الفصل السابع – البطلان

المبحث الثاني

حالات البطلان

      تنص المادة (23) على أنه

  1. يكون الإجراء باطلا إذا نص القانون صراحة على بطلانه ، أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء .
  2. لا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء .

المقصود بالإجراء والغاية من الإجراء

 يتبين من هذا النص أن مناط بطلان الإجراء في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد هو دائما عدم تحقق الغاية من الإجراء .

 ويقصد بالإجراء : العمل القانوني الذي يكون جزءا من الخصومة وتترتب عليه آثار إجرائية ، لذلك سمي بالعمل الإجرائي . والإجراءات منوعة في الخصومة :منها ما يقوم به القاضي – مثل القرار أو الحكم .ومنها ما يقوم به الخصوم أو وكلاؤهم مثل الطلبات على اختلاف أنواعها ( أصلية أو عارضة ) ، والدفوع ، وأعمال متعلقة بالإثبات ( الإقرار ، وحلف اليمين ) . ومنها ما يقوم به قلم المحكمة – كالتبليغات . ومنها ما يقوم به الغير – كشهادة الشهود أو عمل الخبير . وكل عمل إجرائي باعتباره عملا قانونيا يجب أن تتوافر فيه شروط معينة منها ما يتعلق بمحل العمل أو بشخص القائم بالعمل ، ومنها ما يتعلق بشكل العمل .

ويقصد بالغاية من الإجراء ، الغاية الموضوعية من الشكل أو البيان التي يقصدها المشرع المجردة دون ما اعتداد بالغاية الشخصية التي قد يستهدفها القائم بالعمل  فيجب النظر إلى الغاية نظرة موضوعية مجردة دون اعتداد بالظروف الشخصية للخصم  ، والبحث عن الغاية من الإجراء هو البحث عن المصلحة التي يقصد المشرع حمايتها من هذا الشكل وما إذا كان الشكل في هذه القضية يحقق هذه الحماية من عدمه.  وعلى القاضي أن يبحث في كل حالة على حدة عما إذا كانت الغاية التي أرادها القانون من الشكل ( الإجراء) قد توافرت في الحالة المعروضة رغم تخلف الشكل أم لا . وتقدير ما هي الغاية من الشكل القانوني يعتبر مسألة قانونية ، فلا يستطيع قاضي الموضوع تحديد غاية من الشكل تختلف عن الغاية التي يقصدها المشرع ، ولكن تحقق هذه الغاية في حالة معينة أو عدم تحققها يعتبر مسألة موضوعية تخضع لتقدير القاضي على أن يسبب حكمه تسبيبا كافيا بأن يبين بطريقة محددة لماذا يرى أن الغاية تحققت أو أنها لم تتحقق ، ولا يكفي أن يقتصر على القول بأن الغاية تحققت أو أنها لم تتحقق وإلا كان حكمه معيبا لقصور في التسبيب .  فالقاضي يبحث ما إذا كانت الغاية من الشكل – وهي مسألة قانونية – قد تحققت في الوقائع المعروضة عليه في القضية – وهي مسألة واقع .

 والعبرة أن يحقق الإجراء الغاية منه وفق الشكل المقرر في التشريع ، فقد تتحقق الغاية من الإجراء ومع ذلك يكون الإجراء باطلا لعدم تحقق الغاية من الشكل ، فلا يكفي لنفي البطلان كون الإجراء قد حقق الغاية المقصودة منه ولكن دون توفر الشكل وإلا فإنه لا جدوى من النص على البطلان في هذه الحالة . فعندما يكون الشكل عنصرا من عناصر العمل يتضمن وجوب تمام العمل كتابة ، ووجوب أن تتضمن الورقة بيانات معينة ، يجب في هذه الحالة تحقق الغاية من العمل ذاته من جهة والغاية من شكل العمل من جهة أخرى ولا يغني أحدهما عن الآخر ، فإذا تخلف الشكل ولم تتحقق الغاية منه يجب الحكم بالبطلان رغم تحقق الغاية من العمل،  والأمثلة على ذلك كثيرة منها :التبليغ فهو يهدف إلى غاية معينة وهي إيصال واقعة معينة إلى علم المطلوب تبليغه كتبليغ لائحة الدعوى ومرفقاتها للمدعى عليه ، وقد تطلب القانون أن تتضمن   ورقة التبليغ  بيانات معينة يهدف كل بيان منها إلى تحقيق غاية معينة . من ذلك تاريخ حصول التبليغ وساعته ، فإذا وصل التبليغ إلى المطلوب تبليغه دون أن تشتمل على تاريخ اليوم الشهر والسنة والساعة التي حصل فيها التبليغ ، لا ينظر إلى الغاية من التبليغ للقول بصحة الإجراء بل ينظر إلى بيانات ورقة التبليغ كتاريخ التبليغ في مثالنا،  فإذا تبين أن التاريخ الذي حصل فيه التبليغ يؤدي وظيفة معينة كما لو كان يبدأ منه ميعاد طعن يكون التبليغ باطلا لعدم تحقق الغاية من بيان التاريخ ، أما إذا كان التاريخ ليس له هذه الوظيفة في التبليغ كما لو كان تبليغا لا يجب تمامه في تاريخ معين ولا يبدأ به أي ميعاد  مثل بيان تاريخ الجلسة للمدعى عليه فهذا الشكل يرمي إلى تحقق واقعة مادية معينة تتوافر بحضور المدعي أو المدعى عليه في الجلسة المحددة فإذا تحققت هذه الواقعة رغم تخلف الشكل فإن هذا كاف ولا يحكم بالبطلان .

 ومثال آخر – تبليغ لم يشتمل على اسم المحضر – لا يحكم بالبطلان إذا كان المحضر قد وقع على التبليغ بصورة واضحة لأن الغرض من بيان اسم المحضر التثبت من أن التبليغ قد تم على يد موظف مختص بإجرائه ويغني عنه إمضاء المحضر . أما إذا لم تشتمل الورقة على توقيع المحضر يكون التبليغ باطلا ولو وصل إلى المطلوب تبليغه وتسلمه لأن الغرض من التوقيع التحقق من أن التبليغ قد قام به موظف مختص بإجرائه وإعطاء التبليغ صفة الورقة الرسمية وهي غاية لا يمكن أن تتحقق عن طريق آخر غير توقيع الموظف المنوط به التبليغ .

وقد يكون الشكل ظرفا يتصل بمكان العمل مثل وجوب تسليم التبيلغ في موطن المطلوب تبليغه.وقد يكون ظرفا يتصل بزمان العمل كأن يتم التبليغ ما بين السابعة صباحا والسابعة مساء وفي غير أيام العطلة الرسمية ، . وذكر ساعة التبليغ تبين ما إذا كان التبليغ قد تم خلال الساعات المحددة في القانون أم في غير هذا الوقت فلا تتحقق الغاية من هذا التحديد وهي عدم إزعاج المطلوب تبليغه في وقت راحته . وإبداء الدفع الشكلي في أول جلسة قبل الدخول في الموضوع وإلا سقط الحق فيه.

 ومن التطبيقات القضائية للأشكال التي يترتب على تخلفها حتما البطلان فالغاية منها لا يمكن أن تتحقق إذا تخلفت : تسبيب الأحكام ، فتسبيب الحكم عنصر لازم لتحقيق الغاية منه ، فالحكم يرمي إلى بيان وجه القانون في قضية معينة على نحو مؤكد ، وعدم التسبيب يؤدي إلى إثارة الشك وزعزعة الثقة فيه ، فالحكم ولو لم يسبب يحقق الغاية منه وهي حسم النزاع بين الخصوم بينما الغاية من الشكل المقرر في التشريع لا تتحقق وهي ضمان جدية الحكم  . وتوقيع القاضي على الحكم ، فهذا التوقيع شكل لازم لتحقيق الغاية منه وهي تأكيد صدوره منه ولهذا فإن تخلفه يؤدي دائما إلى البطلان . ووجوب التبليغ في الساعات الجائز التبليغ فيها ، أي بين السابعة صباحا والسابعة مساء وفي غير أيام العطلة الرسمية، إذ الغاية من هذا العنصر الشكلي هو عدم إزعاج المطلوب تبليغه في وقت يستريح فيه مراعاة لآدميته ، وهي غاية يؤدي تخلف الشكل إلى تخلفها فهي مرتبطة به وجودا وعدما .

كما ينبغي مراعاة الترتيب بين الأعمال الإجرائية ، فالعبرة أن يحقق الإجراء الغرض المقصود منه وفق الشكل المقرر في القانون ، وأن يحقق كل عنصر من عناصره الغرض المقصود منه ، وإلا فلا جدوى من النص على البطلان الوجوبي بصدد كل عنصر من هذه العناصر الجوهرية .

 بينما هناك أشكال لا تعتبر أشكالا للعمل بالمعنى الصحيح وإنما هي مجرد أشكال تنظيمية ، وهذه لا يؤدي عدم احترامها إلى البطلان ولو أدت مخالفتها إلى تخلف الغاية منها مثل تحديد أيام معينة لعقد الجلسات بالمحكمة .

يتبين من ذلك أن المشرع عدل عن مبدأ ( لا بطلان بدون نص ) وإلى ضرورة تطبيق المبدأ الجديد وهو أن أساس الحكم بالبطلان من عدمه هو تحقق الغاية من الإجراء أو عدم تحققها وأن على القاضي البحث عن الغاية من الإجراء وعدم الحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا تحققت هذه الغاية .  وعلى ذلك يشترط لقيام البطلان توافر شرطين :

1- وقوع عيب في أحد العناصر الشكلية للعمل الإجرائي ، بمخالفة الشكل الذي حدده القانون 2- أن يترتب على هذا العيب تخلف الغاية من العمل الإجرائي الذي لحقه العيب . فلا يكفي لنفي البطلان أن يكون الإجراء قد حقق المقصود منه ، وإنما يجب تحقق أمرين معا :

 الأول ، أن يحقق الإجراء الغاية منه .

والثاني ، أن يحقق هذه الغاية وفق الشكل المقرر في القانون .

      وقد أخذ المشرع بمعيار الغاية سواء كان البطلان خاصا أم عاما ، فلا مبرر للبطلان إذا تحققت الغاية من الإجراء سواء كانت هذه الغاية مصلحة خاصة للخصم أم مصلحة عامة ، فالمخالفة لا تمس النظام العام طالما تحققت المصلحة العامة .

      ومسألة تحقق الغاية من الإجراء أو عدم تحققها هي مسألة واقع يبحثها القاضي في الحالة المعروضة عليه دون رقابة عليه من محكمة النقض .

      وقد فرق المشرع في مسألة البطلان بين حالة النص عليه صراحة ، وحالة عدم النص عليه . إلا أن الاختلاف بين الحالتين ينحصر في عبء الإثبات ، لذا فإننا نعرض لهاتين الحالتين :

أولا : حالة النص الصريح على البطلان

      إذا نص القانون على البطلان فمعنى ذلك أن المشرع قد قدر أهمية الإجراء ، وافترض عدم تحقق الغاية بدونه . لذلك يكفي أن يثبت الخصم الذي يتمسك بالبطلان وجود عيب شكلي في الإجراء ، وفي هذه الحالة ينتقل عبء الإثبات لمن اتخذ الإجراء ليثبت أن الغاية من الإجراء قد تحققت رغم العيب الشكلي .

      ومثال ذلك إذا تخلف بيان معين في لائحة الدعوى أو ورقة التبليغ فإنه يمكن إثبات المقصود بهذا البيان عن طريق بيان آخر في الورقة (مبدأ تكافؤ البيانات)، أو حضور الخصم للجلسة رغم العيب الذي شاب إجراءات التبليغ للحضور ، فإذا نجح في إثبات تحقق الغاية يعد الإجراء صحيحا ولا يحكم ببطلانه .

          وبالرجوع إلى قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية نجد أنه لم ينص على البطلان صراحة إلا في المسائل التالية:

  1. المادة 22 الخاصة بعدم الالتزام بمواعيد وإجراءات التبليغ وشروطه .
  2. المادة 130 الخاصة ببطلان الإجراءات التي تحصل أثناء انقطاع السير في الدعوى.
  3. المادة 167 الخاصة بسرية المداولة في الأحكام.
  4. المادة 171 الخاصة بالنطق بالحكم في جلسة علنية.
  5. المادة 175 الخاصة بالقصور في أسباب الحكم الواقعية والنقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم وعدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم .

    فالمادة (22) تقضي بأنه ” يترتب البطلان على عدم الالتزام بمواعيد وإجراءات التبليغ وشروطه “.

      فقد خصص المشرع هذه المادة لبيان حكم عدم الالتزام بمواعيد وإجراءات التبليغ وشروطه ، حيث قرر أن التبليغ يكون باطلا في هذه الحالة .

      وفيما يتعلق بعدم الالتزام بمواعيد التبليغ نجد نوعين من هذه المواعيد ، النوع الأول مواعيد يقصد منها سرعة التبليغ وعدم إهمال مأمور التبليغ في القيام به ، وهي المواعيد الواردة في المادة (11) بخصوص قيام قلم كتاب المحكمة بتسليم ورقة التبليغ إلى المأمور أو مكتب البريد في مدة أقصاها يومين من تاريخ وردوها إليه أو من تاريخ صدور الأمر بتبليغها ، ووجوب أن يقوم المأمور بتبليغ هذه الورقة خلال مدة أقصاها أسبوع من تاريخ استلامها .

      ولا نعتقد أن نص المادة (22) يسري على هذه المواعيد بحيث يكون التبليغ باطلا إذا تأخر قلم المحكمة بتسليمه للمأمور أو مكتب البريد فسلمه بعد ثلاثة أو أربعة أيام من ورودها إليه ، أو تأخر المأمور بتبليغها للمراد تبليغه بحيث قام بالتبليغ في اليوم التاسع أو العاشر لتسليمها إليه .

      فهذه المواعيد كما قلنا هي مواعيد تنظيمية يترتب على مخالفتها مساءلة المخالف إداريا سواء كان موظف قلم المحكمة أم مأمور التبليغ . ولا حكمة من تقرير بطلان التبليغ بسبب هذا التأخير .

      والنوع الثاني من مواعيد التبليغ قصد به عدم الإساءة للمراد تبليغه أو إقلاق راحته ، وهو وارد في المادة (8/2) بحيث لا يجوز التبليغ قبل الساعة السابعة صباحا ولا بعد الساعة السابعة مساء ولا في أيام العطل الرسمية إلا في الحالات المنصوص عليها استثناء .

      وهذه المواعيد يترتب على مخالفتها بطلان التبليغ كما سبق ذكره عند الكلام في هذه المادة ، وحضور المدعى عليه جلسة المحاكمة لا يترتب عليه تصحيح هذا البطلان لتخلف الغاية من الإجراء الباطل ، وإن كان هذا الحضور يعد تنازلا منه عن التمسك بالبطلان.

      أما بالنسبة لإجراءات التبليغ فمثالها أن لا يتحرى المأمور عن الشخص المراد تبليغه ويبذل جهده للعثور عليه لتسليمه التبليغ بالذات ، وأن يقوم بتسليم ورقة التبليغ لأحد أفراد عائلته ولكن في مكان غير السكن ، كما لو صادفه في الطريق أو في أروقة المحكمة . ففي هذه الحالة يكون التبليغ باطلا ، ومع ذلك إذا حضر المدعى عليه جلسة المحاكمة يصحح هذا البطلان ، على اعتبار أن حضوره يفيد تحقيق الغاية من الإجراء المعيب .

      أما بالنسبة لشروط التبليغ ، فمنها ضرورة اشتمال ورقة التبليغ على البيانات الواردة في المادة (9)، ولذلك إذا لم يكتب المأمور في ورقة التبليغ ساعة حصول التبليغ يعد ذلك مخالفا لشروط التبليغ الصحيح ويكون التبليغ باطلا حتى لو ذكر يوم وتاريخ التبليغ، لأن ذكر ساعة التبليغ ضروري لمعرفة ما إذا تم التبليغ خلال الميعاد المسموح به أم لا، على أن هذا البطلان يمكن تصحيحه إذا حضر المدعى عليه الجلسة المحددة للمحاكمة، بينما هناك بيانات أخرى يؤدي تخلفها إلى تخلف الغاية منها مثل توقيع المحضر الذي يهدف إلى إضفاء صفة الرسمية على ورقة التبليغ، لذلك فإن حضور المبلغ إليه لا يفيد في تحقيق هذه الغاية، فلا يؤدي حضوره إلى تصحيح التبليغ بل يبقى باطلا لعدم وجود توقيع المحضر، ويلزم لتصحيحه إجراء تبليغ جديد.

      ويجب أن يكون الحضور في الجلسة المحددة ، فالحضور بعد انفضاض الجلسة لا يترتب عليه تصحيح البطلان ، ولكن لا يشترط الحضور في أول الجلسة ، فالحضور في أي وقت أثناء الجلسة يؤدي إلى التصحيح ، ولا يجوز للخصم أن يتمسك بالبطلان مدعيا أن محاميه إن كان قد حضر فقد كان حضوره متأخرا ولم يستطع أن يشترك في المناقشة الشفهية للقضية (1).

      ويجدر التنبيه إلى أن القول بتصحيح التبليغ الباطل نتيجة حضور الخصم يفترض وجود تبليغ معيب ، أما إذا حضر الخصم دون أن يستلم أية لائحة أو ورقة تبليغ فإن حضوره لا يكفي ، بل يجب تأجيل الجلسة لتبليغه حسب الأصول .

ثانيا : حالة عدم النص الصريح على البطلان ، وهي حالة ما إذا شاب الإجراء عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء .

  ويقصد بذلك عدم وجود نص صريح فإذا نص القانون على أنه ( لا يجوز أو لا يجب ) أو نص على عبارة ناهية أو نافية ، فإنه بهذا لم يصرح بالبطلان ،وفي هذه الحالة ما دام المشرع لم ينص على البطلان جزاء لشكل أو بيان معين فإنه يدل على عدم إرادته توافر هذا الشكل أو البيان إلا بالقدر اللازم لتحقيق الغاية من العمل الإجرائي الذي يتضمنه ، وعلى ذلك فإن الأصل في هذه الحالة أن الإجراء لا يبطل إلا إذا أثبت المتمسك بالبطلان فضلا عن العيب الذي شاب الإجراء أن هذا العيب قد أدى إلى عدم تحقق الغاية من الإجراء ،  فعبء عدم تحقق الغاية يقع على عاتق المتمسك بالبطلان ،  لذلك يشترط للحكم بالبطلان أن يثبت من يتمسك به أمران معا، أن الإجراء قد شابه عيب شكلي جوهري ، و أن الغاية من الشكل الذي خولف لم تتحقق بسبب هذا العيب  .

      مثال ذلك أن لا تتضمن لائحة الدعوى بيان تاريخ تقديم اللائحة، فيجب للتمسك ببطلانها لهذا السبب إثبات أن تخلف هذا البيان يؤدي إلى تفويت مصلحة للخصم ، أي تجهيل تاريخ رفع الدعوى في الوقت الذي يلزم للخصم معرفته للتمسك بالتقادم لمصلحته .

ثالثا : حالات استبعاد معيار الغاية

      وهي حالات يتطلب المشرع فيها ذات الشكل ولا يجدي نفي البطلان لتحقق الغاية بصددها ، ومن هذه الحالات :

  1. إذا كان الإجراء منعدما ، وهو يكون كذلك إذا لم يتخذ أصلا ، كما لو لم يتم تبليغ ورقة التكليف بالحضور وحضر الخصم الجلسة مصادفة ، فإن حضوره لا يصحح التبليغ بحجة تحقق الغاية منه .

     ويكون الإجراء منعدما أيضا إذا لم يتوافر له أحد العناصر اللازمة لوجوده كانعدام الإرادة أو المحل في الإجراء وكذلك انعدام الشخص ، ولذلك فإن المطالبة القضائية باسم شخص توفي قبل الدعوى أو باسم شخص اعتباري لا وجود له تعد منعدمة . كما يعد منعدما الحكم الصادر من غير قاض أو دون توقيعه ، والتبليغ المزور .

     وانعدام الإجراء تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ، ولا يحول دون انعدامه تحقق الغاية المقصودة منه ، كما أنه لا يقبل التصحيح .

  • إذا كان الشكل الناقص في الإجراء هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الغاية المقصودة منه ، كنقص بيان لازم لرسمية الورقة ، مثل توقيع المحضر على التبليغ ، وتوقيع القاضي على الحكم . فتخلف هذه الأشكال يؤدي إلى بطلان الإجراء حتما دون حاجة إلى البحث في تحقق الغاية أو عدم تحققها .
  • إذا كان الشكل المطلوب هو ميعاد كامل أو ناقص أو ميعاد يتعين اتخاذ الإجراء قبله وكان المشرع يرتب البطلان جزاء عدم احترامه . مثل أن يتم التبليغ في العطلة الرسمية ، أو قبل الساعة السابعة صباحا أو بعد السابعة مساء ، ففي هذه الأحوال عدم احترام ذات الشكل يرتب بطلانا لا يقبل النفي .
  • إذا تخلف عن الإجراء شكل من الأشكال التنظيمية فإنه يظل صحيحا دون بحث تحقق الغاية أو عدم تحققها ، ومثال ذلك ما تنص عليه المادة (53) من وجوب أن يرفق المدعي مع لائحة الدعوى صورا عن المستندات التي يستند إليها لتأييد دعواه ، فإنه لا يترتب على مخالفتها بطلان المطالبة القضائية لأنها تقرر شكلا تنظيميا الغرض منه مجرد حث الخصوم على استكمال أوراق الدعوى مبكرا ، على الرغم من أن ذلك قد يحرم الخصم الذي لم يرفق هذه الصور من الاستناد إليها في بينته ، وكذلك لا يكون باطلا تبليغ لائحة الدعوى بعد فوات المدة المنصوص عليها في المادة (11) لأن هذه المدة تنظيمية قصد بها حث قلم الكتاب ومأمور التبليغ (المحضر) الإسراع في التبليغ .
  • إذا تم الإجراء كاملا بالشكل الذي تطلبه القانون فإنه يكون صحيحا بصرف النظر عن عدم تحقق الغاية المقصودة منه ، وعلى ذلك إذا تم التبليغ وفقا للقانون ، فلا يجوز للمطلوب تبليغه التمسك ببطلانه بحجة أن ورقة التبليغ لم تصل إليه شخصيا .

(1) د. فتحي والي ، نظرية البطلان ص 551 .