الفصل الرابع – الطلبات العارضة والدفوع

      تستعمل الدعوى باعتبارها وسيلة لحماية الحق وفق طريقتين، الطلب والدفع . والطلب هو الإجراء الذي يتقدم به الشخص إلى القضاء طالباً الحكم له بما يدعيه . أما الدفع فهو جواب الخصم على طلب خصمه بقصد تفادي الحكم لخصمه بما يدعيه .

      والطلبات تقسم إلى قسمين :

  1. طلبات أصلية، وهي التي تفتتح بموجبها الدعوى الجديدة، أي تنشأ بها خصومة لم تكن موجودة من قبل . وقد تكون الطلبات الأصلية في غير دعوى مرتبطة فيتم جمعها بالضم أو الإحالة كما سنرى لاحقا .
  2. طلبات طارئة أو عارضة، وهي التي تقدم في أثناء نظر الدعوى . وهذا النوع الثاني من الطلبات هو محل دراستنا هنا . وعلى ذلك نتناول الطلبات العارضة في مبحث أول والدفوع في مبحث ثان .

المبحث الأول

الطلبات العارضة

      الأصل أن يتحدد نطاق الخصومة من حيث موضوعها وسببها وأشخاصها بالطلب الأصلي . ويقضي المبدأ التقليدي بعدم جواز تغيير موضوع الخصومة حتى يستطيع المدعى عليه أن يرتب دفاعه دون أن يضطر إلى تغييره كلما فاجأه المدعي بإدخال تعديل جوهري على دعواه ، وحتى يطمئن القاضي إلى ثبات معالم الدعوى فيسهل عليه توجيهها والفصل فيها ، وحتى لا يتمكن الخصم من إعاقة سير الخصومة وتأخيرها عن طريق تقديم طلبات جديدة ، ولذلك فقد تشدد قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية في ضرورة أن يبين المدعي في لائحة دعواه موضوع الدعوى وأسانيدها بيانا وافيا .

      ويرجع حرص المشرع إلى تقييد قبول الطلبات العارضة عموما سواء كانت من المدعي أو المدعى عليه ، إلى حرصه على أن تتحدد – بقدر الإمكان منذ اللحظة الأولى لرفع الدعوى – حدود الخصومة القضائية فلا تتراكم خصومات في خصومة واحدة ، ولا تتشعب الخصومة الواحدة تشعباً غير منتج فيتأذى بذلك حسن أداء العدالة وما يستلزمه من سرعة فض المنازعات .

      ولكن من ناحية أخرى فإن السماح بتقديم طلبات جديدة يؤدي إلى التيسير على الخصوم وتوفير وقت القضاء، إذ يؤدي إلى تصفية المنازعات المرتبطة بالنزاع الأصلي والمتفرعة عنه معا في خصومة واحدة، وذلك بدلا من تعدد الخصومات وما يمثله من إرهاق الخصوم وزيادة عدد القضايا . لذلك فإنه أخذا بهذا الاعتبار تسمح التشريعات – في حدود معينة -، بإبداء طلبات عارضة شريطة أن تكون متصلة ومرتبطة بالطلب الأصلي .

      فالطلب العارض هو كل طلب يقدم في خصومة قائمة، سواء من المدعي أو المدعى عليه أو الغير.  فقد تقدم الطلبات العارضة من المدعي في مواجهة المدعى عليه وتسمى في هذه الحالة بالطلبات الإضافية، وقد تقدم من المدعى عليه في مواجهة المدعي وتسمى بالطلبات المقابلة . وقد يتقدم بها شخص ثالث يطلب فيها إدخاله في الدعوى القائمة، ويكون الطلب هنا اختياريا . وقد يطلب أحد الخصوم أو تقرر المحكمة إدخال شخص ثالث في الدعوى فيسمى هذا الطلب اختصام الغير . ونبحث هذه الطلبات في ثلاثة مطالب على التوالي .

المطلب الأول

طلبات المدعي العارضة

( الطلبات الإضافية )

      يقصد بطلبات المدعي العارضة ، تلك الطلبات التي يكون هدفها إدخال تعديل على الطلب الأصلي زيادة أو نقصا . والأصل أنه لا يجوز للمدعي أن يعدل شيئا في لائحة دعواه لأن نطاق المحكمة يتحدد بالطلب الأصلي لتعلق ثبات النزاع بحق الدفاع الممنوح للمدعى عليه والمتمثل في الاعتبارات التالية :

  1. مراعاة موقف المدعى عليه وتحقيق المساواة بين أطراف الخصومة ، حتى لا يفاجأ المدعى عليه بعد إعداد دفاعه وتجهيز مستنداته ووسائل إثباته في نطاق لائحة الدعوى وحدودها ، بقيام المدعي بتعديل جوهري لطلباته بقصد إرباكه للحيلولة دون دفاعه .
  2. تمكين القاضي من توجيه الدعوى وإدارة الخصومة وهو مطمئن إلى ثبات معالم الطلب الأصلي ثباتا نسبيا لا يتعارض مع تطور النزاع بحسب ما تمليه ظروف المتقاضين ومصلحة التقاضي .
  3. حتى لا تصبح الخصومة صراعا مائعا يطول أجله ولا يسهل فضه .

      غير أن حصر الدعوى في الطلبات الأصلية الواردة في لائحة الدعوى قد يحرم المدعي من فرصة تصحيح طلباته على ضوء ما استجد من مستندات وتوافر لديه من وسائل الإثبات ، أو تعديلها بما يتفق مع ما أسفر عنه التحقيق أو مع ما آلت إليه العلاقة القانونية .

      ولذلك فإن من اللازم منحه فرصة تعديل طلباته نزولا على مقتضيات حق الدفاع الممنوح لكل من المدعي والمدعى عليه على قدم المساواة ، حتى لا يضطر إلى رفع دعوى جديدة أمام المحكمة ذاتها أو أمام محكمة أخرى ، ثم يطلب من المحكمة الضم أو الإحالة – على حسب الأحوال – للدعوى الأولى .

      فضلا عن أن السماح بتقديم طلبات إضافية من المدعي يحقق مصلحة عامة متمثلة في حسن سير القضاء ، لأن الطلبات العارضة – بصفة عامة – تمكن المحكمة من الإلمام بكافة عناصر النزاع والوقوف على مختلف ادعاءات الخصوم ، الأمر الذي ينعكس على الحكم الصادر لأن محكمة الطلب الأصلي هي خير من يفصل في الطلب العارض .

      لذلك ومراعاة للاعتبارات السابقة أقرت معظم التشريعات المقارنة حق المدعي في أن يضيف إلى طلبه الأصلي – أثناء نظره – أي طلب يتناوله بالتعديل إما من جهة موضوعه أو من جهة سببه ، طالما كانت هناك صلة ما تربطه بالطلب الأصلي، لأن ارتباط الطلب الجديد بالطلب الأصلي ينفي المفاجأة ويكون حق الدفاع محفوظا ، إذ يجب على المدعى عليه أن يعد دفاعه ليس في حدود الطلب الأصلي فحسب ، بل وفي نطاق ما يرتبط به من طلبات ، وخصوصا أن الطلب لا يكون مرتبطا إلا إذا كان ناتجا عن الواقعة القانونية التي نشأ عنها الطلب الأصلي .

      وقد حددت المادة (97) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد الحالات التي يجوز فيها للمدعي تقديم طلبات عارضة فنصت على أنه ” للمدعي أن يقدم من الطلبات العارضة :

  1. ما يتضمن تصحيح لائحة الدعوى أو تعديل موضوعها لمواجهة ظروف طرأت أو تبينت بعد إقامتها .
  2. ما يكون مكملا للائحة الدعوى أو مترتبا عليها أو متصلا بها اتصالا لا يقبل التجزئة .
  3. طلب الأمر بإجراء تحفظي أو وقتي .
  4. ما تأذن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطا بالطلبات الواردة في لائحة الدعوى.

  ويتبين من هذا النص أنه قد أورد ثلاثة أنواع من الطلبات الإضافية ثم أورد قاعدة عامة ، بمعنى أن هذه الطلبات وردت في القانون على سبيل المثال وليس الحصر .

      ونبين أولا القاعدة العامة ، ثم الطلبات الخاصة .

أولا : القاعدة العامة

      نصت الفقرة الرابعة من المادة (97) على أنه يجوز للمدعي أن يقدم من الطلبات العارضة ما تأذن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطا بالطلبات الواردة في لائحة الدعوى .

      وهذا النص يجيز للمدعي أن يقدم أي طلب إضافي مرتبط بالطلب الأصلي ، والمقصود بالارتباط وجود صلة أو علاقة بين الطلب الأصلي والطلب العارض من حيث سببه أو محله ، ولو لم يصل إلى حد عدم القابلية للتجزئة . وهذا الارتباط هو الذي يبرر جمعهما في خصومة واحدة .

      مثال ذلك ، أن يطالب المؤجر بأجرة متأخرة ، ثم يقدم طلبا عارضا (إضافيا) يطلب فسخ عقد الإيجار أو بأن يدفع المستأجر مبلغا آخر مقابل الانتفاع بالعين المؤجرة بعد انتهاء عقد الإيجار ، فعلى الرغم من اختلاف سبب الطلبين ، إلا أن هناك صلة بينهما تبدو في وحدة العين محل الانتفاع في الطلبين .

      ويجوز كذلك أن يقدم المدعي طلبا أصليا بطلب تعويض عن غصب عين معينة، ثم يقدم طلبا إضافيا (عارضا) بطرد الغاصب وإزالة البناء الذي أقامه عليها ، لأنها جميعا تقوم على سبب واحد .

      وقد اشترط القانون أن تأذن المحكمة بتقديم الطلب ، فلم يكتف بشرط الارتباط ، بل ترك للمحكمة سلطة تقديرية في قبول الطلب أو رفضه . فللمحكمة أن ترفض قبول الطلب العارض ولو توافر الارتباط، متى تبين لها أن القصد من إبدائه إعنات الخصم، وسلطة المحكمة هنا لا تخضع لرقابة محكمة النقض .

 

ثانيا : الطلبات الإضافية (العارضة) الخاصة

      أوردت المادة (97) ثلاث فقرات لبيان الطلبات الإضافية الخاصة الجائزة قبل أن تورد القاعدة العامة ، وهي كما ذكرنا واردة على سبيل المثال لا الحصر . وهي تختلف عن قاعدة الارتباط في أن المحكمة ليس لها سلطة تقديرية بشأن قبولها ، لأن المشرع تولى عنها هذا التقدير، وعلى المحكمة قبول الطلب متى تحققت إحدى هذه الحالات ، وهذه الحالات هي :

  1. ما يتضمن تصحيح لائحة الدعوى أو تعديل موضوعها لمواجهة ظروف طرأت أو تبينت بعد إقامتها :

      قد يتبين للمدعي بعد رفع الدعوى وبعد مراجعته لمستنداته ووسائل إثباته أنه أخطأ في تحديد طلباته ، كما قد يرجع الخطأ إلى تطور العلاقة القانونية التي تستند إليها الدعوى . لذلك أجاز المشرع للمدعي أن يعدل موضوع الدعوى من حيث مقداره أو حدوده أو بدايته أو نهايته ، فينزل به إلى طلب أقل ، أو يرتفع به إلى طلب أكثر ، كنقص أو زيادة مبلغ التعويض مثلا ، ما دامت عناصر الطلبات متداخلة وكانت مستندة إلى ذات السبب وبين ذات الخصوم .

      ومن أمثلة ذلك أيضا أن يطلب المدعي ملكية عين معينة ، ثم يتبين له هلاك العين فيمكن تعديله فيطلب قيمتها . أو أن يطلب وقف الأعمال الجديدة ، ثم يطلب منع التعرض ، أو أن يطالب بدين معين ، ثم يتبين له غلط في الحساب فيطلب مبلغا أكبر، أو يطلب تنفيذ عقد ثم يعدل عنه إلى طلب فسخه، أو أن يرفع المدعي دعوى بإلزام وكيله بتقديم حساب عن أعمال الوكالة وتندب المحكمة خبيرا لبحث هذه الأعمال ينتهي إلى حصرها وإلى المبلغ المستحق للمدعي في ذمة المدعى عليه، فيقدم المدعي طلبا عارضا بإلزامه بأن يدفع له هذا المبلغ.

      ولم يشترط المشرع لهذه الحالة أن يبنى الطلب على ظروف جديدة طرأت بعد رفع الدعوى ، وإنما اكتفى بأن تتبين هذه الظروف للمدعي بعد رفع الدعوى ولو كانت سابقة على إقامتها على أنه لا يجوز أن يتناول الطلب الأصلي بالتعديل من جهة سببه وموضوعه معا ، فإذا أقام دعوى للمطالبة بحصته في عقار بصفته وارثا مثلا ، لا يجوز له أن يطلب بعد ذلك زيادة حصته استنادا إلى عقد شراء أو بناء على وصية . وإذا عدل المدعي طلباته في الدعوى ، فإن العبرة عند الحكم بالطلبات الختامية لا بالطلبات السابقة عليها .

          ويجب أن يقتصر المدعي في طلبه العارض على تعديل موضوع الدعوى مع بقاء السبب على حاله، أو إضافة أو تعديل في سبب الدعوى مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله، كالمؤجر يرفع دعوى إخلاء مأجور لعدم دفع الأجرة، ثم يتقدم بطلب عارض يغير بموجبه هذا السبب أو يضيف إليه سببا آخر بأن يستند إلى الإضرار بالمأجور . أما إذا تناول بالتعديل الموضوع والسبب معا خرج بذلك عن نطاق الطلب العارض وتعين عدم قبول طلبه باعتباره ينطوي على دعوى جديدة مغايرة للدعوى القائمة.

          ومتى قدم المدعي طلبا عارضا قدرت قيمته وأضيفت إلى قيمة الطلب الأصلي، ويعاد تقدير قيمة الدعوى على هذا الأساس.

  • ما يكون مكملا للائحة الدعوى أو مترتبا عليها أو متصلا بها اتصالا لا يقبل التجزئة .

      ولم يكن المشرع موفقا في صياغة هذا البند ، فالطلب الإضافي (العارض) لا يكمل لائحة الدعوى ، بل يكون مكملا للطلب الأصلي الوارد في اللائحة .

      ومثال الطلب الإضافي المكمل للطلب الأصلي أن يطلب تقديم حساب ثم يطلب بعد ذلك إلزام المدعى عليه بدفع نتيجة الحساب ، أو أن يطالب بتسليم أرض ، ثم يتقدم بطلب إضافي لإزالة البناء المقام عليها . أما مثال الطلب المترتب على الطلب الأصلي أن يطلب الفوائد القانونية على المبلغ المدعى به ، أو يطلب الثمار تبعا لطلب الملكية أو طلب الحيازة .

      أما مثال الاتصال الذي لا يقبل التجزئة ، أن يكون الطلب الأصلي هو إلزام المؤجر بتسليم العين المؤجرة ، ثم يقدم المستأجر طلبا بتقرير صحة عقد الإيجار . أو أن يطلب المؤجر إلزام المستأجر بدفع أجرة دورية مستحقة ، ثم يتقدم بطلب إضافي لتقرير صحة عقد الإيجار .

  • طلب الأمر بإجراء تحفظي أو وقتي

      على الرغم من أن المشرع قد نص على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالفصل في الطلبات الوقتية أو التحفظية ، إلا أنه أجاز تقديم هذه الطلبات لمحكمة الموضوع تبعا للدعوى الأصلية ، نظرا لما بين الطلب العارض والطلب الأصلي من ارتباط ، الأمر الذي يجعل محكمة الموضوع أكثر قدرة من غيرها على تقدير لزوم الإجراء الوقتي ، ومثال ذلك طلب إجراء الحجز التحفظي أو تعيين حارس قضائي على العين المتنازع على ملكيتها ، أو تحديد نفقة مؤقتة حتى يفصل في أصل الدين .