الفصل الرابع – الطلبات العارضة والدفوع

المطلب الثاني

الدفوع الموضوعية

    الدفوع الموضوعية هي دفوع توجه إلى ذات الحق المدعى به، وينازع الخصم بها في نشوء الحق أو بقائه أو مقداره. كأن ينكر المدين الدين المطلوب منه كله أو بعضه، أو ينكر نسبة سند دين إليه، أو يدفع بانقضاء الدين بالوفاء ، أو يدفع ببطلان العقد أو بالمقاصة القانونية ، ومن ذلك أيضا الدفع بعدم التنفيذ ، والدفع بوفاء جزء من الدين ، والدفع بإعمال الشرط الفاسخ الصريح وغيرها ، وهي لا تقع تحت حصر ، وترمي الدفوع الموضوعية إلى الحكم  برفض طلبات المدعي كلها أو بعضها .

      ويختلف الدفع الموضوعي عن مجرد الإنكار في أنه ادعاء مضاد يجب على المدعى عليه أن يثبته ويقيم الدليل عليه ، في حين أن مجرد الإنكار لا يلقي على المدعى عليه أي عبء في الإثبات .

أحكام خاصة بالدفوع الموضوعية

  1. كان للخصم في ظل قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى ، إبداء الدفوع الموضوعية في أي وقت في أثناء نظر الدعوى وحتى ختام المحاكمة ، ولا يتقيد في إبداء هذه الدفوع بترتيب معين ، فله في كل جلسة أن يتمسك بدفع موضوعي جديد ، ولا يترتب على تقديم دفع موضوعي اعتبار الخصم متنازلا ضمنا عن غيره من الدفوع . على أنه يجب على الخصم مراعاة عدم التناقض بين الدفوع الموضوعية حتى لا يهدم بعضها بعضا . كما يجوز تقديم الدفع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة الاستئناف .

     غير أن المادة (89) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد نصت على أنه ” يجب على الخصوم تقديم طلباتهم ودفوعهم مرة واحدة قبل الدخول في أساس الدعوى “. وحيث إن هذا النص جاء مطلقا ولم يرد في المواد اللاحقة له ما يقيده بالنسبة للدفوع الموضوعية ، فلا بد من القول إن المشرع قد تطلب أن يبدي المدعى عليه دفوعه الموضوعية مرة واحدة قبل الدخول في أساس الدعوى ، ويبدو أن المشرع هدف من ذلك تفويت الفرصة على المدعى عليه ، للمماطلة عن طريق إبداء دفوعه الموضوعية الواحد تلو الآخر ، ذلك أن مبدأ حسن النية وتعاون الخصوم والمحكمة في الوصول إلى الحقيقة يستوجب أن يطرح المدعى عليه دفوعه الموضوعية مرة واحدة ، وبخاصة أن المشرع أوجب في المادة (120) من القانون الجديد أن تكلف المحكمة الخصوم في الجلسة الأولى لنظر الدعوى وبعد تكرار اللوائح تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف في المسائل المتعلقة بالدعوى ، وهذا يستوجب طرح جميع المسائل المتعلقة بالدعوى أمام المحكمة بما فيها الدفوع الموضوعية . وعلى ذلك وبعد تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف لا يجوز للمدعى عليه أن يبدي أي دفع موضوعي .

  • يعتبر الحكم بقبول الدفع الموضوعي حكما فاصلا في موضوع الدعوى ومنهيا للنزاع على أصل الحق المدعى به ، ولذا فإنه يحوز حجية الأمر المقضي فلا يجوز تجديد المطالبة به أمام القضاء مرة أخرى .
  • يستنفد الحكم الصادر بقبول الدفع الموضوعي سلطة محكمة أول درجة بالنسبة لموضوع الدعوى ، فإذا طعن في الحكم أمام محكمة الاستئناف وقررت المحكمة فسخ الحكم ، عليها أن تفصل في موضوع الدعوى في هذه الحالة ولا تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة لاستنفاد سلطتها بالنسبة لموضوع هذه الدعوى .

المطلب الثالث

الدفوع بعدم القبول

      تنص المادة (90) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه ” يجوز للمدعى عليه أن يدفع بعدم قبول الدعوى استنادا إلى أي سبب يؤدي لعدم قبولها قبل الدخول في الأساس ، ويكون القرار الصادر برد الطلب أو قبوله قابلا للاستئناف “.

      والدفع بعدم القبول ليس دفعا شكليا لأنه لا يتعلق بالإجراءات ، وليس دفعا موضوعيا لأنه لا يتصل بالحق المدعى به . بل هو دفع بعدم أحقية المدعي في  رفع الدعوى ، أي أنه يتعلق بالحق في رفع الدعوى ، فينكر وجودها لعدم توافر أحد الشروط التي يتطلبها القانون لقبول هذه الدعوى .

          فشرط أهلية كل من المدعي والمدعى عليه يثير دفع الصفة في الدعوى . وشرط أن يكون كل من المدعى عليه والمدعى به معلوما يثير دفعا الجهالة  والتناقض، وشرط أن يكون لرافع الدعوى مصلحة في رفعها يثير دفع انعدام المصلحة ، وشرط ألا يكون قد سبق صدور حكم في موضوعها يثير الدفع بحجية الشيء المحكوم به ، وشرط أن ترفع الدعوى في المناسبة أو الميعاد الذي حدده المشرع يثير الدفع بأن الدعوى سابقة لأوانها أو الدفع بعدم سماع الدعوى لمرور الزمن وهكذا .

      ويطلب الخصم بهذا الدفع من القضاء الامتناع عن سماع الدعوى من خصمه لأنه لا حق له في رفعها وذلك لانعدام المصلحة في رفعها ، أو تخلف الصفة فيها(1). أو لعدم توافر شرط من شروطها كانعدام أهلية المدعي أو نقصها ، أو عدم اتخاذ إجراء يوجب القانون اتخاذه قبل رفع الدعوى مثل الإخطار العدلي في بعض دعاوى إخلاء المأجور . أو لرفع الدعوى في غير المناسبة أو الميعاد المحدد لذلك كرفعها قبل أو بعد هذا الميعاد أو تلك المناسبة مثل الدفع بعدم سماع الدعوى لمرور الزمن  (التقادم )  ، أو لسقوط الحق في رفع الدعوى لسبق الصلح فيها أو لسبق الاتفاق على عرض النزاع على محكمين أو لسبق صدور حكم في موضوعها ( الدفع بحجية الأمر المقضي به ) . وكذلك الدفع بعدم قبول طلب جديد أمام محكمة الاستئناف ، والدفع بعدم قبول طلب التدخل في الدعوى لانتفاء صلة الارتباط بينه وبين الدعوى الأصلية ، وما يقضي به القانون في بعض الحالات بعدم جواز نظر الدعوى أو عدم سماعها . وكذلك حالة عدم رفع الدعوى على كل من يوجب القانون اختصامهم  ، أو عدم رفعها من جانب أشخاص معينين يوجب القانون رفعها من جانبهم.

      وقد كان قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى يجيز إبداء الدفع بعدم القبول في أية مرحلة من مراحل التقاضي سواء كان الدفع متعلقا بالنظام العام أم لا  ، وهذا أمر منطقي بالنسبة للدفع المتعلق بالنظام العام  لأنه إذا لم يكن للمدعي صفة مثلا أو مصلحة ، فإن الكلام في الموضوع مهما طال لا يجعل له صفة ولا مصلحة ولا ينفي عنه انعدامها . فيجوز إبداء الدفع بانعدام الصفة أو المصلحة بعد الكلام في الموضوع إلى أن يتم قفل باب المرافعة ، ولكن لا مبرر له بالنسبة للدفع غير المتعلق بالنظام العام . لذلك عدل المشرع  في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد عن ذلك لأن السماح بإبداء الدفع غير المتعلق بالنظام العام  في أي مرحلة من مراحل التقاضي فيه ضياع للوقت وإشغال للقضاء دون جدوى ، فأجاز وفق المادتين (89و90) إبداء الدفع بعدم القبول قبل الدخول في أساس الدعوى . وفي الوقت ذاته فإن القرار الصادر برد الطلب أو قبوله يكون قابلا للاستئناف . أما الدفع بعدم القبول المتعلق بالنظام العام فيجوز إبداؤه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ، ولكن إذا قدم قبل الدخول في أساس الدعوى يجوز استئناف الحكم الصادر فيه على استقلال، أما إذا قدم بعد الكلام في موضوع الدعوى فلا يجوز استئناف الحكم الصادر فيه إلا مع الحكم الفاصل في موضوع الدعوى .

      والدعوى التي يحكم بعدم قبولها يجوز رفعها من جديد إذا ما استكملت شروط قبولها لأن الحكم بعدم القبول لا يمس الحق المرفوعة به الدعوى .

الدفع بكون القضية مقضية :

      الدفع بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها أو بحجية الشيء المحكوم به من الدفوع التي يجوز للمدعى عليه التمسك بها في مواجهة المدعي . وتقوم فكرة الحجية على اعتبارين :

      الاعتبار الأول : ضرورة وضع حد للمنازعات ، ويقوم هذا الاعتبار على أساس مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ، فلا يعقل أن تستمر الخصومات بين الناس ولا تقف عند حد ، فتتأبد المنازعات الأمر الذي يترتب عليه عدم استقرار المراكز القانونية وتعطيل المعاملات بين الناس .

      الاعتبار الثاني : تجنب تناقض الأحكام ، فما سبق عرضه على القضاء وتم الفصل فيه لا يجوز أن يطرح للنقاش مرة أخرى أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم ، أو أمام أية محكمة أخرى لتفصل فيه من جديد إلا بالطرق والمواعيد التي حددها القانون ، لأنه لو سمح بالفصل من جديد فيما تم الفصل فيه لتعرضت أحكام القضاء للتناقض ، الأمر الذي يضيع هيبة الأحكام ويزعزع ثقة الناس فيها .

          والأحكام التي تحوز قوة الشيء المحكوم فيه هي التي تتعلق بنزاع قائم بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بالحق ذاته محلا وسببا .(1)

      والأصل أن العبرة في الحجية لمنطوق الحكم لأنه يشتمل على قرار القاضي الفاصل في النزاع . والمنطوق هو ” الجزء النهائي في الحكم الذي تحسم فيه المحكمة النزاع وتؤكد به حق الخصوم “. على أنه من المتفق عليه فقها وقضاء أن الأسباب  تصلح لتفسير المنطوق وتحديد معنى العبارات الواردة فيه ، وذلك إذا كانت هذه الأسباب جوهرية وترتبط ارتباطا وثيقا بالحكم وبدونها لا تقوم للمنطوق قائمة . وقد تكون الحجية لوقائع الدعوى وذلك عندما يكون منطوق الحكم وأسبابه قاصرين عن تحديد نطاق ما تم الفصل فيه .

شروط الدفع بالحجية

      يشترط للتمسك بحجية الشيء المحكوم فيه ما يأتي :

  1. صدور حكم في ذات النزاع حائز لحجية الأمر المقضي أو قوة الأمر المقضي حسم النزاع، كالحكم برفض الدعوى أو الحكم بإجابة المدعي لطلباته.
  2. اتحاد الخصوم ، فللحكم حجية نسبية تقتصر على أطراف الخصومة ولا تمتد إلى الغير . إذ لا يصح أن يحتج على شخص بحكم صدر في دعوى لم يكن طرفاً فيها . والعبرة باتحاد الخصوم لصفاتهم وليس لأشخاصهم ، فالحكم الذي يصدر بمواجهة الوكيل يحوز حجية الشيء المحكوم فيه بالنسبة للأصيل ، فلا يجوز للأصيل أن يجدد الدعوى بصفته الشخصية .

      وكما يكون الحكم حجة على الخصوم فإنه حجة على خلفهم العام ، وحجة على خلفهم الخاص بشرط أن يكون سابقاً على انتقال الحق إلى الخلف الخاص .

  • وحدة المحل ، أي أن يكون موضوع الدعوى التي صدر فيها الحكم هو نفس موضوع الدعوى الثانية .
  • وحدة السبب ، ويقصد بالسبب المصدر القانوني للحق المدعى به ، ويكون هذا المصدر واقعة مادية أو تصرفا قانونيا(1) .

والدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها من قبيل الدفوع بعدم القبول المتعلقة بالنظام العام، لمساسه بحجية حكم سابق حائز لحجية الأمر المقضي أو لقوة الأمر المقضي، وتلك الحجية تعلو على كافة اعتبارات هذا النظام، ومن ثم يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به، وللمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها إذا كانت عناصره الواقعية مطروحة ضمن مستندات الدعوى بحيث تبينت توافر شروطه من الأوراق المودعة في الملف، كما يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط أن تكون عناصره الواقعية سبق طرحها على محكمة الموضوع، بل إن لهذه المحكمة التصدي له من تلقاء نفسها إذا كانت عناصره متوافرة في أوراق الطعن.

الجهالة في الدعوى

          يمكن أن نعرف الجهالة في الدعوى بأنها ( ما يعتري لائحة الدعوى من غموض أو إبهام أو نقص في البنود الواجب توافرها والتي تعد من المكونات الأساسية في لائحة الدعوى ) .

          والجهالة في الدعوى قسمان هما :

  1. الجهالة اليسيرة : وهي الغموض أو الإبهام الذي يمكن إزالته بتوضيح بنود لائحة الدعوى دون زيادة عليها أو تغيير في مضمونها . وهي الجهالة التي يمكن إزالتها من خلال سير الدعوى ، ومن خلال بيان الوقائع والأسباب والطلبات التي يبديها المدعي ( أو المدعى عليه بالنسبة للائحة الجوابية ) ومن خلال البينات التي يقدمها للمحكمة ، فإذا أمكن إزالة هذه الجهالة فإنها تكون مغتفرة ويسيرة وغير مؤثرة على سير الخصومة ،
  2. الجهالة الفاحشة : وهي الجهالة الكثيرة أو الغموض أو الإبهام الذي لا يمكن إزالته دون زيادة على بنود الدعوى أو تغيير في مضمونها . أي التي لا يمكن تمييز موضوع الدعوى ومحلها عن غيره(1) ، وهي التي تحول دون تعيين أي من الأطراف أو موضوع الادعاء ، ولا يمكن معها تحقيق الغاية من الخصومة بحيث يصعب إلزام أحد الأطراف بقرار الخصومة القضائية ، أو يصعب الحكم بالحق المتنازع فيه نتيجة عدم تحديده ووصفه الوصف القانوني السليم المانع من أي لبس أو اشتباه مع غيره .

ودفع الدعوى بالجهالة الفاحشة هو دفع انفردت به مجلة الأحكام العدلية ، فقد نصت المادة 1617منها على أنه ( يشترط أن يكون المدعى عليه معلوما فإذا قال المدعي لي على واحد لا على التعيين من أهل القرية الفلانية أو على بعضهم مقدار كذا لا تصح دعواه ويلزمه تعيين المدعى عليه ) ، كما نصت المادة 1619 على أنه ( يشترط أن يكون المدعى به معلوما ولا تصح الدعوى إذا كان مجهولا).

فالدفع بالجهالة الفاحشة معناه قيام الخصم بدفع ادعاءات خصمه لعدم معلومية أحد عناصرها أو عدم وضوحها كعدم ذكر أسماء فرقاء الدعوى بصورة تميزهم عن غيرهم ، أو عدم تحديد موضوع الدعوى بصورة واضحة وصريحة وفق ما تطلبته المادة 52 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وكذلك الحال بالنسبة للائحة الجوابية وما ورد في المادة 66 من القانون المذكور .

والدفع بالجهالة من النظام العام لأنه يتعلق بإجراءات الخصومة ، لذلك للمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها ، فلا يجوز السير في الدعوى ما دام أن بعض بنودها فيه غموض أو إبهام ، وللمحكمة أن تكلف الخصم المعني أي المدعي بالنسبة للائحة الدعوى والمدعى عليه بالنسبة للائحة الجوابية بتوضيح لائحته وإزالة الغموض فيها قبل الشروع في نظر الدعوى . (1)

ويجدر الإشارة إلى أن هناك فارقا بين الجهالة في الخصوص الموكل به في الوكالة وبين الجهالة في السبب الذي تقوم عليه الدعوى، فلا يشترط أن تتضمن الوكالة سبب الإخلاء ، فبيان ذلك يكون في لائحة الدعوى التي يشترط فيها أن تكون وفق أحكام المادة 52/7 مشتملة بشكل واضح على السبب الذي يقوم عليه الادعاء وإلا اعتبرت الدعوى دون سبب مما يستوجب ردها للجهالة في سببها.(2)

الدفع بالتناقض :

          عرفت المادة 1615 من مجلة الأحكام العدلية التناقض بقولها ( التناقض هو سبق كلام من المدعي مناقض لدعواه ، أي سبق كلام موجب لبطلان دعواه ) .

فالتناقض وفق هذا النص أن يصدر من المدعي أو وكيله ما يتعارض مع ما يدعيه في لائحة دعواه ، سواء كان هذا التعارض واردا في بنود لائحة الدعوى ، أو بين لائحة الدعوى والبينة أو المرافعة الختامية . كما لو أقر أن الدار وقف ثم عاد وادعاها لنفسه أو لغيره بوكالة ، وكمن دخل في قسمة عين من التركة مع الورثة ثم عاد وادعى هذه العين أنها له كاملة ، فإنه يعتبر متناقضا مع ما صدر منه أولا .(1)

 كما قد يصدر التعارض من المدعى عليه أو وكيله في لائحته الجوابية ، أو بين هذه اللائحة وبينته أو مرافعته الختامية ، كمن يدعي أنه بريء الذمة لأنه دفع الأجرة كاملة للمؤجر ، ثم يعود ويدعي أنه دفع جزءا من الأجرة وعرض الباقي على المؤجر خلال مدة الإخطار العدلي غير أن المؤجر رفض استلامها .

وسبق صدور التناقض من المدعي أو المدعى عليه مع ما يدعيه الآن لا يشترط أن يكون كلاما فقط ، بل يمكن أن يكون فعلا أو دلالة كالسكوت . ويشترط حتى يعتبر التناقض مانعا من سماع الدعوى تحقق شرطين :

  1. أن يكون التناقض بين الدعوى وما صدر من المدعي قبلها أو بعدها .(2)
  2. أن يكون التناقض على وجه لا يمكن الجمع أو التوفيق فيه بين الكلامين المتناقضين لاستحالة وجود الشيء مع ما يناقضه أو ينافيه . فالتناقض الذي يحصل من المدعي ( أو المدعى عليه ) يحتمل فرضين :

الفرض الأول : أن يكون التوفيق بين ما صدر منه أولا وما يدعيه الآن ممكنا ويجري التوفيق بينهما فالدعوى صحيحة ومقبولة .

الفرض الثاني : أن يكون التوفيق بين دعوى المدعي وما صدر منه أولا أو لاحقا غير ممكن ، فتكون الدعوى غير صحيحة ولذا يجب عدم قبولها .

     وعلى ذلك إذا تبين للمحكمة وجود تناقض فيما صدر عن المدعي أو المدعى عليه ، تكلفه برفع هذا التناقض فإن تمكن من إزالته بأي طريق من الطرق تسير المحكمة في الدعوى وإلا قررت عدم قبولها .

مقارنة بين الجهالة والتناقض :

    تتفق الجهالة مع التناقض في أمور وتختلف في أمور أخرى:

     أوجه الاتفاق :

  1. كل من الجهالة والتناقض يوجبان عدم قبول الدعوى .
  2. من حق الخصوم إثارة أي من الدفعين في أية مرحلة تكون عليها الدعوى .
  3. من حق المحكمة إثارة هذين الدفعين من تلقاء نفسها وعدم قبول الدعوى إذا تحقق وجود الجهالة أو التناقض في الدعوى .

أوجه الاختلاف :

  1. الجهالة ترد في بند أو أكثر من بنود لائحة الدعوى ( أو اللائحة الجوابية ) ، أما التناقض فقد يرد بين بنود لائحة الدعوى ، أو بين بنود لائحة الدعوى وقول آخر قبل رفع الدعوى أو خلال السير فيها .
  2. الجهالة هي قول غير واضح في ذاته ، أما التناقض فكل قول واضح في ذاته ولكنه يدل على خلاف القول الآخر .

(1) قد ينكر الخصم في هذه الحالة صفة خصمه في الدعوى كما لو رفع شخص دعوى بصفته مدير الشركة وتبين أنه قد عزل أو لم يعين بعد ، أو ينكر صفته هو في إقامة الدعوى عليه .

(1) نقض مدني 98/2006 تاريخ 30/6/2007 ج 3 ص 310.

(1) يرى بعض الفقهاء أن العبرة لوحدة المسألة المحكوم فيها وليس لوحدة السبب والموضوع ، لأن المشرع في مجال حجية الشيء المحكوم فيه ، يهمه ألا يفصل من جديد في مسألة سبق الفصل فيها بين نفس الخصوم ، فجوهر الدفع بحجية الشيء المحكوم فيه تفادي أن يعرض على القضاء بين نفس الخصوم نفس المسألة التي سبق الفصل فيها .

       د. مفلح القضاة ، أصول المحاكمات المدنية والتنظيم القضائي في الأردن ، دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان، 1988 ص 268.

       د. أحمد السيد صاوي ، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية ، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، ص 248 .

(1) نقض مدني 80/2008 تاريخ 7/12/2008 ج 4 ص 371.

(1) لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى رسالة الماجستير المقدمة من محمد عمر أبو هلال لكلية الحقوق بجامعة القدس عام 2004 .

(2) نقض مدني 154/2008 تاريخ 30/12/2008 ج 4 ص 47.

(1) شرح المجلة لعلي حيدر جزء 4 ص 285 – دار الجيل – بيروت .

(2) نقض مدني 60/2005 تاريخ 16/3/2005 ج 2 ص 147 ، وقد ورد فيه : إن ما أثاره الطاعن من أن تبلغ زوجته الإخطار العدلي غير معتبر كونها لا تقيم معه يناقضه ما أقر به وكيله في البند السادس من لائحته الجوابية من تبلغ الطاعن الإخطار العدلي وأن عرضه الأجرة على وكيل المطعون ضده جاء بعد مدة الإخطار.