الفصل الرابع – الطلبات العارضة والدفوع

المطلب الثالث

التدخل في الخصومة

      أدى تطور العلاقات الاقتصادية إلى تداخل العلاقات القانونية وتشابكها ، وأصبحت إمكانية تأثير الحكم القضائي على حقوق الغير ومصالحهم كثيرة ، وقد يتعذر تدارك الأضرار التي تصيب الغير من جراء الحكم الصادر إذا أغلق طريق التدخل في الخصومة ، ولا يغني عن التدخل طريق اعتراض الخارج عن الخصومة لأن هذا الطريق ليس مفتوحا دائما أمام الغير .

      لذلك أفسحت التشريعات الطريق أمام الغير للتدخل في الخصومة القائمة للدفاع عن حقوقه أو حقوق أحد أطرافها التي تنعكس إيجابا أو سلبا على حقوقه أو للحكم في الدعوى في مواجهته أو لإلزامه ببعض الأداءات لصالح أحد الخصوم .

      وتدخل طلبات التدخل – بالنظر إلى طبيعتها – ضمن طائفة الطلبات العارضة المقدمة أثناء سير الخصومة الأصلية ، ويؤدي التدخل إلى اتساع نطاق الخصومة من حيث أطرافها ، وقد نظمها المشرع الفلسطيني في المادتين (82 ، 96) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد . 

      حيث تنص المادة (96) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه :

  1. يجوز للخصم أن يدخل في الدعوى من كان يصح اختصامه فيها عند إقامتها .
  2. يجوز لمن له مصلحة في دعوى قائمة بين طرفين أن يطلب تدخله فيها بوصفه شخصا ثالثا منضما أو مخاصما فإذا اقتنعت المحكمة بصحة طلبه تقرر قبوله .
  3. يكون القرار الصادر بعدم قبول أو رفض التدخل قابلا للاستئناف .

      كما تنص المادة (82) منه على أنه :

  1. للمحكمة …… ولو من تلقاء نفسها إخراج أي من المدعى عليهم في الدعوى إذا لم يكن هناك محل لإدخاله ، ولها ولو من تلقاء نفسها أن تدخل في الدعوى من ترى إدخاله لإظهار الحقيقة أو لمصلحة العدالة .
  2. إذا أدخل مدعى عليه في الدعوى فلا تسري عليه الإجراءات المتخذة فيها إلا من تاريخ تبليغه بلائحة الدعوى .

      ويتبين من نص هاتين المادتين أن التدخل نوعان : تدخل اختياري يتم بناء على إرادة الغير ، وتدخل جبري يتم بقرار من المحكمة . وللتمييز بين النوعين يطلق على الأول التدخل على أساس أن لفظ التدخل بذاته يعني الاختيار ، ويسمى الثاني اختصام الغير أو الإدخال للدلالة على الجبر .

الفرع الأول

التدخل الاختياري

      يقصد بالتدخل الاختياري في الدعوى ، أن يطلب شخص من الغير دخوله في الدعوى ليصبح طرفا في الخصومة القائمة ، لكي يتمسك في مواجهة أطرافها بحق خاص به مرتبط بهذه الخصومة أو بمحلها طالبا الحكم له به ، أو لكي ينضم لأحد أطرافها .

      وإباحة التدخل للغير تعتبر في الواقع مظهرا أصيلا من مظاهر حرية الدفاع ، ووسيلة مجدية لصيانة الحقوق من أقرب طريق ، وقد تكون عونا على حسن أداء العدالة بالنسبة للدعوى الأصلية نفسها .

أنواع التدخل الاختياري

      يحصل التدخل في الواقع لأحد غرضين :

الأول : الانضمام لأحد الخصوم ودعم وجهة نظره في الدعوى دون أن يطالب بشيء خاص لنفسه وإن كان الهدف من تدخله حماية مصالحه على المدى البعيد ، ويسمى التدخل في هذه الحالة (تدخلا انضماميا) ويكون ذلك إذا كان للمتدخل مصلحة تستند إلى دفع ضرر محتمل للمتدخل يهدف بتدخله إلى توقيه والحيلولة دون وقوعه . وتكون هناك مصلحة للغير في التدخل الانضمامي في كل حالة يوجد فيها التزام بالضمان على عاتق المتدخل .

      ويهدف التدخل الانضمامي إما إلى

  • تأييد طلبات من تدخل لمساعدته بما لديه من أوجه دفاع ودفوع (تدخل دفاعي) فله إبداء أي دفع لم يفت وقته ،أو
  • مراقبة دفاع مدينه بقصد تجنب إهماله أو غشه حتى لا يتأثر الضمان العام المقرر للدائن على أموال مدينه (تدخل وقائي) .

      ومن أمثلته تدخل البائع بصفته ضامنا في دعوى استحقاق الشيء المبيع المرفوعة على المشتري ، وذلك للدفاع عن ملكية المشتري للعين ، فإذا لم يسمح له بالتدخل فإن المشتري سيرجع عليه بالضمان.

      وكذلك تدخل صاحب المصنع في الدعوى المرفوعة على البائع بسبب عيب في الآلة المبيعة لأنه إذا لم يتدخل المصنع ونجح المشتري في الحصول على التعويض من البائع فان البائع سوف يرجع على المصنع بالضمان.

      وكذلك مثل تدخل الدائن في الدعوى التي يكون المدين طرفا فيها مع الغير للدفاع عن حقوق مدينه.

          كما قضت محكمة النقض بأن من حق البائع أن يطلب إدخاله شخصا ثالثا في دعوى الشفعة طالما يدعي أن مصالحه تتأثر بنتيجة الحكم الصادر وأن البيع وقع باطلا سيما أن المادة 1026 من المجلة قررت أن الشفعة لا تجري في البيع  الفاسد.(1)

          والمتدخل المنضم لا يحكم له أو عليه ، ولا يجوز له الإضرار بمركز من انضم إليه، حيث إن استعمال الحق استعمالا مشروعا ينفي الضمان .

الثاني : المطالبة بحق خاص له في مواجهة أطراف الدعوى يرتبط بموضوع الخصومة ، ويسمى التدخل في هذه الحالة (تدخلا هجوميا أو إختصاميا)، لأن المتدخل يرمي إلى مهاجمة طرفي الخصومة من حيث إنه يطلب الحكم له خاصة في مواجهتهما بطلب يرتبط بالدعوى الأصلية . ويقوم المتدخل في هذه الحالة بدور المدعي ويطالب بالشيء لنفسه في مواجهة الخصمين الأصليين . مثال ذلك أن يكون هناك نزاع على ملكية عين معينة بين بائع ومشتر ، فيتدخل من يدعي أنه المالك الحقيقي لها ويطلب الحكم له بهذه الملكية قبل طرفي الدعوى الأصليين . أو أن يرفع الدائن الدعوى على أحد المدينين المتضامنين فيتدخل المدين المتضامن الآخر طالبا الحكم ببراءة ذمته . أو أن ترفع دعوى ملكية على أحد الشركاء على الشيوع ، فيتدخل شريك آخر لم ترفع الدعوى في مواجهته للتمسك بملكيته .

     ويجوز للغير التدخل حتى لو كان لا يجوز الدفع في مواجهته بحجية الأمر المقضي لأن من مصلحة الغير التدخل في الخصومة القائمة ليتوقى ما قد يصيبه من أضرار ولتفادي ازدواج غير ضروري للخصومة . فالتدخل الاختصامي يكون للأشخاص الذين لهم حقوق غير مستمدة من حقوق الطرفين كالدائنين الممتازين والمرتهنين وغيرهم .

شروط التدخل الاختياري

      يشترط لقبول التدخل في الدعوى ما يلي :

  1. أن يكون المتدخل من الغير ، فلا يجوز التدخل في الدعوى لمن كان طرفا في الخصومة يمثله فيها شخص آخر ، كالقاصر الذي يمثله الوصي إذا بلغ سن الرشد ففي هذه الحالة لا يتدخل في الدعوى وإنما توقف الخصومة حتى يحل فيها محل الوصي . وكذلك الخلف العام أو الخلف الخاص لأحد طرفي الدعوى، فإذا توفي الخصم مثلا فإن الورثة لا يتدخلون ، وإنما توقف الخصومة حتى يحلون فيها محل السلف . فكل هؤلاء لا يعتبرون من الغير بالنسبة للخصومة .
  2. أن يكون للمتدخل مصلحة في التدخل ، فلا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون لأن المصلحة كما رأينا هي شرط أساس لقبول جميع الطلبات سواء كانت طلبات أصلية أو طلبات عارضة . والمصلحة التي تبيح التدخل الانضمامي هي المصلحة التي تستند إلى دفع ضرر محتمل على طالب التدخل ، قد يصيبه بطريق غير مباشر إذا لم يتدخل وخسر صاحبه الدعوى .
  3. أن تكون الخصومة قائمة ولم يتم إقفال باب المرافعة فيها ، فإذا لم يكن النزاع قد عرض بعد على القضاء يمكن للشخص الثالث الذي يخشى على حقوقه من الضياع أن يتقدم بدعوى أصلية لتأمين هذه الحقوق . كما لا يجوز التدخل بعد إقفال باب المرافعة حتى لا يترتب على التدخل تأخير الفصل في الدعوى الأصلية. ومن باب أولى إذا انتهت الخصومة بصدور الحكم فيها من محكمة أول درجة ، إذ لا يجوز التدخل أمام محكمة الاستئناف بل يجب أن يقدم طلب التدخل أمام محكمة أول درجة .
  4. أن يكون هناك ارتباط حقيقي بين موضوع الدعوى الأصلية وموضوع طلب التدخل . فإذا كان الحق الذي يدعيه المتدخل غير مرتبط بموضوع الدعوى الأصلية لا يقبل التدخل ، إذ لا يجوز للمتدخل أن يخلق من تدخله دعوى جديدة غير معروضة على المحكمة ، بل عليه في مثل هذه الحالة تقديم دعوى مستقلة بالحق الذي يدعيه لنفسه .
  5. إذا كان التدخل هجوميا، يطالب فيه المتدخل بحق لنفسه ، فإنه يعد في مركز المدعي ويكون الخصوم في الدعوى الأصلية في مركز المدعى عليهم ، لذلك يتوجب على المتدخل دفع الرسوم القانونية حسب قيمة ادعائه ، ويترتب على قبول المحكمة نظر طلبه أن تقرر وقف السير في الدعوى الأصلية إلى أن تفصل في الطلب ، لأن الفصل في الدعوى في هذه الحالة يتوقف على نتيجة الفصل في الطلب، فإن حكمت للمتدخل تقرر رد الدعوى ، وإن قررت رد الطلب تقرر السير في الدعوى.

إجراءات التدخل الاختياري

      يتم التدخل الاختياري وفق المادة (100) بتقديم طلب لدى قلم كتاب المحكمة وفقا للإجراءات المقررة لإقامة الدعوى ، وتبليغه للخصوم على يد مأمور التبليغ (المحضر). ويقدم في أي وقت على أنه لا يقبل بعد إقفال باب المرافعة .

      وقد نصت المادة (99) على أنه :

  1. يجوز للمحكمة في حالتي الإدخال والتدخل تكليف المدعي أن يعدل لائحة دعواه بمقدار ما تتطلبه العدالة .
  2. للخصم الذي تبلغ اللائحة المعدلة أن يرد عليها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغه وإلا يعتبر مكتفيا بلائحته الأساسية .

      وللمحكمة صلاحية قبول أو عدم قبول طلب التدخل وفقا لقناعتها . فإذا قررت عدم قبول أو رفض التدخل يكون قرارها قابلا للاستئناف (م 96/3) .(1)

آثار التدخل الاختياري

      إذا قبلت المحكمة طلب التدخل ، يصبح المتدخل خصما في الدعوى له كل حقوق الخصوم من حيث إبداء الدفاع وتقديم الطلبات ، والاطلاع على دفاع خصومه، ويحتج له أو عليه بالحكم الصادر في الدعوى ، ويتأثر إذا كانت الدعوى معيبة شكلا كما لو قضي بعدم الاختصاص .

      غير أنه إذا تنازل المدعي عن دعواه ، أو تم صلح بين أطراف الدعوى الأصليين أو أقر المدعى عليه بالدعوى ، فإن حق المتدخل في الدعوى لا يتأثر بذلك إذا كان تدخله هجوميا .

      كما أن للمتدخل هجوميا أن يطعن في الحكم الصادر في الدعوى ، بينما لا يجوز ذلك للمتدخل انضماما .


(1) نقض مدني 11/2003 تاريخ 20/9/2003 ج 2 ص 292.

(1) نقض مدني 7/2003 تاريخ 19/12/2003 ج 2 ص 298، نقض مدني 20/2004 تاريخ 17/3/2004 ج 2 ص 301.