الفصل الرابع – الطلبات العارضة والدفوع

المطلب الثاني

طلبات المدعى عليه العارضة

(الطلبات المقابلة)

      يقتصر دور المدعى عليه عادة في الرد على طلبات المدعي دون أن يشارك في تحديد النزاع أو تطوره بتقديم طلبات عارضة . ولكن التزام المدعى عليه موقف الدفاع في بعض الأحيان قد يعرضه لضرر يلحقه أو منفعة تفوت عليه .

      لذلك عمل المشرع على تحقيق التوازن بين أطراف الخصومة المدنية بمنح المدعى عليه الحق في إبداء ما يعن له من طلبات ودفوع ودفاع . وعلى ذلك قد يلجأ المدعى عليه إلى تطبيق القاعدة الشائعة بأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ، ويتقدم بطلب مقابل يخرج به من نطاق الدعوى التي قدمها المدعي ويثير به وجود دعوى أخرى في مواجهة المدعي لذلك يسمى الطلب المقابل بدعوى المدعى عليه أو بالادعاء المضاد ، وبه يتسع نطاق الخصومة من حيث الموضوع مع بقاء أطرافها دون تغيير ، كما يؤدي إلى تغيير الصفات الإجرائية للخصوم . وهو بذلك يختلف عن الدفع الذي يعد وسيلة دفاعية بحتة يقصد منه المدعى عليه مجرد رفض طلبات المدعي أو تأخير الفصل فيها .

شروط قبول الطلب المقابل

      ينبغي لقبول الطلب المقابل توافر شرطين :

الشرط الأول : أن يكون صادرا من المدعى عليه الأصلي ، وفي حالة تعدد المدعى عليهم يجوز لأي منهم أن يتقدم بطلب مقابل في مواجهة المدعي . كما أنه في حالة تعدد المدعين يجوز للمدعى عليه أن يتقدم بطلب مقابل في مواجهة أي منهم أو في مواجهتهم جميعا .

وفي حالة التدخل الاختصامي يجوز لكل من المدعي والمدعى عليه في الخصومة الأصلية أن يتقدم بطلب مقابل في مواجهة المتدخل اختصاميا الذي أصبح يحتل مركز المدعي في مواجهة المدعي الأصلي الذي أصبح مدعى عليه مع المدعى عليه الأصلي .

الشرط الثاني : أن يكون هناك ارتباط بين الطلب المقابل والطلب الأصلي ، أي أن يكون الطلب المقابل مؤسسا على تصرف أو واقعة مثارة في لائحة الدعوى الأصلية. والارتباط ينصرف إلى كل طلب له علاقة أصيلة بالطلب الأصلي مما يوجب التصدي لهما معا بحيث إذا انفصلا وصدر حكم نهائي في أحدهما كانت له حجية على نفس الخصوم عند نظر الطلب الآخر. مثال ذلك طلب صحة العقد وطلب فسخه، إذ يتعين التصدي للطلبين معا بحيث إذا قضي بصحة العقد قضي في نفس الوقت الحكم برفض طلب الفسخ أو العكس. وقد يرفع كل من المتعاقدين دعوى بفسخ العقد، وحينئذ يتعين التصدي للدعويين معا حتى لا يقضى في إحداها بالفسخ والأخرى بالرفض.

 ويستثنى من هذا الشرط حالتان يقبل فيهما الطلب المقابل بدون وجود علاقة ارتباط :

الحالة الأولى : إذا كان الغرض من الطلب المقابل المطالبة باعمال المقاصة القضائية .

والحالة الثانية : إذا استخدم الطلب المقابل كوسيلة دفاع ضد الدعوى الأصلية . بأن كان الطلب المقابل يرمي إلى استبعاد كلي لادعاء المدعي أو إلى مجرد تعديل الحكم القضائي لصالح المدعى عليه .

ومثال ذلك أن يكون موضوع الطلب الأصلي تنفيذ عقد ، فيكون الطلب المقابل هو بطلان ذلك العقد . أو أن يكون الطلب الأصلي هو ملكية أرض ، فيكون موضوع الطلب المقابل حق ارتفاق بالمرور ففي هذين المثلين للطلب المقابل وظيفة دفاعية بحتة .

الطلبات المقابلة في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية

      حددت المادة (98) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد الطلبات المقابلة التي يجوز للمدعى عليه تقديمها ، فبينت ثلاثة أنواع من الطلبات المقابلة ، ثم أوردت قاعدة عامة .

أولا : القاعدة العامة

      نصت الفقرة الثالثة من المادة (98) على أنه ” يجوز للمدعى عليه أن يقدم من الطلبات العارضة ما تأذن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطا بالطلبات الواردة في لائحة الدعوى “.

      وبذلك يكون المشرع قد تبنى قاعدة عامة بالنسبة لكافة الطلبات العارضة هي قاعدة الارتباط، وذلك لأن الارتباط هو المبرر للجمع بين الطلبات في خصومة واحدة. والأخذ بهذه القاعدة يجعل الطلبات الأخرى المنصوص عليها في الفقرات السابقة واردة على سبيل المثال لا الحصر ، فيجوز للمحكمة قبول أي طلب من المدعى عليه، ولو لم يكن من الطلبات الخاصة طالما أنه مرتبط بالطلب الأصلي .

      ويخضع مدى توافر الارتباط لتقدير قاضي الموضوع ، كما يجب أن تأذن المحكمة بتقديم الطلب ، وقد ترك لها المشرع قبول أو رفض هذه الطلبات وفق ما تراه مناسبا ، حتى لا يستخدم المدعى عليه هذه الطلبات كوسيلة لتأخير الفصل في الدعوى .

      ومثال الطلبات المرتبطة ، أن يطلب موكل من الوكيل تقديم حساب بمناسبة الوكالة ، فيتقدم الوكيل بطلب الأتعاب والمصاريف .

ثانيا : الطلبات المقابلة الخاصة

      أوردت المادة (98) فقرتين لبيان الطلبات المقابلة الخاصة التي يجوز للمدعى عليه تقديمها قبل أن تورد القاعدة العامة ، وهي تتضمن ثلاث حالات واردة على سبيل المثال لا الحصر ولا يخضع قبولها لسلطة المحكمة التقديرية ، وهذه الحالات هي :

1-  طلب المقاصة القضائية

      من المعلوم أن المقاصة قد تكون قانونية إذا كان موضوع كل من الدينين نقودا أو مثليات متحدة في النوع والجودة ، وكان كل منهما خاليا من النزاع مستحق الأداء صالحا للمطالبة به قضاء ، حيث يترتب على المقاصة انقضاء الدينين ، وهي تتم بقوة القانون وبغير حاجة إلى طلبها ، بل يكفي إبداء الدفع بحصولها وهو دفع يشكل ادعاء موضوعيا .

      أما إذا تخلف شرط من شروط المقاصة القانونية ، كما لو كان دين المدعى عليه متنازعا في وجوده أو مقداره ، كدين التعويض الناشئ عن عمل ضار ، فإن على المدعى عليه أن يطالب بدينه ، فإذا قضت به المحكمة أمكنه التمسك بالمقاصة بين دينه ودين المدعي ، فالمقاصة القضائية تقع بحكم من القضاء بناء على طلب أحد الخصمين بعد تقدير حقوق كل منهما .

      وحيث إن قيام المدعى عليه بإقامة دعوى أصلية للمطالبة بدينه قد يعود عليه بالضرر إذا ما نفذ الحكم الصادر بدين المدعي ، ثم أعسر المدعي قبل حصول المدعى عليه على حكم في دعواه ، فقد أجاز المشرع للمدعى عليه تقديم طلب المقاصة القضائية بصورة عارضة (دعوى مقابلة)، ولو لم يكن هناك ارتباط من حيث الموضوع أو السبب بين دين المدعي ودين المدعى عليه ، وذلك حتى يتفادى الحكم عليه بطلبات المدعي كلها أو بعضها في الوقت الذي يكون هذا المدعي مدينا له ، وبذلك يتفادى المدعى عليه خطر إعسار المدعي .

      ويعد طلب المقاصة القضائية طلبا عارضا لأن المدعى عليه يطلب فيه الحكم بحقه قبل المدعي ، ثم إجراء المقاصة ، وهذا ما يميزه عن الدفع بالمقاصة القانونية التي تؤدي إلى انقضاء الدين بقوة القانون متى توافرت شروطها .

شروط قبول المقاصة القضائية

      حتى تؤدي المقاصة القضائية غرضها بانقضاء الدينين بقدر الأقل منهما ، لا بد من توافر شروط معينة فيها بعضها شروط إيجابية وبعضها سلبية .

أ-  الشروط الإيجابية :

      لا يشترط في المقاصة القضائية توفر جميع شروط المقاصة القانونية لأن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية كبيرة تمكنه من استكمال بعض الشروط الناقصة في المقاصة القضائية ، نظرا لدوره التكميلي للمشرع .

      والشرط المتفق عليه فقها وقضاء بالنسبة لنوعي المقاصة هو أن يكون كل من الدينين صالحا للمطالبة به قضاء .

      أما بالنسبة لشرطي الخلو من النزاع ومعلومية المقدار فإنهما غير مطلوبين في المقاصة القضائية ، بل تقبل المقاصة إذا كان الدين محل نزاع أو غير معين المقدار لأن القاضي يقوم بالفصل في النزاع المثار حول الدين وتحديد مقداره .

      مثال : أن يطلب دائن مدينه بدينه ، فيدعي المدين بالحق في التعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء خطأ  الدائن ، مطالبا بإجراء المقاصة بين ما عليه من دين وما له من حق . فإن على القاضي أن يقوم أولا بالفصل في دعوى المسؤولية وتحديد مقدار التعويض ثم يوقع المقاصة بعد ذلك.

      ويمكن أن يفتح باب الطلب المقابل بالمقاصة القضائية ، الباب للتحايل والمماطلة من جانب المدعى عليه إذا لم يكن له أساس من الصحة ، ولكن خضوع الطلب المقابل لرقابة القاضي وتقديره كفيل بأن يحد من إساءة استعمال المقاصة القضائية في غير غرضها ، فيمكنه أن يرفض الطلب إذا تبين له أن هناك صعوبة في التحقق من الدين وأن الفصل في الطلب المقابل سيترتب عليه تأخير الفصل في الدعوى الأصلية .

ب) الشروط السلبية :

      يقصد بالشروط السلبية للمقاصة ، تلك الصفات الموجودة في أحد الدينين وتحول دون وقوعها ، كما لو كان أحد الدينين لا يجوز الحجز عليه أو ناتجا عن عمل غير مشروع . فالشروط السلبية يجب عدم تحققها لوقوع المقاصة القضائية .

      وقد نصت على هذه الشروط المادة 364 من القانون المدني المصري بقولها ” تقع المقاصة في الديون أيا كان مصدرها وذلك فيما عدا الأحوال الآتية :

  • إذا كان أحد الدينين شيئا نزع دون حق من يد مالكه وكان مطلوبا رده .
  • إذا كان أحد الدينين شيئا مودعا أو معارا عارية استعمال وكان مطلوبا رده .
  • إذا كان أحد الدينين حقا غير قابل للحجز  “.

      وعلى الرغم من أن هذا النص ورد بخصوص المقاصة القانونية ، إلا أنه تضمن شروطا عامة يجب توافرها في نوعي المقاصة وتوجبها المبادئ العامة في القانون ويقتضيها المنطق القانوني السليم ، ذلك أنه يتنافى مع العقل والمنطق السماح للمدعى عليه بطلب إجراء المقاصة القضائية بدين له في ذمة المدعي سلك طريقا غير مشروع في الحصول عليه .

دور القاضي في الحكم بالمقاصة القضائية وطبيعة الحكم الصادر فيها

      يملك القاضي تجاه المقاصة القضائية سلطة كبيرة سواء من حيث مبدأ قبولها أو التحقق من شروطها وسلطة الفصل فيها .

      فللقاضي مطلق الحرية في قبول أو رفض ذلك الطلب ، فقد يرى من الملائم قبول الطلب المقابل والفصل فيه إذا تبين له أن من السهل جعل الدين خاليا من النزاع ويمكن تحديد مقداره كما قد يرفض الطلب :

  • إذا تبين له أن القصد من تقديمه الكيد والمماطلة بغية تعطيل الفصل في الدعوى الأصلية .
  • إذا ظهر له أن الطلب المقابل ليس له أساس واضح .
  • إذا تبين له أن الطلب المقابل غير ظاهر الجدية .

      ويميل الاتجاه السائد إلى أن الحكم الصادر بالمقاصة القضائية يعد حكما منشئا وليس حكما تقريريا أو كاشفا (1) لأن المقاصة القضائية لا يمكن أن تقع دون تدخل القاضي لتكملة الشرط الناقص بجعل الدين خاليا من النزاع معلوم المقدار . وعندما يخلي القاضي الدين من النزاع ويحدد مقداره فإنه يكون قد أنشأ مركزا قانونيا جديدا لم يكن موجودا من قبل ، بعكس المقاصة القانونية التي يقتصر دور القاضي فيها على التحقق من توافر شروطها والحكم بها (1).

تحديد تاريخ المقاصة القضائية

      ما دام الحكم الصادر بالمقاصة القضائية يعد حكما منشئا ، فإن تحديد تاريخ المقاصة القضائية يكون هو تاريخ الحكم الصادر بها لأنها لم تكن موجودة قبل ذلك الحكم حتى لو استوفت شروطها(2).

  • طلب الحكم للمدعى عليه بالتعويضات عن الضرر الذي لحقه من جراء إجراءات التقاضي .

      وذلك لأن محكمة الدعوى الأصلية أقدر على تقدير الضرر الذي وقع للمدعى عليه نتيجة إجراء اتخذ أمامها . فإذا كان المدعي في الدعوى الأصلية قد طلب الحجز الاحتياطي أو منع المدعى عليه من السفر ، وكان هذا الطلب في غير محله إما لأن الدين المطلوب الحجز بشأنه أو المنع من السفر لأجله غير مستحق الأداء ، أو لأن الدائن مؤمن على دينه ، فإن للمدعى عليه أن يتقدم بطلب عارض للحكم على المدعي بالتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب تعسف المدعي في مخاصمته أو طريقة سلوكه في الدعوى .

  • أي طلب يكون متصلا بلائحة الدعوى اتصالا لا يقبل التجزئة .

      ويقصد بهذه الحالة اتصال الطلب العارض بالطلب الأصلي ، كما هو الحال بالنسبة لطلبات المدعي العارضة السابق ذكرها . ومثال ذلك أن يطلب المدعي تقرير ملكيته لعقار ، فيطلب المدعى عليه تقرير ملكيته هو للعقار . أو أن يطلب المدعي تعويض الضرر الذي أصابه من جراء حادث معين ، فيطالب المدعى عليه بالتعويض بمناسبة الحادث ذاته . أو أن يطلب المدعي منع التعرض فيقدم المدعى عليه طلبا يدعي بموجبه الحيازة ومنع تعرض المدعي له فيها .

      ويقصد من قبول هذه الطلبات بصورة عارضة تفادي تناقض الأحكام في المنازعات المرتبطة بعضها ببعض .

 

قواعد تقديم الطلب العارض والحكم فيه

1-  تقديم الطلب العارض

      يتبين من نص المادة (100) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد أن الطلبات العارضة سواء من المدعي أو المدعى عليه ، تقدم إلى المحكمة المختصة وفقا للإجراءات المقررة لإقامة الدعوى .

      وهذا يقتضي إيداع لائحة الدعوى (الطلب) قلم كتاب المحكمة، وتبليغها للخصم، مع مراعاة ميعاد الحضور (1).

      ويتعين أن تكون المحكمة مختصة بنظر الطلب العارض اختصاصا نوعيا ، فتختص محكمة البداية بالفصل في الطلبات العارضة مهما كانت قيمتها وأيا كان نوعها لأنها هي المحكمة ذات الاختصاص العام . أما إذا كان الطلب الأصلي منظورا أمام محكمة الصلح اختصت بنظر الطلبات العارضة إذا كانت داخلة في اختصاصها العادي أو الاستثنائي . أما إذا كانت من اختصاص محكمة البداية القيمي أو النوعي ، جاز لمحكمة الصلح أن تحكم في الطلب الأصلي وحده إذا لم يترتب على ذلك ضرر بحسن سير العدالة ، أما إذا كان في ذلك ضرر وجب عليها أن تقرر من تلقاء نفسها بإحالة الدعوى الأصلية والطلبات العارضة بحالتها إلى محكمة البداية المختصة ، وقرار الإحالة يكون غير قابل للطعن (م 93) سواء تعلقت الإحالة بالطلب العارض وحده أم بالدعوى برمتها. وتحال الدعوى بالحالة التي كانت عليها وقت صدور القرار ، فإذا كانت بها إجراءات قد استوفتها محكمة الصلح فلا تعيدها محكمة البداية.

2-  وقت تقديم الطلب

      يجوز تقديم الطلب العارض في أية حالة كانت عليها الإجراءات أمام محكمة أول درجة . ولكن تنص المادة (100) على أن الطلبات العارضة لا تقبل بعد إقفال باب المرافعة . وهذا لا يحول دون أن يطلب الخصم فتح باب المرافعة من جديد عملا بالمادة (166) حتى يتمكن من تقديم طلب عارض والنظر فيه ، ولكن للمحكمة سلطة تقديرية كاملة في إجابة هذا الطلب أو رفضه .

3-  الحكم في الطلب العارض

      تفصل المحكمة أولا في أي نزاع يثور حول قبول الطلب العارض ، والحكم الصادر بقبول أو عدم قبول الطلب العارض يخضع للقواعد العامة من حيث قابليته للطعن فيه بطرق الطعن ، لذلك فإن قرار المحكمة قبول الطلب لا يجوز الطعن فيه فور صدوره .

      أما بالنسبة لموضوع الطلب ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة (100) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه ” تفصل المحكمة فيما يقدم إليها من طلبات مع الدعوى الأصلية كلما أمكن ذلك “.

      وهذا النص ترك للمحكمة سلطة التفريق بين الطلب الأصلي والطلب العارض ، فمع أن الأصل أن تحكم المحكمة في الطلب العارض مع الدعوى الأصلية ، إلا أن المشرع خشي أن يؤدي هذا الأمر إلى تأخير الفصل في الدعوى الأصلية مع أنها صالحة للحكم فيها ، لذلك إذا تبينت المحكمة أن موضوع الطلب العارض في حاجة إلى تحقيق وأن الدعوى الأصلية جاهزة للفصل فيها وأن تأخير الفصل فيها قد يؤدي إلى الإضرار بالمدعي ، فإن لها أن تفصل في الدعوى الأصلية وتستبقي الطلب العارض للفصل فيه بعد تحقيقه ، وهذا يعني استمرار الخصومة بعد الفصل في الدعوى الأصلية ، وذلك للفصل في موضوع الطلب العارض .

      وللمحكمة أيضا أن تفصل في الطلب العارض أولا إذا صار صالحا للحكم فيه ، أو وجدت أن الطلب العارض يثير مسألة أولية وأن الفصل في الدعوى الأصلية يتوقف على الفصل في الطلب العارض ، أو كان الطلب العارض متعلقا باتخاذ إجراء وقتي أو تحفظي .

      أما إذا انقضت الدعوى الأصلية بغير الحكم في موضوعها ، كما لو حكم ببطلان لائحة الدعوى أو اعتبار الدعوى كأن لم تكن أو بسقوط الخصومة ، فإنه يترتب على ذلك زوال الخصومة ، ولكن نظرا لأن الطلب العارض قد قدم للمحكمة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى ، فإنه يتحول إلى مطالبة قضائية وتبقى الخصومة للفصل فيه .


(1) الحكم التقريري أو الكاشف هو الحكم الذي يقتصر على مجرد الكشف عن وجود أو عدم وجود المركز القانوني المدعى به دون أن يلزم المدعى عليه بأداء معين ، كالحكم الصادر ببراءة الذمة أو الاعتراف بالجنسية .

       والحكم المنشئ هو الحكم الذي ينشئ مراكز قانونية موضوعية جديدة لم تكن موجودة من قبل كالحكم الصادر بفسخ العقد أو إفلاس أحد التجار . وهناك طائفة ثالثة من الأحكام هي أحكام الإلزام التي تقضي بإلزام المحكوم عليه بأداء معين قابل للتنفيذ الجبري .

(1) يذهب رأي في الفقه إلى تشابه نوعي المقاصة القضائية والقانونية سواء من حيث الغاية – فكل منهما تعد أداة ضمان – أو من حيث أن حقيقة كل منهما واحدة ، وأن المقاصة القضائية لا تخرج عن كونها مقاصة قانونية، تقع عندما يتوافر في حكم القاضي شرط الخلو من النزاع الذي كان ينقصها، لذلك فإن الحكم الصادر بالمقاصة القضائية يعد حكما تقريريا أو كاشفا .

(2) الرأي الذي يعتبر الحكم بالمقاصة القضائية كاشفا يرجع تاريخ المقاصة إلى تاريخ المطالبة بها .

(1) يجيز قانون المرافعات المصري إبداء الطلب العارض شفويا في الجلسة بحضور الخصم ويثبت في المحضر . د. أحمد أبو الوفا ، ص 269. غير أن القانون الفلسطيني الجديد لم يجز تقديم الطلبات العارضة بهذه الطريقة .