذا المجال مثل ” لا ضرر ولا ضرار ” و ” الضرر يزال ” و ” الضرر لا يزال بمثله ” و ” الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ” و ” درء المفاسد أولى من جلب المنافع ” . كما استمد من الفقه الإسلامي الضوابط التي اشتمل عليها نص المادة 66 منه والتي وردت في الباب التمهيدي لتشمل جميع نواحي القانون دون أن تكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير المشروع فنصت على انه ” 1- يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع . 2- ويكون استعمال الحق غير مشروع : أ) إذا توفر قصد التعدي . ب) إذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة . جـ) إذا كانت المنفعة منه لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر. د) إذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة”.

ويتضح من هذا النص أن هذه الضوابط هي :

1) قصد التعدي أو قصد الإضرار بالغير :

يعتبر استعمال الحق استعمالاً غير مشروع إذا لم يقصد من ذلك سوى الإضرار بالغير ، فالجوهر في هذا الشأن هو توفر نية الإضرار ولو أفضى استعمال الحق إلى تحصيل منفعة لصاحبه. ويراعى أن هذه النية تستخلص من انتفاء كل مصلحة من استعمال الحق استعمالاً يلحق الضرر بالغير متى كان صاحب الحق على بينة من ذلك. وهذا القصد يمكن إثباته بطرق الإثبات كافة لأنه ينصب على واقعة مادية كفصل العامل لمجرد الانتقام منه ، ومن تطبيقات ذلك ما ذهبت إليه محكمة التمييز الأردنية بأنه ” إذا أوفى المستأجر الأجور المستحقة عليه ناقصة مائة وخمسون فلساً فقط ، فإن دعوى المؤجر بطلب تخلية المأجور بسبب هذا النقص الزهيد استناداً إلى البند الأول من الفقرة الأولى للمادة الرابعة من قانون المالكين والمستأجرين تكون مشوبة بعيب التعسف في استعمال الحق نظراً لما فيها من غلو وإغراق وتشدد في التزام حرفية النص القانوني ، وإخلال بالتوازن الواجب توافره في الحقوق بين الطرفين ، وخروج عن روح القانون وغاياته على اعتبار أن عدم دفع هذا المبلغ الزهيد لا يعتبر تخلفاً جوهرياً بالمعنى الذي هدف إليه المشرع .

2) إذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة :

فإذا كان صاحب الحق يرمي من استعمال حقه إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة يحرمها القانون أو مخالفة للنظام العام والآداب ، مثل استعمال صاحب العمل حقه في فصل عامل من عمله لمجرد انضمامه إلى نقابة عمالية ، أو إساءة الحكومة لاستعمال سلطتها كفصل موظف إرضاءً لغرض شخصي أو حزبي ، كان ذلك استعمالاً غير مشروع للحق .

3) إذا كانت المنفعة منه لا تتناسب وما يصيب الغير من ضرر :

فإذا كانت المصلحة التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها ، كان ذلك إساءة في استعمال الحق . فلا بد أن تكون المصلحة التي يسعى صاحب الحق إلى تحقيقها ترجح ما يصيب الغير من ضرر، أي أننا نوازن هنا بين المصلحة التي يسعى صاحب الحق إلى تحقيقها والضرر الذي يصيب الغير ، فإذا كان الضرر جسيماً مقارناً بالمصلحة كان استعمال الحق غير مشروع .

4) تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة ،

من ذلك أنه على الجار أن يتحمل مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها ، فإذا تجاوزت الحد المألوف كان له أن يطلب إزالتها على أن يراعى في ذلك العرف وطبيعة العقارات ، وعلى ذلك لا يجوز إقامة بناء يسد نوافذ بيت الجار سداً يمنع الضوء عنه .

الجزاء

نصت الفقرة الأولى من المادة 66 مدني أردني على أنه ” يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع “. لذا يلتزم صاحب الحق بتعويض الضرر الناتج عن هذا الاستعمال . كما أن هناك جزاءً وقائياً يتمثل في منع صاحب الحق من أن يستعمل حقه على نحو غير مشروع فيحول ذلك بالتالي دون وقوع الضرر . وقد رأينا مثالاً لذلك قيام المدين بدفع تعويض بدل التنفيذ العيني إذا كان ذلك مرهقاً له ولا يصيب الدائن ضرر. كما يمكن أن يكون التعويض عينياً بإزالة العمل الضار كهدم الحائط الذي قصد منه حرمان الجار من الهواء والنور . ذلك أنه كما نصت المادة 62 مدني ” لا ضرر ولا ضرار والضرر يزال ” .