الفصل الرابع – الطلبات العارضة والدفوع

المبحث الثاني

الدفوع

تعريف الدفوع وأنواعها :

      الدفع هو جواب الخصم على ادعاء خصمه بقصد تفادي الحكم له بما يدعيه . والدفع كالدعوى يجب لقبوله توافر شرط المصلحة . وتنقسم الدفوع إلى ثلاثة أنواع : دفوع شكلية ، ودفوع موضوعية ، ودفوع بعدم القبول .

المطلب الأول

الدفوع الشكلية

      الدفوع الشكلية هي دفوع توجه إلى إجراءات الدعوى ، سواء من حيث طريقة رفعها ، أو السير فيها ، أو الاختصاص بها ، بغرض استصدار حكم يؤدي  إلى تأخير الفصل في الدعوى ، أو ينهي الخصومة قبل الدخول فيها ودون الخوض في موضوعها . ومثالها الدفع بعدم الاختصاص ، إذ يطالب المدعى عليه بهذا الدفع أن تمتنع المحكمة عن الفصل في الدعوى المعروضة أمامها لكونها غير مختصة بنظرها طبقاً لقواعد الاختصاص التي حددها القانون . وكذلك الدفع ببطلان أوراق التكليف بالحضور إذا تمت مخالفة القواعد والأوضاع الواجب مراعاتها في تحريرها وكيفية تبليغها(1) . والدفع بشطب الدعوى واعتبارها كأن لم تكن إذا تخلف المدعي عن حضور جلسة المحاكمة. والدفع بسقوط الخصومة، والدفع بانقضائها. والدفع بوقف إجراءاتها لمدة معينة أو حتى يستوفى إجراء من الإجراءات كالدفع بوقف الدعوى لحين الفصل في مسألة أولية، والدفع بوقف الدعوى المدنية لحين الفصل في الدعوى الجزائية. والدفع بعدم مراعاة مواعيد الطعن في الأحكام( م/195).

أحكام خاصة بالدفوع الشكلية :

     تنص المادة (91) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه:

  1. الدفع بعدم الاختصاص المحلي ، والدفع بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى لقيام ذات النزاع أمامها أو للارتباط ، والدفع بالبطلان ، وسائر الدفوع المتعلقة بالإجراءات ، يجب إبداؤها معا قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى أو دفع بعدم القبول وإلا سقط الحق فيما لم يبد منها .

ويتبين من هذا النص ما يلي :

  1. يجب إبداء الدفوع الشكلية في مستهل الخصومة ، أي قبل إبداء أي دفع بعدم القبول أو دفع موضوعي أو التكلم في موضوع الدعوى ، وإلا سقط الحق فيما لم يبد منها على اعتبار أن صاحب المصلحة فيها قد تنازل عنها . وعلى ذلك يعتبر تنازلاً عن الدفع الشكلي مجرد تقديم دفع آخر عليه، فمن تمسك بعدم اختصاص المحكمة محليا لسبب ما ليس له أن يتمسك بعد ذلك بعدم الاختصاص المحلي لسبب آخر، وكذلك الحال إذا كان للبطلان أكثر من سبب. ويستثنى من ذلك :
  2. الدفع الشكلي المتعلق بالنظام العام ، فهذا الدفع يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الإجراءات . وفي ذلك تنص المادة (92) على أنه ” الدفع بعدم الاختصاص لانتفاء ولايتها أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها أو لسبق الفصل فيها تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها ، ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى “.
  3. الدفع الشكلي الذي ينشأ سببه ، أي الحق  في التمسك به ، بعد التكلم في الموضوع ، كالدفع بسقوط الخصومة أو باعتبارها كأن لم تكن.

      ويلاحظ أن الحق في إبداء الدفوع الشكلية لا يسقط لمجرد طلب تأجيل النظر في الدعوى إلى جلسة أخرى للاطلاع على لائحة الدعوى أو الاستعداد أو لتقديم مذكرات، لأن الغرض من هذا الطلب هو مجرد الدراسة والتمهيد لإبداء الدفوع الشكلية، وكذلك التمسك برد القاضي لأن الطبيعي أن يبدأ الخصم برد القاضي قبل بحث أي دفع حتى لو كان شكليا.

  • يجب إبداء الدفوع الشكلية معاً دفعة واحدة ، فلا يجوز إبداء دفع في جلسة وإبداء دفع آخر في جلسة أخرى بل يجب إبداؤها جميعاً في جلسة واحدة أو مذكرة واحدة، فإذا اقتصر على إبداء بعضها فإن ذلك يسقط الحق في التمسك بعد ذلك بما لم يبد منها ولو لم يحصل كلام في الموضوع . ولكن جميع الدفوع الشكلية تتساوى ولا يلزم اتباع ترتيب معين فيما بينها . ويهدف المشرع من ذلك تفادي تراخي الفصل في الدعوى بسبب إبداء دفوع شكلية متتالية في مناسبات متعددة.
  • تهدف الدفوع الشكلية إلى تفادي الحكم في الموضوع بصفة مؤقتة ، فالحكم بقبول الدفع الشكلي لا يمس أصل الحق موضوع الدعوى ، وبالتالي لا يترتب عليه إنهاء النزاع ، ولا يحوز حجية الأمر المقضي . لذلك يجوز رفع الدعوى من جديد للمطالبة بذات الحق بإجراءات صحيحة أمام المحكمة المختصة .
  • الأصل أن تفصل المحكمة في الدفع الشكلي قبل البحث في الموضوع ، لأن الفصل فيه قد يغنيها عن التعرض للموضوع إذ يترتب على قبوله انقضاء الخصومة أمامها . ومع ذلك يجوز للمحكمة أن ترجئ الفصل في الدفع إلى ما بعد سماع المرافعة في الموضوع وتفصل فيهما معا بحكم واحد، وذلك إذا كان الفصل في الدفع يقتضي بحث الموضوع، على أن تبين في حكمها صراحة ما حكمت به في كل منهما على حدة (1).
  • الحكم الصادر بقبول الدفع الشكلي لا يستنفد سلطة محكمة أول درجة بالنسبة للموضوع ، فإذا استؤنف هذا الحكم فإن محكمة الاستئناف تفصل في الدفع الشكلي فقط دون موضوع الدعوى . فإذا حكمت محكمة أول درجة بعدم الاختصاص مثلا وقررت محكمة الاستئناف فسخ الحكم المستأنف ، عليها إعادة القضية إلى محكمة الدرجة الأولى لتفصل في موضوع الدعوى الذي لم تكن قد فصلت فيه بعد ، وذلك حتى لا تفوت درجة من درجات التقاضي على الخصوم.
  • الحكم الصادر بقبول الدفع الشكلي لا يمس أصل الحق، إذ يترتب عليه انقضاء الخصومة أمام المحكمة ولكن لا يترتب عليه إنهاء النزاع، فيجوز تجديد الخصومة بمراعاة الإجراءات الصحيحة إذا لم يكن الحق قد سقط لسبب من الأسباب.

            ومن الدفوع الشكلية التي نظمها المشرع ضم الدعاوى والدفع بالإحالة ، لذا نعرض لهذين الدفعين في الفرعين التاليين .

الفرع الأول

ضم الدعاوى

      تنص المادة 80/2 على أنه ” إذا رفعت أكثر من دعوى أمام محكمة واحدة … وكانت متحدة في السبب والموضوع ، فيجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الخصوم أن تضم هذه الدعاوى في خصومة واحدة “.

المقصود بضم الدعاوى

      يتبين من نص المادة 80/2  أن الضم هو قرار يصدر من القاضي يتم بموجبه جمع الدعاوى المتحدة في السبب والموضوع ، المرفوعة أمام ذات المحكمة ، في خصومة واحدة ، بناء على طلب أحد الخصوم .

شروط الضم

      حتى يمكن ضم الدعاوى معا في خصومة واحدة وفق قانون أصول المحاكمات الجديد يجب أن تتوافر ثلاثة شروط :

الشرط الأول : أن تكون الدعاوى منظورة أمام ذات المحكمة، سواء أمام نفس الدائرة أم أمام دائرة أخرى إذا كانت محكمة الصلح تضم عدة قضاة أو محكمة البداية تضم عدة هيئات. أما إذا كانت كل دعوى منظورة أمام محكمة مختلفة، فإن جمع الدعاوى أمام محكمة واحدة يكون عن طريق طلب الإحالة كما سنرى .

الشرط الثاني : أن تكون الدعاوى المطلوب ضمها متحدة في السبب والموضوع ، ولم يكتف المشرع باتحاد الدعاوى في عنصر واحد فقط كعنصر السبب وحده أو عنصر الموضوع وحده . كما لم يشترط وحدة الخصوم ، فيجوز ضم الدعاوى بالرغم من انتفاء وحدة الخصوم مثل الدعوى التي يرفعها الدائن ضد المدين والدعوى التي يرفعها ضد الضامن .

الشرط الثالث : أن يطلب أحد الخصوم ضم هذه الدعاوى في خصومة واحدة ، فلم يعط المشرع للمحكمة صلاحية ضم هذه الدعاوى من تلقاء نفسها ، علما بأن حسن سير العدالة وعدم تضارب الأحكام يوجب منح المحكمة هذه الصلاحية وبخاصة إذا كان بين هذه الدعاوى ارتباط لا يقبل التجزئة .

نطاق إعمال ضم الدعاوى

      الغالب أن يتم ضم الدعاوى أمام محكمة أول درجة (محكمة الصلح ، أو محكمة البداية)، ولكن لا يوجد ما يمنع من جواز إعماله أمام محكمة الدرجة الثانية ، لذلك إذا توافرت شروط الضم بين استئنافين على الحكم، فإنه يجوز للمحكمة أن تقرر ضمهما (م 210) ، ولكن عندما تقرر محكمة الاستئناف ضم الاستئنافين فإنها لا تلتزم بأن تحكم فيهما بحكم واحد ، لأن الأمر يخضع لمطلق تقديرها ، فيجوز لها أن تحكم فيهما معا بحكم واحد ، كما يجوز لها أن تحكم فيهما بحكمين .

طبيعة القرار الصادر بالضم ومدى قابليته للطعن فيه

      يعد القرار الصادر من المحكمة بضم الدعاوى من إجراءات الإدارة القضائية التي تتعلق بسير وإدارة مرفق القضاء ولا يمس مصالح الأفراد ، وبالتالي فإنه لا يعد حكما قضائيا ولا حتى عملا ولائيا ، لذلك فإنه لا يقبل الطعن ، كما لا يلزم المحكمة التي أصدرته ، فلها أن ترجع عنه ، لأن مباشرة المحكمة هذا الإجراء لا تؤدي إلى استنفاذ سلطتها بشأن الخصومة .

سلطة المحكمة في ضم الدعاوى

      منح النص للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقرير ضم الدعاوى التي تتوفر فيها الشروط السابقة ، فيجوز لها أن ترفض طلب الضم الذي تقدم به أحد الخصوم إذا قدرت أنه لا توجد مخاطر من صدور أحكام متعارضة إذا نظرت كل دعوى دائرة مختلفة ، أو إذا كانت إحدى الدعويين جاهزة للحكم فيها والأخرى يحتاج الفصل فيها إلى مزيد من التحقيقات .

آثار الضم

      ضم الدعاوى لا يفقد أيا منها استقلالها بل تحتفظ كل دعوى باستقلالها عن الأخرى ، لذلك إذا قضت المحكمة بضم الدعويين المنظورتين لديها فإن هذا الضم ليس من شأنه أن يؤثر على قواعد الاختصاص،طالما أن كلا منهما تظل محتفظة بكيانها وقيمتها واستقلالها ولم تتحدا موضوعا وسببا وأطرافا.(1)

      ومع ذلك فإن ضم الدعاوى للارتباط يستهدف تحقيقهما والفصل فيهما معا من محكمة واحدة ، فضلا عن توفير الوقت والجهد والإجراءات ، وهذا لا يتحقق إلا إذا اندمجت تلك الدعاوى في خصومة واحدة ، ولذا فإذا كان ضم الدعاوى لا يترتب عليه فقدان كل منها استقلالها واندماجها معا في دعوى واحدة ، إلا أنها تكون في مجموعها خصومة واحدة .

      وقد افترض المشرع أن المحكمة المرفوعة إليها الدعاوى المطلوب ضمها مختصة بنظر كل دعوى على استقلال ، ولذلك لم يرتب على ضم الدعاوى أي أثر بالنسبة لقواعد الاختصاص وقواعد تقدير قيمة الدعوى ، فتبقى المحكمة مختصة حتى لو أدى الضم ووحدة الخصومة إلى أن تصبح المحكمة غير مختصة بالخصومة الموحدة .


(1) إذا لم يترتب على النقص في البيانات اللازم توافرها في ورقة التكليف بالحضور أو كيفية تبليغها غياب المبلغ إليه أو تفويت دفاعه عليه ، بأن حضر المدعى عليه أو وكيله الجلسة المحددة لنظر الدعوى أو قدم لائحة بدفاعه يزول العيب في إجراءات التبليغ . وبالتالي يزول البطلان . أما إذا = = غاب المبلغ إليه ولم يقدم مذكرة بدفاعه، وتبينت المحكمة بطلان التبليغ ، وجب عليها تأجيل القضية إلى جلسة تالية يعاد تبليغه بها تبليغا صحيحا . فإذا لم تتبين المحكمة البطلان الذي شاب التكليف بالحضور وصدر الحكم في غياب المبلغ إليه، فإن تمسك المبلغ إليه المحكوم عليه بالبطلان المذكور يكون بطريق الطعن في الحكم وإبداء الدفع بالبطلان في لائحة الطعن قبل الكلام في الموضوع وقبل إبداء أي دفع موضوعي أو بعدم القبول .

(1) المادة 91 فقرة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 .

(1) نقض مدني 7/2006 تاريخ 12/4/2006 ج 2 ص 192.