الفصل الرابع – انقضاء الالتزام الثابت في الشيك

ذكر قانون التجارة ثلاثة أسباب لانقضاء الالتزام الثابت في الشيك هي: الوفاء ، والسقوط ، والتقادم . أما باقي طرق انقضاء الالتزام الصرفي بغير الوفاء وهي : الوفاء بمقابل ، والتجديد ، والمقاصة ، واتحاد الذمة ، والإبراء ، فلم يتعرض لها قانون التجارة لأن أحكامها تنطبق على كل التزام ، سواء أكان صرفياً أم عادياً ، لذلك نحيل بشأنها إلى القواعد العامة في القانون المدني .

وسوف نتكلم عن كل من الوفاء والسقوط والتقادم في ثلاثة مباحث على التوالي .

المبحث الأول

الوفاء

يقصد بالوفاء دفع المبلغ الثابت في الشيك للحامل الشرعي في ميعاد الاستحقاق ، وهو ما يترتب عليه براءة ذمة الملتزم بالوفاء وانقضاء الالتزام الثابت في الشيك .

ميعاد الاستحقاق

نص قانون التجارة على أن الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع دائما ، حتى لو كتب عليه تاريخ لاحق . بينما نص الأمر العسكري على جواز إصدار شيك مؤخر التاريخ ، وأنه لا يجوز أن يقوم البنك بالوفاء بقيمة الشيك إلا في التاريخ المؤخر المذكور فيه .

تقديم الشيك للوفاء

نصت المادة 246 من قانون التجارة على أنه :

  1. الشيك المسحوب في المملكة الأردنية والواجب الوفاء فيها يجب تقديمه للوفاء في خلال ثلاثين يوماً .
  2. فإن كان مسحوباً في خارج المملكة الأردنية وواجب الوفاء في داخلها وجب تقديمه في خلال ستين يوماً إذا كانت جهة إصداره واقعة في أوروبا أو في أي بلد آخر واقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وفي خلال تسعين يوماً إذا كانت جهة إصداره واقعة في غير البلاد المتقدمة .
  3. ويبدأ الميعاد السالف الذكر من اليوم المبين في الشيك أنه تاريخ إصداره .

وانقضاء ميعاد التقديم للوفاء لا يحول دون حق الحامل في مطالبة البنك المسحوب عليه بوفاء قيمة الشيك ، لأن مدة التقديم ليست مدة تقادم . فحق الحامل في مطالبة المسحوب عليه لا يسقط إلا بمضي خمس سنوات . لذلك نصت المادة 249/1 على أن ” للمسحوب عليه أن يوفي قيمة الشيك ولو بعد الميعاد المحدد لتقديمه ” . وعبارة ” للمسحوب عليه أن يوفي … ” تفيد أن المشرع ترك الخيار له في أن يوفي قيمة الشيك أو يمتنع عن الوفاء حتى إذا كان مقابل الوفاء باقياً لديه ، فالأمر جوازي له وليس ملزماً ، لذلك فإذا رفض الوفاء لا مسؤولية عليه ، وللحامل أن يلجأ إلى القضاء للحصول على مقابل الوفاء .

ومن ناحية أخرى فإن المشرع لا يلزم الساحب بإبقاء مقابل الوفاء في الشيك مجمداً لدى البنك إلا خلال الميعاد المحدد لتقديمه للوفاء ، وعند تجاوز هذه المدد دون تقديمه ، يحق لساحبه أن يسترد مقابل الوفاء دون أية مسؤولية مالية أو جزائية . لأن الحامل في هذه الحالة يعد مهملاً لا يستحق الحماية .

ويلاحظ أن البنوك تجري عادة على الطلب من حامل الشيك الرجوع إلى الساحب لتجديد التاريخ على سبيل الاحتياط ، إذا لم يقدم الشيك للوفاء خلال مدة معينة كثلاثة أشهر أو ستة أشهر ، لأنه ليس من المألوف أن يتأخر المستفيد من الشيك مدة أطول، بل يفترض أن من يتلقى شيكاً يحرص على استيفاء قيمته . ولكن إذا وقع ما يجعل تجديد التاريخ متعذراً كسفر الساحب مثلاً ، أو إذا أصرّ المستفيد على حقه طبقاً لطبيعة الشيك، فإن البنك الذي يرفض مثل هذا الشيك يجنب رصيد الشيك في حساب خاص كأمانة باسم الساحب والمستفيد إن كان الرصيد موجوداً لديه .

الوفاء في ميعاد الاستحقاق

يعد وفاء البنك المسحوب عليه في ميعاد الاستحقاق لحامل الشيك دون معارضة صحيحة من أحد، وفاء مبرئا لذمته ولذمة الضامنين ولو لم يكن متلقي الوفاء المالك الشرعي للورقة . وقد تقررت هذه القرينة القانونية لصالح المدين ، لذلك فإن هذه القرينة لا تسري إذا صدر من المسحوب عليه غش أو خطأ جسيم عند الوفاء لأن المدين لا يكون جديراً بالحماية في هذه الحالة .

والأصل حسن نية الموفي وعلى من يتمسك بصدور غش أو خطأ جسيم منه أن يثبت ذلك بطرق الإثبات كافة .

وحتى ينفي المسحوب عليه أي خطأ من جانبه عليه أن يتحقق مما يأتي :

  1. أن يستوثق من صحة تسلسل التظهيرات وانتظامها ، دون أن يلزم بالتثبت من صحة تواقيع المظهرين إذ لا يفترض علمه بها .
  2. التحقق من صحة توقيع الساحب ، إذ يفترض أنه على علم به. ويتم ذلك بالنسبة للشيكات بمضاهاة توقيع الساحب على النموذج المودع لدى البنك ، فإذا أهمل المسحوب عليه ذلك ودفع قيمة شيك كان فيه توقيع الساحب مزوراً ، فإنه لا يحق له الرجوع على الساحب ومطالبته بما أداه .
  3. التحقق من خلو الشيك من كل ما يثير الظنون حول صحة البيانات الواردة فيه، مثل عدم وجود محو أو كشط أو تحشية ، إلا إذا كان هذا العمل مصحوباً بتوقيع من أجراه . كما يجب أن يمتنع عن دفع قيمة الشيك إذا كانت كيفية كتابته لا تسمح بفحصه أو تدعو إلى الشك فيه ، كما إذا كان مكتوبا بالقلم الرصاص ، أو اشتمل على أخطاء هجائية وكان الساحب معروفاً لدى المسحوب عليه بأنه من الأشخاص ذوي الثقافة العالية .
  4. التحقق من شخصية الحامل الذي يتقدم إلى المسحوب عليه للمطالبة بالوفاء . ويكفي في ذلك ما هو مألوف ، كالاطلاع على بطاقة الهوية الشخصية أو جواز السفر . وكذلك التأكد من أهلية الحامل وذلك وفقاً للظاهر من حاله ، وبالتالي يمتنع عليه الدفع إذا كان الحامل حديث السن أو ظاهر الجنون أو العته .
  5. التأكد من عدم وجود معارضة مقبولة في الوفاء كما سبق وقلنا .
  6. أن يطلب إلى الحامل تسليمه الشيك موقعا عليها بما يفيد الوفاء لأنه إذا بقي الشيك في حيازة الحامل بعد أداء قيمته وقام هذا الحامل بتظهيره، جاز للمظهر إليه مطالبة المسحوب عليه ثانية بقيمته ولا يحق له دفع الدعوى بسبق الوفاء .

محل الوفاء

ومحل الوفاء في الشيك هو مبلغ من النقود ، لذا يلتزم المدين بدفع المبلغ المذكور كمّا ونوعا . وإذا لم يذكر نوع النقود فإنها تكون من عملة البلد المسحوب عليه الورقة التجارية ، أي التي يجب الوفاء بقيمة الورقة فيها ، وعلى ذلك فإنه من المفروض دائماً أن يكون الوفاء بالعملة الأردنية متى كانت الورقة التجارية مستحقة الوفاء بالأردن ، ويجوز أن يشترط دفع مبلغ الورقة بعملة أجنبية ، فيقال مثلاً ” ادفعوا ألف دولار أمريكي، أو ألف مارك ألماني “، وفي هذه الحالة يتعين الوفاء بالعملة الأجنبية ، إلا إذا كانت تلك العملة غير متداولة في الأردن ، فيجوز في هذه الحالة الوفاء بقيمتها بالعملة الأردنية حسب سعر صرفها يوم الاستحقاق . وإذا لم يقم المدين بالوفاء في تاريخ الاستحقاق ، فللحامل الخيار بين المطالبة بمبلغ الورقة محسوبة بسعر العملة الأردنية في يوم الاستحقاق أو في يوم الوفاء .

والعرف الجاري في محل الوفاء هو المعتبر في تعيين سعر العملة الأجنبية . ولكن للساحب أن يحدد في الورقة سعر الصرف الذي يجب الوفاء وفقاً له . ومع ذلك يحق للساحب أن يشترط أن يكون الوفاء بعملة أجنبية معينة دون غيرها ، وفي هذه الحالة يجب الوفاء بهذه العملة دون غيرها .

الوفاء الجزئي

القاعدة العامة في القانون المدني هي لزوم الوفاء بكامل المبلغ المذكور في الشيك، وأنه لا يجوز إجبار الدائن على قبول وفاء جزئي لحقه ما لم يوجد اتفاق أو نص يجيز ذلك . ولذلك يحق للحامل رفض هذا الوفاء الجزئي .

غير أن المشرع التجاري خرج على حكم هذه القاعدة العامة فنص في المادة 170/2 من قانون التجارة على أنه ” وليس للحامل أن يرفض الوفاء الجزئي “، وبالتالي أوجب على الحامل قبول الوفاء الجزئي بقيمة الورقة التجارية للتخفيف من العبء عن باقي الضامنين بحيث لا يرجع عليهم سوى بالجزء الباقي .

فإذا رفض الحامل قبول الجزء المعروض عليه ، يجوز للضامنين عند الرجوع عليهم الامتناع عن وفاء هذا الجزء الذي رفض تسلمه لمخالفته نص القانون .