الفصل الرابع – تطبيق القانون

المبحث الثاني

نطاق تطبيق القانون

يتناول هذا المبحث ثلاثة موضوعات :

  1. نطاق تطبيق القانون من حيث المكان .
  2. نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان .
  3. نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص .

المطلب الأول

نطاق تطبيق القانون من حيث المكان

يوجد في الوقت الحاضر في كل دولة بعض الأجانب يقيمون بصفة مؤقتة أو مستمرة ، تنشأ بينهم وبين المواطنين ، أو بين بعضهم بعضا ، أو بينهم وبين الدولة التي يقيمون على إقليمها علاقات قانونية . كما أن وسائل الاتصال تؤدي إلى نشوء كثير من العلاقات بين الأفراد الذين يوجدون في دول مختلفة. لذلك تثور مسألة تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث المكان .

وتوازن التشريعات في الوقت الحاضر بين : مصالح الدولة وسيادتها على إقليمها وأمنها من جهة، وبين تشجيع الأجانب في التعامل مع مواطنيها وإقامة علاقات تجارية واقتصادية وسياحية … من جهة أخرى . لذلك فإنها وهي تطبق القوانين، تعمل على تجنب إلحاق الضرر بالأجانب المقيمين على إقليمها من تطبيق قوانينها عليهم ، وتطبق عليهم قوانينهم الخاصة .

لذلك فإن هذه التشريعات تأخذ بثلاثة مبادئ هي : مبدأ إقليمية القوانين، وهو الأصل الذي تأخذ به التشريعات . ومبدأ ذاتية القوانين . ومبدأ امتداد القوانين. وهما يطبقان على سبيل الاستثناء

1-مبدأ إقليمية القوانين

يقصد بهذا المبدأ، أن الدولة تطبق قوانينها داخل إقليمها ، على كل ما يوجد داخل إقليمها من أشخاص وأشياء، وما يقع من أفعال، متى توافرت شروط انطباق القواعد القانونية الواردة في تلك القوانين، بصرف النظر عن جنسية الأشخاص ، سواء أكانوا من الوطنيين أم من الأجانب ، وسواء أكانت إقامتهم في الدولة دائمة أم مؤقتة.

ويعد هذا المبدأ من أهم مظاهر سيادة الدولة على إقليمها ، لذلك فإنه يعد الأصل في تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث المكان . وهذا المبدأ يسري على إطلاقه بالنسبة للوطنيين سواء تعلق الأمر بقواعد القانون العام أم بقواعد القانون الخاص ، إذ لا يعقل أن تسمح الدولة لرعاياها، في تعاملهم فيما بينهم، بتطبيق قانون أجنبي واستبعاد قانونها الوطني.

أما بالنسبة للأجانب – نفرق بين قواعد القانون العام ويسري المبدأ بالنسبة لها على إطلاقه ، وقواعد القانون الخاص، والأصل أن يطبق مبدأ إقليمية القوانين ، إلا أن المشرع يسمح بتطبيق القوانين الأجنبية فيما لا يخالف النظام العام في الدولة كما سنرى في كلامنا عن مبدأ ذاتية القوانين.

2-مبدأ ذاتية القوانين

يقصد بهذا المبدأ أن تطبق الدولة القانون ذا الصلة بذات الشخص، أو الشيء، أو الفعل ولو كان هذا القانون أجنبيا.

وتسمح الدولة بتطبيق القانون الأجنبي داخل حدود إقليمها، لأن المشرع فيها رأى في ذلك تحقيقا للعدالة وللصالح العام. لأن تطبيق مبدأ إقليمية القوانين على إطلاقه يؤدي إلى نتائج غير مقبولة . وقد ينتج عن ذلك صعوبات تعرقل التعامل بين الدول والأفراد في مجال السياحة والتجارة، ويعود على مصالح تلك الدول بالضرر.

ولتوضيح ذلك يكفي أن نتصور زوجا مسلما اصطحب زوجته لزيارة باريس مثلا، فإذا طبقنا مبدأ إقليمية القوانين على إطلاقه، وجب إخضاع هذه الأسرة للقانون الفرنسي الذي يمنع تعدد الزوجات ويعده جريمة معاقبا عليها، لذلك يتم إلقاء القبض عليهم في المطار وإحالتهم إلى المحكمة بتهمة تعدد الزوجات، وهو أمر غير مقبول عقلا، ولا يحقق لفرنسا أية مصلحة.

لذلك جرى التعامل والعرف الدولي ، في مجال القانون الخاص ، على أن تسمح الدول ، في العلاقات ذات العنصر الأجنبي، وعلى سبيل التبادل ، أن يطبق على الشخص أو الشيء أو الفعل، القانون الأجنبي ذا الصلة بالنسبة للمسائل اللصيقة بذلك الشخص أو الشيء أو الفعل، ولا تمس سيادة الدولة والنظام العام فيها . ونتج عن ذلك ما يسمى بقواعد القانون الدولي الخاص .

3-مبدأ امتداد القوانين

يقصد بهذا المبدأ أن تمد الدولة نطاق تطبيق قانونها إلى خارج إقليمها.

ويتعارض هذا المبدأ مع مبدأ الاحترام المتبادل لسيادة الدول والمساواة فيما بينها. لذلك لا تلجأ الدول إليه إلا في نطاق محدود ، بهدف حماية المصالح الاجتماعية الأساسية للدولة من جهة، ولمنع المجرم من الإفلات من العقاب من جهة أخرى ، وعلى ذلك فإن تطبيقه يقتصر على قانون العقوبات . إذ لا يجوز السكوت أمام الاعتداء على مصالح الدولة لمجرد وقوع الفعل خارج إقليم الدولة ، لذلك تمد الدولة نطاق تطبيق قانون العقوبات خارج إقليمها .

وتحكم هذه المسألة ثلاثة مبادئ فرعية هي :

  1. مبدأ عينية القواعد الجنائية ،

ويعني تطبيق القانون الوطني بالنسبة لجرائم معينة بغض النظر عن مكان ارتكابها وعن شخصية مرتكبها . ويستند هذا المبدأ إلى حق الدولة في الدفاع عن المصالح الوطنية المرتبطة بسيادتها ضد كافة صور الاعتداء ولو وقعت خارج إقليمها. ومثالها : الجنايات والجنح المخلة بأمن الدولة ، تقليد أختام الدولة أو نقودها.

  1. مبدأ شخصية القواعد الجنائية ،

وهو يعني أن القانون الوطني (قانون العقوبات) يلاحق المواطنين أينما وجدوا ليحكم أفعالهم الإجرامية المرتكبة بالخارج ، وعادوا إلى أرض الوطن .

وهذا المبدأ ضروري حتى لا يفلت هذا المجرم من العقاب لأنه لا يجوز للدولة وفقا للقانون الوطني أن تسلم أحد مواطنيها للدولة الأجنبية التي ارتكب الجريمة في إقليمها .

  1. مبدأ عالمية القواعد الجنائية ،

وهذا المبدأ يقضي بتطبيق القاعدة الجنائية بالنسبة للأجانب الذين يرتكبون أي جريمة في أية دولة يتم القبض عليهم في إقليمها.

ويستند هذا المبدأ إلى فكرة التضامن والتعاون بين الدول في مكافحة الإجرام . ويقتصر على جرائم معينة تهم المجتمع الدولي بشكل عام مثل جرائم القرصنة والاتجار بالرقيق والمخدرات.