الفصل الرابع – تطبيق القانون

المطلب الثاني

نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان

تستمر القاعدة واجبة التطبيق في الفترة من وقت بدأ العمل بها حتى وقت انتهاء العمل بها أي إلغائها . ويقصد بإلغاء القاعدة القانونية ، وقف العمل بها وتجريدها من قوتها الملزمة . ويتم ذلك إما بالاستغناء عنها نهائيا ، أو بأن يستبدل بها قاعدة أخرى تحل محلها .

والقاعدة القانونية لا تلغى إلا بقاعدة أخرى من نفس القوة أو قاعدة أعلى منها. فأحكام الدستور لا تلغى إلا بتشريع دستوري ، والقانون لا يلغى إلا بتشريع مماثل أو بنص دستوري ، أما النظام فيمكن إلغاؤه بنظام مماثل أو بنص قانوني أو دستوري .

والقواعد التشريعية لا يمكن أن تلغى بواسطة العرف ، لأن العرف أدنى مرتبة من التشريع . لذلك فان إهمال نص في التشريع وعدم تطبيقه مدة طويلة لا يلغيه .

ويكون إلغاء القاعدة القانونية في صورتين :

  1. الإلغاء الصريح ، بأن يصدر تشريع ينص صراحة على إلغاء قاعدة أو قواعد معينة من القواعد الموجودة وقت صدوره، أو ينص فيه على إلغاء ما يخالفه من قواعد .
  2. الإلغاء الضمني ، فلا يكون هناك نص صريح ، ولكن يستنتج الإلغاء من تعارض قاعدة جديدة مع قاعدة قديمة ، فلا يمكن تطبيقهما معا في وقت واحد ، فيفهم من ذلك ضمنا أن القاعدة الجديدة ألغت القاعدة القديمة .

ويقتصر الإلغاء في هذه الحالة على الحدود التي يتحقق فيها التعارض . ويشترط أن يكون الحكم في كل من القاعدة القديمة والقاعدة الجديدة من نفس النوع أي تكون أحكاما من صفة واحدة . بمعنى أن يتضمن التشريع الجديد حكما عاما يخالف حكما عاما سابقا، أو حكما خاصا يخالف حكما خاصا سابقا . والحكم العام يلغي الحكم العام، والحكم الخاص يلغي الحكم الخاص.

أما إذا كانت القاعدة القديمة عامة والقاعدة الجديدة خاصة أو العكس ، فإن القاعدة الخاصة لا تلغي القاعدة العامة وإنما تحد من نطاق تطبيقها . وتعد القاعدة الجديدة الخاصة في هذه الحالة استثناء يحد من عمومية القاعدة العامة.

مثال ذلك أنه في القانون القديم – المجلة – ينتهي عقد الإيجار بانتهاء مدته . بينما في قانون المالكين والمستأجرين – الخاص بإيجار الأماكن المبنية للسكن والتجارة داخل حدود البلديات والمجالس المحلية – يمتد عقد الإيجار بقوة القانون . وفي هذا المثال يتضمن قانون المالكين والمستأجرين أحكاما خاصة ويطبق في نطاقه بينما تتضمن المجلة أحكاما عامة تسري على عقود الإيجار الأخرى .

تنازع القوانين من حيث الزمان :

إذا ألغيت قاعدة قانونية وحلت محلها قاعدة أخرى ، تثور مسألة تحديد سريان كل من القاعدتين من حيث الزمان ، ومعرفة الحد الفاصل بين نطاق تطبيق كل منهما.

وبصدور التشريع الجديد نكون أمام واحد من ثلاثة فروض :

الأول :أن تنشأ وقائع وتصرفات لاحقة على نفاذ التشريع الجديد ، وفي هذه الحالة فإن التشريع الجديد هو الذي يحكمها وهو ما يسمى بالأثر المباشر للقانون. مثال : إذا اشترط التشريع الجديد شكلا معينا (كالكتابة أو الرسمية) لانعقاد عقد من العقود، وجب أن تتم كل العقود التي تنعقد بعد سريانه في هذا الشكل الذي يستلزمه.
الثاني:أن تكون الأعمال والوقائع سابقة على التشريع الجديد ، وأنتجت آثارها كاملة قبل نفاذه . وفي هذه الحالة فإنها تبقى خاضعة لذلك القانون الذي تمت في ظله، ولا يجوز أن يتعرض لها القانون الجديد بالتغيير أو التعديل أو الإلغاء. فالقانون الجديد لا يسري على ما تم من وقائع أو تصرفات قبل العمل به وهو ما يسمى بمبدأ عدم رجعية القوانين . ولا يوجد في التشريع الأردني سوى استثناء واحد على هذا المبدأ ورد في قانون العقوبات وهو تطبيق القانون الجديد الأصلح للمتهم بأن كان يبيح الفعل ، أو يخفف العقوبة . فجعل للقانون الجديد أثرا رجعيا أ يجعله يطبق على فعل سابق على نفاذه . ويشترط حتى يستفيد المتهم من القانون الجديد، أن لا يكون قد صدر في الدعوى حكم مبرم ، فإذا كانت الدعوى ، لم تنظر بعد ، أو كانت المحاكمة جارية أو صدر فيها حكم قابل للطعن فيه بالاستئناف أو التمييز، يطبق على المتهم القانون الجديد الأصلح له. أما إذا كان قد صدر في الدعوى حكم مبرم غير قابل للطعن فيه، لا يستفيد المتهم من القانون الجديد . إلا إذا كان القانون الجديد يبيح الفعل ، ففي هذه الحالة يوقف تنفيذ العقوبة وتنتهي آثار الحكم الجنائي . بمعنى عدم استمرار تنفيذ الحكم بالنسبة للمستقبل، دون أن يمتد ذلك إلى ما تم تنفيذه من العقوبة في الماضي .
الثالث:أن يبدأ نشوء الوقائع والتصرفات في ظل القانون القديم ، وتكتمل عناصرها أو يستمر إنتاج آثارها في ظل القانون الجديد . إذا تم إلغاء قاعدة قانونية واستبدال غيرها بها خلال الفترة التي تتكون فيها العلاقة القانونية، أي بعد أن بدأت في التكوين ولم يتم تكوينها بعد . أو خلال الفترة التي تنتج فيها العلاقة آثارها وقبل أن تنقضي نهائيا بحيث تقع حياة العلاقة القانونية في ظل قانونين . يثور السؤال لمعرفة ما يخضع للقانون القديم وما يخضع للقانون الجديد ونكون بصدد تنازع القانونين. إذا انتبه المشرع لهذه المسألة ووضع حلا للمشكلة في القانون الجديد ، في هذه الحالة يطبق هذا الحل . وهناك بعض الحلول الواردة في القانون المدني (م 6 ، 7 ، 8) وبعضها ورد في قانون أصول المحاكمات الحقوقية (م 1) ، وقانون العقوبات . أما إذا سكت المشرع عن تنظيم كيفية تطبيق القانون الجديد ، فعلى القاضي أن يجتهد لحل هذه المسألة على ضوء المبدأ السابق وهو عدم رجعية القوانين . وقد حاول الفقه حل هذه المشكلة وظهرت نظرية تسمى بالنظرية التقليدية، ولكن تبين أنها لا تكفي للتغلب على الصعوبات التي تثيرها مشكلة التنازع، فحاول الفقه الحديث وضع نظرية جديدة تعتمد على التفرقة بين عدم رجعية القانون والأثر المباشر للقانون . وتفرق النظري التقليدية بين الحق المكتسب ومجرد الأمل ، وتذهب إلى أنه لا يجوز تطبيق القانون الجديد إذا كان من شأن تطبيقه المساس بحق مكتسب في ظل القانون القديم وإلا كان تطبيقه رجعيا، ولكن يكون هذا القانون الجديد واجب التطبيق إذا لم يكن من شأنه سوى المساس بمجرد أمل. مثال : كان الإرث في الأراضي المملوكة يقسم وفق الفريق الفريضة الشرعية ، بينما كان يقسم في الأراضي الأميرية وفق القانون الانتقالي الذي يعطي البنت مثل نصيب الولد . وقد ألغي القانون الانتقالي في 16/4/1991 ولم تعد المحاكم الشرعية تطبقه . وعلى ذلك فإن القانون الانتقالي يطبق على تركة كل شخص توفي قبل 16/4/1991 لأنه أصبح للورثة من البنات حقا مكتسبا يساوي نصيب الأولاد ، بينما تطبق الفريضة الشرعية على تركة كل شخص توفي يوم 16/4/1991 أو بعده لأنه لم يكن لبنته سوى مجرد أمل في أن ترث عن والدها نصيبا يساوي أخيها (1) .

(1) ومثال ذلك أيضا الوصية الواجبة التي نص عليها قانون الأحوال الشخصية رقم 16 لسنة
1976 الذي أصبح نافذ المفعول بتاريخ 1/12/1976 .