الفصل الرابع – التجارة الإلكترونية

المشكلات التي تواجه التجارة الإلكترونية :

يعتبر التعاقد عبر الإنترنت عقدا مبرما عن بعد ، لذلك يؤدي إلى إثارة بعض المشكلات القانونية مثل :

  1. – تعيين هوية المتعاقدين والتحقق من شخصيتهم وأهليتهم . حيث يترتب على الانفصال المكاني بين طرفي التعاملات التجارية الإلكترونية؛ عدم معرفتهما بكافة المعلومات الأساسية بعضهما عن بعض كما هو الحال في التعاملات التجارية التقليدية ، فلا يعرف أي منهما درجة يسار أو إعسار الآخر؛ وما إذا بلغ سن الرشد أم أنه ناقص الأهلية .
  2. السلامة والنزاهة بالتأكد من صحة البيانات المعطاة عن الشخص المراد التعاقد معه ؛ وصحة المستندات المتداولة بين الطرفين .
  3. المصادقة .
  4. السرية . حيث لا تزال التجارة عبر الإنترنت تفتقر إلى الكثير من الضوابط الضرورية من أجل الحماية والسرية لكل المستفيدين منها .
  5. القابلية للقراءة
  6. مكان وزمان انعقاد العقد .
  7. إثبات العقد ، وصحة إثبات التوقيع الإلكتروني .
  8. أمان الدفع الإلكتروني (E – cash ) عبر الشبكة .

وقد تثير العقود الإلكترونية مشكلات قانونية أخرى ترجع لاشتراط شكل معين كركن من أركان العقد في بعض الحالات ؛ كاشتراط السند الرسمي المنظم من كاتب العدل ، أو اشتراط الكتابة بخط اليد ، ويتعذر في حالة السند الإلكتروني التقيد بهذا الشكل دون تعديل القواعد القانونية للإثبات ، ولتلافي بعض هذه المشكلات أجازت بعض التشريعات الحديثة إنشاء نسخة الكترونية عن سند ورقي مع التوقيعات الموضوعة عليه ؛ كما في حالة الخزن المغناطيسي الذي يتيح إعادة تكوين سند مشابه للسند الأصلي ؛ فقد تعطى النسخة المستمدة من السند الإلكتروني القوة الثبوتية لصور السند في حال كان إنشاؤها سليما .

القواعد القانونية التي تحكم التجارة الإلكترونية :
نظام التجارة الإلكترونية هو نظام الكتروني بديل عن التعامل بالورق والتوقيعات الأصلية ، فهو يختلف عن التجارة التقليدية من حيث الوسيلة التي تستخدم في عمليات التبادل التجاري ؛ وليس في طبيعة العمليات التجارية ذاتها ، ولهذا فإن التجارة الإلكترونية تخضع للأحكام العامة التي تحكم العقود بشكل عام ، إضافة إلى الأحكام التي تنظم عقود المسافة التي تجري عن بعد بين متعاقدين ليسوا في وضعية الالتقاء .

ومع أن موضوع التجارة الإلكترونية لم يزل حديثا ، إلا أنه أصبح التعامل بالوسائل الحديثة للاتصالات ؛ ومنها الفاكس والإنترنت ، أمرا لا غنى عنه في الوقت الحاضر ، وأصبح الفرد يستطيع أن يبرم العديد من العقود والصفقات التجارية من خلال هذه الوسائل ، بل إن بعض الشركات الدولية الكبرى غدت لا تقبل التعامل مع أعضاء جدد إلا من خلال التبادل الإلكتروني للبيانات والمعلومات .

غير أن ما يعوق التجارة الإلكترونية تخلف الآليات القانونية التقليدية عن التعامل معها ؛ حيث وضعت تلك القوانين لتنظيم التجارة التقليدية التي تعتمد السلع المادية والنقود العادية؛ والتعامل بالأوراق والمستندات الورقية كدليل للإثبات . وقد دفع ذلك بلجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي إلى وضع تنظيم قانوني نمطي يساعد الدول المختلفة على معالجة المشكلات القانونية الناشئة عن التعامل بهذه الوسائل الحديثة ، فأصدرت كلا من :

  1. القانون النمطي الخاص بالتجارة الإلكترونية الصادر عام 1996 . (1)
  2. القانون النمطي بشأن التوقيع الإلكتروني الصادر عام 2001 .

وهذان القانونان إرشاديان لا يشتملان على التفاصيل الكاملة لعقود التجارة الإلكترونية ؛ ولا يغطيان جميع المجالات ، تاركين المجال أمام التشريعات الوطنية لتنظيم القضايا والمجالات التي تختلف أحكامها من نظام قانوني إلى نظام آخر ، كل وفق نظرية العقد التي يتبناها بتفاصيلها .

كما بادرت العديد من الدول إلى إصدار تشريعات داخلية تنظم التعامل من خلال الوسائل الإلكترونية ، حيث أخذت أغلب دول العالم المتقدم بالقانون النمطي أو تأثرت بأحكامه إلى حد كبير ، (2) كما أصدرت العديد من الدول العربية كذلك قوانين بشأن المعاملات والتجارة الإلكترونية منها تونس بالقانون رقم 83 لسنة 2000 ، والأردن بالقانون رقم 85 لسنة 2001 ، والإمارات بالقانون رقم 2 لسنة 2002 ، كما تم وضع مشروع قانون المبادلات والتجارة الإلكترونية الفلسطيني عام 2003 ولكن لم يتم إقراره بصورة نهائية بعد . (3)

وبالرجوع إلى القانون النمطي ( اليونسترال ) نجد أنه قد قصر نطاق تطبيقه على التجارة الإلكترونية ؛ دون غيرها من المعاملات غير التجارية، وأنه وسع نطاق التجارة الإلكترونية لتشمل كافة الأنشطة التجارية التي تمارس عبر وسائل إلكترونية ؛ فلم يورد أي استثناء على هذا النطاق ، ودعا الدول إلى عدم إيراد أي استثناءات عليه إلا إذا رأت ضرورة لذلك ؛ مع التزامها بالتقليل من هذه الاستثناءات التزاما بروح القانون النمطي وعدم الخروج عليه . وفي الوقت ذاته لم يمنع الدول من توسيع نطاق هذا القانون إذا ما رغبت في أن يشمل المعاملات غير التجارية باستخدام وسائل الكترونية .

وقد سارت بعض التشريعات وفق القانون النمطي فقصرت التعامل عبر الوسائل الإلكترونية على الأنشطة التجارية بمفهومها الواسع ومن ذلك مشروع قانون التجارة الإلكترونية الكويتي ، ومشروع قانون التجارة الإلكترونية المصري ، ومشروع قانون المبادلات والتجارة الإلكترونية الفلسطيني الذي نص في المادة الثانية على أنه ” تسري أحكام هذا القانون على المبادلات والتجارة الإلكترونية ” .

بينما وسعت تشريعات أخرى من نطاق تطبيق الوسائل الإلكترونية فلم تقصرها على الأعمال التجارية؛ بل أيضا الأعمال غير التجارية ، فظهر ما يسمى المعاملات الإلكترونية أو المبادلات الإلكترونية ، من ذلك قانون المعاملات الإلكترونية الأردني رقم 85 لسنة 2001 ، وقانون المعاملات الإلكترونية البحريني لسنة 2002 .

وقد أوردت هذه التشريعات بعض الاستثناءات التي تتعلق بالعقود والمستندات والوثائق الشكلية ، أي التي اشترط القانون تنظيمها وفق شكل معين ؛ لأهميتها وضرورة اتباع الشكل الذي تطلبه المشرع لتنظيمها . من ذلك ما نصت عليه المادة 3 من المشروع الفلسطيني بأنه ” يستثنى من تطبيق أحكام هذا القانون المعاملات والأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والوصايا وسندات ملكية الأموال غير المنقولة والسندات القابلة للتداول والمعاملات المتعلقة ببيع وشراء الأموال غير المنقولة وأي مستند يتطلب القانون تصديقه أمام كاتب العدل ” . (1)

(1)(1) جرى تسمية هذا القانون بالقانون النموذجي ، ولكننا نرى أن تسميته بالقانون النمطي أكثر دقة .

(2)(2) كانت سنغافورة أول دولة في العالم طبقت القانون النمطي للتجارة الإلكترونية حيث أصدرت قانون المعاملات الإلكترونية في سنة1998 ، ثم تلتها إيطاليا والولايات المتحدة سنة 1999 والبرتغال في 5/8/1999 ، والنمسا في 19/8/1999 ، وفرنسا وتونس والصين سنة 2000 ، وألمانيا وإيرلندا في سنة 2001 ، وإمارة دبي ودولة البحرين سنة 2002 . د. خالد إبراهيم ، المرجع السابق، صفحة 130 .

(3)(3) وفي عام 2010 وضعت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في حكومة غزة المقالة مشروع قانون المعاملات الإلكترونية وعرضته على المجلس التشريعي هناك الذي أقره بالقراءتين الأولى والثانية ، وهذا المشروع وسع من نطاقه ليشمل المعاملات التجارية وغير التجارية على خلاف المشروع الأول .

(1)(1) من ذلك أيضا المادة 6 من القانون الأردني .،والمادة 4 من مشروع غزة .